الحملة العسكرية على إدلب تتصاعد و«جيش الفتح» يردّ بقصف الفوعة وكفريا

المعارضة تهدّد بإسقاط الهدنة عبر اقتحام البلدتين المواليتين

الحملة العسكرية على إدلب تتصاعد  و«جيش الفتح» يردّ بقصف الفوعة وكفريا
TT

الحملة العسكرية على إدلب تتصاعد و«جيش الفتح» يردّ بقصف الفوعة وكفريا

الحملة العسكرية على إدلب تتصاعد  و«جيش الفتح» يردّ بقصف الفوعة وكفريا

استمرت الحملة العسكرية على إدلب وريفها شمال غربي سوريا، ما أدى إلى توقف الحياة اليومية للمواطنين، في حين ردّ «الجيش الحر» بقصف بلدتي الفوعا وكفريا مهددا في الوقت عينه باقتحامهما، إذا لم يتم إيقاف الحملة، بحسب ما أكّد أبو ربيع، الناشط في المجلس المحلي في إدلب، لـ«الشرق الأوسط». وأوضح أن القصف الذي استهدف كفريا والفوعة ليس إلا ردا تحذيريا من شأنه أن يتصاعد وصولا إلى اقتحام البلديتين إذا استمرت الحملة على إدلب، ما يعني انتهاء الهدنة المتفق عليها.
وكان «جيش الفتح» وقوات النظام توصلا إلى اتفاق لوقف الأعمال القتالية بينهما في شهر سبتمبر (أيلول) من العام الماضي في مدينة الزبداني بريف دمشق، التي كانت تحاول القوات النظامية اقتحامها عبر حملة عسكرية كبيرة استمرت ثلاثة أشهر، تزامنًا مع هدنة مماثلة في بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين من قبل جيش الفتح المعارض الذي كان يحاول بدوره اقتحامهما.
واعتبرت المعارضة أن التصعيد الذي ارتكز على قصف المناطق المدنية والأسواق والمساجد والمستشفيات في إدلب، يهدف إلى إجبار المدنيين على النزوح وترك المدن الرئيسية، في محاولة لتكرار سيناريو الريف الشمالي بحلب.
وكانت الغارات الجوية قد بدأت تتصاعد وتيرتها على إدلب خلال الأيام الثلاثة الماضية بشكل كبير ليسجل استهداف المدينة وريفها بأكثر من 50 غارة بالصواريخ بشكل يومي ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى، وتعرض المستشفى الوطني ومستشفى الداخلية التخصصي لقصف مباشر، إضافة إلى استهداف أكثر من خمسة مساجد في المدينة، بينها مسجد الساحة والحسين وشعيب وأبو بكر وعدة مساجد أخرى في المدينة نالها القصف وأحدث أضرارا كبيرة فيها، بحسب ما ذكرت «شبكة شام» المعارضة.
وتعتبر مدينة إدلب وريفها المقصد الوحيد للهاربين من جحيم القصف الجوي في ريفي حلب الشمالي والجنوبي، إضافة للنازحين من ريفي حماه واللاذقية، والوافدين من بلدات مضايا والزبداني ومناطق أخرى، حيث تغص المدينة بعشرات الآلاف من النازحين ممن شردهم القصف مع سكان المدينة الأصليين، في المزارع والضواحي القريبة من المدينة، خوفًا من المجازر اليومية التي ترتكب بحق المدنيين العزل، لا سيما بعد الاستهداف المباشر للمناطق السكنية التي دمرت أحياء بأكملها في دوار الكستنا وقبلها منطقة شارع الجلاء ودوار معرة مصرين ومناطق كثيرة في المدينة.
وعلى وقع القصف المستمر، أعلنت مديرية الصحة عن حالة الطوارئ في المدينة، وأرجأت مديرية التربية الامتحانات الثانوية للشهادتين العامة بعد تكرار القصف واستهداف المديرية والجامعات في المدينة، كما أعلنت مديرية الأوقاف عن إلغاء الصلاة في المساجد، لا سيما صلاة الجمعة، تحسبًا لأي قصف قد يطالها أثناء الصلاة، في حين تشهد مراكز الدفاع المدني في المحافظة والمراكز الرئيسية في الريف المجاور استنفارا كاملا لمواكبة عمليات القصف اليومي على مدار الساعة، والعمل على إنقاذ المدنيين.
وفي رد على قصف إدلب، استهدف مقاتلو «جيش الفتح» وفصائل المعارضة مواقع وتجمعات قوات النظام داخل بلدتي الفوعة وكفريا المواليتين بريف إدلب، بالصواريخ، ما أدى لوقوع إصابات محققة بصفوف قوات النظام، و«ذلك ردًا على المجازر التي ترتكبها طائرات النظام الحربية بحق المدنيين بمدينة إدلب وريفها»، وفق إعلام جيش الفتح.
وأفادت «وكالة سانا» التابعة للنظام السوري أن «عددا من الأشخاص أصيبوا بجروح جراء اعتداء مجموعات إرهابية تتحصن في بلدتي (بنش) و(معرة مصرين) بالقذائف على بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين بريف إدلب الشمالي في خرق جديد لاتفاق وقف الأعمال القتالية، في حين أكّد ناشطون استهداف بلدات أريحا ومعرة مصرين وبنش بقصف عنيف من طيران النظام والطيران الروسي أدى إلى سقوط ضحايا في صفوف المدنيين.
ونقل «مكتب أخبار سوريا» عن الناشط الإعلامي، وائل الإدلبي، قوله إن الطيران شنّ أكثر من 12 غارة بالصواريخ الفراغية شديدة الانفجار على إدلب، مستهدفا ستة مساجد ومواقع سكنية، لافتا إلى أن فرق الدفاع المدني بمساعدة الأهالي أسعفت الجرحى إلى مستشفيات المدينة وخارجها، مؤكدا وجود حالات خطرة وبتر أعضاء لعدد من المصابين.
وأضاف إدلبي نقلا عن مصدر طبي داخل المدينة، أن عدد القتلى قابل للزيادة خلال الساعات المقبلة، كما أسفرت الغارات عن دمار واسع بالمساجد والأبنية السكنية وغيرها من الممتلكات، كما شهدت المدينة حركة نزوح كثيفة للسكان باتجاه المناطق المحيطة بها، في حين التزم من بقي فيها بالطوابق السفلية، خشية تكرار القصف.



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.