عقارات لندن تخضع لـ«موسم تخفيضات إجباري» بعد «البريكست»

المنازل الفاخرة الأكثر تأثرًا.. والمصارف ترفع شعار «عالي المخاطر» بوجه بريطانيا

عقارات لندن تخضع لـ«موسم تخفيضات إجباري» بعد «البريكست»
TT

عقارات لندن تخضع لـ«موسم تخفيضات إجباري» بعد «البريكست»

عقارات لندن تخضع لـ«موسم تخفيضات إجباري» بعد «البريكست»

بدأت آثار الصدمة الارتدادية الأولى لزلزال خيار الانفصال البريطاني عن أوروبا في الظهور علنا على السوق العقارية البريطانية، مخرجة إلى الساحة نذر «الخطورة» على مستقبل العقار البريطاني، سواء من حيث تراجع حركة الشراء بشكل واضح حيث تمر السوق بمرحلة «الترقب انتظارا للحظة المناسبة»، مع ظهور آلاف الإعلانات التي تسعى لـ«محاولة» إسالة لعاب المشترين عبر «تخفيضات» غير مسبوقة من حيث الكثافة والسرعة، أو من حيث رفع مؤسسات مالية ومصرفية دولية لشعار «عالي المخاطرة» للمرة الأولى في وجه تمويل «العقار البريطاني»، الذي كان يحظى دائمًا بسمعة تصنيفية مرموقة على مدار القرن الماضي، رغم مرور القطاع ببعض الكبوات العابرة على فترات متباعدة.
وكان من المثير أن تشير مجموعة من المؤسسات المصرفية الدولية إلى أنها تفكر في الإحجام عن الاستثمار أو تمويل عمليات شراء العقارات البريطانية لـ«ارتفاع المخاطر»، وهو حدث يعد غير مسبوق في سوق العقارات العالمي عند الحديث على دولة مثل بريطانيا ظلت دائما في تصنيف مالي «ممتاز» منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وفي مطلع الأسبوع الحالي، أوقف بنك «يونايتد أوفرسيز» السنغافوري، ثالث أكبر بنك في سنغافورة، قروض الرهن العقاري في لندن بشكل مؤقت، ليصبح أول بنك سنغافوري يتخذ هذه الخطوة بعد أن حذرت بنوك آسيوية أخرى من مخاطر استثمارية محتملة في أعقاب تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وأحدث خروج بريطانيا اضطرابات في الأسواق العالمية، ودفع الجنيه الإسترليني للهبوط إلى أدنى مستوى في أعوام، مما أثار مخاوف بشأن متانة سوق لندن العقارية التي كانت تجتذب في السابق اهتماما كبيرا من المستثمرين الآسيويين الساعين لتحقيق عائد مستقر.
وقالت متحدثة باسم البنك لـ«رويترز»: «سنتوقف مؤقتا عن تلقي طلبات قروض الرهن العقاري لعقارات في لندن.. في ظل حالة الضبابية نحن بحاجة للتأكد من توخي عملائنا الحذر بشأن استثماراتهم العقارية في لندن».
وعلى الرغم من أن بنك «يونايتد أوفرسيز» هو أول بنك يقدم على مثل هذه الخطوة، فإن التقلب والضبابية منذ إعلان نتيجة استفتاء يوم 23 يونيو (حزيران) الماضي دفعا الكثير من البنوك الآسيوية للتحذير من مخاطر محتملة على العملاء في صفقات عقارات لندن.
وارتفع الدولار السنغافوري عشرة في المائة مقابل الجنيه الإسترليني منذ الاستفتاء، مما أدى إلى تآكل قيمة الأصول الموجودة في بريطانيا. وقالت عدة بنوك آسيوية الخميس الماضي، إنها تصدر مذكرات للعملاء بشأن المخاطر المحتملة على الرغم من أنها ما زالت تصدر قروضا للرهن العقاري في لندن.
داخليًا، تمر السوق بحركة ركود واسعة على مدار الأيام الماضية، في انتظار استقرار الأوضاع. ويتروى المشترون والمستثمرون في الإقدام على خطوة الشراء الآن، خشية هبوط الأسعار بشكل أكبر «ربما بعد لحظات من إبرام صفقة ما»، على حسب تعبير أحد العاملين في القطاع العقاري في العاصمة لندن. فيما تشير تقارير إلى أن عددًا من المشروعات الجديدة القائمة حاليا معرض لمخاطر كبرى من حيث فرص البيع، خاصة في القطاع العقاري الفاخر، على غرار المشروع الجديد على ضفة نهر الـ«تايمز» في ضاحية فوكسهول، والذي قد تصل خسائره الاضطرارية في أسعار البيع إلى نحو 40 في المائة من الأسعار المعلنة سابقا.

