«عقود البريكست» أحدث أزمات السوق العقارية البريطانية.. وتوالي إغلاق الصناديق

الأسهم تعاني.. والمبيعات «المكتبية» تخسر 9.2 % من متوسطها النصف سنوي

إعلانات العروض العقارية تتزايد في بريطانيا مع ركود كبير بالسوق (رويترز)
إعلانات العروض العقارية تتزايد في بريطانيا مع ركود كبير بالسوق (رويترز)
TT

«عقود البريكست» أحدث أزمات السوق العقارية البريطانية.. وتوالي إغلاق الصناديق

إعلانات العروض العقارية تتزايد في بريطانيا مع ركود كبير بالسوق (رويترز)
إعلانات العروض العقارية تتزايد في بريطانيا مع ركود كبير بالسوق (رويترز)

استمر التراجع الكبير في قطاع العقارات البريطانية وتوالت التأثيرات السلبية التي تشهدها السوق منذ قرر الناخبون بأغلبية بسيطة اختيار الانفصال عن الاتحاد الأوروبي في نهاية شهر يونيو (حزيران) الماضي. فيما شهدت الأيام القليلة الماضية بزوغ أحدث «صيحات» تبعات الانفصال، حيث ظهرت إلى السطح مشكلة جديدة تتعلق بالبنود التعاقدية التي أبرمت خلال الفترة التي سبقت الاستفتاء مباشرة، والتي احتوت على ما اصطلح على تسميته في الأوساط القانونية والعقارية بـ«بنود (أو عقود) البريكست»، والتي تسمح للمشترين بالانسحاب من الصفقات حال إقرار البريطانيين لخيار الانفصال.
وبدأت المشكلة الجديدة في الظهور على مدار الأيام الماضية، حين سعى بعض المستثمرين إلى التخارج والتحلل من بعض الصفقات التي أبرموها خلال الفترة السابقة، عبر فقرة استحدثتها بعض المكاتب العقارية على العقود الحديثة، تقضي بقانونية ذلك في حال إقرار الانفصال. وعلق مختصون بريطانيون في المجالين العقاري والقانوني بأن ذلك مسموح وفقا لقوانين المملكة المتحدة، التي تتيح وضع بنود «تخارج مشروط» بالعقود. إلا أن حجم هذه العقود المشروطة يبقى أمرًا غير واضح الحدود تماما حتى الآن، نظرا لأنها بنود مستحدثة وغير إلزامية، حيث جرى إضافتها إلى البنود التقليدية من قبل عدد من المكاتب دون تعميم.
ويرى المختصون أن بعض البائعين خلال الفترة الماضية قبلوا بمثل هذه البنود نظرا لأمرين، الأول أنه كان من المستبعد بالنسبة للغالبية العظمى سواء في بريطانيا أو خارجها احتمالية إقرار البريطانيين لخيار الانفصال، والأمر الثاني يتعلق بالسعي إلى طمأنة المشترين والمستثمرين، وإبرام الصفقات في وقت كان يغلب عليه الترقب والحذر، وذلك عبر الموافقة على إدراج بند قانوني كان يعتقد أنه «لا ضرار منه».
وأوضح مدير أحد المكاتب العقارية الأمر، مشبهًا إياه بمشكلات الطلاق، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «الصفقات الكبرى التي تشمل عقودا تنتهي بستة أصفار فأكثر، تتطلب دائما بنودا خاصة. والحالة حاليا تشبه ببساطة الوضع الذي يحدث عند الطلاق، يراجع الطرفان كل البنود التي وردت في عقود الزواج للاستفادة بكل كلمة.. دائما ما يجب على أي متعاقد أن يراجع بدقة كل البنود قبل الإمضاء».
وبدأت خلال الأيام الماضية عدد من المناقشات التي تتصل بهذه البنود في الظهور إلى السطح، بينما يشير الخبراء إلى أن «بعض هذه المناوشات قد تكون لتقليص سعر البيع، بأكثر منها تتعلق بالتراجع تماما عن الصفقات»، إلا أن الأمر يهدد فيما يبدو عددًا غير معلوم من الصفقات التي جرت منذ مطلع العام الحالي.
في غضون ذلك، ومع ركود شديد في حركة التعاملات، نظرًا لإحجام كثير من المستثمرين على الشراء، رغم الخفض الإجباري المتوالي لأسعار البيع، شهدت الكثير من الصناديق العقارية الكبرى تعليقًا مؤقتا لأنشطتها مع تحذيرات لعملائها بخسائر كبرى أو خطط للخروج من السوق البريطانية بشكل جزئي أو كلي، وهو ما أدى إلى هبوط حاد بأسهم القطاع العقاري في بورصة لندن.
