السجناء المغاربيون.. إشكالية جديدة في ألمانيا

معظمهم من الشباب المهاجر الذي يعيش بلا أمل ولا هدف

السجناء المغاربيون.. إشكالية جديدة في ألمانيا
TT

السجناء المغاربيون.. إشكالية جديدة في ألمانيا

السجناء المغاربيون.. إشكالية جديدة في ألمانيا

قبل أن تصحو أوروبا من صدمة جريمة نيس الأليمة بجنوب فرنسا، التي اتهم بارتكابها المهاجر التونسي محمد الحويج بو هلال، شن طالب هجرة أفغاني فتي سلسلة اعتداءات بالسلاح الأبيض في قطار قرب مدينة فورتسبورغ الجامعية بجنوب ألمانيا، وسرعان ما أعلن تنظيم داعش المتطرف تبني العملية التي انتهت بقتل الجاني. ويُذكر أن «داعش» وجماعات متطرفة أخرى كانت قد ادعت مسؤوليتها عن عدد من الاعتداءات الدامية، أبرزها في بلجيكا وفرنسا، وعلى أثرها سلط الضوء بالذات على جاليات المهاجرين واللاجئين الآتين من دول شمال أفريقيا وتحديدًا المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا. وخلال الأسبوع الماضي، نشر تقارير صحافي في ألمانيا أفاد بارتفاع كبير في عدد المحتجزين المتحدرين من أصول شمال أفريقيا في السجون الألمانية.

يعتقد معظم الألمان أن مفردة «نافريز» ستفوز بلقب أسوأ مفردة استخدمت في الإعلام سنة 2016. ويرى ألمان آخرون أن كلمة «نافريز» عارٌ بالنسبة إليهم، وأنها أسوأ من مفردة «نيغر» سيئة الصيت المستخدمة في شتم ذوي البشرة السمراء.
كلمة «نافريز» هي مختصر «شمالي أفريقي» بالألمانية (نورد افريكانر)، ويعود الفضل في استخدامها إلى شرطة ولاية الراين الشمالي - وستفاليا، التي أطلقتها على المشتبه بهم بارتكاب أكثر من 650 جناية سرقة واعتداء جنسي على النساء المحتفلات بليلة رأس السنة الماضية بالقرب من كاتدرائية كولون (الدوم) الشهيرة. وللعلم، فإن العرب المقيمين في ألمانيا يصمون ما ارتكبه الشباب اللاجئون العرب قرب «الدوم» – خلال نصف ساعة – في تلك الليلة بـ«العار».
الواقع أنه منذ مطلع العام الجاري 2016 والإعلام والشرطة في ألمانيا يسلّطون الضوء على المخالفات والانتهاكات المسلكية التي يرتكبها طالبو اللجوء السياسي من بلدان شمال أفريقيا، وخصوصًا من الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا. كما يستعرضون بالأرقام والحقائق، والتحقيقات والمقابلات الصحافية، كل ممارسات هؤلاء الشباب في السجون ومعسكرات اللجوء وفي الشوارع.. إلخ.
وتشير شرطة مدينة فرانكفورت إلى أن مرتكبي الجنايات المختلفة من طالبي اللجوء من شمال أفريقيا شكّلت معظم الجنايات المرتكبة من قبل طالبي اللجوء. ومن بين 30000 لاجئ متهم بارتكاب جنايات شكل المغاربة ثالث أكبر مجموعة بعدد 3100 متهم، وشكّل المتهمون من شمال أفريقيا 40 في المائة من مجموع المتهمين، علما بأن نسبة طالبي اللجوء من المغاربة لا تشكل أكثر من 1 في المائة من مجموع طالبي اللجوء. ولم تحتسب هنا الخروقات التي يرتكبها طالبو اللجوء بالضد من قوانين اللجوء.
ومن جهة ثانية، ذكرت شرطة كولون أن 40 في المائة من طالبي اللجوء المغاربة، وعددهم الإجمالي 521 شخصًا، وقعوا في قبضة العدالة بتهم اللصوصية والاحتيال والاتجار بالمخدرات والاعتداء الجسدي في العام 2015. ونفس هذه النسبة شملت التونسيين (57 شخصًا) والجزائريين (260).
النائب ينز كانيت، المتحدث باسم حكومة ولاية الراين الشمالي - وستفاليا، وهو من الحزب الديمقراطي المسيحي، نقل عن تقرير للاستخبارات المركزية الأميركية يتحدث عن نسبة عالية من عرب شمال أفريقيا التحقوا بتنظيم داعش في سوريا والعراق. وقال: إن الإحصائية تشير إلى ما بين 6 و7 آلاف تونسي، في حين أن الحكومة التونسية تعترف بـ3000 فقط.

