تصعيد جديد بين روسيا وأميركا بعد تبادل طرد دبلوماسيين

موسكو تتهم موظفًا أميركيًا بالتجسس.. وواشنطن: مجرد ادعاءات

تصعيد جديد بين روسيا وأميركا بعد تبادل طرد دبلوماسيين
TT

تصعيد جديد بين روسيا وأميركا بعد تبادل طرد دبلوماسيين

تصعيد جديد بين روسيا وأميركا بعد تبادل طرد دبلوماسيين

بدت بوادر توتر جديد بين موسكو وواشنطن بعد قيام روسيا بطرد اثنين من الدبلوماسيين الأميركيين من موسكو إثر إعلان البيت الأبيض طرد اثنين من موظفي السفارة الروسية ومطالبتهم بمغادرة واشنطن.
وتبادلت الخارجية الأميركية والروسية الاتهامات بتعرض موظفيها الدبلوماسيين للمضايقات، حيث اتهم الكرملين الموظفين الأميركيين بأنهم عملاء لوكالة الاستخبارات الأميركية، بينما ردت الخارجية الأميركية بوصف تصريحات الروس بأنها مجرد ادعاءات لا أساس لها من الصحة، وانتقدت بشدة تعرض دبلوماسي أميركي لهجوم من قبل رجل شرطة روسي قرب السفارة الأميركية في موسكو قبل خمسة أسابيع، حيث أشارت صحيفة «واشنطن بوست» الشهر الماضي أن المضايقات شملت اقتحام منازل موظفي السفارة وبعثرة الأثاث. فيما أشار محللون إلى أن عمليات طرد الدبلوماسيين المتبادل قد يزيد من حدة التوتر القائم بالفعل بين البلدين.
وأبدت الخارجية الأميركية قلقا واضحا حيال طريقة التعامل مع الدبلوماسيين الأميركيين في روسيا، إذ قال جون كيربي المتحدث باسم الخارجية «إننا قلقون جدا من الطريقة التي يتم بها التعامل مع موظفينا خلال العامين الماضيين، وقد أثرنا هذه المخاوف على أعلى المستويات، بما في ذلك الرئيس بوتين»، مضيفا أن هذه «المضايقات زادت حيث تعرض أفراد بعثتنا الدبلوماسية في موسكو للمراقبة والمضايقة من قبل أفراد الأمن وشرطة المرور بشكل كبير، ونحن نجد ذلك غير مقبول».
ووصف كيربي تصريحات المسؤولين الروس بأنها غير دقيقة وغير واقعية، وقال بهذا الخصوص «لقد رأيت التعليقات التي أدلى بها المسؤولون الروس، وهي غير دقيقة وغير واقعية، وموسكو تعلم كل شيء بشكل جيد، ومع ذلك فالولايات المتحدة غير مهتمة بمناقشة الأمر علنا، ونعتقد أن أفضل طريقة للتعامل مع الأمر هو إجراء نقاشات خاصة من حكومة إلى حكومة، وهذه هي الطريقة التي سنواصل القيام بها.. لدينا مخاوف جدية وسنواصل إثارتها على أعلى المستويات في الحكومة الروسية».
ووصف المتحدث باسم الخارجية الأميركية ادعاءات الخارجية الروسية بتعرض دبلوماسييها في الولايات المتحدة لمضايقات بأنها لا أساس لها من الصحة، وقال: إن جميع الدبلوماسيين والموظفين القنصليين في الولايات المتحدة يتمتعون بالحماية التي يوفرها القانون الدولي واتفاقيات فيينا والاتفاقات الثنائية.
ورفض المتحدث باسم الخارجية الأميركية الدخول في تفاصيل أمثلة محددة، مشيرا إلى وقوع الكثير من حوادث المضايقات للدبلوماسيين الأميركيين، وصدور تعليقات غير صحيحة من المسؤولين الروس.
وكانت الخارجية الأميركية قد أعلنت أنها طردت في منتصف يونيو (حزيران) الماضي دبلوماسيين روسيين، ردا على تعرض دبلوماسي أميركي لاعتداء في موسكو على يد شرطي روسي. وقال بيان الخارجية الأميركية إنه «في 17 من يونيو طردنا من الولايات المتحدة مسؤولين روسيين، ردا على هذا الاعتداء الذي تعرض له الدبلوماسي الأميركي في موسكو في 6 من الشهر نفسه».
وأوضحت الخارجية الأميركية أن شرطيا روسيا اعتدى يومها على دبلوماسي أميركي معتمد في روسيا أثناء محاولة الأخير دخول حرم السفارة الأميركية في موسكو بعد التعريف بنفسه. لكن موسكو ترفض هذه الرواية، وتصر على أن الدبلوماسي عميل لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وأنه تهجم على الشرطي أثناء محاولته توقيفه للتدقيق في هويته بعد عودته من مهمة تجسس في المدينة.
وأشار كيربي للصحافيين أن الهجوم على الدبلوماسي الأميركي كان غير مبرر، ويأتي في خضم حوادث أخرى من المضايقات لموظفي السفارة الأميركية.
وأصرت الخارجية الروسية على أن الموظف الأميركي كان يعمل لحساب وكالة المخابرات المركزية، ورفض تقديم وثائق هويته مما دفع رجل الشرطة الروسي للرد، مشيرة إلى أن الشرطي كان يقوم بواجبه في الدفاع عن السفارة الأميركية.
وبالمثل، أعلنت موسكو أنها طردت دبلوماسيين أميركيين ردا على طرد واشنطن اثنين من دبلوماسييها، حيث قال نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف إنه «بعد خطوة (الولايات المتحدة) غير الودية كان على اثنين من دبلوماسيي السفارة الأميركية أن يغادرا موسكو»، موضحا أن «الشخصين الأميركيين غير مرغوب فيهما لقيامهما بأنشطة لا تتماشى مع صفتهما الدبلوماسية».
واتهم ريابكوف الدبلوماسيين بأنهما عميلان لوكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه)، وقال: «إن أحدهما كان طرفا في مشاجرة مع شرطي في موسكو تسببت بعملية طرد الدبلوماسيين هذه. ونحن نأمل بأن تقر واشنطن بسياستها الظالمة إزاء روسيا. وإذا قرروا أن يمضوا قدما على طريق التصعيد فلن يبقى الأمر من دون رد».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