عزل الآلاف من القضاة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة

دعا بعض من كبار القضاة في تركيا إلى اجتماع طارئ بعد يوم من فشل الجنود المارقين في الإطاحة بالحكومة هناك.
والقضاة الـ22 – الذين يشكلون ما يعرف باسم المجلس الأعلى للقضاة والمدعين العوام – اجتمعوا يوم السبت في العاصمة التركية أنقرة، والتي كانت مسرحا لأعنف الاشتباكات التي شهدتها ليلة الانقلاب العسكري السابقة.
ومن المعتاد بالنسبة لهذا المجلس العمل على تعيين القضاة وأعضاء النيابة العامة ويصدر الأحكام في القضايا الخاصة بسوء السلوك المهني، والتي تخضع بعد ذلك للمراجعة والاستقصاء. ولكن في هذه المرة، انقلب القضاة على أنفسهم وطرودا ما يقرب من 3 آلاف قاض، إيذانا ببدء عملية التطهير الحكومية الموسعة.
وعلق المجلس، المكدس بأنصار الرئيس رجب طيب إردوغان، حتى الآن عضوية خمسة من القضاة الآخرين.
واستهداف السلطة القضائية التركية يفتح نافذة على السرعة العالية التي تحرك بها حلفاء إردوغان في مجلس القضاة للقضاء على المعارضين، مما يسبب تآكلا في سيادة القانون، وتسييس ذلك النظام الذي يعتمد على الإدارة المتوازنة للعدالة في البلاد. وفي ظل عمليات الإقالة واسعة النطاق في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة، أصبح الحياد تحت التهديد المباشر.
اعتقلت السلطات أو علقت أعمال عشرات الآلاف من البيروقراطيين لصلات مزعومة بمؤامرة الانقلاب. كما أن قرارات الإقالة الجماعية طالت أيضا المؤسسة العسكرية، والشرطة، والمدارس، والجامعات، والمجلس الأعلى للشؤون الدينية في البلاد، ليصل بذلك عدد الأشخاص قيد الاحتجاز أو العاطلين عن العمل مؤخرا إلى ما يقرب من 50 ألف مواطن.
ولقد احتجزت السلطات التركية نحو 800 قاض وعضو بالنيابة العامة في 40 محافظة من أصل 81 محافظة تركية، بما في ذلك اثنان من أعضاء المحكمة الدستورية. بالإضافة إلى 262 من المدعين العسكريين والذين أوقفوا أيضا عن ممارسة أعمالهم. وتمثل هذه الإقالات ما يقرب من خمس المسؤولين القضائيين في الدولة، وفقا للأرقام المعلنة من قبل وزارة العدل التركية.
يقول غونال كورسون، أستاذ القانون المساعد في جامعة كوكوروفا التركية، يصف النظام القانوني: «إنها فوضى عارمة. إنهم لا يطبقون أي نوع من القوانين في هذه المرحلة».
وحذر أنصار حقوق الإنسان أن السرعة التي تفصل بها الحكومة وتحتجز المعارضين تشير إلى أن السلطات التركية قد تجاوزت القوانين التي تستلزم إجراء التحقيقات الجنائية. وتابع البروفسور كورسون يقول: «إن المحاكم ليست إلا هياكل شكلية في اللحظة الراهنة. إنها لم تعد تعمل كمحاكم في الحقيقة».
ويوم الخميس، قال الباحثون من منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش إن محامي حقوق الإنسان البارز أورهان كمال جنكيز قد ألقي القبض عليه في مطار أتاتورك بإسطنبول. ولقد اقتيد إلى الحجز برفقة زوجته، والكاتبة سيبيل هورتاس، ونقلوا إلى مركز للشرطة في إسطنبول.
ولم تستجب الحكومة التركية على الفور لطلبات التعليق على اعتقال السيد جنكيز المبلغ عنه.
وذكرت ايما سنكلير ويب، مديرة مكتب هيومان رايتس ووتش في تركيا على موقع «تويتر» تقول: «إننا قلقون للغاية لمعرفة أن جنكيز وهورتاس تعرضا للاعتقال في مطار أتاتورك».