نسبة عالية في السجون

من ناحية أخرى، كشف استطلاع أجرته صحيفة «نويه أوسنابروكر تسايتونغ»، أخيرًا، بين وزارات العدل في الولايات الألمانية، أن عدد نزلاء السجون من الشمال قد تضاعف خلال خمس سنوات. إذ قفز عدد السجناء، أو الموقوفين رهن التحقيق، من أبناء الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا من 880 شخصًا في العام 2011 إلى 1922 هذا العام. وتعتقد الجريدة، رغم أنها لم تحدد مصادرها، أن هذا العدد يرتفع إلى 2000. وربما بسبب التباس هويات الكثير من نزلاء السجون بسبب استخدام طالبي اللجوء للهويات المزيّفة، أو لأنهم لم يحملوا معهم عند وصولهم إلى ألمانيا أي أوراق ثبوتية شخصية.
وقبل ذلك بأيام كشف توماس كوتشاي، وزير العدل في ولاية الراين الشمالي - وستفاليا، التي تضم مدينة كولون، أن عدد نزلاء 36 سجنًا في الولاية – الأكبر من حيث عدد السكان – من شمال أفريقيا، ارتفع من 322 إلى 762 خلال السنوات الخمس الماضية. ولم يستبعد أن يكون الرقم أكبر لأن 16500 سجين في سجون الولاية، من مجموع 55 ألفًا، لا يحملون أوراقًا ثبوتية.
في ولاية سكسونيا السفلى، قال اوفه زيلكه، من وزارة داخلية الولاية، بأن عدد الأفريقيين الشماليين في 16 سجنًا من سجون الولاية قفز من 47 في العام 2011 إلى 97 في العام 2015، ومن ثم إلى 112 حتى يونيو (حزيران) من هذا العام. هذا في حين أن عدد السجناء العام في هذه السجون انخفض من 5809 إلى 4953.
وهذه ليست كل مشاكل السجون في الولايتين، بحسب تصريح كوتشاي وزيلكه. وإذ تحدث كوتشاي عن مشكل كبيرة في التعامل مع السجناء العرب من شمال أفريقيا، بينها 23 مشكلة قد تزيد محكومياتهم، قال زيلكه بأن هؤلاء السجناء لا يحترمون موظفي السجن، وخصوصًا النساء، يشتمون، ويبصقون على الأرض بين القدمين، بل ويتعاملون بعنف مع موظفي السجن.
وذكر كوتشاي أن السجناء من المغرب العربي يرفضون القواعد السائدة في السجن ويهينون الموظفين، ولا يعرفون أي لغة غير العربية. هناك صعوبة في التعامل معهم في السجن، وصعوبة في حمايتهم من سطوة الإسلاميين المتشددين في السجون، وصعوبة في إعادة تأهيلهم بعد السجن، لأن معظمهم بلا عوائل في ألمانيا.
ولهذه الأسباب خصصت وزارة الداخلية في نوردراين فيستفاليا مبلغ 7.2 مليون يورو لبرامج دمج المغاربيين في المجتمع. وتم على هذا الأساس تأسيس مركز للتنوير في السجون باسم «القانون والإسلام»، كما تمت الاستعانة بأكثر من 100 إمام من أئمة المساجد لرعايتهم وحمايتهم من الدعاية الإرهابية. وتم رفع عدد المترجمين العرب من 2 إلى 14 مترجمًا، وزيد عدد الموظفين والحراس العرب أيضًا، فضلاً عن ذلك، تم تعيين 26 معلمًا في السجون لتعليم المغاربيين اللغة الألمانية.
والأهم، في إجراءات إدارة سجون الولاية، هو أنها قررت استخدام أجهزة مسح البصمات للتأكد من شخصيات النزلاء بعد أن كثرت في الآونة الأخيرة عمليات تزوير الوثائق. ويمارس هذا التزوير في الأغلب من قبل نزلاء السجون من الشمال الأفريقي.
إلى ذلك رصدت دائرة حماية الدستور الاتحادية (مديرية الأمن العامة) دعوات يطلقها تنظيم داعش على الإنترنت تدعو أعضاءها وأنصارها المعتقلين إلى تحويل السجون إلى مدارس لكسب الشباب العرب للتنظيم. هذا في الأقل ما حصل مع الألماني - الغاني الأصل هاري س. الذي انضم إلى «داعش» في سوريا وأصبح حامل راية أحد الفصائل المتقدمة.
عاد هاري س. إلى بريمن بعد أن رفض طلب «داعش» في الرقة تنفيذ العمليات الإرهابية في ألمانيا. وتكشف مسيرته أن تحوله من لاعب كرة قدم واعد إلى إرهابي، بدأت في العاصمة البريطانية لندن. إذ انتقل مع أمه وأختيه من بريمن الألمانية إلى العاصمة البريطانية لفترة قصيرة وهو شاب، وبدأت صلاته هناك مع الإسلاميين المتشددين. وكان هاري س. ينوي دراسة الهندسة المعمارية في إحدى الجامعات البريطانية، لكنه لم يكمل دراسته. وحكم على الغاني الأصل مرتين في ألمانيا بتهمة السطو والاختطاف، وذكر أمام المحكمة أنه تحول من مسلم معتدل إلى إسلامي متشدد في السجون الألمانية. والتقى في السجن الإسلامي المتشدد، المصنف كمتشدد خطر من قبل رجال الأمن، المدعو رينيه مارك. ويقود مارك منظمة «الثقافة - العائلة» ويطلق أفراد جماعته عليه اسم «أمير غوبلنغن» (نسبة إلى مدينة غوبلنغن التي ينشط فيها). وفي السجن، وتحت تأثير مارك، تحول هاري س. إلى الإسلام المتطرف. وتتهم النيابة العامة هذه الجمعية «الثقافية» بإرسال 13 مقاتلاً إرهابيا إلى الحرب في سوريا والعراق.