وسم تخفيضات

من الجهة الأخرى، تشهد السوق العقارية تدفقا هائلا من إعلانات «التخفيضات» في أسعار المنازل المعروضة للبيع على المواقع الإلكترونية العقارية المتخصصة. وأشارت صحيفة «إيفيننغ ستاندرد» الشعبية البريطانية إلى أن هناك أكثر من نحو 13 ألف منزل معروضة للبيع على موقع «زوبلا Zoopla» الإلكتروني، الذي تفضله الأجيال الجديدة للتعامل في السوق العقارية، قد تم تخفيض أسعارها على الموقع وإدراجها في باب بعنوان «تخفيضات»، وهو ما يشير بحسب الصحيفة إلى أن نحو منزل من بين كل ستة منازل معروضة شهد تخفيضا للسعر منذ «جمعة الانفصال».
وتشير الأرقام إلى معدل تخفيض سعري يصل في المتوسط إلى نحو 15 في المائة في الأحياء الراقية والمنازل الفاخرة، على غرار نوتينغ هيل وتشيلسي وكينزنغتون، مع توقعات باحتمالية مزيد من الهبوط خلال الفترة المقبلة. وكان وزير المالية جورج أوزبورن تنبأ قبل إجراء الاستفتاء بأن قيمة العقارات ستتراجع بنحو 18 في المائة في حال الانفصال.
ويعزز من تلك الاحتمالات أن العقارات في لندن كانت مقومة بأسعار أعلى من قيمتها الحقيقية، وذلك نتيجة المضاربات والتكالب على الشراء مع نقص المعروض في مقابل الطلب.. ومع التوتر الواسع الذي أصاب السوق، فمن المتوقع أن تهبط أسعار العقارات إلى ما دون قيمتها الفعلية، فاقدة ما يحوم حول 20 في المائة من سعرها قبل «البريكست».
ويترقب المستثمرون الأجانب السوق انتظارا للحظة المناسبة لقنص الفرص، حيث أسهم الهبوط الحاد لسعر الجنيه الإسترليني مقابل العملات الرئيسية في حدوث انخفاض مزدوج لأسعار العقارات البريطانية، مرة نتيجة فرق أسعار العملة، ومرة نتيجة تخفيضات الأسعار بحثا عن مشتر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل انهيار السوق.. لكن «الخوف من المستقبل» يبقى عامل «طرد» لأغلب المستثمرين في الوقت الحالي؛ وتحدد مساحة المخاطرة والمغامرة لدى المستثمر قابليته للشراء من عدمه في خلال الأيام المقبلة.

مستقبل السوق

وتظل بريطانيا وخصوصًا العاصمة لندن وجهة شديدة الجاذبية للمستثمرين والدارسين والموظفين الأجانب، ولا يتوقع المحللون أن يصل السوق إلى مرحلة «الانهيار التام»، لكن أغلبهم يتوقع مرحلة صدمة قوية تستمر حتى نهاية العام الحالي، يعقبها تعافٍ بطئ قد يبدأ العام المقبل عقب وضوح الرؤية أمام القيادة السياسية في بريطانيا والعالم حول قضية الانفصال الأوروبي.
وبالنسبة للمستثمرين البريطانيين، قد تكون أجواء الغموض الحالية سببا في الإحجام عن الصفقات العقارية، على الرغم من أن العقارات تعتبر على نطاق واسع أكثر ربحية من أصول آمنة أخرى بسبب نقص المعروض. وقال بول فيرث، مدير قطاع العقارات في شركة «إيروين ميتشل» القانونية، لـ«رويترز»: «عدد من الصفقات التي أعرفها فشلت أو تم تأجيلها بالتأكيد.. الجميع قرروا التوقف حاليا لحين استقرار الوضع الجديد».
وفي إحدى الصفقات، تم تأجيل شراء صندوق استثمارات أميركي خاص لمركز تسوق إقليمي تبلغ قيمته أكثر من 30 مليون جنيه إسترليني (نحو 40 مليون دولار)، بعد التصويت بالانسحاب، لمدة لا تقل عن شهرين وذلك بانتظار استقرار الأسواق.
وأضاف فيرث أن صفقة أخرى كانت شركته تعمل عليها شهدت تعليق شركة فرنسية متخصصة في بيع السلع الكمالية لخططها الخاصة بافتتاح متجر في لندن عقب التصويت.
وقال إن عددا من «صفقاتهم الاستثمارية الهامة» التي تفوق قيمتها 30 مليون إسترليني لكل صفقة توقفت، وهي صفقات كانت تضم مستثمرين بريطانيين بالأساس، لكن تضم مستثمرين أجانب. وأتمت شركته صفقة واحدة تفوق قيمتها أكثر من 40 مليون إسترليني منذ التصويت بالخروج من الاتحاد.
ووفقًا لبحث في يونيو الماضي أجرته شركة «كوشمان آند ويكفيلد» للخدمات العقارية، وصل حجم الاستثمارات العقارية التجارية في بريطانيا إلى 10.7 مليار جنيه إسترليني في أول ثلاثة أشهر من 2016، بما يمثل انخفاضًا نسبته 28 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وكذلك أقل حجم ربع سنوي لها منذ الربع الثاني من 2013. كما ظهرت إشارات أيضًا على أن تداعيات قرار الخروج من التكتل تفيد المستثمرين المحترفين، مثل الصناديق الخاصة، على حساب المشترين الذين قد يعانون بسبب الأوضاع الاقتصادية.

