عقارات لندن تخضع لـ«موسم تخفيضات إجباري» بعد «البريكست»

المنازل الفاخرة الأكثر تأثرًا.. والمصارف ترفع شعار «عالي المخاطر» بوجه بريطانيا

عقارات لندن تخضع لـ«موسم تخفيضات إجباري» بعد «البريكست»
TT

عقارات لندن تخضع لـ«موسم تخفيضات إجباري» بعد «البريكست»

عقارات لندن تخضع لـ«موسم تخفيضات إجباري» بعد «البريكست»

بدأت آثار الصدمة الارتدادية الأولى لزلزال خيار الانفصال البريطاني عن أوروبا في الظهور علنا على السوق العقارية البريطانية، مخرجة إلى الساحة نذر «الخطورة» على مستقبل العقار البريطاني، سواء من حيث تراجع حركة الشراء بشكل واضح حيث تمر السوق بمرحلة «الترقب انتظارا للحظة المناسبة»، مع ظهور آلاف الإعلانات التي تسعى لـ«محاولة» إسالة لعاب المشترين عبر «تخفيضات» غير مسبوقة من حيث الكثافة والسرعة، أو من حيث رفع مؤسسات مالية ومصرفية دولية لشعار «عالي المخاطرة» للمرة الأولى في وجه تمويل «العقار البريطاني»، الذي كان يحظى دائمًا بسمعة تصنيفية مرموقة على مدار القرن الماضي، رغم مرور القطاع ببعض الكبوات العابرة على فترات متباعدة.
وكان من المثير أن تشير مجموعة من المؤسسات المصرفية الدولية إلى أنها تفكر في الإحجام عن الاستثمار أو تمويل عمليات شراء العقارات البريطانية لـ«ارتفاع المخاطر»، وهو حدث يعد غير مسبوق في سوق العقارات العالمي عند الحديث على دولة مثل بريطانيا ظلت دائما في تصنيف مالي «ممتاز» منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وفي مطلع الأسبوع الحالي، أوقف بنك «يونايتد أوفرسيز» السنغافوري، ثالث أكبر بنك في سنغافورة، قروض الرهن العقاري في لندن بشكل مؤقت، ليصبح أول بنك سنغافوري يتخذ هذه الخطوة بعد أن حذرت بنوك آسيوية أخرى من مخاطر استثمارية محتملة في أعقاب تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وأحدث خروج بريطانيا اضطرابات في الأسواق العالمية، ودفع الجنيه الإسترليني للهبوط إلى أدنى مستوى في أعوام، مما أثار مخاوف بشأن متانة سوق لندن العقارية التي كانت تجتذب في السابق اهتماما كبيرا من المستثمرين الآسيويين الساعين لتحقيق عائد مستقر.
وقالت متحدثة باسم البنك لـ«رويترز»: «سنتوقف مؤقتا عن تلقي طلبات قروض الرهن العقاري لعقارات في لندن.. في ظل حالة الضبابية نحن بحاجة للتأكد من توخي عملائنا الحذر بشأن استثماراتهم العقارية في لندن».
وعلى الرغم من أن بنك «يونايتد أوفرسيز» هو أول بنك يقدم على مثل هذه الخطوة، فإن التقلب والضبابية منذ إعلان نتيجة استفتاء يوم 23 يونيو (حزيران) الماضي دفعا الكثير من البنوك الآسيوية للتحذير من مخاطر محتملة على العملاء في صفقات عقارات لندن.
وارتفع الدولار السنغافوري عشرة في المائة مقابل الجنيه الإسترليني منذ الاستفتاء، مما أدى إلى تآكل قيمة الأصول الموجودة في بريطانيا. وقالت عدة بنوك آسيوية الخميس الماضي، إنها تصدر مذكرات للعملاء بشأن المخاطر المحتملة على الرغم من أنها ما زالت تصدر قروضا للرهن العقاري في لندن.
داخليًا، تمر السوق بحركة ركود واسعة على مدار الأيام الماضية، في انتظار استقرار الأوضاع. ويتروى المشترون والمستثمرون في الإقدام على خطوة الشراء الآن، خشية هبوط الأسعار بشكل أكبر «ربما بعد لحظات من إبرام صفقة ما»، على حسب تعبير أحد العاملين في القطاع العقاري في العاصمة لندن. فيما تشير تقارير إلى أن عددًا من المشروعات الجديدة القائمة حاليا معرض لمخاطر كبرى من حيث فرص البيع، خاصة في القطاع العقاري الفاخر، على غرار المشروع الجديد على ضفة نهر الـ«تايمز» في ضاحية فوكسهول، والذي قد تصل خسائره الاضطرارية في أسعار البيع إلى نحو 40 في المائة من الأسعار المعلنة سابقا.

