انقلاب تركيا.. 8 ساعات وأحكم إردوغان قبضته على البلاد

مظاهرات وقتلى في الشوارع.. واعتقال آلاف الجنود والقضاة بعد ليلة دامية

مواطنون أتراك يتصدون لدبابات المتمردين في إسطنبول في ليلة الانقلاب (نيويورك تايمز)
مواطنون أتراك يتصدون لدبابات المتمردين في إسطنبول في ليلة الانقلاب (نيويورك تايمز)
TT

انقلاب تركيا.. 8 ساعات وأحكم إردوغان قبضته على البلاد

مواطنون أتراك يتصدون لدبابات المتمردين في إسطنبول في ليلة الانقلاب (نيويورك تايمز)
مواطنون أتراك يتصدون لدبابات المتمردين في إسطنبول في ليلة الانقلاب (نيويورك تايمز)

تم فصل آلاف الجنود والضباط من المؤسسة العسكرية في محاولة لتطهيرها. وأسقطت طائرة مروحية فوق العاصمة، بينما تناثرت الجثث بالشوارع.
مع بزوغ أول ضوء لفجر أول من أمس، استيقظ الأتراك بعد ليلة عصيبة مفعمة بالقلق والعنف، جعلت بلادهم أشبه بجارتيها اللتين مزقتهما الحروب: العراق وسوريا.
من جانبه، سعى الرئيس رجب طيب إردوغان لإحكام قبضته على البلاد، واستهداف المتورطين في الانقلاب والعناصر الأخرى التي اعتبرها أعداء للدولة.
وظهر الرئيس المحاصر، بعد غياب محير خلال الساعات الأولى من الانقلاب، ليلقي كلمة إلى الأمة في وقت مبكر صباح السبت. كما تواصل مع أنصاره عبر تطبيق «فيس تايم» من هاتفه النقال، ليلجأ بذلك إلى الوسيط ذاته الذي سعى على امتداد فترة طويلة لكبحه.
بادئ الأمر، بدأ المشهد الذي جرى بثه بمختلف أرجاء البلاد، مثيرًا للدهشة، وخصوصا أنه لزعيم دائمًا ما يطرح نفسه كزعيم بالغ القوة، ورأى كثيرون في هذا المشهد بداية النهاية له.
بيد أنه في حقيقة الأمر شكّل نقطة تحول، حيث دعا إردوغان أنصاره إلى النزول إلى الشوارع والتجمع عند مطار إسطنبول، الذي أغلقته قوات عسكرية، من أجل مقاومة الانقلاب.
بحلول ما بعد الظهيرة، وفي أعقاب حالة التأزم التي شهدتها العاصمة أنقرة، نجحت الحكومة في استعادة مقار الجيش التي استولى عليها الانقلابيون. وعاد إردوغان، الذي سبق له الحديث مرارًا عن مؤامرات تحاك ضده، إلى السلطة، وبدا قويًا تمامًا، وربما أكثر معاناة من جنون الاضطهاد. وحسبما تكشّف حتى الآن، فإن محاولة الانقلاب تزيح الستار على نحو مقلق عن بلاد يجري النظر إليها في الغرب كحليف محوري في الحرب ضد الإرهاب، وأحد دعائم الاستقرار داخل منطقة تعج بالقلاقل.
من جانبها، سعت الولايات المتحدة لتعزيز أواصر التعاون مع تركيا، في إطار الحرب ضد «داعش»، في الوقت الذي اعتمدت أوروبا على تركيا للمعاونة في وقف تدفق اللاجئين من البلاد التي تمزقها الحروب بالشرق الأوسط على القارة العجوز.
من جانبها، قالت سيبيل ساملي، منتجة أفلام مستقلة في إسطنبول: «بدت الليلة بأكملها وكأنها يوم القيامة. لقد تكدس الناس بالأسواق لشراء الخبز والبيض والمياه. وتدفقوا على ماكينات الصرافة الآلية للحصول على مال».
جاءت الإشارات الأولى على أن شيئا ما ليس على ما يرام الجمعة، عندما أغلقت قوات عسكرية جسرين عبر مضيق البسفور. بعد ذلك، بدأت مروحيات وطائرات نفاثة في التحليق على ارتفاع منخفض فوق إسطنبول وأنقرة، وانطلقت أصوات طلقات نارية عشوائية.