صدمة الداخل

ووفقًا لتقارير متخصصة لقياس المؤشرات الأولية، وقراءات أولية أجرتها «الشرق الأوسط»، فإن ثمة تراجع كبير في حركة العقارات منذ صبيحة الاستفتاء. وإن كان الوقت مبكرا جدا لقياس الأداء العام للسوق خلال المرحلة المقبلة، إلا أن وكلاء عقاريين في العاصمة لندن يرون أن نتيجة الاستفتاء ستنعكس بكل تأكيد على السوق العقارية في المرحلة الأولى للاضطراب، خصوصًا في لندن، وسينخفض الطلب إلى حد ما وستتراجع الأسعار، مشيرين إلى أن ذلك قد يكون كارثة لمواطني بريطانيا الذين سيفقدون جانبا قد يكون كبيرا من قيمة أصولهم العقارية في منازلهم؛ إلا أنه سيكون فرصة جيدة للغاية للمستثمرين والمغامرين الأجانب، للشراء بأسعار منخفضة وسط موجة بيع كبيرة. ويختلف الخبراء حول تأثير الانفصال البريطاني على الاستثمارات الخليجية في بريطانيا، فبينما يرى البعض أن الانفصال وتبعاته على كل القطاعات الاقتصادية والمالية والعقارية تمنح فرصة جيدة جدا للاستثمار خلال الفترة المقبلة، يرى آخرون أن ذلك ينطبق على الاستثمارات «الجديدة» وليس «القائمة»، حيث ستتأثر الأخيرة سلبًا نتيجة انخفاض قيمتها بما يفوق قدرة المستثمر على احتمال الخسائر القصيرة والمتوسطة المدى.

تراجع الاستثمارات

ومنذ مطلع الشهر الماضي، أوضحت مؤشرات كثيرة تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية الجديدة على وجه العموم، والخليجية منها على وجه الخصوص بشكل كبير، وإحجام واسع عن ضخ المزيد من الاستثمارات في العقارات البريطانية، وذلك خشية هبوط الأسعار وانهيارها عقب اختيار البريطانيون الانفصال عن الأوروبي. ويعتبر القطاع العقاري في بريطانيا واحدًا من أهم القطاعات الجاذبة للمستثمرين الأجانب من مختلف أنحاء العالم، خاصة في أعقاب تماسك أسعار العقارات خلال الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت أواخر عام 2008، وخلال أزمة الديون السيادية الأوروبية التي نشبت في أواخر عام 2010.
ويعد المستثمرون الخليجيون الأهم بالنسبة لقطاع العقارات في بريطانيا، حيث تمتلك صناديق استثمار سيادية وخاصة، ومحافظ استثمارية كبرى، أضخم العقارات وأغلاها ثمنًا في وسط العاصمة البريطانية لندن، في الوقت الذي تتحدث فيه كثير من المصادر في السوق عن قلق في أوساط المستثمرين الخليجيين من انهيار في الأسعار عقب الاستفتاء. وبحسب إحصاءات وأرقام غير رسمية، تبلغ تقديرات استثمارات المواطنين الخليجيين في القطاع العقاري في بريطانيا نحو 65 مليار دولار، تنصب أغلبها في لندن واسكوتلندا وويلز.

