ساحة «الحمام» في الدار البيضاء.. مَعْلم تاريخي بتصميم أوروبي

تعددت أسماؤها وتحيط بها بنايات فخمة من الطراز «النيوموريسكي»

جانب من ساحة محمد الخامس في الدار البيضاء («الشرق الأوسط»)
جانب من ساحة محمد الخامس في الدار البيضاء («الشرق الأوسط»)
TT

ساحة «الحمام» في الدار البيضاء.. مَعْلم تاريخي بتصميم أوروبي

جانب من ساحة محمد الخامس في الدار البيضاء («الشرق الأوسط»)
جانب من ساحة محمد الخامس في الدار البيضاء («الشرق الأوسط»)

ساحة «الحمام» في الدار البيضاء مساحة فسيحة تحيط بها بنايات إدارية وتتوسطها نافورة مياه لا تفارقها أسراب الحمام، باتت وجهة للمارين أمامها وبجانبها، من أجل التقاط الصور والتأمل في مناظرها، وأيضا أخذ قسط من الاستراحة بعد تعب العمل، فأصبحت مَعْلما من المآثر التاريخية للدار البيضاء التي يرى فيها الزوار أنها تتوافق كثيرا مع أبيات الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، حين كتب في إحدى قصائده «يطير الحمام.. يحطّ الحمام.. أعدّي لي الأرض كي أستريح.. فإني أحبّك حتى التعب».
في وسط مدينة الدار البيضاء، وتحديدا بشارع الحسن الثاني، تقع ساحة محمد الخامس، التي سميت في الأصل بالساحة الكبرى وفيما بعد «ساحة النصر»، ثم ساحة ليوطي، ثم الساحة الإدارية، ثم ساحة الأمم المتحدة، لتسمى الآن ساحة محمد الخامس، على اسم الملك الراحل، تخليدا لنضاله من أجل تحرير المغرب.
جرت تحضير الساحة في العشرينات من القرن الماضي تحت إشراف الجنرال ليوطي (أول مقيم عام فرنسي بالمغرب في عهد الاستعمار)، وهي محاطة ببنايات فخمة من الطراز «النيوموريسكي»، وتعد مركز التمثيلية الرسمية لجهة الدار البيضاء الكبرى، فضلا عن الكثير من المباني الإدارية التي يميزها القرميد الأخضر. كما تشكل الساحة الإدارية الأولى للدار البيضاء، وهي المدينة التي كان لها الطموح منذ عام 1900 في أن تتكرس للأنشطة التجارية والأعمال، ستجمع أهم الإدارات والبنايات بالمدينة، وقطبا للأنشطة الرسمية؛ المدنية والعسكرية.
جاء بناء الساحة لتحقيق الفكرة التي كانت تدور في خلد المقيم العام ليوطي حول المدينة الحديثة بالدار البيضاء، حيث استدعى المهندس هنري بروست في 1914 بتوصية من جود كلود نيكولا فروستيي، وهما معا عضوان في المتحف الاجتماعي وشركة المهندسين وخبراء التعمير بفرنسا، وينتميان إلى الجيل من المهندسين الذي يقوم بالترويج وتطوير فرع العلوم الجديد أي التعمير، الذي ابتدأت أفكاره حينذاك تنتشر في كل من أميركا وأوروبا، إذ قدم بروست عام 1915 مخططا لتهيئة الدار البيضاء والرسم التخطيطي الأول للساحة الإدارية، وأقدم بهذه المناسبة على تطبيق عدة مبادئ من مبادئ التعمير: خلق الفضاءات الخضراء، تدرج الطرقات، القانون المؤطر للتعمير، الذي من ضمن ما نص عليه، تحديد ارتفاع المباني، ومعايير قياسها. تحديد المناطق، وهي فكرة جلبها من ألمانيا وتتعلق بوضع مناطق مرتبطة بنشاطات معينة: مركز أعمال (مرتبط بالبناء)، ساحة إدارية، أحياء من أجل الإقامات (الغرب)، المنطقة الصناعية (الشرق).
تحمل ساحة محمد الخامس تصميما أوروبيا، وكان رسمها الأخير موقعا من طرف جوزيف ماراس، وشيدت في موضع المخيمات العسكرية التي أقيمت منذ 1907، حيث صار انفتاحها ممكنا مع استعمال التأثير المستطيل للثكنات العسكرية السابقة، وكانت مهيأة لاستقبال المصالح العمومية (فندق المدينة، مكتب البريد، بنك الدولة، مسرح، ومبنيان للإدارة العسكرية)، وتتميز بتنظيم «كلاسيكي» وضع إخراجا وتركيبا متناظرا على مستوى المحاور على شاكلة الساحات الأوروبية الكبرى.
