«حروب المزايدة العقارية» تنتقل من نيويورك إلى الضواحي

«شح المعروض» يشعل «الأسواق الفرعية» ويدخلها خانة الملايين

«حروب المزايدة العقارية» تنتقل من نيويورك إلى الضواحي
TT

«حروب المزايدة العقارية» تنتقل من نيويورك إلى الضواحي

«حروب المزايدة العقارية» تنتقل من نيويورك إلى الضواحي

انتظرت نادية كريفيكوفا وميشيل كريفيكا دورهما في قائمة الانتظار إلى أن ظهر منزل بداية سبتمبر (أيلول) الماضي. بني المنزل القديم الذي تبلغ مساحته 2500 قدم مربع عام 1924 وسط فناء ملائم للعب الأطفال بقرية وتشستر كاونتي بمقاطعة بلهام مانور. في الحقيقة، فإن الزوجين اللذين يعيشان في ولاية مانهاتن، حيث الزوجة تعمل محاسبة، في حين أسس الزوج شركة ثينك مودو، التي تعمل في مجال حملات الفيديو الدعائية، شعرا بالحاجة إلى مساحة إضافية لأطفالهم الصغار.
وبعدما نصحهم وكيل العقارات آرثر لي سينتا، سمسار عقارات لدى مؤسسة هوليهان لورانس، بسرعة الانتقال، ما كان عليهم إلا التوجه لمعاينة المنزل في اليوم التالي مباشرة.
وفي تمام الساعة الخامسة، تقدم الزوجان بعرض يتوافق مع السعر المطلوب كاملا وكان 942 ألف دولار أميركي، غير أن البائعين أرادوا إعطاء أنفسهم بعض الوقت، ومع مرور الوقت رفع الزوجان من قيمة العرض ليصل إلى 999 ألف دولار، لكن البائعين طلبوا مهلة أسبوع آخر. «طلبنا منهم تحديد سعر لرفع المنزل من قائمة المعروض في السوق، وفق السيدة كريفكوفا، لكن ردهم كان لا». ازداد تمسك الزوجين بالبيت، وتشاورا مع السيد سينتا الذي قام بتحليل الأسعار الحالية لمنازل مشابهة ليساعدهم على تحديد السعر الحقيقي دون مغالاة، لأنه في حال تخطى السعر تقييم البنك فقد يتسبب ذلك في مشكلة في التمويل.
في النهاية، تقدم الزوجان صباح الاثنين بأكبر عرض وهو 1.087.000 دولار، منها 15 في المائة دفعة مقدمة، بحسب سينتا بعد ظهيرة اليوم نفسه.
قالت السيدة كريفكوفا: «اتصل آرثر وأبلغنا بوجود تسعة عروض أخرى»، إلا أننا حصلنا على البيت بفارق ثلاثة أو أربعة آلاف دولار، وجاء تقييم البنك متطابقا مع السعر.
انتقلت الأسرة للعيش في البيت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ويتوقع الزوجان قدوم طفل ثالث في أغسطس (آب) المقبل، ويشعران بسعادة غامرة ببيتهم الجديد. لكنهما وصفا الذعر الذي عاشاه إلى أن تمت عملية البيع بأنه «كان بشعا»، بحسب كريفكوفا.