وأعلنت مجموعة «إم جي» الاستثمارية مطلع الأسبوع عن تعليق أنشطتها في تداول أسهم محفظة «إم جي العقارية» والصندوق المغذي لها، بصورة مؤقتة، وذلك عقب تزايد «طلبات الاسترداد» من المستثمرين المتعاملين معها بشكل كبير جدا، نتيجة حالة «عدم اليقين» التي ضربت الأسواق البريطانية وبلغت مستويات مقلقة.
وبحسب البيانات المتاحة من الصندوق العقاري، والذي يدير استثمارات في 178 منشأة تجارية في المملكة المتحدة بمختلف القطاعات التجارية والصناعية والمكتبية، فقد ارتفعت طلبات الاسترداد إلى الحد الذي اتخذت معه المجموعة قرارها بتعليق النشاط «حفاظا على مصالح عملائها»، كونه القرار الأفضل حاليا، بما يسمح للصندوق العقاري بمعاودة رفع المستويات النقدية بشكل محكوم، لضمان تحقيق الأصول لقيم معقولة. وقالت الشركة إنها ستراجع قرارها كل 28 يوما للنظر في استمراره من عدمه.
ولحقت «إم جي» في خطوتها بست مجموعات مالية كبرى تدير ما يقدر بنحو 15 مليار جنيه إسترليني من الموجودات في القطاع العقاري التجاري، من مكاتب ومتاجر وغيرها، والتي توجهت نحو إغلاق أبوابها مؤقتًا منذ بداية الأسبوع الماضي بسبب عجزها عن تلبية طلب مستثمرين يريدون استعادة حصصهم. وما يثير القلق هو أن هذه الظاهرة لم تتكرر منذ 2008. والنتيجة هي أن أسهم العقارات والمجموعات المالية التي تتعامل مع هذا القطاع شهدت هبوطا حادا في بورصة لندن.
وأعلنت مجموعتان تديران صناديق عقارية أن قيمة ممتلكاتهما العقارية في بريطانيا تراجعت 15 في المائة على الأقل. حيث نشرت مجموعة «أبردين فاند ماناجيرز» بيانا أوضحت فيه أن المستثمرين الذين يريدون سحب أموالهم من مطلع الأسبوع الماضي عليهم أن يقبلوا بخسارة 17 في المائة من قيمة المبلغ الذي أودع، بالمقارنة مع قيمته قبل ذلك.
وصرح ناطق باسم هذه الشركة المالية لوكالة الصحافة الفرنسية، بأن قيمة 79 عقارا تجاريا لصندوقيها تراجعت بهذه النسبة حسب تقديرات للتقلبات الكبيرة في السوق منذ الاستفتاء. وكانت هذه العقارات تساوي 3.2 مليار جنيه إسترليني في نهاية مايو (أيار) الماضي، أي ما يعادل 3.7 مليار يورو بسعر الصرف الحالي.
أما المجموعة الثانية، وهي «ليغال آند جنرال إينفستمنت مانيجمنت»، فأوضحت أنها فرضت خفضا نسبته 15 في المائة أيضا بسبب انخفاض أسعار العقارات. وتدير صناديق هذه المجموعة أكثر من مائة عقار تجاري كانت قيمتها الإجمالية تبلغ نحو 2.3 مليار جنيه إسترليني في 30 يونيو الماضي.
وإضافة إلى البورصة وتقلباتها المالية المعقدة، أثرت الخطوة البريطانية في قطاع البناء بأكمله. وتراجع مؤشر البناء لشهر يونيو الذي أجري فيه الاستفتاء، للمرة الأولى منذ منتصف عام 2013، وبوتيرة لم تسجل منذ عام 2009 خلال انهيار قطاع العقارات الذي نجم عن الأزمة المالية العالمية.
وفي سياق متصل، أوضح تقرير متخصص لمؤسسة «كوشمان آند ويكفيلد» نهاية الأسبوع الماضي، تراجع معدلات مبيعات المساحات المكتبية خلال النصف الأول من العام الحالي، بنسبة هبوط 9.2 في المائة عن المتوسط النصف سنوي على المدى الطويل.
وأشار التقرير إلى أن سوق «تيمز فالي» العقارية المكتبية شهدت مبيعات لمساحات بلغت نحو 657 ألف قدم مربع خلال النصف الأول من العام، مرجعا ذلك جزئيا إلى بطء الحركة في الربع الثاني من العام، والذي شهد انخفاضا بمعدل 9 في المائة مقارنة بالربع المثيل من العام الماضي، و14 في المائة عن معدل المتوسط الفصلي في آخر 5 أعوام.
وأشار التقرير إلى أنه جرى طرح مساحات بلغت أكثر من 312 ألف قدم مربع خلال الربع الثاني من العام، فيما مثلت 4 صفقات كبرى نسبة نحو 45 في المائة من إجمالي المساحات المباعة بما يشكل نحو 140 ألف قدم مربع، لصالح شركات «أماديوس» للتأمين و«بلاكبيري» و«ألنيلام» و«إنفورماتيكا»، ما يمثل أن الموازين مالت نحو المساحات الكبيرة فوق 15 ألف قدم مربع خلال تلك الفترة.



الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة

الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة
TT

الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة

الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة

يَعدّ المصريون الاستثمار العقاري من بين أكثر أنواع الاستثمار أمناً وعائداً، مع الأسعار المتزايدة يوماً بعد يوم للوحدات السكنية والتجارية في مختلف الأحياء المصرية، بناءً على تغيّرات السوق، وارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء، ورغم أن هذه المتغيرات تحدد سعر المتر السكني والتجاري، فإن بعض الوحدات السكنية قد تشذّ عن القاعدة، ويخرج سعرها عن المألوف لوقوعها في حي راقٍ شهير وسط القاهرة وتطل على النيل، أو حتى في عمارة سكنية شهيرة.
وبتصفح إعلانات بيع الوحدات السكنية على المواقع الإلكترونية والتطبيقات المخصصة لذلك قد يصطدم المشاهد برقم غريب يتجاوز الأسعار المتعارف عليها في الحي بشكلٍ كبير جداً، لتقفز من وحدات سكنية سعرها 3 ملايين جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 15.6 جنيه مصري)، إلى أخرى مجاورة لها بأربعين مليوناً، هذه الإعلانات التي يصفها متابعون بأنها «غريبة جداً» على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط أسئلة منطقية عن السبب الرئيسي وراء هذه الأسعار، التي تؤكد تفوق أسعار بيع بعض الشقق السكنية على أسعار فيلات بالمدن الجديدة.
على كورنيش النيل، تطل واحدة من أشهر العمارات السكنية بحي الزمالك وسط القاهرة، تحديداً في عمارة «ليبون» التي سكنها عدد من فناني مصر المشهورين في الماضي، تُعرض شقة مساحتها 300 متر للبيع بمبلغ 40 مليون جنيه، أي نحو 2.5 مليون دولار، رغم أن متوسط سعر المتر السكني في الحي يبلغ 23 ألف جنيه، وفقاً لموقع «عقار ماب» المتخصص في بيع وشراء الوحدات السكنية في مصر.
ولا يشتري الناس بهذه الأسعار مجرد شقة، بل يشترون ثقافة حي وجيراناً وتأميناً وخدمات، حسب حسين شعبان، مدير إحدى شركات التسويق العقاري بحي الزمالك، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «عمارة ليبون واحدة من أعرق العمارات في مصر، وأعلاها سعراً، والشقة المعروضة للبيع كانت تسكنها الفنانة الراحلة سامية جمال»، مؤكداً أن «هذه الإعلانات تستهدف المشتري العربي أو الأجنبي الذي يبحث عن عقار مؤمّن، وجيراناً متميزين، وثقافة حي تسمح له بالحياة كأنه في أوروبا، فسعر الشقة ربما يكون مماثلاً لسعر فيلا في أفضل التجمعات السكنية وأرقاها في مصر، لكنه يبحث عن شقة بمواصفات خاصة».
وفي عام 2017 أثار إعلان عن شقة بجوار فندق «أم كلثوم» بالزمالك، الجدل، بعد عرضها للبيع بمبلغ 3 ملايين دولار، وتبين فيما بعد أن الشقة ملك للسياسي المصري أيمن نور، لكن شعبان بدوره يؤكد أن «الناس لا تهتم بمن هو مالك الشقة في السابق، بل تهتم بالخدمات والجيران، وهذا هو ما يحدد سعر الشقة».