نسبة عالية بين القاصرين

أصبح انتشار آيديولوجيا الإرهاب بين القاصرين مشكلة شائكة بالنسبة لوزارة الداخلية، وخصوصًا بعد أن طعنت مغربية قاصرة شرطيًا في هانوفر (وكانت عائدة من الحدود التركية السورية)، ومساهمة قاصرين اثنين (من أصول مغربية أيضًا) في تفجير معبد السيخ في مدينة ايسن، ومن ثم حادثة الاعتداء بالفأس من قبل أفغاني على راكبي القطار قرب فورتسبورغ في ولاية بافاريا.
وكانت دائرة حماية الدستور في ولاية الراين الشمالي - وستفاليا قدّرت عدد الإسلاميين المتشددين تحت سن 18 سنة بنحو 2700، وذكرت أن 600 منهم تم تصنيفهم كقاصرين مستعدون لممارسة العنف، مع نسبة ترتفع إلى الثلث من المستعدين لارتكاب جنايات خطيرة.
جاء في تقرير لدائرة الإحصاء المركزية الألمانية أن عام 2013 شهد قدوم 6600 قاصر (دون 18 سنة) إلى ألمانيا دون رفقة أحد الوالدين، أو معية أحد الأقارب. وذكر التقرير أن نسبة القاصرين العرب بين هؤلاء الأطفال تضاعفت لأول مرة في ألمانيا منذ عام 2011. وكانت سوريا وليبيا والعراق، وغيرها من البلدان العربية المبتلاة بالحروب والاضطرابات، أكبر مصادر هجرة القاصرين إلى ألمانيا. يضاف إليهم القاصرون من الصومال وإريتريا ومصر وأفغانستان.
ولاحظ التقرير أن عدد القاصرين الوافدين إلى ألمانيا من دون ذويهم تضاعف ثماني مرات عام 2013 عنه في العام 2008. وكان عدد القاصرين الذكور بين هؤلاء الأطفال يبلغ نحو 5900 (89 في المائة)، فيما كان عدد الإناث 700 (11 في المائة). شكل القاصرون من سن تزيد عن 17 سنة 69 في المائة، وكانت نسبة الأطفال دون 16 سنة تبلغ 31 في المائة. وتبلغ حصة العرب من هؤلاء الأطفال ربع المجموع، وأغلبهم من بلدان شمال أفريقيا وسوريا والعراق.
وذكر تيمو شيونبيرغ، من دائرة الهجرة في ولاية هيسن، أن ما يسمى «الربيع العربي» هو مصدر الموجة الجديدة من المهاجرين القاصرين القادمة من البلدان العربية، وخصوصًا من ليبيا وسوريا والصومال. وهم أطفال يرسلهم ذووهم بمفردهم لإنقاذ حياتهم، وبسبب عدم القدرة على تمويل سفر كامل العائلة، أو أنهم أيتام فقدوا ذويهم في الحروب وهاموا على وجوههم في بلدان البحر الأبيض المتوسط.
ومشكلة القاصرين «المختفين» مشكلة أخرى تواجه السلطات الألمانية، رغم علمها بأن بعضهم غادر ألمانيا إلى بلدان اللجوء الأخرى، أو اختفى من دور اللجوء ليختفي في بيوت مواطنين من بلده. وتحدثت وزارة الداخلية الألمانية عن 10 آلاف قاصر اختفى من معسكرات اللاجئين في بلدان الاتحاد الأوروبي، منهم نحو 5000 في ألمانيا. وتستقبل دور الشباب في ألمانيا حاليًا 52 ألف لاجئ دون عمر الـ18 سنة.
وتنتهي جهود رعاية القاصرين المهاجرين بنسبة 79 في المائة بإيوائهم في دور رعاية القاصرين، وتنجح الدوائر في توفير عوائل لحضانة اليافعين جدًا منهم في 18 في المائة من الحالات، وتنال نسبة الـ3 في المائة المتبقية رعاية خاصة مختلفة.
جدير بالذكر أن القاصرين الأفارقة (ضمنهم العرب) يشكلون ربع القاصرين الذين يصلون سويسرا. ورغم أن سويسرا تستقبل أعدادًا أقل بكثير من ألمانيا، ولا إحصائية لها حول أعدادهم وأعمارهم، فإن مدينة بريغ السويسرية استقبلت وحدها 51 قاصرا، بحسب تصريح مارغريت هسلمان، من دائرة الشباب في المدينة. وكان بينهم 15 صوماليًا و17 سوريًا و4 تونسيين.