الإقبال يرتفع على الضواحي
«حرب العقارات» التي أصبحت أمرا معتادا في مدينة نيويورك، أصبحت كذلك في الضواحي التي تصلها خطوط المواصلات، ولذلك يتجه المشترون للضواحي، مما يرفع من الطلب عليها ويعزز من حالة الزخم في علميات الشراء في المدن القريبة التي طالما تمتعت بسمعة حسنة نتيجة للمدارس التي تضمها، وبإحساس الحياة المفعم هناك وسهولة المواصلات التي تربطها بالمدن.
قال جوناثان ميلار، رئيس مؤسسة ميلر صامويل للتقييم والبحث العقاري ومقرها نيويورك، إن «المدينة تشبه ذلك الإبريق المملوء بالماء الذي يفيض وينسكب على الأجناب»، فشح المعروض هو سيد الموقف في السوق.
وتشتعل المنافسة في مدينة ويستتشستر، شمال نيوجيرسي التي تعتبر جزءا من لونغ إيلاند، ويتسابق المشترون للانتقال للمنازل الجاهزة ذات الأسعار التي تقل عن مثيلاتها في المدن، أقل من مليون دولار في بعض الأسواق، وأقل من مليوني دولار في أماكن أخرى، في المناطق التي تبعد عن المدينة بمسافة لا تتعدى 40 دقيقة بالقطار، ويزيد الإقبال على الضواحي التي لا تبعد عن المدن سوى مسافة مسير على الأقدام أو محطة قطار واحدة.
غالبا ما تستقطب المنازل ذات الحالة الجيدة، التي جرى تقييم سعرها بشكل مناسب، عروض الشراء خلال أيام قليلة من طرحها في السوق. وكشف تحليل لمبيعات ربع العام الحالي الأول، أجراه ميلر صامويل، الارتفاع الكبير في أسعار العقارات بمنطقة وتشستر، التي وصل متوسطها ما بين 23 في المائة إلى 44 في المائة، لعقارات مطروحة للبيع بسعر يعادل أو يفوق سعرها الذي حدده المالك، مما ينذر بحرب في سوق العقارات في أماكن، مثل لارشمونت، إرفنغتون، برونكسفيل، ووايت بلينس، وبلهام.
ويتراوح قسط التأمين بين 1.7 في المائة إلى 4 في المائة من سعر العقار، الذي يعتبر أقل من السعر في الفترة نفسها من العام الماضي، عندما دفع المشترون أكثر من 5 أو 6 في المائة فوق السعر المطلوب.
ولم تستطع منطقة فيرفيلد كاونتي ولونغ أيلاند تحقيق المبيعات نفسها في الربع الأول، بحسب ميلر. ففي منطقة فيرفيلد كانتري، وستامفورد نوروك، وغرينتش، وفيرفيلد، ويستبورت ودارين جرى بيع 15 في المائة من العقارات المعروضة بأكثر من السعر المطلوب. وفي مناطق لونغ إيلاند، وغاردن سيتي، وهنتنغتون، وليفيتون، وبورت واشنطن، وفرانكلين سكوير، ومنهاسيت، بدأت فيها أمارات الحرب العقارية بزيادة السعر بواقع 1 إلى 3 في المائة.
وقال مير إنه يشك في أن حرب الأسعار تلك كانت أشد وطـأة في العامين الماضيين، في حين باتت «ويستشستر تحتل المسرح الآن».
«لا تغطي مؤسسة ميلر ولاية نيوجيرسي، لكن هناك تبدو سوق العقارات أفضل من أي وقت مضى»، وفق جيفي أوتاو، رئيس مجموعة أوتاو للتقييم العقاري ومقرها إيست برنسويك. ومن بين الأسواق المنتعشة مناطق هوبكين، غلين ريدج، مابلود، مانتكلير، وساوث أورانج، ويرجع ذلك إلى تدني كمية المعروض في السوق.

تقسيم مناطقي
وبحسب سماسرة، بصفة عامة، فإن المشترين لا يقفون في طابور الفخامة الطويل، إذ تبلغ أعلى الأسعار مليونين إلى ثلاثة ملاين دولار، بحسب الموقع، ولا تزال تستجدي المشترين في المنطقة. ويعتبر الطلب متواضعا في تلك المناطق بسبب بعدها عن محطة القطارات، وتقول أوتوا إن «السبب الواضح هو أن الوظائف ذات الأجر المرتفع في المنطقة تقع في مانهاتن».
وأضاف: «إن كانت تلك هي وجهتك، فلن تكفيك ساعات النهار لتستخدم سياراتك».
في الوقت نفسه، فإن سوق العقارات الفاخرة في تلك المدينة التي يمر بها القطار تعتبر ضعيفة أيضا، حيث تتنافس على الحصول على بعض الحوافز من سوق وول ستريت، وتنافس بوتيرة عالية على المعيشة في الحضر. وأضاف أوتوا أنه «بسبب التحسن الكبير الذي طرأ على الحياة الحضرية في القرن العشرين، لم تعد مشكلة كبيرة أن تفكر عند تكوين أسرة في الخروج لتشتري بيتا في الضواحي».

