لا تعلو جريمة انتهاك حرمة الحرمين الشريفين والراكعين السجود، لكنه على مر العصور شهد انتهاكات لحرمة المقدسات، التي باءت بخيبة وسخط في الدنيا والآخرة، ولعل أول محاولة لانتهاك حرمة الحرم المكي ما قام بها أسعد أبو كرب الحميري لهدم الكعبة قبل ظهور الإسلام؛ إذ يشير باحثون إلى أن «هناك 5 محاولات لهدم الكعبة خلال هذه الفترة لكن أشهرها مع قام به أبرهة الحبشي». وقال باحثون في التراث الإسلامي إن «هناك محاولات أخرى خلال العصر الإسلامي عبر الحكم الأموي والعباسي والأيوبي والفاطمي والأيوبي.. انتهاء بما يحدث الآن من تنظيم داعش الإرهابي».
في غضون ذلك، قال الدكتور علي محمد الأزهري، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، إن «من قام بالعمليات الإرهابية ضد الحرمين الشريفين على مر العصور جماعات إرهابية»، لافتا إلى أن «هذه الاعتداءات مدبرة من جماعات إرهابية أو من أفراد يشار إليهم بالتشدد والتطرف».
مضيفا لـ«الشرق الأوسط»: «إن هذه التنظيمات الإرهابية المارقة يكفيها قبحا أن الله تعالى جعل كيد أسلافهم في نحورهم، وأنهم مهما حاولوا النيل من الحرمين فلن ينتصروا».
المسجد الحرام هو أول بيت وضعه الله تعالى لعباده المؤمنين يحيطون به في طوافهم ويجعلونه قبلتهم، وهو موضوع التقديس والإجلال من جميع المؤمنين في جميع العصور وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وقال: «إن هناك 5 محاولات اعتداء شهدتها الكعبة المشرفة قبل ظهور الإسلام أولها ما حدث في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع الميلاديين عندما حاول أسعد أبو كرب الحميري المعروف بـ(تبع) اليمني التعرض للكعبة والقيام بهدمها».
والمحاولة الثانية كانت محاولة حسان بن كلال الذي أقبل من اليمن في حمير وقبائل اليمن ويريد نقل أحجار الكعبة من مكة إلى اليمن.
والمحاولة الثالثة التي قامت بها قبيلة غطفان في شمال الحجاز في القرن الأول قبل الهجرة، التي كان أفرادها قد بنوا بيتا سموه بساء مضاهيا للكعبة، ليطوفوا حوله، وقد حاولوا صرف أنظار العرب عن الكعبة.
وأكد بعض الباحثين أن المحاولة الرابعة، التي هي الأشهر في التاريخ، هي تلك التي قام بها أبرهة الحبشي في حملته المشهورة على الكعبة المشرفة عام 571 ميلادية، التي أسهبت المصادر التاريخية في الحديث عنها، بعد أن بنى أبرهة القليس بصنعاء، وأراد أن يصرف حج العرب إليها بعد أن جعلها تحفة من تحف البناء والعمارة، وقال الأزهري: «إن أبرهة جاء بجيشه وأفياله قاصدا الكعبة لهدمها قبل ميلاد النبي، صلى الله عليه وسلم، فرده الله، تعالى، مدحورا هالكا وسلط عليه طير الأبابيل فجعلته نكالا وعبرة»، لافتا إلى أن الله حفظ الله بيته وقد وقف أهل مكة وقتها يترقبون صنيع أبرهة فقال لهم عبد المطلب: للبيت رب يحميه، فحمى الله بيته ورد كيد أبرهة ومن معه في نحورهم.
وتابع الباحثون: «أما المحاولة الخامسة فكانت في عهد الرومان عندما فكروا في ضرب مكة من داخلها».
وأضاف الأزهري: «أما الاعتداء على الحرمين الشريفين خلال العصر الإسلامي كان خلال الحكم الأموي والعباسي، والعصرين الأيوبي والمملوكي، والفاطمي، وكانت هذه الاعتداءات مدبرة من جماعات إرهابية أو من أفراد - يشار إليهم بالتشدد والتطرف - ففي سنة 64 هجريا في عهد يزيد بن معاوية على يد قائد جيوشه الحصين بن النمير الكندي، الذي كان يسعى خلف عبد الله بن الزبير الذي احتمى ومن معه بالبيت الحرام طلبا للحماية فما كان من الحصين لكنه رمى الكعبة بالمنجنيق فاحترق جزء منها وتهدمت، فقام ابن الزبير بإعادة بنائها، وأضاف إليها ستة أذرع وجعل لها بابين وأدخل فيها الحجر الأسود».