مجرمون وضحايا في آن واحد

تخشى السلطات الألمانية أن يقع القاصرون ضحية للإسلاميين المتشددين الذين يقدمون لهم المساعدات والعمل، أو ضحية لعصابات الجريمة المنظمة التي تعمل في تجارة البشر والمخدرات والسلاح. ولكن ما سبب كثرة الميول الإجرامية والتطرف الديني بين شباب بلدان الشمال الأفريقي؟ تحدثت ايزابيلا فيرنفيلز، من معهد العلوم والسياسة في المغرب، عن 30 ألف قاصر مشرّد في المغرب، و20 ألفًا في الجزائر. ومعظمهم أبناء غير شرعيين يتعايشون في الشارع مع المجرمين ويتعلمون منهم أساليب السرقة والاحتيال، ومن المحتمل أن نسبة من هؤلاء القاصرين وصلوا إلى أوروبا أيضًا بمساعدة هذه العصابات. ويتحول هؤلاء القاصرون بدورهم إلى ضحايا في أوروبا يرسلون 100 - 200 يورو في الشهر إلى إخوتهم وأقاربهم في الوطن.
العالمة النفسانية الأميركية آن سبيكارد قالت لصحيفة «دي فيلت» الألمانية المعروفة (17-7 الماضي)، بأنها قابلت الكثير من الشباب في حي مولينبيك بالعاصمة البلجيكية في بروكسل، وأجمع كلهم على أنهم بلا أهداف ولا مستقبل. وقالوا: إن «داعش» يمنحهم الأمل والهوية واللحمة والجنس.
يقول رالف ييجر، وزير داخلية الراين الشمالي - وستفاليا، بأن أهالي الأطفال يعرفون ماذا يفعلون، وخصوصًا من الشمال الأفريقي، لأنهم يعرفون أن ألمانيا صنّفت بلدانهم كبلدان آمنة، ولا تمنح حق اللجوء لهم، لكنهم يعرفون أيضًا أن ألمانيا لن تبعد قاصرا.
ويربط خبير الإرهاب الألماني غيدو شتاينبيرغ، من معهد العلوم والسياسة الألماني، بين أعداد العرب، من شمال أفريقيا، في ألمانيا وفرنسا، وظاهرة تعرض فرنسا إلى العمليات الإرهابية أكثر من ألمانيا. ويقول شتاينبيرغ بأن أحد الأسباب يكمن في عدد الملتحقين بتنظيم داعش، لأن عددهم من فرنسا (1700) يزيد عن ضعف عددهم من ألمانيا (700).
وينظر شتاينبيرغ بقلق إلى مشكلة اندماج الأجانب، وخصوصًا من بلدان الشمال الأفريقي، الذين يعيشون شبه مهمشين في ضواحي باريس، وذكر أن ألمانيا تعاني أقل من مشكلة الاندماج، كما أن عدد الأجانب من الجزائر والمغرب وتونس أقل. وللعلم، فإن عدد المقيمين في ألمانيا من بلدان الشمال الأفريقي، وفق إقامات دائمة أو تجنس، كما يلي: المغرب 72 ألفًا، تونس 31 ألفًا، الجزائر 21 ألفًا، وليبيا 13 ألفًا. وهذه الأرقام مأخوذة من دائرة الإحصاء المركزية وحتى نهاية العام 2015.

