«مجموعة العشرين»: «الغموض» يلف الاقتصاد العالمي.. لكننا سنعمل معًا لاجتيازه

قبل أشهر قليلة تغذى الذعر العالمي في الأسواق، كنتيجة لتفاقم المشكلات الاقتصادية وتباطؤ معدلات الطلب العالمي، ومهابة تراجع الاقتصاد الصيني.. إلا أن التحديات الاقتصادية في الصين تراجعت إلى المقعد الخلفي في «حافلة المخاطر»، لتفسح بؤرة جديدة للمخاوف، حيث اتجهت الأنظار المترقبة نحو القارة الأوروبية، وعاودت بكين إلى الدور الذي تفضله في عرض النفوذ المالي المتنامي على الساحة العالمية، في ظل تأرجح اقتصادات كبرى أخرى.
وفي ختام اجتماع وزراء المالية ومحافظ البنوك المركزية لدول مجموعة العشرين، والذي استمر على مدار يومين، حذر كبار المسؤولين الماليين في دول المجموعة أمس، من أن قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي يزيد المخاطر التي تهدد بزعزعة الاقتصاد العالمي.. غير أن وزراء المالية وحكام المصارف المركزية في الدول الـ20 حرصوا خلال اجتماعاتهم في مدينة شينغدو بجنوب غربي الصين على توجيه رسالة مطمئنة.
وأكد صانعو القرار المالي في أقوى اقتصادات العالم في البيان الختامي للاجتماعات، أن دول الاتحاد الأوروبي «في موقع جيد» للتصدي «بصورة فعالة» لأي تبعات اقتصادية ومالية لقرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد الإشارة إلى أن نتيجة الاستفتاء الذي جرى الشهر الماضي في بريطانيا «تزيد من الغموض الذي يلف الاقتصاد العالمي».
وكانت مجموعة العشرين أوردت قبل ثلاثة أشهر، أي قبل صدور نتيجة الاستفتاء البريطاني، احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بين «التهديدات» بوجه الاقتصاد العالمي، إلى جانب «النزاعات الجيوسياسية والإرهاب وتدفق المهاجرين».
لكن المشاركين في الاجتماعات قالوا: إن قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي تصدر المواضيع التي تثير قلقا والمطروحة على البحث في اجتماع شينغدو، لا سيما الأسئلة العالقة حول الشكل الذي ستتخذه علاقة بريطانيا بعد انفصالها بأوروبا.
في حين هناك تحديات أخرى تهدد النمو العالمي، وخصوصا التباطؤ في الاقتصاد الصيني وكذلك الهجمات الإرهابية ومحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا.
وجاء في البيان الختامي لمجموعة العشرين، أنه بمعزل عن المسألة البريطانية «لا تزال هناك مخاطر شديدة قائمة». وأوضح أنه: «تبقى التقلبات في الوضع المالي شديدة، في حين لا تزال النزاعات الجيوسياسية والإرهاب وموجة المهاجرين، تزيد من تعقيد البيئة الاقتصادية»، واصفا الانتعاش الاقتصادي بأنه «أضعف مما كنا نأمل».
وشددت عدة بلدان ومنظمات، مثل صندوق النقد الدولي على أن السياسات النقدية «الشديدة الليونة» التي تنتهجها كبرى المصارف المركزية غير كافية، داعية الدول إلى زيادة إنفاقها العام في حال توافرت الموارد لديها، من أجل دعم النمو الهش.
ودعا صندوق النقد الدولي بعض الدول، وخصوصا ألمانيا والولايات المتحدة إلى زيادة الإنفاق العام؛ الذي كانت تعارضه برلين. ودعت مجموعة العشرين في بيانها إلى استخدام «كل الأدوات المتاحة» لإنعاش الحركة الاقتصادية وتعزيز النفقات على البنى التحتية، مكررة بذلك صيغة سبق أن استخدمتها هذه السنة رغم تحفظات برلين بهذا الصدد.
في حين أكد بيير موسكوفيتشي، المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية، أن تركيا أرادت أن يتضمن البيان الختامي للاجتماع تأييدا لحكومتها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة. وأضاف المفوض في مؤتمر صحافي: «أرادت تركيا إضافة سطر بهذا الشأن؛ وتم بحث الأمر في جلسات وضع المسودة، وصدر قرار بأن من الحكمة عدم إثارة القضية في اجتماع مجموعة العشرين، كان هذا قرارا حكيما».
وكان مسؤولون في مجموعة العشرين قالوا: إن تركيا سعت إلى تأييد حكومتها في البيان الختامي للاجتماع. لكن محمد شيمشك، نائب رئيس الوزراء التركي، نفى سعي أنقرة لذلك.