وسم تخفيضات

من الجهة الأخرى، تشهد السوق العقارية تدفقا هائلا من إعلانات «التخفيضات» في أسعار المنازل المعروضة للبيع على المواقع الإلكترونية العقارية المتخصصة. وأشارت صحيفة «إيفيننغ ستاندرد» الشعبية البريطانية إلى أن هناك أكثر من نحو 13 ألف منزل معروضة للبيع على موقع «زوبلا Zoopla» الإلكتروني، الذي تفضله الأجيال الجديدة للتعامل في السوق العقارية، قد تم تخفيض أسعارها على الموقع وإدراجها في باب بعنوان «تخفيضات»، وهو ما يشير بحسب الصحيفة إلى أن نحو منزل من بين كل ستة منازل معروضة شهد تخفيضا للسعر منذ «جمعة الانفصال».
وتشير الأرقام إلى معدل تخفيض سعري يصل في المتوسط إلى نحو 15 في المائة في الأحياء الراقية والمنازل الفاخرة، على غرار نوتينغ هيل وتشيلسي وكينزنغتون، مع توقعات باحتمالية مزيد من الهبوط خلال الفترة المقبلة. وكان وزير المالية جورج أوزبورن تنبأ قبل إجراء الاستفتاء بأن قيمة العقارات ستتراجع بنحو 18 في المائة في حال الانفصال.
ويعزز من تلك الاحتمالات أن العقارات في لندن كانت مقومة بأسعار أعلى من قيمتها الحقيقية، وذلك نتيجة المضاربات والتكالب على الشراء مع نقص المعروض في مقابل الطلب.. ومع التوتر الواسع الذي أصاب السوق، فمن المتوقع أن تهبط أسعار العقارات إلى ما دون قيمتها الفعلية، فاقدة ما يحوم حول 20 في المائة من سعرها قبل «البريكست».
ويترقب المستثمرون الأجانب السوق انتظارا للحظة المناسبة لقنص الفرص، حيث أسهم الهبوط الحاد لسعر الجنيه الإسترليني مقابل العملات الرئيسية في حدوث انخفاض مزدوج لأسعار العقارات البريطانية، مرة نتيجة فرق أسعار العملة، ومرة نتيجة تخفيضات الأسعار بحثا عن مشتر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل انهيار السوق.. لكن «الخوف من المستقبل» يبقى عامل «طرد» لأغلب المستثمرين في الوقت الحالي؛ وتحدد مساحة المخاطرة والمغامرة لدى المستثمر قابليته للشراء من عدمه في خلال الأيام المقبلة.

مستقبل السوق

وتظل بريطانيا وخصوصًا العاصمة لندن وجهة شديدة الجاذبية للمستثمرين والدارسين والموظفين الأجانب، ولا يتوقع المحللون أن يصل السوق إلى مرحلة «الانهيار التام»، لكن أغلبهم يتوقع مرحلة صدمة قوية تستمر حتى نهاية العام الحالي، يعقبها تعافٍ بطئ قد يبدأ العام المقبل عقب وضوح الرؤية أمام القيادة السياسية في بريطانيا والعالم حول قضية الانفصال الأوروبي.
وبالنسبة للمستثمرين البريطانيين، قد تكون أجواء الغموض الحالية سببا في الإحجام عن الصفقات العقارية، على الرغم من أن العقارات تعتبر على نطاق واسع أكثر ربحية من أصول آمنة أخرى بسبب نقص المعروض. وقال بول فيرث، مدير قطاع العقارات في شركة «إيروين ميتشل» القانونية، لـ«رويترز»: «عدد من الصفقات التي أعرفها فشلت أو تم تأجيلها بالتأكيد.. الجميع قرروا التوقف حاليا لحين استقرار الوضع الجديد».
وفي إحدى الصفقات، تم تأجيل شراء صندوق استثمارات أميركي خاص لمركز تسوق إقليمي تبلغ قيمته أكثر من 30 مليون جنيه إسترليني (نحو 40 مليون دولار)، بعد التصويت بالانسحاب، لمدة لا تقل عن شهرين وذلك بانتظار استقرار الأسواق.
وأضاف فيرث أن صفقة أخرى كانت شركته تعمل عليها شهدت تعليق شركة فرنسية متخصصة في بيع السلع الكمالية لخططها الخاصة بافتتاح متجر في لندن عقب التصويت.
وقال إن عددا من «صفقاتهم الاستثمارية الهامة» التي تفوق قيمتها 30 مليون إسترليني لكل صفقة توقفت، وهي صفقات كانت تضم مستثمرين بريطانيين بالأساس، لكن تضم مستثمرين أجانب. وأتمت شركته صفقة واحدة تفوق قيمتها أكثر من 40 مليون إسترليني منذ التصويت بالخروج من الاتحاد.
ووفقًا لبحث في يونيو الماضي أجرته شركة «كوشمان آند ويكفيلد» للخدمات العقارية، وصل حجم الاستثمارات العقارية التجارية في بريطانيا إلى 10.7 مليار جنيه إسترليني في أول ثلاثة أشهر من 2016، بما يمثل انخفاضًا نسبته 28 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وكذلك أقل حجم ربع سنوي لها منذ الربع الثاني من 2013. كما ظهرت إشارات أيضًا على أن تداعيات قرار الخروج من التكتل تفيد المستثمرين المحترفين، مثل الصناديق الخاصة، على حساب المشترين الذين قد يعانون بسبب الأوضاع الاقتصادية.

