ربط تمويل التعليم العالي بمعدلات الأداء.. بين التوازن و«الخطأ الفادح»

ورقة بحثية حديثة: من أدوات «السياسة الفظة» ويعزز من التفاوت التعليمي

انتقادات واسعة لربط الولايات الأميركية تمويل التعليم العالي بمعدلات الأداء
انتقادات واسعة لربط الولايات الأميركية تمويل التعليم العالي بمعدلات الأداء
TT

ربط تمويل التعليم العالي بمعدلات الأداء.. بين التوازن و«الخطأ الفادح»

انتقادات واسعة لربط الولايات الأميركية تمويل التعليم العالي بمعدلات الأداء
انتقادات واسعة لربط الولايات الأميركية تمويل التعليم العالي بمعدلات الأداء

تحاول الولايات التي تواجه قيودا في الميزانية ومطالبات بقدر أكبر من المساءلة في مجال التعليم العالي، ربط تمويل الجامعات والكليات العامة الأميركية بمقدرة الكليات على الاحتفاظ بطلاب الدراسات العليا. ولكن هناك ورقة بحثية جديدة صادرة عن «مؤسسة القرن» تقول إن نماذج التمويل القائمة على الأداء تعزز التفاوت في التعليم العالي العام، ولا تفعل إلا القليل لتحريك مؤشر استكمال التعليم الجامعي في تلك الولايات.
ومؤلف الدراسة، نيكولاس هيلمان الأستاذ المساعد للتعليم في جامعة «ويسكونسن» في ماديسون، يقول إن الحوافز المالية هي من أدوات «السياسة الفظة» التي لا تضع في اعتبارها تعقيدات النتائج التعليمية. حيث يمكن خروج الطلاب عن المسار التعليمي من لحظة التخرج لكثير من الأسباب المختلفة، بما في ذلك قلة الإعداد الأكاديمي أو قلة الأموال المتاحة. أما الكليات ذات الموارد الوفيرة يمكنها بسهولة تغطية تلك الاحتياجات من أجل زيادة معدلات التخرج، ولكن الكليات ذات الموارد المحدودة غالبا ما تكافح لتحقيق نفس الغاية.
تقول الدراسة إن ربط التمويل بالأداء مفضل في الولايات الكبيرة ولدى الكليات الثرية على حساب المؤسسات التعليمية التي تستخدم المساعدات في أغلب الأحيان. وبدلا من التسبب في تفاقم التفاوت التعليمي القائم، ينبغي على الولايات الأميركية تخصيص الموارد للكليات التي توفر الخدمات التعليمية إلى الطلاب الأقل تمثيلا والمعوزين، والتي هي غالبا ما تكون المؤسسات التعليمية ذات الاحتياجات الكبيرة، كما أفادت الدراسة. ويقول السيد هيلمان: «إذا ما أردنا فعلا تحقيق التقدم نحو تحقيق أجندة استكمال التعليم الجامعي وتحسين النتائج التعليمية، فعلينا التأكد أن كل الكليات لدينا على قدم المساواة، من حيث كمية الموارد اللازمة للتنفيذ. لقد سببنا تراجعا كبيرا في كل شيء عندما طالبنا الكليات بالاهتمام بمعدلات الأداء أولا، من دون التعامل الفعلي مع قيود القدرات المالية التي تعاني منها الكليات».
وعملت الكليات بنموذج التمويل القائم على الأداء لمدة تزيد على 40 عاما، ولكن النموذج توقف فعليا في أعقاب الأزمة المالية لعام 2008. وعلى الرغم من استمرار مطالبة الكليات بالدعم المالي لبرامج التعليم العالي على مدى عقود، فإن الأزمة المالية زادت من عمق المشكلة القائمة، في الوقت الذي سارعت فيه المجالس التشريعية إلى جمع ميزانيات الولايات مع تراجع الإيرادات الضريبية. وأصبح ربط الاعتمادات المالية بمعدلات الأداء وسيلة لتشجيع الفعالية والكفاءة ومحاسبة ومساءلة الكليات عن نتائج الطلاب، وفقا لدراسة «مؤسسة القرن».
وتقول جولي بيل، مديرة برنامج التعليم لصالح المؤتمر الوطني للمجالس التشريعية في الولاية، إن «هناك مشكلة حقيقية، وهي أن كثيرا جدا من الطلاب يسقطون من خلال التصدعات التعليمية الراهنة. ويتحتم على الولايات الكفاح من أجل المحافظة على وتيرة التمويل عبر السنين في ظل الميزانيات المحدودة، والمتطلبات بتمويل الرعاية الصحية والسجون».