ليلة «عار» رأس السنة في كولون

أما فيما يتعلّق بليلة «العار»، التي سبقت الإشارة إليها، فعادة يتجمع مئات الآلاف سنويًا على ضفة الراين، بالقرب من كاتدرائية كولون المعروفة بـ«الدوم»، للاحتفال بقدوم العام الجديد بالألعاب النارية. وهذا العام شارك المئات من اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين العرب في عمليات السلب والاعتداء الجسدي والتحرّش الجنسي ضد النساء. لقد كانت ليلة قاتمة بالنسبة لسكان ألمانيا من العرب بعدما ارتفعت قضايا التحرش الجنسي ضد النساء إلى أكثر من 600 خلال بضعة أيام.
حوادث مماثلة حدثت في مدينتي هامبورغ وإيسن وغيرهما، وإن بشدة أقل، لكن الشرطة الاتحادية تحدثت لاحقًا عن أكثر من 900 شاب شاركوا في هذه العمليات المسيئة في هذه المدن، وكانت حصة كولون منها أكثر من 600. ومن ثم، تحول تساهل الشرطة في التصدي للاعتداءات الجنسية إلى قضية سياسية، وطالبت المعارضة المسيحية باستقالة وزير داخلية الولاية الاشتراكي، لا سيما أن الاعتقالات التي أعقبت ليلة رأس السنة بقيت بحدود اعتقال 183 في كولون فقط. وكانت تركيبة المعتقلين، المتهمين بالاعتداءات، كالآتي «55 مغربيًا و53 جزائريًا و22 عراقيًا و14 سوريًا و14 ألمانيًا (عرب يحملون الجنسية الألمانية)، بالإضافة إلى آخرين من جنسيات أخرى بينهم 73 طالب لجوء، 36 منهم يعيشون في ألمانيا بشكل غير شرعي، و11 فقط لديهم إقامة في ألمانيا. وكان الآخرون قد قدموا من بلدان قريبة مثل هولندا وبلجيكا».
ويحلل تقرير شرطة كولون شخصيات المتهمين كالآتي: كلهم تقريبًا من الشباب الذين وفدوا إلى ألمانيا في صيف 2015، ويعرف معظمهم بعدم وجود حظوظ لهم في البقاء في ألمانيا وأن التسفير سيكون مصيرهم. لقد خاض كلهم مصاعب جمة وخطيرة في الوصول إلى ألمانيا في قوارب اللاجئين وعبر الحدود الأوروبية. وكلهم تقريبًا من أصحاب السوابق في بلدانهم، ومثلوا أمام القضاة في ألمانيا أيضًا رغم فترة إقامتهم القصيرة. ثم إن معظمهم وفدوا إلى ألمانيا من دون عوائل، وجلّهم من الباحثين عن مستقبل اقتصادي أفضل، ولا تنطبق قوانين اللجوء إلا على بعض السوريين والعراقيين منهم. واعترف معظم المتهمين بأنهم يعانون من مشاكل إدمان كحول ومخدرات، وأنهم يكدحون في ألمانيا كي يرسلوا شيئا من النقود إلى ذويهم في الوطن.

... لا تهاون

هذا، وقبل بضعة أشهر شنّت شرطة ولاية الراين الشمالي - وستفاليا حملة على بيوت المغاربة والجزائريين وكشفت عن العشرات من القاصرين الذين يعيشون لا شرعيًا في البيوت. وأشار متحدث باسم شرطة الولاية إلى اعتقال 9 أفراد بتهم التجاوز على القانون وتهم أخرى. ووضع 471 لاجئًا من المغرب والجزائر في حافلات تحركت بهم في الحال باتجاه أقرب مركز حدودي لاستقبال اللاجئين، وبنية إعادتهم إلى البلدان التي وفدوا منها إلى ألمانيا، أو إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية. ونشير هنا أنه سبق لوزير الداخلية الاتحادي توماس دي ميزيير أن زار المغرب والجزائر واتفق مع السلطات هناك على أن يستقبلوا طالبي اللجوء من مواطنيهم، الذين رفضت طلبات لجوئهم.



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.