صدمة الداخل

ووفقًا لتقارير متخصصة لقياس المؤشرات الأولية، وقراءات أولية أجرتها «الشرق الأوسط»، فإن ثمة تراجع كبير في حركة العقارات منذ صبيحة الاستفتاء. وإن كان الوقت مبكرا جدا لقياس الأداء العام للسوق خلال المرحلة المقبلة، إلا أن وكلاء عقاريين في العاصمة لندن يرون أن نتيجة الاستفتاء ستنعكس بكل تأكيد على السوق العقارية في المرحلة الأولى للاضطراب، خصوصًا في لندن، وسينخفض الطلب إلى حد ما وستتراجع الأسعار، مشيرين إلى أن ذلك قد يكون كارثة لمواطني بريطانيا الذين سيفقدون جانبا قد يكون كبيرا من قيمة أصولهم العقارية في منازلهم؛ إلا أنه سيكون فرصة جيدة للغاية للمستثمرين والمغامرين الأجانب، للشراء بأسعار منخفضة وسط موجة بيع كبيرة. ويختلف الخبراء حول تأثير الانفصال البريطاني على الاستثمارات الخليجية في بريطانيا، فبينما يرى البعض أن الانفصال وتبعاته على كل القطاعات الاقتصادية والمالية والعقارية تمنح فرصة جيدة جدا للاستثمار خلال الفترة المقبلة، يرى آخرون أن ذلك ينطبق على الاستثمارات «الجديدة» وليس «القائمة»، حيث ستتأثر الأخيرة سلبًا نتيجة انخفاض قيمتها بما يفوق قدرة المستثمر على احتمال الخسائر القصيرة والمتوسطة المدى.

تراجع الاستثمارات

ومنذ مطلع الشهر الماضي، أوضحت مؤشرات كثيرة تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية الجديدة على وجه العموم، والخليجية منها على وجه الخصوص بشكل كبير، وإحجام واسع عن ضخ المزيد من الاستثمارات في العقارات البريطانية، وذلك خشية هبوط الأسعار وانهيارها عقب اختيار البريطانيون الانفصال عن الأوروبي. ويعتبر القطاع العقاري في بريطانيا واحدًا من أهم القطاعات الجاذبة للمستثمرين الأجانب من مختلف أنحاء العالم، خاصة في أعقاب تماسك أسعار العقارات خلال الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت أواخر عام 2008، وخلال أزمة الديون السيادية الأوروبية التي نشبت في أواخر عام 2010.
ويعد المستثمرون الخليجيون الأهم بالنسبة لقطاع العقارات في بريطانيا، حيث تمتلك صناديق استثمار سيادية وخاصة، ومحافظ استثمارية كبرى، أضخم العقارات وأغلاها ثمنًا في وسط العاصمة البريطانية لندن، في الوقت الذي تتحدث فيه كثير من المصادر في السوق عن قلق في أوساط المستثمرين الخليجيين من انهيار في الأسعار عقب الاستفتاء. وبحسب إحصاءات وأرقام غير رسمية، تبلغ تقديرات استثمارات المواطنين الخليجيين في القطاع العقاري في بريطانيا نحو 65 مليار دولار، تنصب أغلبها في لندن واسكوتلندا وويلز.

