إسرائيل تطبق الحصار على المدن وتبدأ بالخليل

ضمن خططها معاقبة الجميع بدل عائلات محدودة

إسرائيل تطبق الحصار على المدن وتبدأ بالخليل
TT

إسرائيل تطبق الحصار على المدن وتبدأ بالخليل

إسرائيل تطبق الحصار على المدن وتبدأ بالخليل

أطبقت قوات الاحتلال الإسرائيلي حصارها أمس على محافظة الخليل كبرى المدن الفلسطينية ويقطنها أكثر من 600 ألف فلسطيني، ومنعت دخول وخروج الفلسطينيين من وإلى المنطقة التي تشكل جنوب الضفة الغربية، في تطور أعقب اجتماعا للمجلس الأمني والسياسي المصغر الإسرائيلي.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أمس الخليل منطقة عسكرية مغلقة، وقام بسد باقي المنافذ المفتوحة الواصلة إلى مدن وبلدات وقرى الجنوب، ومنع عبور أي من المركبات عبر هذه الحواجز بخلاف اليومين الماضيين الذي كان فيها الحصار أقل حدة.
وقال ناطق عسكري «هذا هو الإجراء الأكبر على الأرض منذ عام 2014»، عندما أطلق الجيش عملية واسعة النطاق بحثا عن ثلاثة مستوطنين إسرائيليين، قتلوا لاحقا. وأضاف المتحدث باسم الجيش بيتر ليرنر أن الإغلاق «يرمي إلى كسر سلسلة الهجمات الدامية. فوجود (الجنود) سيجيز تجنب وإحباط هجمات إضافية». وقتل إسرائيليان في هجومين منفصلين الخميس والجمعة في منطقة الخليل، في عمليتين عززتا لدى الجيش الإسرائيلي مخاوف من تواصل العمليات في المنطقة التي خرج منها معظم منفذي العمليات. وتشير الإحصاءات الإسرائيلية إلى أن منفذي نحو 80 عملية خرجوا من منطقة الخليل.
ولم يحدد الجيش الإسرائيلي وقتا لانتهاء الحصار عن الخليل لكن وزير الداخلية جلعاد اردان أفاد أنه يفترض أن «يبقى قائما لفترة طويلة».
وواصلت القوات الإسرائيلية حملة الاعتقالات الواسعة في مدن وقرى الخليل بحثا عن منفذي هجوم الجمعة الذي قتل فيه حاخام إسرائيلي وأصيبت زوجته بجراح خطرة على طريق التفافي حول الخليل.
واقتحمت قوات الجيش مدنا وبلدات وقرى مجاورة، لمكان العملية وصادرت أجهزة التسجيل الخاصة بكاميرات المراقبة للمحلات والمنازل واعتقلت 17 مواطنا وحققت مع كثيرين آخرين.
وفي هذا الوقت سحبت إسرائيل كذلك الامتيازات الممنوحة لمحافظ الخليل كامل حميد بسبب زيارته عوائل منفذي العمليات. ولم تكتفِ إسرائيل بحصار الخليل، بل بدأت سلسلة إجراءات انتقامية أخرى، أهمها تكثيف البناء الاستيطاني في الضفة والانتقال من معاقبة العائلة إلى معاقبة المنطقة التي يخرج منها منفذو العمليات.
وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس أن الحكومة ستبذل جهودا خاصة لتكثيف الاستيطان في مناطق الضفة الغربية وأشار إلى أنه أصدر توجيهات للوزراء بالعمل معا لإيجاد السبل الكفيلة بمساعدة المستوطنات.
وقال نتنياهو إنه في جلسة مجلس الوزراء المقبلة ستطرح خطة خاصة بشأن تعزيز الاستيطان في كريات أربع في الخليل. وتحدث نتنياهو بإسهاب في جلسة المجلس الوزاري أمس عن الإجراءات التي تتخذ حاليا في إطار مكافحة الإرهاب.
وقال نتنياهو إن الأجهزة الأمنية تلجأ إلى استخدام وسائل متنوعة لم يتم استخدامها من ذي قبل، ومن بينها، فرض طوق أمني على كل محافظة الخليل التي يعيش فيها نحو 700 ألف شخص، وسحب تصاريح العمل من سكان بلدة بني نعيم التي خرج منها منفذ عملية قتل مستوطنة يوم الخميس، إضافة إلى إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة بقوام كتيبتين للعمل على امتداد المحاور الرئيسية، وإخضاع كل أبناء عائلات منفذي العمليات لتحقيقات أو حتى اعتقالهم وفق مدى ضلوعهم في العمليات.
كما أعلن وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، أنه سيتم الشروع في هدم المنازل التي شيدت من دون ترخيص في الضفة، إضافة إلى خصم الأموال التي تقوم السلطة الفلسطينية بدفعها إلى عائلات منفذي العمليات من أموال الضرائب التي تحولها إسرائيل إلى السلطة.
وتابع: «لن يتم أيضا إعادة جثامين مرتكبي الاعتداءات. وسيشرع في بناء 42 وحدة سكنية في مستوطنة كريات أربع».
وهذه القرارات هي ملخص الاجتماع الاستثنائي للمجلس الأمني والسياسي الإسرائيلي المصغر «الكابنيت»، الذي شهد مواجهة حادة بين وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان والتعليم نفتالي بينت، على خلفية طريقة تعامل بينت مع ضباط الجيش الإسرائيلي الذين حضروا الجلسة المخصصة لمناقشة الرد الإسرائيلي على العمليات الفلسطينية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.