فرص الخليج

وأشارت توقعات محللين عرب وأجانب في مطلع الأسبوع الماضي إلى أن شهية المستثمرين من الخليج الجدد قد تزداد خلال الفترة المقبلة لاقتناص فرص عقارية «جديدة» في بريطانيا مع الأسعار التي ستتجه إلى الانخفاض حتى نهاية العام، ما قد يرفع إجمالي الاستثمارات هناك إلى نحو 100 مليار دولار، لكن جانبًا من المحللين يرون عكس ذلك، حيث إن الأرقام ربما لا تتغير كثيرا - أو تنخفض - نتيجة اندفاع عدد من أصحاب الاستثمارات العقارية الحالية إلى البيع للتخلص سريعًا من الفجوة السعرية. وفي إطار المحاولات البريطانية لإنقاذ السوق العقارية من الانهيار أعلن بنك «إتس إس بي سي» في وقت متأخر عشية الاستفتاء، يوم الخميس قبل الماضي، أنه قرر خفض الفائدة على الرهون العقارية للمشترين لأول مرة إلى أقل من 1 في المائة، وهذا أدنى مستوى للفائدة على الرهون العقارية في تاريخ بريطانيا، إذ لم تهبط من قبل إلى هذا المستوى، سواء خلال فترة الطفرة أو حتى خلال الركود الذي تزامن مع الأزمة الاقتصادية العالمية التي اندلعت أواخر عام 2008.
ويعد «إتش إس بي سي» أكبر لاعب في السوق العقارية البريطانية وأكبر مقرض على الإطلاق، مما يجعل قراراته ذات تأثير سوقي بارز ومؤشر غاية في الأهمية على السياسات التي تنتهجها البنوك الأخرى. وتعاني سوق العقارات في بريطانيا من ركود ملموس منذ عدة أشهر، بسبب الاعتقاد بأن الخروج من الاتحاد الأوروبي سوف يؤدي إلى انهيار في هذا القطاع، حيث إن نسبة كبيرة من الطلب على الوحدات السكنية يأتي من مهاجرين أوروبيين يتدفقون على بريطانيا للعمل والعيش فيها بسبب أن أوضاعها الاقتصادية أفضل حالاً من غيرها من دول أوروبا.
كما يرى كثير من المتابعين للسوق أن «جزءًا من مشكلة الفقاعة العقارية البريطانية، وسوقها الذي خرج في أجزاء كثيرة وهامة منه عن نطاق سيطرة الطبقة الوسطى إلى حد بعيد، كان يعود إلى أن بريطانيا عضو بالاتحاد الأوروبي، بما يحمله ذلك من تيسيرات وتسهيلات لأثرياء العالم من جهة، مما جعل عملية المزايدة تخرج عن نطاق العقل في كثير من الأحيان.. مع مزاحمة مواطني أوروبا لأهل بريطانيا في المساحات المحدودة للتطوير العقاري من جهة أخرى، مما أسفر عن موجة غلاء فاحشة».
من جهة أخرى، يرى بعض المحللين الاقتصاديين أن تأثير «البريكست» العقاري قد يسفر عن رد فعل عكسي يصب في مصلحة الأسواق العربية، إذ إن الركود المتوقع في الاقتصاد البريطاني قد يدفع المستثمرين البريطانيين والغربيين إلى التوجه بصورة أكثر كثافة إلى أسواق عقارية بالشرق الأوسط، وقد تتجه البوصلة بشكل كبير إلى دبي ومصر والسعودية.



«كوفيد ـ 19» يوقف إجراءات تسليم المساكن في السودان

ينتظر أن ينطلق برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي لرفع الوعي بهذا النوع من البناء
ينتظر أن ينطلق برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي لرفع الوعي بهذا النوع من البناء
TT

«كوفيد ـ 19» يوقف إجراءات تسليم المساكن في السودان

ينتظر أن ينطلق برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي لرفع الوعي بهذا النوع من البناء
ينتظر أن ينطلق برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي لرفع الوعي بهذا النوع من البناء