وأضافت السيدة بيل: «ظلت الولايات تتطلع لمسار مختلف لتمويل التعليم العالي. ويقول المشرعون إن التمويل القائم على الأداء مفيد؛ لأنه يوازن بين أحد أهم الأدوات لديهم، ألا وهو التمويل، مع أحد أهم المسؤوليات لديهم، ألا وهي المساءلة».
وهناك صيغة واحدة للتمويل أو السياسة المالية في 32 ولاية، ومن بينها ولايات فيرجينيا وتينيسي وإنديانا، تلك التي تخصص الأموال للكليات والجامعات العامة بناء على مقاييس مثل استكمال المناهج، وتوقيت الحصول على الدرجات الجامعية، أو عدد الخريجين من ذوي الدخل المنخفض أو من الأقليات، وفقا للمؤتمر الوطني. ويخصص كثير من الولايات التمويل للكليات بناء على مزيج من مخصصات الالتحاق والمخصصات التاريخية. وتقول السيدة بيل إن النموذج القائم على الأداء يغطي ما نسبته 5 إلى 25 في المائة من تمويل أغلب الولايات والمخصص للجامعات.
ويقول توماس هارنيش، مدير العلاقات الحكومية وتحليل السياسات لدى الرابطة الأميركية للكليات والجامعات العامة، إن عمل الولايات يتحسن من حيث التوفيق بين مقاييس الأداء وفقا لرسالة الجامعات، إلى جانب زيادة دخول ذوي الدخل المنخفض والطلاب البالغين.
وأضاف: «لقد صار الأمر أكثر تطورا في السنوات الأخيرة. فمن الناحية السياسية، فإن التمويل القائم على الأداء هو الفائز. ومن زاوية السياسة، فهو لم يحقق أي نجاحات معتبرة حتى الآن».
وفي استجابة لمطالب الأداء، فإن بعض الكليات يستخدم التحليلات التنبؤية في تحديد والتواصل مع الطلاب الذين يتخلفون في دراستهم الجامعية. وبعض الكليات يستهدف المنح المادية والمنح الدراسية للطلاب المعرضين لخطر التسرب التعليمي بسبب مخاوف التمويل. وفي حين أن السيد هيلمان يرى أن تلك الجهود تستحق الثناء، إلا أنه قال إنه ليس هناك كثير من الأدلة التجريبية التي تفيد بأن تلك الجهود تأتي بنتائج أو أنها مستدامة. ولم تحقق الجامعات في بنسلفانيا درجات علمية جديدة، حتى بعد العمل بموجب نموذج التمويل القائم على الأداء لما يقرب من 10 سنوات، وفقا للدراسة. كما فشلت الجامعات في إنديانا كذلك في تحقيق أي تحسن ملموس في إنتاج الدرجات الجامعية، في حين أنها - وفي ذات الوقت - أصبحت أكثر انتقائية وأقل تنوعا. وحتى بعد زيادة ولاية تينيسي للحوافر المالية، لم تتحسن في الجامعات هناك معدلات التخرج أو الاحتفاظ بالطلاب، وفقا للورقة البحثية.
وتتفق السيدة بيل على أن ولاية تينيسي تكتسب مزيدا من الزخم، على الرغم من أن من السابق لأوانه الحكم على مدى النجاح الذي حققته الولاية. وأضافت تقول: «لدى ولاية تينيسي بعض من النتائج الجيدة، وكانت تجري قدرا معتبرا من الأبحاث بغية متابعة ومراجعة الأداء لديها».
وتأرجحت معدلات التخرج صعودا وهبوطا منذ اعتماد ولاية تينيسي نموذج التمويل القائم على الأداء في عام 2010، ولكن الكليات العامة تساعد مزيدا من الطلاب ذوي الدخل المنخفض في الحصول على الدرجات الجامعية، وفقا للبيانات الواردة عن لجنة التعليم العالي في الولاية.
ويحذر السيد هيلمان من تحويل الولايات لمزيد من أموال دافعي الضرائب نحو نماذج التمويل القائمة على الأداء. ويساوره القلق من أن المقاربة لن تتمتع بالقدر الكافي من الفعالية إلا في حالات وظروف محدودة. بدلا من ذلك، كما يقول، ينبغي على الولايات توجيه الأموال لتجسير فجوات عدم المساواة، ومساعدة الكليات ذات الاحتياجات الكبيرة، ودعم التنمية المهنية لأعضاء هيئة التدريس والموظفين في الكليات.