دوافع مالية
غير أن كثيرا من المشترين الذين يفضلون العيش في نيويورك لا يستطيعون الوفاء بذلك ماليا. في منطقة بلهام: «فإن جميع المشترين تقريبا يأتون من المدينة، غالبيتهم من بروكلين»، وفق سينتا، مضيفا: «يجري تقييم سعر العقارات بناء على المساحة الإضافية التي يحتاجونها، فقد زاد عدد الأسرة عن مساحة الشقة ولا يستطيعون الانتقال لشقة أكبر في المكان نفسه».
فخلال رحلة البحث عن منزل والانتقال من واشنطون دي سي، حيث يعمل السيد أنيل إبراهام في سوق المال في نيويورك، مرا هو وزوجته سميتا بكثير من المحطات المهمة، مثل غرينتش، وكون، وغيرها من الأماكن في لووار وتشستر. لكن يوم الأحد الماضي في منتصف شهر مايو (أيار) وضع الزوجان إبراهام كل تركيزهما على المنازل المفتوحة في بيلهام، حيث قالت الزوجة: «بيلهام هي خيارنا الأول، في الحقيقة أحببنا غرينيتش لكنها بعيدة عن خطوط المواصلات».
كانت الأسرة بين أكثر من عشر مشترين، يتفقدون منزلا من ست غرف مصممة على الطراز الجورجي وعرض للبيع بسعر 1.465 مليون دولار أميركي الأسبوع الماضي. بدا الزوجان متيمين بالبيت الجديد المحدّث، وكان أكثر ما أعجبهما المساحة الفسيحة لغرفة النوم وغرفة لاستقبال الأبوين عند الزيارة وغرفة واسعة بالمستوى تحت الأرضي للتمارين. ورغم أن البيت لم يكن مزدحما، فقد كانت وكيلة العقارات كارولين بيكليري التي تعمل لدى مكالين سوذبي إنترناشوينال رياليتي، قد تلقت بالفعل عرضين قبل أن تبدأ. وبحلول المساء، تلقت عرضين جديدين، أحدهما من الزوجين إبراهام.
غير أن البائعين قبلوا أحد العروض القديمة، إذ تقول بكسيلاري: «تلقينا العرض في اليوم الأول لعرض المنزل للبيع»، مضيفة: «شعرنا أنهم جادون وأنه لن تكون هناك أي مشكلات».