فرص الخليج

وأشارت توقعات محللين عرب وأجانب في مطلع الأسبوع الماضي إلى أن شهية المستثمرين من الخليج الجدد قد تزداد خلال الفترة المقبلة لاقتناص فرص عقارية «جديدة» في بريطانيا مع الأسعار التي ستتجه إلى الانخفاض حتى نهاية العام، ما قد يرفع إجمالي الاستثمارات هناك إلى نحو 100 مليار دولار، لكن جانبًا من المحللين يرون عكس ذلك، حيث إن الأرقام ربما لا تتغير كثيرا - أو تنخفض - نتيجة اندفاع عدد من أصحاب الاستثمارات العقارية الحالية إلى البيع للتخلص سريعًا من الفجوة السعرية. وفي إطار المحاولات البريطانية لإنقاذ السوق العقارية من الانهيار أعلن بنك «إتس إس بي سي» في وقت متأخر عشية الاستفتاء، يوم الخميس قبل الماضي، أنه قرر خفض الفائدة على الرهون العقارية للمشترين لأول مرة إلى أقل من 1 في المائة، وهذا أدنى مستوى للفائدة على الرهون العقارية في تاريخ بريطانيا، إذ لم تهبط من قبل إلى هذا المستوى، سواء خلال فترة الطفرة أو حتى خلال الركود الذي تزامن مع الأزمة الاقتصادية العالمية التي اندلعت أواخر عام 2008.
ويعد «إتش إس بي سي» أكبر لاعب في السوق العقارية البريطانية وأكبر مقرض على الإطلاق، مما يجعل قراراته ذات تأثير سوقي بارز ومؤشر غاية في الأهمية على السياسات التي تنتهجها البنوك الأخرى. وتعاني سوق العقارات في بريطانيا من ركود ملموس منذ عدة أشهر، بسبب الاعتقاد بأن الخروج من الاتحاد الأوروبي سوف يؤدي إلى انهيار في هذا القطاع، حيث إن نسبة كبيرة من الطلب على الوحدات السكنية يأتي من مهاجرين أوروبيين يتدفقون على بريطانيا للعمل والعيش فيها بسبب أن أوضاعها الاقتصادية أفضل حالاً من غيرها من دول أوروبا.
كما يرى كثير من المتابعين للسوق أن «جزءًا من مشكلة الفقاعة العقارية البريطانية، وسوقها الذي خرج في أجزاء كثيرة وهامة منه عن نطاق سيطرة الطبقة الوسطى إلى حد بعيد، كان يعود إلى أن بريطانيا عضو بالاتحاد الأوروبي، بما يحمله ذلك من تيسيرات وتسهيلات لأثرياء العالم من جهة، مما جعل عملية المزايدة تخرج عن نطاق العقل في كثير من الأحيان.. مع مزاحمة مواطني أوروبا لأهل بريطانيا في المساحات المحدودة للتطوير العقاري من جهة أخرى، مما أسفر عن موجة غلاء فاحشة».
من جهة أخرى، يرى بعض المحللين الاقتصاديين أن تأثير «البريكست» العقاري قد يسفر عن رد فعل عكسي يصب في مصلحة الأسواق العربية، إذ إن الركود المتوقع في الاقتصاد البريطاني قد يدفع المستثمرين البريطانيين والغربيين إلى التوجه بصورة أكثر كثافة إلى أسواق عقارية بالشرق الأوسط، وقد تتجه البوصلة بشكل كبير إلى دبي ومصر والسعودية.



هل تعزز زيادة الإيجار من مستقبل جزيرة كوني في نيويورك؟

أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
TT

هل تعزز زيادة الإيجار من مستقبل جزيرة كوني في نيويورك؟

أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل
أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند ومجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل

يتعين على ديانا كارلين الانتهاء من تأليف الكتاب الذي تعمل عليه بشأن متعة امتلاك بوتيك لولا ستار، ذلك المتجر الصغير والساحر للغاية في ممشى كوني آيلاند، على مدى السنوات الـ19 الماضية. لكن بدلا من ذلك، انتابت السيدة كارلين حالة من الخوف والتوتر منذ أن عرض عليها مالك المتجر الذي تعمل فيه عقدا جديدا للإيجار منذ عدة أسابيع - تزيد فيه القيمة الإيجارية بنسبة 400 في المائة دفعة واحدة. وقالت: «إنني أتساءل إن كان ينبغي علي أن أطلب لافتات (التوقف عن العمل!)».
وفي الصيف الماضي، كانت كوني آيلاند في حي بروكلين بمدينة نيويورك تزدحم بالباحثين عن الاستمتاع على الشواطئ ومختلف أشكال الترفيه الأخرى، ولكنها تميل لأن تكون أكثر هدوءا في فصل الشتاء. وقبل أكثر من عشر سنوات مضت، تعهدت مدينة نيويورك بإنشاء وجهة سياحية ذات حديقة مائية، وساحة كبيرة، وحلبة للتزلج على الجليد، تعمل على مدار السنة، مع ملايين الدولارات من الاستثمارات السكنية والتجارية.
وفي الأثناء ذاتها، قال مايكل بلومبيرغ - عمدة مدينة نيويورك آنذاك، إنه سوف تتم حماية مطاعم الأكل والمتاجر الرخيصة في المنطقة. وكان مارتي ماركويتز رئيس مقاطعة بروكلين قد أعلن في عام 2005 أن الخطة المزمعة سوف تحافظ على الروعة التي تنفرد بها كوني آيلاند مع روح المحبة والمرح المعهودة. ولكن على غرار الكثير من الخطط الكبرى في مدينة نيويورك، لم تتحقق الرؤية الكاملة للمشروع بعد. فلقد بدت كوني آيلاند خالية بصورة رسمية بعد ظهيرة يوم من أيام يناير (كانون الثاني) الماضي، وصارت بعيدة كل البعد عما تعهدت به إدارة المدينة عن الجاذبية والنشاط على مدار العام كما قالت. إذ تهب الرياح الصاخبة على منشآت مدن الملاهي الشهيرة مثل لونا بارك وستيبلشيز بارك، ولكن لا وجود لحلبة التزلج أو الحديقة المائة، حيث لم يتم إنشاء هذه المنشآت قط.
والآن، وفي مواجهة آلة التحسين التي تتحرك بوتيرة بطيئة للغاية، أصبحت مجريات العمل شديدة الغرابة في كوني آيلاند مجبرة على الدخول إلى حالة من عدم اليقين بشأن المستقبل. تقول السيدة كارلين: «إنهم يحاولون الآن تحويل ساحة اللعب المخصصة لعوام الناس إلى ملعب خاص بالأثرياء فقط».
وكانت السيدة كارلين، رفقة 5 آخرين من أصحاب الشركات الصغيرة في كوني آيلاند - وهم: ناثان فاموس، وروبي بار آند جريل، وبولز دوتر، ومطعم توم، وبيتش شوب - يتفاوضون على عقود جديدة للإيجار تمتد لمدة 10 سنوات مع شركة «زامبيرلا»، وهي الشركة المالكة للمتنزه الإيطالي التي تعاقدت معها مدينة نيويورك قبل عشر سنوات لبناء وإدارة منطقة لونا بارك الترفيهية في كوني آيلاند، والتي تعد الشركات الصغيرة المذكورة جزءا لا يتجزأ منها.
وجاءت شركة «زامبيرلا» بشروط جديدة: زيادة القيمة الإيجارية من 50 إلى 400 في المائة لكل شركة من الشركات المذكورة. وتقول السيدة كارلين عن ذلك: «إنني أعشق كوني آيلاند، والحصول على هذا المتجر على الممشى السياحي كان من أحب أحلام حياتي. ولكن ليست هناك من طريقة أتمكن بها من تحمل الشروط الجديدة».
وفي رسالة وصلت إلى صحيفة «نيويورك تايمز» من أليساندرو زامبيرلا رئيس الشركة المذكورة، جاء فيها: «نحن نهتم بشؤون كوني آيلاند ومستقبلها، ونحن ملتزمون بتحويلها إلى أقوى مجتمع يمكن بناؤه. وذلك هو السبب في تواصلنا مع المستأجرين لضمان نجاح أعمالهم ضمن المحافظة على شخصية كوني آيلاند المميزة».