واستجاب تصميم المباني العمومية بالساحة لتوصيات المقيم العام الجنرال ليوطي الذي أراد الملاءمة ما بين الأصالة والمعاصرة، والاتحاد ما بين التقشف للنمط الحديث وبعض عناصر فن العمارة التقليدي (الزليج، والقرميد الأخضر، والممرات) أثمرت النمط المغربي المحدث (نيو - مغربي)، الذي يمكن التعرف عليه في المدن المغربية، حيث تأسست الإجراءات بشكل قريب من الهندسة العمومية التركية في عهد كمال أتاتورك، خلال عقد العشرينات من القرن الماضي، الاتساق جرى تحديثه بالنسبة للأطراف المركزية للبنايات، المرتبط أحيانا بملحقات أكثر تجريدا، اللقاء ما بين القراءة الممارسة من طرف فريق ليوطي للفن الإسلامي، والرؤية المعاصرة التي تندرج في التقاليد، أبدت خصوبتها وتجديدها، دمج جديد للأنواع المحلية خلق حينها.
يشار إلى أن المسرح البلدي كان من العناصر الأساسية لمشروع الساحة، إذ كان يعطي لشمالها طابعا أكثر جاذبية، إلا أنه دمر خلال بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي، وقال رشيد الأندلسي، رئيس جمعية «ذاكرة البيضاء»، لـ«الشرق الأوسط»، إنه عندما كان المسرح البلدي في الساحة كان يكمل عمل الإدارات اليومي بالسهر وإحياء الكثير من الأمسيات، لكن منذ إغلاقه بات هناك فراغ في الليل، وقال: «نتوقع من بناء المسرح الجديد ملء هذا الفراغ».
وتجري اليوم الاستعدادات لإعادة بناء المسرح الكبير في ساحة محمد الخامس، حيث وضع تصوره على شكل مدينة ثقافية باستثمار إجمالي تصل قيمته إلى 1.4 مليار درهم، وستبدأ أشغال الإنجاز خلال النصف الأول من سنة 2014.
وأوضح الأندلسي أن الدار البيضاء في عهد الحماية الفرنسية كانت مختبرا دوليا للعمران والتعمير، ومنها انطلقت أولى التجارب التي تخص المحافظة على العقار وعلو العمران، معدا أن ساحة محمد الخامس من المعالم الهندسية في المغرب، مشيرا إلى أن لها فنية سياحية.
ويعد مبنى بريد المغرب الذي شيد في الساحة، هو المبنى الإداري الأول، ويبقى دائما بعد مرور قرن من الزمن المبنى المركزي للبريد في الدار البيضاء، ويتضمن لافتة ملحوظة أسفل الأروقة، من الزجاج الأزرق والأبيض التي تسطر على المداخل وعلب البريد، وبالداخل منحوتات حديدية حول الرواق العمومي، على مستويين توجد في مركزهما الساحة التاريخية، وأعيدت تهيئة المبنى في سنوات التسعينات.
يذكر أن مقر الولاية «قصر المدينة» هو من آخر المباني التي شيدت في الساحة، إذ استعملت واجهته ذات الحضور القوي، كديكور خلال تصوير فيلم المخرج الأميركي مارتن سكورسيز «كاندون».
وينتظم البناء في الولاية حول ثلاثة فناءات ذات حزام، تمر الحركة عبر أقبية، بينما يتخلل الأعمدة الزليج المختلف الألوان، ورسوم انطباعية والقرميد الأخضر المطلي، ومرجع هذا البناء هو الأبنية الدينية والرسمية القديمة. وينعت سكان الدار البيضاء المقر الحالي لولاية جهة الدار البيضاء بـ«البلدية» أو «المكانة الكبيرة» (أي الساعة الكبيرة)، وأنشئ هذا المبنى، الذي يمكن رؤيته من بعيد بفضل علو برجه الذي يصل إلى 50 مترا، خلال سنوات الثلاثينات من طرف موريس بويير، وافتتح بشكل مشترك من طرف السلطان محمد بن يوسف، ورئيس الجمهورية الفرنسية ألبير ليبرون، ليكون تحفة فنية معمارية بحق، سواء من الداخل أو الخارج، وخليطا متناسقا من الثقافات.
وبالقرب من مقر الولاية، يوجد «قصر العدالة» الذي يعد جوهرة هندسية من الفترة الاستعمارية، ويمنح هذا المبنى، الذي أنشأه المهندس جوزيف ماراست بين سنتي 1920 و1923، جمالية فريدة لشارع الحسن الثاني.
وكان بنك المغرب، آخر المباني التي شيدت في الساحة، بعد أعمال التوسعة التي أنجزت في عقد التسعينات، يحتضن الرواق المركزي أسفل السقيفة الزجاجية منحوتة مدهشة لقيصر، ونحتت الواجهة الرئيسة التي تقابل الساحة مزينة بغنى أشكال في الصخر، وهي طريقة استمدت مرجعها لدى الهندسة في العصر الموحدي، وفي الداخل واجهات من الزليج ومنحوتات حديدية، وتوشية خشبية تدل على بحث راقٍ إلى أقصى الحدود.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».