مفاوضات طويلة ومضاربات
في بداية الشهر الحالي، دخل الزوجان إبراهام في مفاوضات لشراء منزل آخر في بلهام، إلا أنهما لم يكونا واثقين في وصولهم لاتفاق. ومع اقتراب فصل الربيع وشح سوق العقارات المعروضة، قال إبراهام إنهما سوف يشتريان في مكان آخر في لووار وتشستر، إن دعت الضرورة.
في كل مرة تقدم فيها مايك ووندي بوزو من مدينة جيرسي سيتي بعرض كان هناك دوما من يتقدم بعرض أفضل سعرا، وتكرر هذا الأمر ثلاث مرات خلال رحلة البحث عن بيت في منطقة مونتكلير، ومابلويد، وساوث أورانج. وفي خلال لقاء تم لمعاينة منزل مزدحم بالمشترين يتكون من خمس غرف نوم على طراز «الملكة آن» الفيكتوري، أفاد الزوجان، ولهما طفلان بعمر سنة واحدة وثلاثة أعوام، أنهما بناء على خبراتهما السابقة، يتشككان في أن السعر المطلوب للبيت 539 ألف دولار أميركي أقل كثيرا مما يستحق؛ وأن الغرض من ذلك هو إشعال حرب عقارية لزيادة السعر.
«عليك إضافة مائة ألف دولار على الأقل للسعر المعلن كي تقترب من السعر المتوقع، وبالتأكيد سيزيد الفارق عن مائة ألف دولار»، بحسب بيزو.
بيد أن بيستي سكسيو، التي تعمل في شركة كيلر ويليام في مدينة مونتكلير، التي وضعت المنزل ضمن قائمة العرض مع شريكها جويس سلوس، تختلف في الرأي القائل إن تقدير أسعار المنازل جرى بأقل من المفترض، وذلك بعد إشعار حرب عقارية في الأسعار. إلا أنها اعترفت بأن كثيرا من المنازل جرى تقدير سعرها بأكثر من السعر الحقيقي، خاصة المناول فئة 500.000 إلى 900.000 دولار.
حتى رغم وجود حمامات قديمة تحتاج إلى تحديث، فقد تلقى المنزل الفيكتوري، الذي لا يبعد عن وسط المدينة ومحطة القطارات سوى مسافة سير بسيطة على الأقدام، 13 عرضا للشراء، جميعها بأسعار تفوق المطلوب، وكثير منهم تخطى 20 في المائة فوق السعر الذي طلبه البائع، بحسب كيسيو.
«المشترون كانوا ما زالوا ينتظرون فتح المزاد، وينظرون لموعد بداية العام الدراسي كي يستقروا مع أطفالهم قبل بداية العام، فالوقت يمر».
لم تكن أسرة بيزو من بين من تقدموا لشراء ذلك المنزل، لكن السيدة بيزو، مديرة التسويق الرقمي بشركة ميتلايف، قالت فيما بعد إنهما كانا قد تقدما بعرض لشراء بيت في ميبلوود حصل على القبول.
أحيانا يتسبب السعر المتدني للعقار عند العرض للبيع وسط قائمة العرض في إشعال حرب في المزادات العقارية في المدن التي تعانى من شح المعروض. ففي منطقة وتسون بولاية كونيتيكيت، على سبيل المثال، التي لا يوجد بها محطة قطار أو وسط مدينة، ولذلك تراجعت المبيعات هذا العام، وجد جوان ودوغ كوهين نفسيهما في حرب عقارية غير متوقعة بداية فصل الربيع الماضي عند بيع منزل من ثلاث غرف نوم بمستويين مقابل 635 ألف دولار أميركي. فبعد بيع منزل كبير في ويستبورت منذ عامين، كان الزوجان موهين، ولديهم بنت تبلغ 11 عاما، يعيشان في بيت مستأجر بمنطقة ويستون، في الوقت الذي كانا يبحثان فيه عن منزل متواضع التصميم بسعر 850 ألف دولار.
وقالت السيدة كوهين، التي تعمل في مكتب للمحاسبة: «لم أكن أريد بيتا كبيرا آخر»، ويعمل زوجها كشافا موهوبا لدى شركة توظيف، مضيفة: «نحن نسير على خطة لسبع سنوات، وسوف ننتقل لمكان آخر عندما تكمل ابنتنا المرحلة الثانوية».
الشقة ذات المستويين تعتبر أفضل ما شاهدا، نظرا لأن غيرها من الشقق بالسعر نفسه تحتاج إلى كثير من الجهد. حيث بلغ متوسط مستوى السعر في واتسون خلال الفترة من فبراير (شباط) حتى مايو نحو 780 ألف دولار. كانت لتلك الشقة صالة مفتوحة يصل لها الضوء الطبيعي، ومطبخ حديث وفناء بمساحة هكتارين.

