الإسترليني ينخفض بعد بيانات «مخيبة» عن مبيعات التجزئة

تجارها يؤكدون أنه لا يوجد أدلة على تأثرها بنتيجة الاستفتاء

الإسترليني ينخفض بعد بيانات «مخيبة» عن مبيعات التجزئة
TT

الإسترليني ينخفض بعد بيانات «مخيبة» عن مبيعات التجزئة

الإسترليني ينخفض بعد بيانات «مخيبة» عن مبيعات التجزئة

انخفض الإسترليني لأدنى مستوى له خلال تعاملات، أمس الخميس، مقابل الدولار واليورو بعد صدور بيانات أظهرت أكبر انخفاض شهري في مبيعات التجزئة البريطانية في ستة شهور خلال يونيو (حزيران) ، مما عزاه المسؤولون إلى تضرر مبيعات الملابس، بسبب الطقس ودون أي أثر للتصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ولم يتحدث تجار التجزئة عن أي أدلة على تأثير للنتيجة غير المتوقعة لاستفتاء الثالث والعشرين من يونيو (حزيران) على المبيعات في الفترة الممتدة على مدار الأسابيع الخمسة التي انتهت في الثاني من يوليو (تموز)، حسبما ذكر مكتب الإحصاءات الوطنية. وفي حين تلقت المتاجر الكبرى دعما من المبيعات المرتبطة ببطولة أوروبا 2016 لكرة القدم وعيد الميلاد التسعين للملكة إليزابيث، فقد عانت متاجر الملابس ضعف المبيعات بسبب الطقس.
وقال المكتب إنه في يونيو (حزيران) هبط حجم المبيعات 9.‏0 في المائة مقابل 6.‏0 في المائة في توقعات المحللين بعدما ارتفع فوق المتوسط مسجلا زيادة 9.‏0 في المائة في مايو (أيار).
وعلى أساس سنوي تباطأ نمو مبيعات يونيو (حزيران) إلى 3.‏4 في المائة مقابل 7.‏5 في المائة في مايو أيار ومقارنة مع توقعات بالانخفاض إلى 5 في المائة فقط.
وبالنظر إلى المبيعات في الربع الثاني ككل ارتفعت الأحجام 9.‏4 في المائة على أساس سنوي مقابل نمو نسبته 1.‏4 في المائة في الأشهر الثلاثة الأولى من 2016، وهو المستوى الأفضل منذ الربع الأول من 2015.
وأظهرت البيانات الرسمية، أمس الخميس، أن الاقتراض العام هبط في يونيو (حزيران) إلى 8.‏7 مليار جنيه إسترليني من عشرة مليارات قبل عام ومقابل 2.‏9 مليار في توقعات الاقتصاديين.
وانخفض الإسترليني مقابل الدولار إلى 3157.‏1 دولار بعد إعلان بيانات مبيعات التجزئة بنسبة 2.‏0 في المائة خلال اليوم مقارنة مع 3210.‏1 دولار قبل نشر البيانات. وقلصت العملة البريطانية خسائرها ليجري تداولها عند 3190.‏1 دولار، لكنها ما زالت منخفضة 15.‏0 في المائة خلال اليوم.
وصعد اليورو 4.‏0 في المائة مقابل الإسترليني إلى 80.‏83 بنس مقارنة مع 36.‏83 بنس قبل نشر البيانات، وجرى تداول العملة الأوروبية الموحدة في أحدث التعاملات عند 50.‏83 بنس لتظل مرتفعة 2.‏0 في المائة خلال اليوم.
وأول من أمس الأربعاء اكتسب الإسترليني دفعة من مسح أجراه بنك إنجلترا المركزي أظهر عدم وجود دلائل واضحة على تباطؤ النشاط بعد التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد نهاية الشهر الماضي.
لكنَّ المسح أظهر مؤشرات على أن الطلب على الائتمان يتباطأ وانخفاض توقعات الإنفاق الاستثماري، مشيرا إلى أن غالبية الشركات لا تتوقع أي تأثير في الإنفاق الرأسمالي في الأمد القريب.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