مجلس النواب الأميركي يمنع بيع طائرات «بوينغ» لإيران

طهران تحمل إدارة أوباما المسؤولية وتعتبر قرار الكونغرس معارضًا للاتفاق النووي

مجلس النواب الأميركي يمنع بيع طائرات «بوينغ» لإيران
TT

مجلس النواب الأميركي يمنع بيع طائرات «بوينغ» لإيران

مجلس النواب الأميركي يمنع بيع طائرات «بوينغ» لإيران

صادق مجلس النواب الأميركي على مشروع قانون يمنع بيع الطائرات الأميركية لإيران، في خطوة من شأنها أن تقوض اتفاقا أبرمته شركة بوينغ الأميركية مع إيران بقيمة 25 مليار دولار، في حين حمل المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، الإدارة الأميركية مسؤولية «ما يعرقل كل ما يتعارض مع الاتفاق النووي».
وبعد أن صوت مجلس النواب الأميركي، أول من أمس، على مشروع قانون يمنع بيع شركة «بوينغ» طائرات إلى إيران، وقوله إن إيران تظل في قائمة الإرهاب، وإن الطائرات يمكن أن تستخدم لأهداف إرهابية، قال مسؤول في البيت الأبيض إن «الرئيس الأميركي باراك أوباما وضع خطة لتطوير العلاقات مع إيران»، من دون أن يتطرق المسؤول إلى استخدام أوباما الفيتو إن وافق الكونغرس، بمجلسيه، على مشروع القانون.
وينص تعديلان على مسودة قانون المخصصات تقدم بهما النائب الجمهوري عن ولاية إيلينوي، بيتر روسكام، على حظر بيع الطائرات لإيران من شركة بوينغ ومنافستها الأوروبية إيرباص، بسبب مخاوف من استخدام هذه الطائرات لأغراض عسكرية.
قبيل التصويت، قال روسكام، أمس، إنه «يوجد احتمال، بعد بيع طائرات بوينغ إلى إيران، أن يستخدمها الحرس الثوري الإيراني في نشاطاته الإرهابية».
وأضاف روسكام أن «تسليم هذا النوع من الطائرات إلى إيران، سيمكنها من تحويلها لأغراض عسكرية... يمكن تحويل هذا الطائرات، وجعلها تحمل نحو مائة من الصواريخ الباليستية، بالإضافة إلى نحو 15 ألف صاروخ من مقاسات مختلفة».
ويحظر أحد التعديلين على «مكتب ضبط الأصول الأجنبية» استخدام أي أموال لمنح التراخيص اللازمة للسماح ببيع الطائرات لإيران. في حين يحظر التعديل الثاني منح أي مؤسسات مالية أميركية قروضا لشراء طائرات يمكن تعديلها بحيث تصبح صالحة للاستخدام العسكري. ويتعين أن يصادق مجلس الشيوخ على هذا الحظر.
أمس، أفادت صحيفة «واشنطن بوست» نقلا عن مسؤول في البيت الأبيض، طلب عدم نشر اسمه أو الإشارة إلى وظيفته، تصميم الرئيس أوباما على المضي في تحسين العلاقات مع إيران.
وأشار المسؤول إلى أن مجلس الشيوخ «يمكن أن يعرقل مشروع القانون قبل أن يصبح قانونا»، من دون تهديد من المسؤول باستخدام الفيتو.
في الشهر الماضي، أعلن التوقيع على اتفاق بين مؤسسة الطيران المدني الإيرانية وشركة «بوينغ» لشراء مائة طائرة مدنية، وذلك بهدف «تجديد الأسطول الإيراني». وبلغت قيمة الصفقة نحو 25 مليار دولار.
قبل ذلك بثلاثة أشهر، وقعت إيران اتفاقية مع شركة «إيرباص» الأوروبية لشراء 118 طائرة مدنية.
أمس، قالت صحيفة «واشنطن بوست» إن بيع طائرات «إيرباص» سيعتمد على موافقة المكتب الأميركي لضبط الأموال الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية، وذلك لأن أكثر من 10 في المائة من مكونات الطائرة تصنع في الولايات المتحدة.
ووصفت وكالة الصحافة الفرنسية صفقة طائرات «بوينغ» بأنها «خطوة كبيرة في العلاقات الاقتصادية الأميركية الإيرانية بعد رفع العقوبات الدولية عن إيران في العام الماضي». وقالت إنها أكبر صفقة تجارية من نوعها بين شركة أميركية وإيران منذ الثورة الإيرانية عام 1979.
وقالت شركة «بوينغ» في بيان عند التوقيع على الاتفاق: «ستستمر بوينغ في الالتزام بتعليمات الحكومة الأميركية فيما يخص العمل مع شركات الطيران الإيرانية. وسيتوقف تنفيذ هذه الاتفاقات مع هذه الشركات على موافقة الحكومة الأميركية».
بدوره، رفض المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، قرار الكونغرس الأميركي بوقف صفقة بوينغ مع إيران، وقال إن الإدارة الأميركية «ملزمة برفع كل ما يتعارض مع الاتفاق النووي».
وأوضح قاسمي أن طهران «يهمها التزام الطرف المقابل بتعهداته»، مضيفا أن طهران «غير معنية بالقضايا الداخلية في الولايات المتحدة وتعتبر الإدارة الأميركية مسؤولة عن تنفيذ التزاماتها في الاتفاق النووي».
ونقلت وكالة «مهر» الحكومية عن قاسمي قوله إن «كيفية تجاوز الموانع الداخلية شأن الإدارة الأميركية»، ملمحا إلى أن «موقف الكونغرس حول الصفقة تأثر بالأجواء الانتخابية والتنافس الداخلي بين التيارات الأميركية قبل الانتخابات الرئاسية»، مضيفا أن «الخلافات الداخلية والتخلي عن الالتزامات يحمل أميركا خسائر يصعب تعوضيها».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