عشرات القتلى في قصف طيران التحالف لـ«منبج»

أكد لـ «الشرق الأوسط» أنه سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة على ضوء النتائج

عشرات القتلى في قصف طيران التحالف لـ«منبج»
TT

عشرات القتلى في قصف طيران التحالف لـ«منبج»

عشرات القتلى في قصف طيران التحالف لـ«منبج»

بعد يوم واحد على المجزرة الأولى في حي الحزاوية بمدينة منبج بريف حلب الشمالي الشرقي، ارتكب طيران التحالف الدولي مجزرة ثانية في منطقة التوخار في ريف المدينة أدّت إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى، بحسب ما أكد الائتلاف الوطني السوري والمرصد السوري لحقوق الإنسان. وفيما تحدثت «وكالة أعماق» التابعة لتنظيم داعش عن مقتل 160 مدنيًا في الغارات على ريف منبج، لم ينف مصدر في التحالف الدولي تنفيذ ضربات جوية في منطقة منبج، أخيرًا، مؤكدًا أنه يتم التحقيق في الموضوع، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «اطلعنا على التقارير التي أشارت إلى سقوط ضحايا نتيجة القصف، ونقوم الآن بجمع المعلومات المتعلقة بهذا الأمر من أطراف عدّة، منها ما كانت على مقربة من المواقع التي تم استهدافها، وانطلاقا من النتائج سنتخذ الإجراءات اللازمة، مع التأكيد على أننا نأخذ الاحتياطات والتدابير الكاملة لتجنب استهداف المدنيين، والتقليل قدر الإمكان من الأضرار التي قد تصيبهم».
في غضون ذلك أعلن الجيش الأميركي في بيان له أن مقاتلين معارضين مدعومين من الولايات المتحدة ويقاتلون متشددي تنظيم داعش في سوريا، سيطروا على مقر لقيادة العمليات في مدينة منبج مطلع الأسبوع.
وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن لوكالة الصحافة الفرنسية: «استهدف قصف التحالف الدولي فجر أمس أطراف قرية التوخار في شمال مدينة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي، ما أسفر عن مقتل 56 مدنيًا، بينهم 11 طفلاً»، فيما أشارت مواقع معارضة أخرى إلى ارتفاع الحصيلة إلى 85 قتيلاً بينهم 5 عائلات بأكملها غالبيتهم من النساء والأطفال، بعد استهداف التجمعات السكنية، ولفتت مواقع معارضة إلى أن القصف تسبب في تدمير مبنى المطحنة وعدد من المساجد والمدارس.
وأشار عبد الرحمن إلى أن السكان «كانوا يحاولون الفرار من اشتباكات بين (داعش) وقوات سوريا الديمقراطية في القرية»، لافتًا إلى إصابة العشرات بجروح أيضا نتيجة القصف الجوي، مضيفًا: «قد يكون قد حصل بالخطأ، كون طائرات التحالف الدولي تستهدف التنظيم في محيط القرية، التي تبعد 14 كيلومترا شمال مدينة منبج».
من جهته، قال مصدر في المعارضة لـ«الشرق الأوسط» إن قصف التحالف جاء بعدما عمد تنظيم داعش إلى شنّ هجوم ليلاً على ثلاثة محاور في منبج نتج عنه وقوع خسائر كبيرة في صفوف «قوات سوريا»، وهو ما تتكتم عليه الأخيرة بحسب المصدر. وأكد أن المعارك بين الطرفين لا تزال تتراوح بين كر وفر من دون تسجيل تقدم لجهة على حساب الأخرى. وهو ما أشار إليه المرصد، لافتا إلى أن «قوات سوريا» تتقدم ببطء ولم تسيطر حتى الآن سوى على «25 في المائة» من المدينة التي يسكنها نحو مائة ألف شخص.
من جهته أشار الائتلاف الوطني إلى ارتكاب التحالف الدولي مجزرتين وصفهما بـ«الرهيبتين» في حي الحزاوية بمدينة منبج ومنطقة التوخار بريفها، ما أسفر، حتى اللحظة، عن سقوط ما لا يقل عن 100 شهيد وعشرات الجرحى، فيما لا يزال عدد من المدنيين عالقين تحت أنقاض المباني المدمرة، في ظل تأكيدات محلية بأن طائرات التحالف تنفذ حاليًا قصفًا مشابهًا على قرى جنوب المدينة.
وأكد الائتلاف في بيان له إدانته الكاملة لهذه العملية، واعتبارها جريمة قتل وحشية، محملا المسؤولية للتحالف الدولي، وطالب بوقف القصف على القرى والمدن والمناطق السكنية، وإجراء تحقيق في الجريمة، ومحاسبة المسؤولين عنها، وكل من تهاون في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية المدنيين وتجنب استهدافهم، ومشددًا على أن تكون حماية المدنيين السوريين أساسًا لأي عملية تستهدف النظام المجرم والتنظيمات الإرهابية. وأكد أن محاربة الإرهاب لا تكون من خلال استهداف المدنيين بشكل همجي، ولا تسوّغ استهداف المدنيين بأي شكل من الأشكال، خاصة وأن هذه المجزرة ليست الأولى، وأن التحالف لم يجر تحقيقات بخصوص الحالات السابقة. وكان قد أسفر قصف للتحالف الدولي الاثنين أيضا، وفق المرصد، عن مقتل 21 مدنيًا، هم 15 في مدينة منبج وستة في قرية التوخار.
ووفق عبد الرحمن، فإن قصف التحالف الدولي مستمر على منبج ومحيطها منذ 31 مايو (أيار)، تاريخ بدء هجوم قوات سوريا الديمقراطية لطرد تنظيم داعش من المدينة المحاصرة، والتي يعاني أهلها من أوضاع إنسانية صعبة.
ووثق المرصد السوري منذ ذلك الحين مقتل 160 مدنيًا، بينهم 40 طفلاً، في قصف للتحالف الدولي على منبج وريفها.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.