بدت مذبحة القضاء التركي في أعقاب الانقلاب الفاشل أمرا غير متوقع، على نحو ما يقول الخبراء القانونيون. حيث إن الحكومة التركية في حاجة ظاهرية ماسة لأن تؤكد على شرعية القانون لتنفيذ أوامر الاعتقال ومحاكمة المتآمرين، وهي لن ترغب في حدوث أي شيء يعرض هذه القناعات للخطر داخل البلاد. ومما يثير للقلق أيضا حقيقة مفادها أن السلطة القضائية لم تلعب أي دور علني في رهان الإطاحة بالحكومة التركية مساء يوم الجمعة الماضي.
كان هناك فصيل متمرد من الجيش هو الذي اختطف الطائرات وفتح النار على المدنيين وأعلن الأحكام العرفية عن طريق الاستيلاء على وسائل الإعلام الرسمية في الدولة. ولكن بعد نجاة البلاد من الانقلاب العنيف، ليست السلطات هنا الآن في مزاج يسمح لها بتقبل المعارضة من أي نوع.
ووفقا للرئيس وبعض المسؤولين الآخرين، فإن أنصار الداعية ومنافس إردوغان اللدود، فتح الله غولن، كانوا هم المسؤولين عن المؤامرة. وعلى مدى سنوات، توجه إردوغان وأنصاره بالاتهامات لأنصار غولن باختراق مؤسسات الدولة – بما في ذلك القضاء – في محاولة لإنشاء ما وصفوه بالدولة الموازية.
كان غولن وإردوغان – وكلاهما من المسلمين المتدينين - في سابق الأمر حلفاء في مواجهة فلول الجمهورية التركية العلمانية والعسكرية التي أسسها الزعيم القومي مصطفى كمال أتاتورك في عام 1923.
ولكن عندما شرع أعضاء النيابة العامة الموالين لغولن في فتح التحقيقات الخاصة بقضايا الفساد التي تنال من كبار الوزراء في حكومة إردوغان، توترت العلاقات بين الرجلين وبوتيرة سريعة للغاية.
وبرز القضاء التركي، بعد ذلك، كإحدى آخر المؤسسات العامة في البلاد التي تمتلك القدرة على تحدي ومواجهة إردوغان، والذي عزز ورسخ من سلطاته كرئيس للبلاد استنادا إلى أغلبية مريحة في البرلمان.
لكن الخلاف العميق ما بين الرجلين حول القضاة إلى أهداف. والآن، كما يقول المسؤولون، سمحت التحقيقات المطولة حول حركة غولن واختراقها للمؤسسات التنفيذية والقضائية والعسكرية قد سمحت للسلطات التركية بالتحرك السريع لاعتقال المتآمرين على تنفيذ الانقلاب.
وقال أحد المسؤولين الأتراك الكبار، والذي تحدث مفضلا إخفاء هويته اتفاقا مع البروتوكولات الحكومية، إن قرارات الاعتقال أو الإيقاف بحق بعض القضاة: «صدرت استنادا إلى المعاملات المالية والاتصالات ما بين أولئك الأفراد المعنيين والانقلابيين».
وغولن، الذي يعيش في منفى اختياري بولاية بنسلفانيا الأميركية، قد نفى أي دور له في المؤامرة لإسقاط الحكومة التركية.
ويقول المؤرخون وخبراء القانون الأتراك إن عملية التطهير الجارية – والتي تجري داخل المؤسسة القضائية وبشكل أوسع خارجها – تعتبر هي الأكبر من حيث حجمها في تاريخ تركيا الحديث. ولقد مرت البلاد بأربعة انقلابات عسكرية ناجحة منذ تأسيسها قبل قرن من الزمان.
وقال المحامي جنكيز، الذي يقبع قيد الاعتقال حاليا، في مقابلة شخصية أجريت معه في وقت سابق من هذا الأسبوع، إنه أثناء حكم المجالس العسكرية السابقة، كانت هناك عمليات تطهير مماثلة، ولكنها لم تكن بمثل هذا المستوى أو التوسع.
وفي حين أنه لم يكن هناك أي إعلان رسمي، قال جنكيز خلال المقابلة، إن العمل بالدستور معلق في الوقت الراهن.
وقال إردوغان في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة إن فترة التطهير من هذا الفيروس سوف تستمر على كل مستوى من مستويات الحكومة. وأضاف يقول أخيرا «كمثل فيروس مرض السرطان، إنه ينتشر في جميع أوصال الحكومة».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ{الشرق الأوسط}