في وقت تجري فيه الاستعدادات لعقد اجتماع بين الصندوق القومي للإسكان ووزارة المالية والتخطيط الاقتصادي وبنك السودان، لبحث سبل توفير تمويل لمشروعات الإسكان للمواطنين عبر قروض طويلة الأجل، ألغت الحكومة أول من أمس، وأوقفت، إجراءات تسليم المساكن للموطنين والتقديم لها، خوفاً من حدوث إصابات بـ«كورونا»، أثناء الاصطفاف للتقديم والتسلم.
وكان الصندوق القومي للإسكان قد طرح مباني سكنية جاهزة للمواطنين في معظم المناطق الطرفية بالعاصمة الخرطوم، وبقية الولايات، وذلك ضمن مشروع السودان لتوفير المأوى للمواطنين، الذي سيبدأ بـ100 ألف وحدة سكنية لذوي الدخل المحدود. وقد بدأ المشروع بفئة العمال في القطاعات الحكومية في جميع ولايات السودان العام الماضي، بواقع 5 آلاف منزل للمرحلة الأولى، تسدد بالتقسيط على مدى 7 سنوات. ويتضمن مشروع إسكان عمال السودان 40 مدينة سكنية في جميع مدن البلاد، لصالح محدودي الدخل، ويستفيد من المشروع في عامه الأول أكثر من مليونين.
وقد أقام المواطنون مواقع أمام مقر الصندوق القومي للإسكان، وباتوا يتجمعون يومياً بأعداد كبيرة، ما سبب إزعاجاً لدى إدارة الصندوق والشارع العام، وذلك بعد قرار سياسي من والي ولاية الخرطوم، لدعوة المواطنين للتقديم للحصول على سكن شعبي.
ووفقاً للدكتور عبد الرحمن الطيب أيوبيه الأمين العام المكلف للصندوق القومي للإسكان والتعمير في السودان لـ«الشرق الأوسط» حول دواعي إصدار قرار بوقف إجراءات التسليم والتقديم للإسكان الشعبي، وعما إذا كان «كورونا» هو السبب، أوضح أن تلك التجمعات تسببت في زحام شديد، حيث نصب المتقدمون للوحدات السكنية خياماً أمام مقر الصندوق في شارع الجمهورية، بعد قرار الوالي في وقت سابق من العام الماضي بدعوة المواطنين للتقديم. وظلت تلك التجمعات مصدر إزعاج وإرباك للسلطات، ولم تتعامل معهم إدارة الصندوق، إلى أن جاء قرار الوالي الأخير بمنع هذه التجمعات خوفاً من عدوى «كورونا» الذي ينشط في الزحام.
وبين أيوبيه أن الخطة الإسكانية لا تحتاج لتجمعات أمام مباني الجهات المختصة، حيث هناك ترتيبات وإجراءات للتقديم والتسلم تتم عبر منافذ صناديق الإسكان في البلاد، وعندما تكون هناك وحدات جاهزة للتسليم يتم الإعلان عنها عبر الصحف اليومية، موضحاً أن كل ولاية لديها مكاتب إدارية في كل ولايات السودان، وتتبع الإجراءات نفسها المعمول بها في العاصمة.
ولم يخفِ أيوبيه أزمة السكن في البلاد، والفجوة في المساكن والوحدات السكنية، والمقدرة بنحو مليوني وحدة سكنية في ولاية الخرطوم فقط، لكنه أشار إلى أن لديهم خطة مدروسة لإنشاء 40 ألف مدينة سكنية، تم الفراغ من نسبة عالية في العاصمة الخرطوم، بجانب 10 آلاف وحدة سكنية.
وقال إن هذه المشاريع الإسكانية ستغطي فجوة كبيرة في السكن الشعبي والاقتصادي في البلاد، موضحاً أن العقبة أمام تنفيذها هو التمويل، لكنها كمشاريع جاهزة للتنفيذ والتطبيق، مشيراً إلى أن لديهم جهوداً محلية ودولية لتوفير التمويل لهذه المشاريع.
وقال إن اجتماعاً سيتم بين الصندوق القومي للإسكان وبنك السودان المركزي ووزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، لتوفير الضمانات بالنسبة للتمويل الخارجي واعتماد مبالغ للإسكان من الاحتياطي القانوني للمصارف المحلية.
وأكد الدكتور عبد الرحمن على أهمية التنسيق والتعاون المشترك بين الجهات المعنية لإنفاذ المشروع القومي للمأوى، وتوفير السكن للشرائح المستهدفة، مجدداً أن أبواب السودان مشرعة للاستثمار في مجال الإسكان. وأشار إلى أن الصندوق القومي للإسكان سيشارك في معرض أكسبو في دبي في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وذلك بجناح يعرض فيه الفرص الاستثمارية في السكن والوحدات السكنية في السودان، وسيتم عرض كل الفرص الجاهزة والمتاحة في العاصمة والولايات.
