هجوم نيس.. منبوذ بلا صلات إرهابية حوّل شاحنة إلى دبابة

عاش في الطابق الثاني عشر لناطحة سحاب في مشروع إسكاني مكتظ بالمهاجرين، وعرف بين جيرانه بوصفه شخصا مزاجيا وعدوانيا. لم يذهب إلى المسجد ولو لمرة واحدة، وغالبا ما تذمر من كلمات التحية مثل «بونجور»، أي صباح الخير، وأحيانا كان يضرب زوجته حتى طردته من المنزل.
للسلطات الفرنسية النظرة نفسها تجاه الرجل، ويدعى محمد لحويج بوهلال، شاب ممتلئ الجسم يبلغ من العمر 31 عاما من تونس، وصف بالمزعج لكنه لم يشكل مطلقا تهديدا أمنيا للشعب الفرنسي. في تمام الساعة 10:45 مساء الخميس الماضي، شن بوهلال الهجوم الذي أدخل الرعب في قلوب جيرانه القدامى وأذهل الجهات الأمنية الفرنسية وكثيرين في العالم. بدأ بوهلال الهجوم بأن ضغط بقدمه بقوة على دواسة البنزين في شاحنة تبريد تزن 19 طنا كان قد استأجرها قبل الهجوم ليحولها إلى أداة قتل جماعي عالية الكفاءة.
قاد بوهلال الشاحنة بشكل متعرج ليدهس أكبر عدد من الناس مع انطلاقته الجنونية عبر طريق «برومينيد دي أنغليه» المحاذي لساحل البحر المتوسط ليحول شارع الريفيرا العريض، المكتظ بالناس الذين توافدوا على المكان لمشاهدة الألعاب النارية احتفالا بـ«يوم الباستيل»، إلى لوحة مليئة بالأشلاء ومشاعر الذعر.
ومع نهاية قيادته القاتلة وبعد أن أردته الشرطة قتيلا، كان هناك 64 جثة ممزقة مسجاة على الأرض خلف الشاحنة وعشرات الجرحى ممددين على الأرض.
مستدعية مشهد الرعب، قالت إليكسا كاربون، فتاة تبلغ من العمر 20 عاما خرجت لمشاهدة الألعاب النارية مساء الخميس الماضي، مع صديقتها: «كنا جميعا أشبه بالأشباح، كنا نركض ونصرخ».
وبحسب تصريح فرنسوا مولين، المدعي العام الذي ينظر في قضايا الإرهاب، الجمعة الماضية، بين القتلى عشرة أطفال ومراهقان، وطالبان ألمانيان ومدرسهما، وأميركيان اثنين، وتونسيان اثنين، وروسي. ومن إجمالي 202 مصاب، هناك 52 حالة خطرة، و25 مصابا يرقدون في وحدة العناية المركزة.
جاءت عملية الدهس الأخيرة ثالث عمل إرهابي يحدث في فرنسا خلال عام ونصف ليؤكد صعوبة مواجهة الهجمات غير التقليدية. ووضع الهجوم السلطات الفرنسية وحدها في مواجهة السؤال المزعج حول ما إذا كانت قد وفرت قدرا كافيا من الأمان في مدينة نيس حتى بعد أن حذرت المواطنين من أن التهديدات الإرهابية لن تقتلع بسرعة وسهولة.
وقال رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالاس: «أود أن أقول لأهلنا في الريف إننا سوف ننتصر في هذه الحرب، غير أننا سنواجه بكثير من الأعمال الانتقامية وأنه سوف يكون هناك مزيد من الضحايا الأبرياء».
لم يترك بوهلال أي إشارة أو تحذير علني يشير إلى نيته، ولم يشر إلى أي علاقة بتنظيم داعش أو أي تنظيم آخر.
وفي صباح السبت، أعلن تنظيم داعش أن بوهلال أحد الجنود المدافعين عن قضيته وأنه «نفذ الهجوم استجابة لنداء استهداف المواطنين بدول التحالف»، الذي يحارب التنظيم المتطرف في العراق وسوريا. غير أن البيان لم يوضح ما إذا كان الهجوم تم بدعم من التنظيم المعروف بـ«داعش» الذي ربط بينه وبين ذلك الهجوم الذي جرى تنفيذه بدقه، أم أن التنفيذ جرى من دون تخطيط أو اتصال مع منفذ الهجوم بوهلال.لمنفذ الهجوم سجل لا يشمل سوى جريمة بسيطة وهي إهانة سائق دراجة نارية العام الماضي عوقب بموجبها بحكم بالسجن لستة شهور مع إيقاف التنفيذ، ولم يحدث من قبل أن وصم بكونه جهاديا أصوليا، وفق السيد مولين، ولم يكن معروفا نهائيا لأجهزة الاستخبارات الفرنسية، سواء على المستوى المحلي أو الدولي.
وفي مقابلة شخصية مع محطة تلفزيون بي إف إم الإخبارية، وصف المحامي كورنتين ديلبول، الذي دافع عن بوهلال العام الماضي، موكله بـ«الجانح الكلاسيكي».
ولا تزال السلطات الفرنسية تطلق على الهجوم وصف «إرهابي» واعتبرتها حلقة من سلسلة هجمات جعلت من فرنسا ساحة للمعارك بين المتطرفين الإسلاميين والغرب.
جاء الهجوم باستخدام شاحنة مسرعة متسقا مع تحذير صدر عام 2014 عن أبو محمد العدناني، المتحدث باسم تنظيم داعش عن جهاديين جدد يتطلعون لقتل مواطنين فرنسيين وأميركيين، لكن من دون قنابل في أيديهم.
«حطم رأسه بحجر، أو اذبحه بسكين، أو ادهسه بسيارتك»، كانت تلك نصيحة العدناني.
وقال فالاس إن أقوى الاحتمالات ترجح أن يكون للمهاجمين علاقة بدوائر الإسلام الأصولي المتطرف. وقال فالاس في تصريح لقناة فرانس 2 التلفزيونية: «من المحتمل أن يكون بوهلال إرهابيا ذا صلة بدوائر التطرف بشكل أو بآخر». غير أن وزير الداخلية الفرنسي برنارد كازينوفا كان أكثر حذرا حيث قال: «لدينا شخص لم تعرف الجهات الاستخباراتية أي صلة بيه وبين الإسلام الأصولي»، مشيرا إلى أن اسمه لم يكن مسجلا في أي قاعدة بيانات استخباراتية فرنسية عن الإرهاب الأصولي.
أضاف وزير الداخلية الفرنسي أن التحريات الجارية ستكشف عما إذا كان المتهم قد خطط بمفرده لأنه مضطرب نفسي، أم أنه على صلة بشبكة إرهابية. أفاد جيران شقة بوهلال التي تقع أعلى تل يطل على المدينة أنهم لم يشاهدوه يرتاد مسجد المنطقة مطلقا ولم يسمعوه يذكر كلمة الدين في حديثه، وأنهم نادرا ما سمعوه يتحدث وأنه كان دوما في حالة غضب شديد، خصوصا بعدما انتهيت زيجته بالطلاق.
*خدمة: «نيويورك تايمز»