ويعد حي الزمالك بوسط القاهرة واحداً من أشهر الأحياء السكنية وأعلاها سعرها، حيث توجد به مقرات لعدد كبير من السفارات، مما يجعله مكاناً لسكن الأجانب، وينقسم الحي إلى قسمين (بحري وقبلي) يفصلهما محور (26 يوليو)، ويعد الجانب القلبي هو «الأكثر تميزاً والأعلى سعراً، لأنه مقر معظم السفارات»، وفقاً لإيهاب المصري، مدير مبيعات عقارية، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «ارتفاع الأسعار في الزمالك مرتبط بنقص المعروض في ظل ازدياد الطلب، مع وجود أجانب يدفعون بالعملات الأجنبية، وهم هنا لا يشترون مجرد إطلالة على النيل، بل يشترون خدمات وتأميناً عالي المستوى».
وعلى موقع «أوليكس» المخصص لبيع وتأجير العقارات والأدوات المنزلية، تجد شقة دوبليكس بمساحة 240 متراً في الزمالك مكونة من 4 غرف، معروضة للبيع بمبلغ 42 مليون جنيه، وشقة أخرى للبيع أمام نادي الجزيرة مساحة 400 متر بمبلغ 40 مليون جنيه.
ورغم ذلك فإن أسعار بعض الوحدات المعروضة للبيع قد تبدو مبالغاً فيها، حسب المصري، الذي يقول إن «السعر المعلن عنه غير حقيقي، فلا توجد شقة تباع في عمارة (ليبون) بمبلغ 40 مليون جنيه، وعند تنفيذ البيع قد لا يتجاوز السعر الثلاثين مليوناً، وهو سعر الوحدة السكنية في عمارة (العبد) المطلة على نادي الجزيرة والتي تعد أغلى عقارات الزمالك».
والشريحة المستهدفة بهذه الأسعار هي شريحة مختلفة تماماً عن الشريحة التي يستهدفها الإسكان الاجتماعي، فهي شريحة تبحث عن أسلوب حياة وإمكانيات معينة، كما يقول الخبير العقاري تامر ممتاز، لـ«الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن «التعامل مع مثل هذه الوحدات لا بد أن يكون كالتعامل مع السلع الخاصة، التي تقدم ميزات قد لا تكون موجودة في سلع أخرى، من بينها الخدمات والتأمين».
وتتفاوت أسعار الوحدات السكنية في حي الزمالك بشكل كبير، ويقدر موقع «بروبرتي فايندر»، المتخصص في بيع وتأجير العقارات، متوسط سعر الشقة في منطقة أبو الفدا المطلة على نيل الزمالك بمبلغ 7 ملايين جنيه مصري، بينما يبلغ متوسط سعر الشقة في شارع «حسن صبري» نحو 10 ملايين جنيه، ويتباين السعر في شارع الجبلاية بالجانب القبلي من الحي، ليبدأ من 4.5 مليون جنيه ويصل إلى 36 مليون جنيه.
منطقة جاردن سيتي تتمتع أيضاً بارتفاع أسعار وحداتها، وإن لم يصل السعر إلى مثيله في الزمالك، حيث توجد شقق مساحتها لا تتجاوز 135 متراً معروضة للبيع بمبلغ 23 مليون جنيه، ويبلغ متوسط سعر المتر في جاردن سيتي نحو 15 ألف جنيه، وفقاً لـ«عقار ماب».
وتحتل الشقق السكنية الفندقية بـ«فورسيزونز» على كورنيش النيل بالجيزة، المرتبة الأولى في الأسعار، حيث يبلغ سعر الشقة نحو 4.5 مليون دولار، حسب تأكيدات شعبان والمصري، وكانت إحدى شقق «فورسيزونز» قد أثارت الجدل عندما عُرضت للبيع عام 2018 بمبلغ 40 مليون دولار، وبُرر ارتفاع السعر وقتها بأن مساحتها 1600 متر، وتطل على النيل وعلى حديقة الحيوانات، وبها حمام سباحة خاص، إضافة إلى الشخصيات العربية المرموقة التي تسكن «فورسيزونز».
وتحدد أسعار هذا النوع من العقارات بمقدار الخدمات والخصوصية التي يوفّرها، وفقاً لممتاز، الذي يؤكد أن «العقار في مصر يعد مخزناً للقيمة، ولذلك تكون مجالاً للاستثمار، فالمشتري يبحث عن عقار سيرتفع سعره أو يتضاعف في المستقبل، ومن المؤكد أنه كلما زادت الخدمات، فإن احتمالات زيادة الأسعار ستكون أكبر، خصوصاً في ظل وجود نوع من المستهلكين يبحثون عن مميزات خاصة، لا تتوافر إلا في عدد محدود من الوحدات السكنية».