وقال إن هناك آثاراً متوقعة من قرار رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية على البلاد، ومن المتوقع أن يسهم كثيرا في إنعاش سوق العقارات واستقطاب رؤوس أموال لصالح التوسع في مشروعات الإسكان. وأبان أن الصندوق استطاع خلال السنوات الماضية إحداث جسور للتعاون مع دول ومنظمات واتحادات ومؤسسات مختلفة، وحالت العقوبات دون استثمارها بالشكل المطلوب، مشيرا إلى أن جهودهم ستتواصل للاستفادة من الخبرات والموارد المالية المتاحة عبر القروض والمنح والاستثمارات.
وأكمل الصندوق القومي للإسكان في السودان تحديد المواقع والدراسات لمشروع المأوى القومي ومنازل العمال، حيث ستشيد المنازل بأنماط مختلفة من السكن الاقتصادي، الشعبي، الاستثماري، الريفي، والمنتج، بتمويل من البنوك العاملة في البلاد، وفق خطة الصندوق.
وقد طرحت إدارة الصندوق عطاءات منذ بداية العام الجاري لتنفيذ مدن سكنية، كما دعت المستثمرين إلى الدخول في شراكات للاستثمار العقاري بالولايات لتوفير المأوى للشرائح المستهدفة، إلا أن التمويل وقف عثرة أمام تلك المشاريع.
وطرح الصندوق القومي للإسكان في ولاية الخرطوم أن يطرح حالياً نحو 10 آلاف وحدة سكنية لمحدودي الدخل والفئويين والمهنيين في مدن العاصمة الثلاث، كما يطرح العديد من الفرص المتاحة في مجال الإسكان والتطوير العقاري، حيث تم الانتهاء من تجهيز 5 آلاف شقة و15 ألفا للسكن الاقتصادي في مدن الخرطوم الثلاث.
وتم تزويد تلك المساكن بخدمات الكهرباء والطرق والمدارس وبعض المرافق الأخرى، بهدف تسهيل وتوفير تكلفة البناء للأسرة، حيث تتصاعد أسعار مواد البناء في البلاد بشكل جنوني تماشياً مع الارتفاع الذي يشهده الدولار مقابل الجنيه السوداني والأوضاع الاقتصادية المتردية التي تمر بها البلاد حالياً.
يذكر أن الصندوق القومي للإسكان لديه خطة لتوسيع قاعدة السكن لمحدودي الدخل، عبر الإسكان الرأسي، الذي يتكون من مجمعات سكنية، كل مجمع يضم بناية من 7 أدوار، ويتكون الطابق من 10 شقق سكنية، بمساحات من 180 إلى 300 متر مربع.
ويتوقع الصندوق أن يجد مشروع الإسكان الرأسي والشقق، رواجاً وإقبالاً في أوساط السودانيين محدودي الدخل، خاصة أنه أقل تكلفة وأصبح كثير من السودانيين يفضلونه على السكن الأفقي، الأمر الذي دفع الصندوق لتنفيذ برامج إعلامية لرفع مستوى وعي وثقافة المواطنين للتعامل مع السكن الجماعي والتعاون فيما بينهم.
ووفقاً لمسؤول في الصندوق القومي للإسكان فإن برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي، يتضمن كيفية المحافظة على خدمات البناية، ورفع وعيهم بهذا النوع من البناء، حتى تتحول الخرطوم إلى عاصمة حضارية وجاذبة. وأضاف المصدر أن برنامج التوعية بالسكن في الشقق ودوره في تقليل تكلفة السكن، سيتولاه فريق من اتحاد مراكز الخدمات الصحافية، الذي يضم جميع وسائل الإعلام المحلية، مما سيوسع قاعدة انتشار الحملات الإعلامية للسكن الرأسي.
تغير ثقافة المواطن السوداني من السكن التقليدي (الحوش) إلى مساحات صغيرة مغلقة لا تطل على الشارع أو الجيران، ليس أمرا هينا. وبين أن خطوة الصندوق الحالية للاعتماد على السكن الرأسي مهمة لأنها تزيل كثيرا من المفاهيم المغلوطة عن السكن في الشقق السكنية.
يذكر أن الصندوق القومي للإسكان عام 2018 بدأ بالتعاون مع شركة هيتكو البريطانية للاستثمار، لتنفيذ مشروع الإسكان الفئوي الرأسي، الذي يستهدف بناء 50 ألف وحدة سكنية بالعاصمة الخرطوم، وكذلك مشروع لبناء أكبر مسجد في السودان، بمساحة 5 كيلومترات، وبناء 3 آلاف شقة ومحلات تجارية.