منافسة حامية
ولا يزال الزوجان كوهين في حالة مفاجأة من العرض الذي تقدما به، الذي يقل عن السعر المطلوب، ورغم ذلك أبلغا أنهما يتنافسان مع اثنين آخرين، حينها قررا رفع السعر للفوز بالبيت وكان هذا بداية الشهر الحالي.
في الوقت نفسه، وفي بعض البلدات التي يمر بها القطار في لونغ أيلاند، تباع المنازل بسرعة كبيرة، وفق ماغي كيتس، وكيل عقارات بشركة دوغلاس إليمان العقارية، ومقرها مانهاست وبورت واشنطن، مضيفا: «لديهم مواصلات كافية لكن بموعد مسبق».
ويطلق وكلاء العقارات اسم «إت» على المشترين الذين ينتقلون من المدينة، حيث يستفيد السكان الجدد من المدارس الراقية هناك وخطوط المواصلات لمحطة بن ستيشن ووسط المدينة.
«في كلا التجمعين السكنيين تلحظ حركة تنقل داخلية للسكان، ولا ترى حركة تنقلات ضخمة من القادمين من الخارج، ولذلك ليس هناك قائمة عرض كبيرة، ولذلك عندما يطرأ جديد، ترى الإقبال كبيرا»، بحسب كيتس.
وفي مدينة غاردن سيتي، تستقطب المنازل التي يقل سعرها عن مليون دولار كثيرا من المشترين، بحسب ستيفاني كولام، وكيل عقارات ومدير بشركة كوتش رلتورز.
وقالت السيدة كولام إنه على مدار 23 عاما من العمل في بيع العقارات لم تشاهد مشترين يشترون بيتا للمرة الأولى ويبدون هذا القدر من التصميم والجدية كما حدث في بداية الربيع الحالي.
«كثيرون منهم تقدموا في مزادات وخسروا من قبل، وخرجوا لمشاهدة منازل والحصول عليها هنا»، بحسب كولام.
وفي رأيها، أنه ليست وحدها المنازل ذات السعر المرتفع في المدينة هي التي تلقى إقبالا، فالشقق ذات الإيجار المرتفع تجد من يطلبها أيضا، فمثلا هناك شقة بإيجار يتراوح من 2900 دولار إلى 4500 دولار شهريا، مشيرة إلى حي غاردن سيتي، مضيفة: «تستطيع الحصول على رهن عقاري لذلك».
بالطبع، ليس السعر وحده الحافز لجميع المشترين، حيث قضى جورج وبروك أنتونوبولوس هذا العام بحثا عن بيت في دريان بولاية كويتيكيت. قالت السيدة أنتونوبولس، التي تعمل في مجال المحاسبة، عشنا من قبل في ولاية مانهاتن لعشر سنوات، لكن بعد التفكير في تكوين أسرة، بدأنا في البحث عن صور لشقة جديدة، بالإضافة إلى مستوى الحياة الذي اعتدنا عليه «فناء واسع وحفلات شواء».
وأفاد الزوج، الذي يعمل في أحد صناديق التحوط، أنهما تقدما بعرضين حتى الآن، إلا أن العرضين «فشلا لأسباب كثيرة». وأضاف أنهما لا يواجهان مشكلات مادية، وليسا في حاجة للوقوف في طابور طويل انتظارا لمنزل يقل سعره عن 1.5 مليون دولار مثل غيرهم من المشترين. فبالنظر إلى ميزانيتهم التي تتعدى 4 مليون دولار، فإن السوق يميل في صالحهم.

* خدمة «نيويورك تايمز»