* مشاكل هيكلية:
وأثار البيان مخاوف بشأن المشاكل الهيكلية، بما في ذلك التوسع المفرط في قطاع الصلب وقطاعات أخرى، والتي «أدى الانتعاش الاقتصادي الضعيف والطلب المنخفض في السوق، إلى تفاقمها، مما أثر بصورة سلبية على التجارة والعاملين».
ويشار إلى أن الإنتاج الصيني المفرط في قطاعات، من بينها الصلب، يمثل مصدر توتر عالمي، حيث قال وزير الخزانة الأميركي جاك ليو الشهر الماضي إن ذلك له تأثير «مقلق ومضر بالنسبة للأسواق الدولية».
ويسعى قطاع الصناعة الألماني لفرض مزيد من الإجراءات لمكافحة الإغراق، المتمثل في بيع صادرات مدعومة بأسعار أقل من سعر السوق. كما يسعى لأن تخفض الصين من إنتاجها الذي يفرض ضغطا على الأسواق الأوروبية.
وقال وزير المالية الصيني لوي جيوي في الاجتماع إنه لا توجد مخاطر ممنهجة في الصين على الرغم من ارتفاع مستوى الدين في بعض من الشركات الحكومية، وبعض الأخطاء في سوق السندات.
كما تحدث البيان عن عدم المساواة الاقتصادية، وجاء فيه أنه «يجب المشاركة في مزايا النمو بصورة أوسع نطاقا داخل الدول - وفيما بينها - لتعزيز شموليته».
ومن المقرر أن تستضيف الصين قمة مجموعة العشرين 2016 في مدينة هانغتشو يومي 4 و5 سبتمبر (أيلول) المقبل، وسوف تحمل عنوان «بناء اقتصاد عالمي ابتكاري وحيوي ومترابط وشامل».
وقال فرنسوا فيلروي دو غالهاو، محافظ البنك المركزي الفرنسي أيضا للصحافيين، إن مجموعة العشرين ناقشت في اجتماعها السياسة النقدية وكان هناك تركيز على النمو.
في حين قالت كريستين لاغارد مدير عام صندوق النقد الدولي، إن الإصلاحات الهيكلية مهمة لتعزيز النمو الاقتصادي وتقاسم المزايا على نطاق واسع. وأضافت في بيان مكتوب عقب الاجتماع أن «الإصلاحات الهيكلية تكتسب أهمية خاصة، إذ أن أحدث أعمال صندوق النقد تبين أن الإصلاحات الهيكلية التي تتميز بحسن الإعداد يمكنها أن تدعم النمو على المدى القصير والمدى الطويل وتجعله أكثر شمولا». وأوضحت لاغارد أن تحرير التجارة «ضروري» أيضا، لتعزيز الإنتاجية والنمو العالمي وتابعت أنها ترحب بإصرار المجموعة «على استغلال كل الأدوات السياسية.. لتحقيق نمو قوي ومستدام ومتوازن وشامل».
وسلم صناع السياسات في مجموعة العشرين في نهاية الاجتماع، بأن الطاقة الإنتاجية الزائدة في قطاع الصلب وصناعات أخرى تمثل مشكلة عالمية تؤثر سلبا على التجارة العالمية ومن ثم تتطلب رد فعل جماعيا.
وفي بيان مشترك صادر عقب الاجتماع، قال المشاركون إنهم سيتصدون لجميع أشكال الحماية التجارية، كما سيحرصون على إجراء دراسة متأنية لأي تحركات تتعلق بالسياسات الهيكلية والاقتصاد الكلي والتعريف بها.
كما أكدوا أن التقلبات المفرطة والتحركات غير المنتظمة لأسعار الصرف سيكون لها تبعات سلبية على الاستقرار، وأكدوا من جديد على الالتزامات السابقة بشأن أسعار الصرف، بالإضافة إلى ذلك ذكرت الدول المشاركة أنها متأهبة للتصدي بفعالية لأي تبعات اقتصادية ومالية محتملة لقرار بريطانيا الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
وتأهب زعماء من أكبر اقتصادات في العالم لتجديد التزامهم بدعم النمو العالمي وتحسين التنسيق في مواجهة الغموض الناجم عن قرار بريطانيا بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي وزيادة إجراءات الحماية الجمركية.
ويمثل اجتماع وزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية من دول مجموعة العشرين الأول من نوعه منذ تصويت بريطانيا الشهر الماضي بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي، كما أنه يمثل أول ظهور لوزير المالية البريطاني الجديد.