* خدمة «واشنطن بوست»
ــ خاص بـ {الشرق الأوسط}



«شمعة»... قاعدة بيانات مجانية للبحوث التربوية في 17 دولة عربية

لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
TT

«شمعة»... قاعدة بيانات مجانية للبحوث التربوية في 17 دولة عربية

لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»

يقضي الباحثون في العالم العربي أوقاتاً من البحث المضني عن المراجع الإلكترونية التي تساعدهم في تحقيق أغراضهم البحثية. ويدرك هذه المشقة الباحثون الساعون للحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه، فإذا لم يكن لديه إمكانية الدخول إلى قواعد البيانات العلمية العالمية عبر إحدى المكتبات الكبرى، التي عادة لا تتاح كاملة أيضاً، فإن عملية البحث سوف تكلفه آلاف الدولارات لمتابعة والوصول لأحدث الأوراق العلمية المتصلة بمجال بحثه، أو أن مسح التراث العلمي سيتوقف لديه على المراجع الورقية.
بينما يحظى الباحثون في مجال البحوث التربوية بوجود «شمعة»، وهي شبكة المعلومات العربية التربوية (www.shamaa.org) التي توفر لهم أحدث البحوث والدوريات المحكمة من مختلف الجامعات العربية، وبثلاث لغات، هي: العربية، والفرنسية، والإنجليزية مجاناً.
تأسست «شمعة» عام 2007 في بيروت كقاعدة معلومات إلكترونية، لا تبغي الربح، توثق الدراسات التربوية الصادرة في البلدان العربية في مجمل ميادين التربية، من كتب ومقالات وتقارير ورسائل جامعية (الماجستير والدكتوراه) وتتيحها مجاناً للباحثين والمهتمين بالدراسات التربوية. تتميز «شمعة» بواجهة إلكترونية غاية في التنظيم والدقة، حيث يمكنك البحث عن مقال أو أطروحة أو كتاب أو فصل أو عدد أو تقرير. فضلاً عن تبويب وفهرسة رائعة، إذ تشتمل اليوم على أكثر من 36000 ألف دراسة، موزعة بنسبة 87 في المائة دراسات عربية، و11 في المائة دراسات بالإنجليزية و2 في المائة بالفرنسية، وهي دراسات عن العالم العربي من 135 جامعة حول العالم، فيما يخص الشأن التربوي والتعليم، إضافة لأقسام خاصة بتنفيذ مشاريع في التربية كورش تدريبية ومؤتمرات.
لا تتبع «شمعة» أي جهة حكومية، بل تخضع لإشراف مجلس أمناء عربي مؤلف من شخصيات عربية مرموقة من ميادين مختلفة، وبخاصة من الحقل التربوي. وهم: د. حسن علي الإبراهيم (رئيساً)، وسلوى السنيورة بعاصيري كرئيسة للجنة التنفيذية، وبسمة شباني (أمينة السر)، والدكتور عدنان الأمين (أمين الصندوق) مستشار التعليم العالي في مكتب اليونيسكو، وهو أول من أطلق فكرة إنشاء «شمعة» ورئيسها لمدة 9 سنوات.
تستمر «شمعة» بخدمة البحث التربوي بفضل كل من يدعمها من أفراد ومؤسّسات ومتطوعين، حيث تحتفل بالذكرى العاشرة لانطلاقتها (2007 - 2017)، وهي تعمل حاليا على إصدار كتيب يروي مسيرة العشر سنوات الأولى. وقد وصل عدد زائريها إلى نحو 35 ألف زائر شهرياً، بعد أن كانوا نحو ألفي زائر فقط في عام 2008.
تواصلت «الشرق الأوسط» مع المديرة التنفيذية لبوابة «شمعة» ببيروت د. ريتا معلوف، للوقوف على حجم مشاركات الباحثين العرب، وهل يقومون بمدّ البوابة بعدد جيّد من الأبحاث والدراسات، أم لا تزال المعدلات أقل من التوقعات؟ فأجابت: «تغطّي (شمعة) الدراسات التربوية الصّادرة في 17 دولة عربيّة بنسب متفاوتة. ولا شك أن حجم مشاركات الباحثين العرب بمد (شمعة) بالدراسات قد ارتفع مع الوقت، خصوصاً مع توّفر وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي سهّلت لهم عملية المشاركة».