هل تعزز زيادة الإيجار من مستقبل جزيرة كوني في نيويورك؟

أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
TT

هل تعزز زيادة الإيجار من مستقبل جزيرة كوني في نيويورك؟

أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل

يتعين على ديانا كارلين الانتهاء من تأليف الكتاب الذي تعمل عليه بشأن متعة امتلاك بوتيك لولا ستار، ذلك المتجر الصغير والساحر للغاية في ممشى كوني آيلاند، على مدى السنوات الـ19 الماضية. لكن بدلا من ذلك، انتابت السيدة كارلين حالة من الخوف والتوتر منذ أن عرض عليها مالك المتجر الذي تعمل فيه عقدا جديدا للإيجار منذ عدة أسابيع - تزيد فيه القيمة الإيجارية بنسبة 400 في المائة دفعة واحدة. وقالت: «إنني أتساءل إن كان ينبغي علي أن أطلب لافتات (التوقف عن العمل!)».
وفي الصيف الماضي، كانت كوني آيلاند في حي بروكلين بمدينة نيويورك تزدحم بالباحثين عن الاستمتاع على الشواطئ ومختلف أشكال الترفيه الأخرى، ولكنها تميل لأن تكون أكثر هدوءا في فصل الشتاء. وقبل أكثر من عشر سنوات مضت، تعهدت مدينة نيويورك بإنشاء وجهة سياحية ذات حديقة مائية، وساحة كبيرة، وحلبة للتزلج على الجليد، تعمل على مدار السنة، مع ملايين الدولارات من الاستثمارات السكنية والتجارية.
وفي الأثناء ذاتها، قال مايكل بلومبيرغ - عمدة مدينة نيويورك آنذاك، إنه سوف تتم حماية مطاعم الأكل والمتاجر الرخيصة في المنطقة. وكان مارتي ماركويتز رئيس مقاطعة بروكلين قد أعلن في عام 2005 أن الخطة المزمعة سوف تحافظ على الروعة التي تنفرد بها كوني آيلاند مع روح المحبة والمرح المعهودة. ولكن على غرار الكثير من الخطط الكبرى في مدينة نيويورك، لم تتحقق الرؤية الكاملة للمشروع بعد. فلقد بدت كوني آيلاند خالية بصورة رسمية بعد ظهيرة يوم من أيام يناير (كانون الثاني) الماضي، وصارت بعيدة كل البعد عما تعهدت به إدارة المدينة عن الجاذبية والنشاط على مدار العام كما قالت. إذ تهب الرياح الصاخبة على منشآت مدن الملاهي الشهيرة مثل لونا بارك وستيبلشيز بارك، ولكن لا وجود لحلبة التزلج أو الحديقة المائة، حيث لم يتم إنشاء هذه المنشآت قط.
والآن، وفي مواجهة آلة التحسين التي تتحرك بوتيرة بطيئة للغاية، أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند مجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل. تقول السيدة كارلين: «إنهم يحاولون الآن تحويل ساحة اللعب المخصصة لعوام الناس إلى ملعب خاص بالأثرياء فقط».
وكانت السيدة كارلين، رفقة 5 آخرين من أصحاب الشركات الصغيرة في كوني آيلاند - وهم: ناثان فاموس، وروبي بار آند جريل، وبولز دوتر، ومطعم توم، وبيتش شوب - يتفاوضون على عقود جديدة للإيجار تمتد لمدة 10 سنوات مع شركة «زامبيرلا»، وهي الشركة المالكة للمتنزه الإيطالي التي تعاقدت معها مدينة نيويورك قبل عشر سنوات لبناء وإدارة منطقة لونا بارك الترفيهية في كوني آيلاند، والتي تعد الشركات الصغيرة المذكورة جزءا لا يتجزأ منها.
وجاءت شركة «زامبيرلا» بشروط جديدة: زيادة القيمة الإيجارية من 50 إلى 400 في المائة لكل شركة من الشركات المذكورة. وتقول السيدة كارلين عن ذلك: «إنني أعشق كوني آيلاند، والحصول على هذا المتجر على الممشى السياحي كان من أحب أحلام حياتي. ولكن ليست هناك من طريقة أتمكن بها من تحمل الشروط الجديدة».
وفي رسالة وصلت إلى صحيفة «نيويورك تايمز» من أليساندرو زامبيرلا رئيس الشركة المذكورة، جاء فيها: «نحن نهتم بشؤون كوني آيلاند ومستقبلها، ونحن ملتزمون بتحويلها إلى أقوى مجتمع يمكن بناؤه. وذلك هو السبب في تواصلنا مع المستأجرين لضمان نجاح أعمالهم ضمن المحافظة على شخصية كوني آيلاند المميزة».