ورفض السيد زامبيرلا، الذي كان في رحلة سفر إلى إيطاليا، الإجابة عن أسئلة محددة طرحتها عليه صحيفة «نيويورك تايمز»، غير أنه أضاف يقول إن ثلاثة من أصل ست شركات قد وافقت بالفعل على عقود الإيجار الجديدة ووقعت عليها، وإن الشركات الأخرى تحقق تقدما ملموسا على هذا المسار.
أثارت الزيادات المقترحة في القيمة الإيجارية على الشركات الست الصغيرة حالة من الشد والجذب الشديدة المستمرة منذ سنوات داخل كوني آيلاند.
ففي عام 2009، وبعد مواجهة استغرقت 4 سنوات كاملة حول أفضل خطط إحياء وتجديد المنطقة، ابتاعت المدينة تحت رئاسة مايكل بلومبيرغ 7 أفدنة في منطقة الترفيه المضطربة من المطور العقاري جوزيف سيت مقابل 95.6 مليون دولار.
وأراد مايكل بلومبيرغ استعادة المنطقة إلى سابق عهدها، والتي بدأت تواجه الانخفاض منذ ستينات القرن الماضي، من خلال تعزيز تطوير المتاجر والشقق على طول طريق سيرف في المنطقة. وكانت الشركات التي افتتحت في فصل الصيف تنتقل إلى جدول زمني للعمل على مدار العام، مما يساعد على تعزيز رؤية مايكل بلومبيرغ باعتبار كوني آيلاند أكبر مدينة للملاهي الترفيهية والحضرية في البلاد.
ثم استأجرت شركة «زامبيرلا» الأرض من المدينة، مما أتاح لها افتتاح مدينة لونا بارك الترفيهية في عام 2010، مع إملاء عقود الإيجار الخاصة بالشركة مع أصحاب الشركات الصغيرة، ومطالبة هذه الشركات بتسليم جانب من الأرباح المحققة إلى المدينة.
وتعرضت الشركات العاملة على الممشى السياحي في المنطقة للإغلاق، حيث عجزت عن الاتساق مع الرؤية الجديدة للشركة الإيطالية. وكانت شركات صغيرة أخرى، مثل متجر السيدة كارلين، قد عاد للعمل بعد قرار الإخلاء الذي تعرضت له في عهد المطور العقاري جوزيف سيت.
وبحلول عام 2012، كانت جهود الانتعاش جارية على قدم وساق، وشهدت المنطقة نموا في الجماهير والإيرادات. وقالت السيدة كارلين إنها حققت أرباحا بنسبة 50 في المائة تقريبا بعد تولي شركة «زامبيرلا» مقاليد الأمور.
وقال سيث بينسكي، الرئيس الأسبق لمؤسسة التنمية الاقتصادية، حول المنطقة: «يعتقد أغلب الناس أنه قد جرى تطوير المنطقة لتتوافق مع التاريخ المعروف عن كوني آيلاند». ومع ذلك، فإن منطقة الملاهي لا تعمل على مدار السنة. وقال مارك تريغر، عضو مجلس المدينة الممثل لقطاع بروكلين الذي يضم كوني آيلاند، إنه يعتقد أن الوضع الراهن نابع من ندرة الاستثمارات من قبل مجلس المدينة وعمدة نيويورك بيل دي بلاسيو ضمن أهداف المدينة لعام 2009. وقال السيد تريغر: «لا تعرف الشركات إلى أين تذهب كوني آيلاند في ظل إدارة دي بلاسيو للمدينة. فهناك قصور واضح في الرؤية ولا وجود للخطط الشاملة بشأن تحسين المنطقة». وأضاف أن الوعود غير المتحققة منحت شركة «زامبيرلا» قدرا من النفوذ لإضافة المزيد من الأعباء على المستأجرين للمساعدة في استرداد الأرباح المهدرة. وقال إن هؤلاء المستأجرين قد استثمروا أموالهم هناك تحت فكرة تحول هذه المنطقة إلى وجهة سياحية تعمل طوال العام، مع حركة السير على الممشى طيلة السنة، على العكس من 3 إلى 4 أشهر من العمل فقط في العام بأكمله. ولا يمكن لأحد السماح بتحويل الأراضي العامة إلى سلاح باسم الجشع لإلحاق الأضرار بالشركات الصغيرة.
