خيبر ومدائن صالح... تحفتان بيئية وأثرية تتلألآن في شمال السعودية

رحلة خاصة إلى أولى عواصم الإسلام (2 من 2)

{الشرق الأوسط} في خيبر
{الشرق الأوسط} في خيبر
TT

خيبر ومدائن صالح... تحفتان بيئية وأثرية تتلألآن في شمال السعودية

{الشرق الأوسط} في خيبر
{الشرق الأوسط} في خيبر

الجزء الثاني من زيارتي منطقة المدينة المنوّرة في فبراير (شباط) الماضي أتيح لي برمجته بمساعدة كريمة من الإمارة، وخصّص لزيارة المنطقة الشمالية من المنطقة، وتحديداً خَيبر والعُلا - الحِجْر (مدائن صالح). ومجدّداً لا بد لي من القول إنني سمعت الكثير وقرأت الكثير عن المكانين، وبالتالي كانت فرصة زيارتهما بما يخصني لا تفوّت. وما علمته قبل الزيارة وبعدها أن نسبة متواضعة من معارفي السعوديين أتيحت لها متعة زيارة هذا الجزء الرائع الجمال من المملكة، وهو ما فاجأني حقاً.
في اعتقادي، وأنا الذي زار مناطق عديدة عبر قارات العالم، أن في هذه المنطقة جمالاً طبيعياً وأثرياً استثنائياً، وكل ما تحتاج إليه هو التعريف بها بالصورة التي تستحقّ وترويجها بدايةً للسياحة الداخلية. ولقد أسعدني كثيراً الاهتمام الذي تبديه اليوم كل من الهيئة العامة للسياحة والآثار وإمارة منطقة المدينة المنوّرة في هذا الاتجاه. وهذا ما أدركته أولاً من لقائي مع الأمير الدكتور فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، الذي كان يتحدث بحماسة بالغة عن إمكانيات الجذب الكامنة الهائلة ثقافياً وتراثياً وسياحياً في المنطقة. وفي ما بعد، لمسته على الأرض عندما زرت كلاً من خيبر والعُلا ومدائن صالح.
تجدر الإشارة إلى أن منطقة المدينة المنوّرة تضم، إلى جانب عاصمتها المدينة المنوّرة مقرّ الإمارة، عدة محافظات، بينها غرباً ينبع وبدر المطلّتان على البحر الأحمر، والحناكية في شرق المنطقة، والمَهد (مَهد الذهب) في جنوبها الشرقي، وخيبر شمالاً ثم العُلا في أقصى شمالها التي تطوّقها من الشرق والشمال والغرب منطقة تبوك.
في الصباح انطلقنا، الزميل وائل أبو منصور، سكرتير تحرير «الشرق الأوسط» في السعودية، وأنا، من الفندق في سيارته الرباعية الدفع باتجاه خيبر، ومنها إلى العُلا وجارتها الدرّة الغافية على مجد التاريخ... مدائن صالح، التي عرّفها الجغرافيون باسم الحِجْر (بكسر الحاء وتسكين الجيم). وتبلغ المسافة بين المدينة وخيبر أكثر بقليل من 160 كلم، وإلى مدينة العُلا نحو 330 كلم.