ورفض السيد زامبيرلا، الذي كان في رحلة سفر إلى إيطاليا، الإجابة عن أسئلة محددة طرحتها عليه صحيفة «نيويورك تايمز»، غير أنه أضاف يقول إن ثلاثة من أصل ست شركات قد وافقت بالفعل على عقود الإيجار الجديدة ووقعت عليها، وإن الشركات الأخرى تحقق تقدما ملموسا على هذا المسار.
أثارت الزيادات المقترحة في القيمة الإيجارية على الشركات الست الصغيرة حالة من الشد والجذب الشديدة المستمرة منذ سنوات داخل كوني آيلاند.
ففي عام 2009، وبعد مواجهة استغرقت 4 سنوات كاملة حول أفضل خطط إحياء وتجديد المنطقة، ابتاعت المدينة تحت رئاسة مايكل بلومبيرغ 7 أفدنة في منطقة الترفيه المضطربة من المطور العقاري جوزيف سيت مقابل 95.6 مليون دولار.
وأراد مايكل بلومبيرغ استعادة المنطقة إلى سابق عهدها، والتي بدأت تواجه الانخفاض منذ ستينات القرن الماضي، من خلال تعزيز تطوير المتاجر والشقق على طول طريق سيرف في المنطقة. وكانت الشركات التي افتتحت في فصل الصيف تنتقل إلى جدول زمني للعمل على مدار العام، مما يساعد على تعزيز رؤية مايكل بلومبيرغ باعتبار كوني آيلاند أكبر مدينة للملاهي الترفيهية والحضرية في البلاد.
ثم استأجرت شركة «زامبيرلا» الأرض من المدينة، مما أتاح لها افتتاح مدينة لونا بارك الترفيهية في عام 2010، مع إملاء عقود الإيجار الخاصة بالشركة مع أصحاب الشركات الصغيرة، ومطالبة هذه الشركات بتسليم جانب من الأرباح المحققة إلى المدينة.
وتعرضت الشركات العاملة على الممشى السياحي في المنطقة للإغلاق، حيث عجزت عن الاتساق مع الرؤية الجديدة للشركة الإيطالية. وكانت شركات صغيرة أخرى، مثل متجر السيدة كارلين، قد عاد للعمل بعد قرار الإخلاء الذي تعرضت له في عهد المطور العقاري جوزيف سيت.
وبحلول عام 2012، كانت جهود الانتعاش جارية على قدم وساق، وشهدت المنطقة نموا في الجماهير والإيرادات. وقالت السيدة كارلين إنها حققت أرباحا بنسبة 50 في المائة تقريبا بعد تولي شركة «زامبيرلا» مقاليد الأمور.
وقال سيث بينسكي، الرئيس الأسبق لمؤسسة التنمية الاقتصادية، حول المنطقة: «يعتقد أغلب الناس أنه قد جرى تطوير المنطقة لتتوافق مع التاريخ المعروف عن كوني آيلاند». ومع ذلك، فإن منطقة الملاهي لا تعمل على مدار السنة. وقال مارك تريغر، عضو مجلس المدينة الممثل لقطاع بروكلين الذي يضم كوني آيلاند، إنه يعتقد أن الوضع الراهن نابع من ندرة الاستثمارات من قبل مجلس المدينة وعمدة نيويورك بيل دي بلاسيو ضمن أهداف المدينة لعام 2009. وقال السيد تريغر: «لا تعرف الشركات إلى أين تذهب كوني آيلاند في ظل إدارة دي بلاسيو للمدينة. فهناك قصور واضح في الرؤية ولا وجود للخطط الشاملة بشأن تحسين المنطقة». وأضاف أن الوعود غير المتحققة منحت شركة «زامبيرلا» قدرا من النفوذ لإضافة المزيد من الأعباء على المستأجرين للمساعدة في استرداد الأرباح المهدرة. وقال إن هؤلاء المستأجرين قد استثمروا أموالهم هناك تحت فكرة تحول هذه المنطقة إلى وجهة سياحية تعمل طوال العام، مع حركة السير على الممشى طيلة السنة، على العكس من 3 إلى 4 أشهر من العمل فقط في العام بأكمله. ولا يمكن لأحد السماح بتحويل الأراضي العامة إلى سلاح باسم الجشع لإلحاق الأضرار بالشركات الصغيرة.