ولقد أعربت السيدة كارلين رفقة العشرات من العمال الآخرين في كوني آيلاند عن اعتراضهم على زيادة القيمة الإيجارية وذلك بالوقوف على درجات سلم مجلس المدينة في أوائل شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وفي مقابلة أجريت مع صحيفة «نيويورك تايمز»، وصف نورمان سيغيل محامي الحقوق المدنية قرار شركة «زامبيرلا» بأنه غير مقبول تماما، وأضاف أنه ينبغي على عمدة نيويورك بيل دي بلاسيو التدخل في الأمر. وأضاف المحامي سيغيل أن إدارة مجلس المدينة يجب أن تطالب الشركة الإيطالية طرح شروط إيجارية معقولة، وإذا لم يحدث ذلك، فينبغي على المدينة التفكير جديا في سحب عقد الإيجار من شركة «زامبيرلا»، التي أفادت في محاولة لتحسين النوايا بأنها سوف تمدد الموعد النهائي للسيدة كارلين لتوقيع عقد الإيجار الخاص بها حتى يوم الأربعاء المقبل.
وقالت السيدة كارلين عن ذلك: «يقضي صاحب الشركة عطلته في إيطاليا في حين أنني أبذل قصارى جهدي لمجرد إنقاذ متجري الصغير ومصدر معيشتي الوحيد». ورفض السيد زامبيرلا وأصحاب الشركات الخمس الأخرى التعليق على عقود الإيجار الخاصة بهم، برغم أن الكثير من الشخصيات المطلعة على الأمر أكدوا أن الزيادة تتراوح بين 50 في المائة للمتاجر الكبيرة و400 في المائة لمتجر السيدة كارلين الصغير، والتي قالت إنها تعتقد أن الشركات الأخرى لم تتحدث عن المشكلة علنا خشية الانتقام من الشركة الإيطالية ومخافة قرارات الطرد.
وأضافت السيدة كارلين تقول: للتعامل مع الزيادات المطلوبة في الإيجار قرر أصحاب المتاجر رفع الأسعار، وإن أحد المطاعم أجرى تغييرات للانتقال من مطعم للجلوس وتناول الطعام إلى مطعم للوجبات السريعة للحد من التكاليف.
واستطردت السيدة كارلين تقول: «حاولت تقديم الالتماس إلى مجلس المدينة مرارا وتكرارا من خلال المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني والاحتجاجات خلال الشهر الماضي - ولكن لم يتغير شيء حتى الآن. وقال لها مجلس المدينة إنه غير قادر على المساعدة وليس هناك الكثير مما يمكن القيام به، ولكنني لا أوافق على ذلك، فهم أصحاب الأرض التي يستأجرها منهم زامبيرلا».
وقال المحامي سيغيل إن الزيادات باهظة للغاية لدرجة أنها قد تكون سببا وجيها للتقاضي، وأضاف: «هناك عدد من السوابق القضائية في ذلك إذا قررت المحكمة أن ما تقوم به الشركة غير معقول، ويمكن أن يكون ذلك من المطالب القانونية المعتبرة في حد ذاتها».
وليست هناك مؤشرات عامة في مجلس المدينة بشأن خطط سحب عقد الإيجار من زامبيرلا، أو التدخل، إذ إن زيادة القيمة الإيجارية لا تنتهك الاتفاقية المبرمة بين مجلس المدينة وبين شركة زامبيرلا. ونفت السيدة جين ماير، الناطقة الرسمية باسم عمدة نيويورك، الادعاءات القائلة بأن إدارة المدينة تفتقد للرؤية الواضحة أو الخطة الشاملة حيال كوني آيلاند. وقالت إن المدينة أنفقت 180 مليون دولار على تطوير البنية التحتية في كوني آيلاند خلال السنوات العشر الماضية، مع التخطيط لتوسيع نظام النقل بالعبّارات في نيويورك إلى كوني آيلاند بحلول عام 2021.
وأضافت السيدة ماير تقول: «تلتزم إدارة المدينة بالمحافظة على شخصية كوني آيلاند مع ضمان الإنصاف والمساواة والاستعداد للمستقبل». في حين تساءل المحامي سيغيل: لمن يُخصص هذا المستقبل؟ وهو من مواطني المدينة ونشأ في حي بروكلين، واعتاد قضاء فترات من الصيف على الممشى السياحي هناك، ويتذكر إنفاق دولار واحد لدخول مدينة الملاهي ثم العودة لتناول وجبة العشاء الشهية لدى مطعم ناثان فاموس المعروف، وقال: «علينا مواصلة الكفاح لإنقاذ كوني آيلاند التي نحبها».
- خدمة «نيويورك تايمز»