* خَيبر... البديعة

* الطريق إلى خَيبر، شمالاً، معبّد وممتاز، والرحلة مريحة. ولدى الوصول إليها تظهر ملامح التخطيط الحديث المتميّز لشبكة الطرق. ولكن خيبر «الجديدة» - المأهولة حالياً - مدينة صغيرة لا تلفت في حد ذاتها الزائر العابر ولا تعطيه أي انطباع استثنائي، باستثناء ملاحظة الحجارة السوداء على جانب الطريق... كيف لا ونحن في حرّة (طفح بركاني) تعدّ أهم حرار شبه الجزيرة العربية؟
قبل الوصول، وتسهيلاً لبلوغ غايتنا، أجرينا الاتصال مع دليلنا، والمرجع الرائع في تاريخ خَيبر وجغرافيتها وتراثها، «أبو سامي» صيفي بن عيسى الشلالي.
«أبو سامي» - أو «الموسوعة الخيبرية» كما اكتشفت لاحقاً - أمضى سنتين دارساً في مدينة كارديف عاصمة إقليم ويلز البريطاني، ولدى وصولنا إلى مدخل خَيبر أعطانا التعليمات عن خط سيرنا عبر الطرق الحديثة أولاً بأول وصولاً إلى داخلها حيث كان بانتظارنا.
وبعد استراحة قصيرة تخلّلها الترحاب والتعارف والاطلاع على ثروة من الوثائق القيّمة التي جمعها بجلد وشغف عن خَيبر وأهلها وتعود إلى عقود وعقود، تناولنا القهوة العربية والتمر اللذيذ - الذي أخبرنا أن نوعه «الحلوة» - داخل بيته العامر. ومن ثم بدأنا مشوارنا نحو اكتشاف خيبر القديمة التاريخية، الواقعة إلى الشمال الغربي من المدينة الجديدة عبر جبال الصهباء، بـ«اللاند كروزر» المجرّبة في مسالك الواحة.
منذ الإطلالة الأولى، بعد اجتياز جبال الصهباء، يطالع الزائر منظر ساحر لواحة غنّاء بوديانها وينابيعها وبساتين نخلها.. أو «خيفها» (الخيف، هو بستان النخل) وقراها وحصونها. وفي تلك اللحظة تذكّرت وصف حسان بن ثابت، شاعر الرسول (صلى الله عليه وسلّم)، نخيلها وتمرها إذ قال:
أتفخر بالكتّان لمّا لبسته
وقد تلبسُ الأنباطُ رَيطاً مقصّرا
فلا تكُ كالعاوي، فأقبل نحرُهُ
ولم تخشهُ سهماً من النّبلِ مضمرا
فإنّا، ومن يهدي القصائدَ نحونا،
كمستبضِعٍ تمراً إلى أرض خيبرا
وبمناسبة الكلام عن نخيل خَيبر فإن المسلمين أحصوا من النخيل الموجود فقط في وادي النّطاه - أحد أوديتها الأشهر - فوجدوا فيها أربعين ألف نخلة. أما عن أصل اسم خَيبر فله غير تفسير واحد، منها أنه مشتق من الخبرة - أي الأرض السهلة الطيبة الطين، وبالفعل، يذكر المؤرخون أن تربتها عُرفت منذ أقدم العصور تربة خصبة ذات عيون ومياه غزيرة، صالحة لزراعة الحبوب والفواكه على أنواعها، ومنه أن كلمة «خَيبر» (جمعها خَيابر) أي «الحصن» بلغة العماليق، من الأقوام القديمة التي سكنت عدة مناطق بشمال شبه جزيرة العرب الذين سكنوها في الأيام الغابرة. إنها واحة نخيل ضخمة على مدّ النظر.. لا تعترضه سوى أبنية وحصون قديمة مهجورة. منظر من أجمل ما رأيت في بلاد العرب. وبالسيارة كانت قرية – أو حي – الشُّرَيف.. محطتنا الأولى. هنا سوق خيبر القديم، وبعض أجمل الأبنية ذات الأسس الحجرية المسقّفة والمعتّبة بجذوع نخيل «الطيبة» المرغوب خشبه المَتين في البناء، والذي يستسيغه المعتنون بصحتهم ممّن يتحاشون الحلاوة الشديدة في أنواع التمور الأخرى. وعلمنا أن عملية إعادة تأهيل الشُّرَيف مُبرمجة في أعقاب تقدّم إعادة تأهيل مَكيدة، الحي أو القرية في أقصى جنوب خَيبر القديمة، التي تشمل آثار حصن الوطيح أحد أشهر حصونها القديمة.
في الشُّرَيف جلنا بسوقها المهجور وأبنيتها القديمة، ومنها شاهدنا عن بعد حصن القموص التاريخي الشهير. وفيها أيضا شاهدنا تحضيرات عملية لاحتفال مبرمج يؤكد الاهتمام الكبير في التعجيل بإيقاظ هذه الدرّة التراثية من سباتها.
وهنا، جاء دور «أبو سامي» ليشرح لنا بالتفصيل ما هو أمامنا، فقال إن ما يميّز الواحة - الحرّة تنوّع تضاريسها، وما تحفل به من آثار ونقوش بديعة. وهي تبدأ جغرافياً من وادي الزّعبلة التي تليها مَكيدة. أما مَكيدة فتليها إلى الشمال سبخة ملحية منخفضة تُعرف باسم السُّبيخاء (أو الصُّبيخاء) تفصلها عن الشُّرَيف. وإلى الشمال من الشُّرَيف يمتد من الشرق إلى الغرب ما يدعي بوادي الزايدية، وتبدأ بجزءٍ هو الزايدية، يليه خيف مهمّل ثم خيف عين الريّا ثم خيف الحصن ثم محلة القرقاعة.
ثم إلى الشمال من وادي الزايدية يمتد وادٍ آخر أيضا من الشرق إلى الغرب هو وادي الحلحال، الذي اشتهرت مُسميات عدّة فيه إبان الجاهلية وفجر الإسلام. وحمل الوادي كله أسماء أجزاء فيه، أولها – وربما أشهرها - وادي النّطاه، ثم وادي الشقّ، ثم وادي الرّوان، ثم وادي الصّوَير، وتلتقي هذه الوديان غرباً في الوادي الكبير.. وادي خَيبر.
ولدى مغادرة سوق الشُّريف هبطنا إلى وادي النّطاه وسرنا غرباً في وادي الشق فالرَّوان... مع سريان ماء الينابيع وفي ظل النخيل السامق، إلى أن وصلنا إلى أسفل مباني الرَّوان.
«أبو سامي» أبلغنا أن بعض الآثار المُكتشفة في خَيبر تشير إلى أنها سُكنت قبل 6000 سنة ق.م، وأن فيها آثاراً ترجع إلى العصر الحجري القديم، منها فؤوس حجرية وقواطع ومعاول، والعديد من الآثار الحجرية، وهي عبارة عن ألواح حجرية كبيرة جعلت على دوائر ومُثلثّات. كذلك عثر في بعض أرجاء خَيبر على رسوم محفورة ومزخرفة لأبقار وحشية وخيول يقدّر أنها تعود للألف الخامس قبل الميلاد.
وبعد إنهاء الجولة في الرَّوان عُدنا إلى بيت «أبو سامي» لتناول الغداء مع ضيوفه الكرام من كبار المسؤولين المحليين في خَيبر، وبعدها انطلقنا إلى العُلا فمدائن صالح.