وفجأة، تركزت أنظار الأتراك على الهواتف المحمولة والتلفزيونات في محاولة لفهم ما يدور. ويبدو أن أحدًا لم يعلم أين يوجد الرئيس.
وانتشرت شائعات بأن القوات المسلحة تتحرك في محاولة إحباط مخطط إرهابي، وأشارت أخرى إلى أن ثمة طائرة مخطوفة تحلق في الأجواء التركية، لكن بمرور الوقت بدأ كثير من الأتراك في التشكك فيما إذا كان انقلابًا عسكريًا يجري على الأرض، بالنظر إلى تاريخ بلادهم الطويل فيما يخص تدخل القوات العسكرية في الشأن السياسي.
وسرعان ما جاءت الإجابة، حيث تحدث رئيس الوزراء بينالي يلدريم عبر التلفزيون، وقال إن فئة مارقة داخل القوات المسلحة حاولت شن انقلاب.
وأعلنت جماعة عسكرية أطلقت على نفسها «مجلس السلام بالوطن» - في إشارة لشعار رفعه المؤسس العلماني لتركيا، مصطفى كمال أتاتورك - في بيان لها، سيطرتها على مقاليد السلطة.
ومن هنا، بدأت أحداث ليلة سريالية امتدت حتى الفجر، سيطر عليها العنف الذي أسفر عن مقتل 265 شخصًا على الأقل، معظمهم من أفراد قوات الأمن، مع اندلاع القتال بين فرق مختلفة للسيطرة على السلطة.
وعلى ما يبدو، شملت هذه الليلة كثيرا من المشاهد الدرامية والصراعات التي عصفت بتركيا في السنوات الأخيرة: مظاهرات في الشوارع، وقتال مرير بين إردوغان ورجل الدين الإسلامي فتح الله غولن الذي كان حليفه ذات يوم، والذي اتهمه إردوغان بالوقوف وراء محاولة الانقلاب، وتفاقم أعمال العنف السياسي والإرهاب.
وظهرت أولى المؤشرات على احتمالية فشل الانقلاب مع اتضاح أن القوات العسكرية أخفقت في السيطرة على منشآت حكومية مهمة، أو القبض على مسؤولين منتخبين، وهي إجراءات عادة ما تكون أول ما يجري في الانقلابات.
وقد اتضح لاحقًا أن الانقلابيين سعوا للقبض على إردوغان في بلدة مرمريس الساحلية، حيث كان يقضي عطلته، لكنهم وصلوا متأخرين للغاية. وظهر إردوغان نفسه من مكان غير معلوم وتحدث إلى الأمة عبر «فيس تايم».
ومرة أخرى، اعتمد إردوغان على القاعدة الشعبية المؤيدة له المتمثلة في المحافظين دينيًا داخل تركيا، مثلما سبق وأن فعل في مواجهته لمظاهرات واسعة عمت الشوارع عام 2013، وعندما سعى للفوز بالانتخابات الرئاسية وضمان فوز حزبه «العدالة والتنمية»، بالانتخابات البرلمانية.
وانضم أئمة المساجد إلى إردوغان في الدعوة إلى المقاومة.
وجاءت الساعة الأكثر رعبًا، قبل هبوط طائرة إردوغان في إسطنبول في الثالثة صباحًا بساعة واحدة، عندما حلقت طائرات نفاثة فوق إسطنبول على ارتفاع منخفض. وترددت أصوات طلقات نيران بمختلف أرجاء المدينة وداخل أنقرة، وسيطر عسكريون على سيارات مدنية لاستخدامها كحواجز للتمترس خلفها. وتواترت أنباء عن وقوع تفجيرات عدة بالبرلمان، وتعرضت مروحية تابعة للانقلابيين للتفجير في السماء. وهبطت مروحية فوق مقر «سي إن إن بالتركية»، وحاول الجنود السيطرة على القناة أثناء بث حي. وفي وقت متأخر من الليل، ومع اختلاط أصوات الحرب مع المؤذنين الذين يحثون الناس على الخروج إلى الشوارع، وتعالي أصوات مواطنين يهتفون «الله أكبر»، بدت المدن التركية أشبه بالأخرى المحاصرة في العراق وسوريا.
* «نيويورك تايمز»



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.