ولقد أعربت السيدة كارلين رفقة العشرات من العمال الآخرين في كوني آيلاند عن اعتراضهم على زيادة القيمة الإيجارية وذلك بالوقوف على درجات سلم مجلس المدينة في أوائل شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وفي مقابلة أجريت مع صحيفة «نيويورك تايمز»، وصف نورمان سيغيل محامي الحقوق المدنية قرار شركة «زامبيرلا» بأنه غير مقبول تماما، وأضاف أنه ينبغي على عمدة نيويورك بيل دي بلاسيو التدخل في الأمر. وأضاف المحامي سيغيل أن إدارة مجلس المدينة يجب أن تطالب الشركة الإيطالية طرح شروط إيجارية معقولة، وإذا لم يحدث ذلك، فينبغي على المدينة التفكير جديا في سحب عقد الإيجار من شركة «زامبيرلا»، التي أفادت في محاولة لتحسين النوايا بأنها سوف تمدد الموعد النهائي للسيدة كارلين لتوقيع عقد الإيجار الخاص بها حتى يوم الأربعاء المقبل.
وقالت السيدة كارلين عن ذلك: «يقضي صاحب الشركة عطلته في إيطاليا في حين أنني أبذل قصارى جهدي لمجرد إنقاذ متجري الصغير ومصدر معيشتي الوحيد». ورفض السيد زامبيرلا وأصحاب الشركات الخمس الأخرى التعليق على عقود الإيجار الخاصة بهم، برغم أن الكثير من الشخصيات المطلعة على الأمر أكدوا أن الزيادة تتراوح بين 50 في المائة للمتاجر الكبيرة و400 في المائة لمتجر السيدة كارلين الصغير، والتي قالت إنها تعتقد أن الشركات الأخرى لم تتحدث عن المشكلة علنا خشية الانتقام من الشركة الإيطالية ومخافة قرارات الطرد.
وأضافت السيدة كارلين تقول: للتعامل مع الزيادات المطلوبة في الإيجار قرر أصحاب المتاجر رفع الأسعار، وإن أحد المطاعم أجرى تغييرات للانتقال من مطعم للجلوس وتناول الطعام إلى مطعم للوجبات السريعة للحد من التكاليف.
واستطردت السيدة كارلين تقول: «حاولت تقديم الالتماس إلى مجلس المدينة مرارا وتكرارا من خلال المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني والاحتجاجات خلال الشهر الماضي - ولكن لم يتغير شيء حتى الآن. وقال لها مجلس المدينة إنه غير قادر على المساعدة وليس هناك الكثير مما يمكن القيام به، ولكنني لا أوافق على ذلك، فهم أصحاب الأرض التي يستأجرها منهم زامبيرلا».
وقال المحامي سيغيل إن الزيادات باهظة للغاية لدرجة أنها قد تكون سببا وجيها للتقاضي، وأضاف: «هناك عدد من السوابق القضائية في ذلك إذا قررت المحكمة أن ما تقوم به الشركة غير معقول، ويمكن أن يكون ذلك من المطالب القانونية المعتبرة في حد ذاتها».
وليست هناك مؤشرات عامة في مجلس المدينة بشأن خطط سحب عقد الإيجار من زامبيرلا، أو التدخل، إذ إن زيادة القيمة الإيجارية لا تنتهك الاتفاقية المبرمة بين مجلس المدينة وبين شركة زامبيرلا. ونفت السيدة جين ماير، الناطقة الرسمية باسم عمدة نيويورك، الادعاءات القائلة بأن إدارة المدينة تفتقد للرؤية الواضحة أو الخطة الشاملة حيال كوني آيلاند. وقالت إن المدينة أنفقت 180 مليون دولار على تطوير البنية التحتية في كوني آيلاند خلال السنوات العشر الماضية، مع التخطيط لتوسيع نظام النقل بالعبّارات في نيويورك إلى كوني آيلاند بحلول عام 2021.
وأضافت السيدة ماير تقول: «تلتزم إدارة المدينة بالمحافظة على شخصية كوني آيلاند مع ضمان الإنصاف والمساواة والاستعداد للمستقبل». في حين تساءل المحامي سيغيل: لمن يُخصص هذا المستقبل؟ وهو من مواطني المدينة ونشأ في حي بروكلين، واعتاد قضاء فترات من الصيف على الممشى السياحي هناك، ويتذكر إنفاق دولار واحد لدخول مدينة الملاهي ثم العودة لتناول وجبة العشاء الشهية لدى مطعم ناثان فاموس المعروف، وقال: «علينا مواصلة الكفاح لإنقاذ كوني آيلاند التي نحبها».
- خدمة «نيويورك تايمز»