* العُلا... ومدائن صالح (الحِجْر)

* الطريق إلى مدينة العُلا ممتازة والمناظر الطبيعية، ولا سيما المُرتفعات الصخرية المُطلّة عليها غاية في الجمال.
قبل الوصول إلى المدينة اتصلنا بدليلنا الأستاذ عبد الواحد عبد الواحد، واتفقنا معه على الالتقاء في فندق «العلا – آراك»، وهو فندق عصري راقٍ تطل عليه تشكيلات صخرية حمراء نحتتها الطبيعة عبر القرون.
العلا القديمة، أو ديدان، ترتفع 70 مترا عن سطح البحر ويتيح مناخها زراعة النخيل والحمضيات، وتنتشر أطلال المنازل وعددها 770، حول قلعة تعود إلى القرن السادس قبل الميلاد. ولقد خضعت للترميم أخيراً لكن لم يتبقَّ منها إلا الأسوار الخارجية.
القلعة تتموضع بمواجهة المزارع التي كانت ترويها 34 من الينابيع جفّ غالبيتها. وتعد المنطقة، وفقا للجغرافيين والمؤرخين، من أخصب بلدات وادي القرى الذي يمتد من شمال خيبر جنوبا حتى مدائن صالح شمالاً.
وبعد اللقاء في الفندق انطلقنا من العُلا لبضعة كيلومترات متجهين إلى مدائن صالح، أحد أبدع المواقع الأثرية العربية، في منطقة شهدت تعاقب حضارات تركت بصماتها عليها منذ الألف الأول قبل الميلاد كالديدانية واللحيانية والنبطية.
واقتربنا من موقع مدائن صالح عبر منحوتات طبيعية خلابة، ودخلنا الموقع. وفيه شاهدنا محطة لسكة حديد الحجاز، ومساكن لموظفيها والعاملين، وهي الآن تحظى باهتمام سياحي كبير. وبرفقة الأستاذ عبد الواحد، وهو مدرّس وشغوف بالتاريخ والآثار، تجولنا في المنطقة الأثرية الشاسعة. مقابر محفورة في الصخور، على نسق واحد تقريباً لا تختلف إلا في أعدادها وأحيانا في تفاصيلها.
موقع «الخريمات» أكثر من رائع. وفي قلب المنطقة الأثرية ينتصب ما يعرف بـ«قصر الفريد» (أو القصر الفريد) منتصباً بمفرده مطلاً باعتزاز على ما حوله. وفي مكان آخر موقع «قصر البنت»... وهناك على مسافة غير بعيدة «الديوان»، وهو مجلس محفور في كتلة ضخمة من الصخر الأحمر كان يلتقي فيه الحكام والأعيان، ويفصله عن صخرة أخرى مضيق يفضي إلى مسيل.
وفي الموقع آبار محفورة وخزانات للمياه، أما عدد المقابر الإجمالي فيربو على الثلاثين. ووسط الاهتمام الرسمي من هيئة السياحة والآثار وإمارة منطقة المدينة، فإن الحفريات ناشطة وواعدة، ولا سيما أن مدائن صالح تحتل مكانها المستحق على قائمة منظمة اليونيسكو للتراث العالمي.
الآثار الإسلامية
* في العلا آثار إسلامية قديمة تبدأ من السنة السابعة للهجرة حيث مر بها الرسول (ص) وصلى بها، وأقام موسى بن نصير قلعته في أعلى جبل وسط العلا، وكذلك آثار سكة حديد حجاج الشام، ومن تلك الآثار الإسلامية محطة سكة حديد الحجاز، وهي عدة محطات على خط سكة حديد الحجاز التي تربطها ببلاد الشام مروراً بمدينة تبوك. ويذكر أنه بدأ العمل بسكة الحديد تلك في أكتوبر (تشرين الأول) 1899م.
قلعة الحجر الإسلامية: ورد ذكرها في رواية المقدسي، وهي عثمانية بناها العثمانيون عام 1375هـ 985م كاستراحة لحجاج بيت الله الحرام.
قلعة موسى بن نصير: أنشأها القائد المسلم موسى بن نصير البلوي على جبل شاهق وسط مدينة العلا.
البلدة القديمة: التي تسمى بالديرة وما تبقى من أزقتها ومبانيها وسقائفها.



غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.