وحول طرق تزويد «شمعة» بالأبحاث والدراسات، أوضحت معلوف أن ذلك يتم من خلال عدّة طرق، وهي: «توقيع اتفاقات شراكة مع كليات التربية في الجامعات العربية والمجلات التربوية المحكمة ومراكز الأبحاث التي تعنى بالتربية والتعليم، كما تتيح اتفاقية تعاون مع مركز المعلومات للموارد التربوية (إريك) (ERIC) تزويد (شمعة) بالدراسات الصادرة باللغة الإنجليزية من الدول العربية أو من باحثين عرب. ونعتبر أن الشراكة مع (إريك) هي خطوة كبيرة ومن أهم الإنجازات كمؤسسة عربية، وأيضاً من خلال اشتراكات بالمجلات الورقية التربوية المحكمة العربية، أو عبر الدراسات المتاحة إلكترونياً على شبكة الإنترنت بالمجان أي عبر مصادر الوصول الحر للمعلومات (Open Access)».
وتضيف: «الجدير بالذكر أيضاً أن (شمعة) وقعت اتفاقية من مستوى عالمي مع شركة (EBSCO Discovery Service EDS) التي تعتبر من أهم موزعي قواعد المعلومات في العالم العربي والغربي».
وتوضح معلوف أنه «يمكن تزويد (شمعة) بالدراسات مباشرة من الباحث عبر استمارة متوافرة على موقع (شمعة)، حيث يقوم الفريق التقني من التأكد من توافقها مع معايير القبول في (شمعة) قبل إدراجها في قاعدة المعلومات».
وحول ما إذا كان الباحثون العرب لديهم ثقافة التعاون الأكاديمي، أم أن الخوف من السرقات العلمية يشكل حاجزاً أمام نمو المجتمع البحثي العلمي العربي، قالت د. ريتا معلوف: «رغم أن مشاركة نتائج الأبحاث مع الآخرين ما زالت تخيف بعض الباحثين العرب، إلا أنه نلمس تقدماً ملحوظاً في هذا الموضوع، خصوصاً أن عدد الدراسات المتوافرة إلكترونياً على شبكة الإنترنت في السنين الأخيرة ارتفع كثيراً مقارنة مع بدايات (شمعة) في 2007، إذ تبلغ حالياً نسبة الدراسات المتوافرة مع نصوصها الكاملة 61 في المائة في (شمعة). فكلما تدنّى مستوى الخوف لدى الباحثين، كلما ارتفعت نسبة الدراسات والأبحاث الإلكترونيّة. وكلما ارتفعت نسبة الدراسات الإلكترونية على شبكة الإنترنت، كلما انخفضت نسبة السرقة الأدبية. تحرص (شمعة) على نشر هذا الوعي من خلال البرامج التدريبية التي تطورّها وورش العمل التي تنظمها لطلاب الماستر والدكتوراه في كليات التربية، والتي تبيّن فيها أهمية مشاركة الأبحاث والدراسات العلمية مع الآخرين».
وحول أهداف «شمعة» في العشر سنوات المقبلة، تؤكد د. ريتا معلوف: «(شمعة) هي القاعدة المعلومات العربية التربوية الأولى المجانية التي توّثق الإنتاج الفكري التربوي في أو عن البلدان العربية. ومؤخراً بدأت (شمعة) تلعب دوراً مهماً في تحسين نوعية الأبحاث التربوية في العالم العربي من خلال النشاطات والمشاريع البحثية التي تنفذها. وبالتالي، لم تعدّ تكتفي بأن تكون فقط مرجعيّة يعتمدها الباحثون التربويون وكلّ من يهتمّ في المجال التربوي عبر تجميع الدراسات وإتاحتها لهم إلكترونيّاً؛ بل تتطلّع لتطوير الأبحاث التربوية العلمية، وذلك لبناء مجتمع تربوي عربي لا يقلّ أهمية عن المجتمعات الأجنبية».