وقال عضو هيئة التدريس بالأزهر: «إن هناك هجمة أخرى في سنة 73 هجريا في عهد هشام بن عبد الملك، وكانت الهجمة بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي؛ حيث ضرب الحجاج الثقفي الكعبة بالمنجنيق حتى يقتل عبد الله بن الزبير بن العوام الذي دخل في جوف الكعبة ومن معه، فتهدم حائطها الشمالي، فضلا عن انتهاك آخر في زمن القرامطة عام 317 هجريا، وهذه الفرقة المنحرفة الخارجة ظهرت في البحرين على يد حمدان بن الأشعث الذي كان يلقب بقرمطويه، قاموا بحملة على مكة المكرمة بقيادة أبي سعيد الجنابي، وذبحوا في يوم واحد ثلاثين ألف حاج من الرجال والنساء والأطفال أثناء طوافهم، كما سرقوا ستار الكعبة وحجرها الأسود وأبقوه عندهم ما يزيد على العقدين من الزمان حتى هدد الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمي زعيم القرامطة آنذاك أبو طاهر القرمطي، بضرورة إعادة إرجاع الحجر الأسود إلى مكانه ووضع أستار الكعبة عليها، وإلا حاربه حربا لا هوادة فيها فما كان من القرامطة إلا أن أذعنوا للتهديد وأعادوا الحجر الأسود ليعود موسم الحج بعد تعطيله 22 سنة.
في السياق ذاته، قال الباحثون: «إن هناك انتهاكات أخرى على الحرمين الشريفين منها، محاولة الإرهابي جهيمان الفاشلة ضد الحرم المكي عام 1980، إضافة إلى محاولات الصفويين تحويل الحج من مكة إلى مشهد، ومحاولات قادتها إيران بالتآمر وانتهاك حرمة الحرم المكي والعدوان على مسجد الرسول، التي حدثت في الأعوام من 1980 إلى 1989 من قبل فئة باغية بقصد إثارة الرعب في الأماكن المقدسة».
من جهته، قال الدكتور علي محمد الأزهري، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر: «إن الهجوم الذي وقع أول من أمس في بلاد الحرمين في مدينة سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمر يندى له الجبين، فإن هذه الفرق الخارجة لو فعلت الأفاعيل فلن تتمكن من إلحاق ضر بالمدينة وأهلها، فإن الله، تعالى، قد تكفل بها وبأهلها وبالمسجدين، فإن المدينة لا يدخلها الدجال ولا يُحمل فيها السلاح، ولا تراق فيها الدماء، وإنها حرم آمن، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حرما، وإني حرمت المدينة حراما، ما بين مأزميها، ألا يراق فيها دم، ولا يحمل فيها سلاح لقتال، ولا تخبط فيها شجرة إلا لعلف)».
وأضاف الأزهري أن أهل المدينة في كنف الله، تعالى، ومعيته، فمن أرادهم بسوء أذابه الله، تعالى، كما يذوب الملح في الماء، روى البخاري ومسلم في صحيحهما من حدِيث سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «من أراد أهل المدينة بسوء، أذابه الله كما يذوب الملح في الماء».
وقال عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر: «أن «هذه التنظيمات الإرهابية المارقة يكفيها قبحا أن الله، تعالى، جعل كيد أسلافهم في نحورهم، وأنهم مهما حاولوا النيل من الحرمين فلن ينتصروا؛ لأن الله، تعالى، قال في القرآن: (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم)»، لافتا إلى أنها - أي المدينة - بلد محفوظة وكَّل الله، تعالى، بأهلها الملائكة لحفظهم.
الحرمان الشريفان تاريخ من الصمود في وجه الانتهاكات منذ «الحميري وأبرهة» وصولاً إلى «داعش»
عالم أزهري لـ «الشرق الأوسط»: معظم الاعتداءات عبر العصور كانت مدبرة من جماعات إرهابية وأفراد
الحرمان الشريفان تاريخ من الصمود في وجه الانتهاكات منذ «الحميري وأبرهة» وصولاً إلى «داعش»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة