تسونامي الإقالات يضرب إيران.. و307 على القائمة

اتسع نطاق حمم بركان الرواتب الضخمة الذي تفجر الشهر الماضي في إيران مع تدشين الحكومة الإيرانية حملة إقالات طالت عددا من المسؤولين الماليين، فيما رد المرشد الأعلى علي خامنئي على طلب مساعد الرئيس الأول إسحاق جهانغيري تقدم به منذ أكثر من أسبوعين للنظر في احتمال تورط دوائر تابعة له في الفساد الاقتصادي.
وخطفت أزمة الرواتب الأنظار في وقت يعاني المواطنون من ضغوطات اقتصادية متزايدة لتصبح ميدان المواجهة الجديد بين دوائر السلطة المتصارعة هذه الأيام على مكاسب ما بعد تنفيذ الاتفاق النووي.
في هذا الصدد، وجه خامنئي رسالة إلى مساعد الرئيس الأول إسحاق جهانغيري أمس، جاء فيها أنه يأمر كل الأجهزة الحكومية لمحاسبة المتورطين في فضيحة الرواتب الفلكية التي هزت البلاد خلال الأيام الأخيرة.
وبحسب ما نقلت وسائل إعلام عن موقع خامنئي الرسمي فإن أوامره تشمل الدوائر والأجهزة التابعة له أن «تنظر وتأخذ قرارات الحكومة بعين الاعتبار».
ويأتي رد خامنئي بعد تأخير دام 18 يوما على طلب تقدم به جهانغيري لـ«مشاركة وتعاون جميع الأجهزة والمؤسسات الرسمية من أجل فرض الانضباط في القضايا المالية» تطبيقا للدستور. وكان خامنئي قد كلف جهانغيري بمكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين قبل تفجر الأزمة الجديدة التي تزامنت مع بداية العام الرابع والأخير لإدارة روحاني الذي يعد حاسما في ترشحه لفترة رئاسية ثانية.
وفق تشريع للبرلمان الإيراني فإن جهاز التفتيش العام في إيران لا يمكنه فرض الرقابة على المؤسسات والأجهزة التابعة لخامنئي، كما أنها من أهم الدوائر التي يشملها الإعفاء الضريبي في إيران.
أمس، وصفت صحيفة «اعتماد» الإطاحة بكبار المسؤولين بـ«تسونامي الاستقالات» في النظام المصرفي الإيراني، وأفادت الصحيفة في تقريرها أن 10 من رؤساء المؤسسات الاقتصادية والبنوك تمت إقالتهم أو ينتظرون الإقالة، فيما ذكرت الصحيفة نقلا عن مصادر مطلعة أن الإقالات ستشمل307 من المسؤولين المتورطين في فضيحة الرواتب الضخمة. وبحسب «اعتماد» فإن لجنة مكونة من ثلاثة مسؤولين نزهاء تشكلت بتقييم رواتب المسؤولين وفق الدستور وإعلان التجاوزات على هذا الصعيد، ووفقا للتقرير فإن الإيرانيين على موعد لمعرفة نتائج التحقيق حول فضيحة الفساد التي هزت البلاد أكثر من أي ملف فساد آخر منذ وصول روحاني إلى الرئاسة في 2013، كما من المقرر أن يعرف الإيرانيون حجم الأموال التي وعدت الحكومة بإعادتها إلى خزانة «بيت المال».
خلال الأيام الثلاثة الماضية أعلنت حكومة روحاني إقالة خمس رؤساء كبار من البنوك الكبيرة قبل أن يعلن أمس إقالة جماعية لهيئة الرئاسة في «الصندوق الوطني للتنمية»، ومن جانبها وصفت صحيفة «اعتماد» المقربة من الحكومة، تلك الإقالات بـ«الخطوة المهمة» من روحاني.
وأفادت وكالات أنباء إيرانية أن روحاني وافق أمس على استقالة رئيس «صندوق التنمية الوطنية» صفدر حسيني بعد إثبات تورطه في فضحية الرواتب الفلكية وبحسب تقارير وسائل الإعلام فإن الهيئة الرئاسية في «صندوق التمنية الوطنية» مسعود مزيني ومحمد قاسم حسيني ومحمد سعيد نوري ومحمد رضا شجاعي أجبروا على مغادرة مناصبهم عبر تقديم الاستقالة.
وتحاول حكومة روحاني الخروج من الأزمة بأقل الخسائر من الأزمة في وقت تعرضت لانتقادات لعدم اتخاذها خطوات سريعة، فيما دافعت الصحف الموالية للحكومة عن روحاني معتبرة أنه بدأ خطوات إصلاح المنظومة المالية قبل تسريب الوثائق حول التجاوزات في دفع الرواتب. قبل أيام انتقد المتحدث باسم الحرس الثوري رمضان شريف تغطية وسائل الإعلام لفضيحة الرواتب، في حين كانت صحيفة «جوان» ووكالة «تسنيم» ووكالة «فارس» ووكالة «مهر» المقربة من مكتب المرشد أهم وسائل الإعلام التي أسهمت في توسيع دائرة الأزمة.
في غضون ذلك، لفت توقيت تسرب الوثائق حول الفساد الكبير في المؤسسات المالية انتباه الإيرانيين، ويرى فريق من المراقبين أن الدوافع وراء تسريب الوثائق يأتي في إطار أجواء الاحتقان السياسي والتنافس والصراع على الصلاحيات بين تيارات السلطة. إضافة إلى ذلك كشفت الوثائق عن حجم الفساد الذي حذر منه مسؤولون سابقا، ووصفوه بالفساد المنظم في هيكل النظام، وهو ما شدد عليه رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان السابق أحمد توكلي.
وتعتبر الفضيحة نكسة جديدة لحكومة روحاني على صعيد وعوده بمكافحة الفساد وتحسين الوضع الاقتصادي، ويعرف روحاني على أنه يميل إلى الاقتصاد أكثر من ميوله إلى السياسية، إلا أن صلة إدارته ودور مقربين منه في تعيين الرؤساء المتورطين في الفضيحة جعله في وضع لا يحسد عليه مقابل خصومه الذين أنعشت الفضيحة آمالهم بعرقلة خططه للاستمرار في منصب الرئاسية، كما أن الخناق اشتد أكثر من أي وقت على فريق روحاني في الحرب الباردة بينه ومن خصومه المقربين من خامنئي.
وفي الأشهر الأخيرة ارتبط اسم فريق روحاني وأعضاء مكتبه بملفات فساد اقتصادية كبيرة قبل تفجر الأزمة الجديدة، وكان شقيق روحاني حسين فريدون ورئيس مكتبه محمد نهاونديان أهم المتهمين بإدارة شبكة فساد اقتصادية واسعة أبرمت اتفاقيات تجارية مع جهات أجنبية تحت غطاء الاتفاق النووي ودخوله حيز التنفيذ. وترددت أنباء الشهر الماضي عن اعتقال فريدون لكن مكتب الرئاسة الإيرانية نفت صحة التقارير.
وشغلت الفضيحة الإيرانيين على مدى الشهر الماضي في وقت كان المسؤولون يعربون عن عزمهم مواجهة الأزمة الاقتصادية والسيطرة على دوامة البطالة التي تجرف عددا كبيرا من الإيرانيين بسبب الركود وإغلاق المصانع.
كانت الحكاية قد بدأت مع تسرب إيصالات رواتب على شبكات التواصل الاجتماعي في الخامس من مايو (أيار) الماضي. من حينها تفاعلت القضية وتوسعت لتشمل في أبعادها تفاصيل الأزمة السياسية في البلاد ولتكون منطلقا جديدا للهجوم على روحاني. وتجاوز الأمر قضية الإيصالات بتسريب وثائق جديدة تثبت فساد المسؤولين.
أول من أمس، أظهرت تصريحات خطيب جمعة طهران أحمد خاتمي مخاوف عميقة في هرم السلطة الإيرانية من تعمق الأزمة خاصة تتجه البلاد إلى انتخابات رئاسية جديدة من المؤكد أنها تستدعي تأهبا عالي المستوى من السلطات لتفادي سيناريو 2009 الذي كادت تطيح بالنظام. في السياق ذاته أثارت مواقف متباينة من كبار المسؤولين جدلا واسعا في الشارع الإيراني، وفي حين كان الاتجاه بامتصاص غضب الشارع إلا أنها حصدت نتائج عكسية حتى الآن.
إلى ذلك، رد رئيس البرلمان علي لاريجاني أمس على تصريحات أخيه رئيس القضاء الإيراني صادق لاريجاني الذي اعتبر فيها ضمنا مساعد خامنئي (المفتش الخاص) علي أكبر ناطق نوري مرتبطا بالعناصر الفاسدة وتحول إلى المعارضة. وقال علي لاريجاني إن «أسرة ناطق نوري تعد من ذخائر الثورة» وبدأ التلاسن الأربعاء الماضي بعدما قال ناطق نوري إن القضاء الإيراني يعاني من الفساد وتلقي الرشاوى. وردا على تصريحات أخيه، قال علي لاريجاني إنه «إضافة إلى أشخاص خارج حلقة الثورة، الجهلة في حلقة الثورة وجهوا إساءات كثيرة لشخص ناطق نوري لكنه بصبره تغاضى عنهم».