مصادر المعارضة السورية: أي اتفاق أميركي ـ روسي اليوم سيكون على حسابنا

قالت إن موسكو تعي أن المرحلة الحالية مناسبة «لابتزاز» أوباما في الملف السوري

مصادر المعارضة السورية: أي اتفاق أميركي ـ روسي اليوم سيكون على حسابنا
TT

مصادر المعارضة السورية: أي اتفاق أميركي ـ روسي اليوم سيكون على حسابنا

مصادر المعارضة السورية: أي اتفاق أميركي ـ روسي اليوم سيكون على حسابنا

تنظر المعارضة السورية بكثير من الحذر والتشكيك إلى المقترح الأميركي بالتنسيق والتعاون العسكري الميداني مع روسيا، لضرب تنظيمي داعش والنصرة، كما أنها تتخوف من توصل الطرفين إلى اتفاق فيما بينهما سيكون على الأرجح على حسابها.
وقالت مصادر رفيعة المستوى التقتها «الشرق الأوسط» في باريس، إن أي اتفاق اليوم بين واشنطن وموسكو «سيكون بالضرورة لصالح الطرف الثاني، بالنظر لموقع كل منهما ميدانيا، وبالنظر لقيادة روسيا للدفة العسكرية والسياسية في سوريا، مقابل محدودية الدور الأميركي واقتصار اهتمامات واشنطن على محاربة (داعش)».
وتعتبر هذه المصادر، التي رافقت منذ البداية الجولات الثلاث من المحادثات التي شهدتها مدينة جنيف برعاية الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا، أن الطرف الروسي يعي أنه «يستطيع ابتزاز الرئيس أوباما والحصول منه على تنازلات» يقينا منه أن واشنطن، في الأشهر المتبقية من ولاية أوباما الثانية «ستكون أكثر طواعية من الإدارة الجديدة القادمة، سواء كانت ديمقراطية مع هيلاري كلينتون أو جمهورية مع دونالد ترامب». ولذا، فإن خيار المعارضة السورية المعتدلة والمسلحة هو «الصمود» حتى تنتهي الولاية الحالية وتقوم إدارة أميركية جديدة.
من هذا المنطلق، ترى مصادر المعارضة السورية أن روسيا «ستكون أكثر تشددا» في الأسابيع والأشهر القادمة وهي «مقتنعة» أن أوباما «ضعيف وبالتالي لا سبب يدعوها لأن تسلفه شيئا ما»، لا بل إنها لا تروي السبب الذي يجعل واشنطن «مترددة» في قبول الطروحات الروسية، سواء كان ذلك في موضوع التعاون العسكري الميداني أو كان لجهة تصور الحل السياسي. وحتى اليوم «لم تغير روسيا موقفها» بالنسبة لمستقبل سوريا، وكان هذا الأمر واضحا للغاية فيما نقله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى نظيره الفرنسي جان مارك أيرولت، خلال اجتماعهما في باريس الأسبوع الماضي. فمن جهة، ترمي موسكو الكرة في الملعب الغربي والأميركي على وجه الخصوص الذي تحمله مسؤولية استمرار القتال وعدم احترام الهدنة بسبب «عجزه» عن الوفاء بالتزاماته، وخصوصا الفصل بين المعارضة المعتدلة ومواقع جبهة النصرة. ونقلت هذه المصادر عن مسؤولين روس تأكيدهم أن «لا بديل عن الأسد اليوم» وأن البديل الوحيد سيكون «الإرهاب والفوضى» والمثال الأوضح على ذلك ليبيا. وبحسب هذه المصادر، فإن موسكو «غير مجمعة على رأي واحد» بالنسبة لسوريا. لكن الأصوات المعتدلة مثل أصوات الجنرالات الروس في سوريا الذين هم أكثر اعتدالا من الرئيس فلاديمير بوتين «غير مسموعة في الوقت الحاضر؛ لأن سياسة التشدد تأتي بنتائج تسخرها موسكو للعودة بقوة إلى المسرح الدولي، ولتمسك بأوراق تفاوض بها في ملفات أخرى» مع الغرب والولايات المتحدة.
بمواجهة «استراتيجية البلدوزر» الروسية، ترى مصادر المعارضة السورية أن الرئيس أوباما «يراهن على فشل تدخل موسكو وعلى غرقها» في سوريا كما غرق الاتحاد السوفياتي سابقا في أفغانستان، وبالتالي فإن الإدارة الأميركية تشعر بأن موسكو هي التي ستأتي إليها طالبة المساعدة لخروجها من المستنقع السوري. من هذه الزاوية، فإن الرؤية الأميركية هي أن المكاسب العسكرية للنظام ولروسيا على السواء «ليست نهائية» وبالتالي فإن الحرب في سوريا «ستستمر» وبالتالي فإنها «آخذة في التحول إلى عملية استنزاف لموسكو». لكن الحسابات الأميركية التي تركز على محاربة «داعش» «ناقصة»؛ لأنها لا تأخذ بعين الاعتبار أن النظام وروسيا «يركزان جهدهما على القضاء على المعارضة المعتدلة، وبالتالي لن يبقى في الساحة سوى النظام والمتشددين وعندها (الخيار الثالث) أي خيار عملية الانتقال السياسي» التي ينص عليها القرار «2254» واتفاق فيينا، وبيان جنيف، الذي سيكون قد ضاع نهائيا ولن يبقى في الساحة سوى حلين سيئين: المتشددين والنظام.
خلال وجوده في باريس، شدد الوزير لافروف على «فشل» الأميركيين في الوفاء بالتزاماتهم لجهة دفع فصائل المعارضة المعتدلة لـ«الانفصال» والابتعاد عن مواقع جبهة النصرة. والحال أن المعارضة السورية المسلحة «لا يمكن أن تقوم بخطوة كهذه إلا في حال وجود وقف حقيقي لإطلاق النار» وإلا فإن إجراء كهذا سيعني، في مرحلة ما: «القضاء» على هذه المعارضة وعلى فصائلها. بيد أن المشكلة تكمن في أن الحصول على وقف تام للأعمال العدائية «يفترض وجود سياسة أميركية متشددة إزاء النظام وإزاء روسيا على السواء، وهو أمر غير متوافر في الوقت الحاضر ولا يمكن أن يتوافر فيما تبقى من وقت للرئيس أوباما في البيت الأبيض». وثمة سبب آخر، وفق مصادر المعارضة السورية، يحول دون احترام وقف جدي للعمليات العسكرية وهو «رغبة مشتركة روسية - سورية حكومية، في السيطرة التامة على حلب أو في فرض الحصار المحكم عليها حتى يذهب النظام ومن ورائه روسيا لفرض شروط الحل على المعارضة، أو على ما سيكون في جنيف تحت مسمى المعارضة. من هذه الزاوية، فإن استمرار المعارك «له أهداف عسكرية ولكن له خصوصا أهداف سياسية». وبالنسبة لحلب، ترى مصادر المعارضة أنه لو نجحت خطط النظام لتغيرت طبيعة الحرب عن صورتها الحالية، وتحولت إلى «حرب عصابات» ما يعني أن الحرب لم تنته ولن تنتهي.
إزاء هذا الوضعية، ترى مصادر المعارضة أن لواشنطن «دورا أساسيا» في خلط وتعطيل أوراق اللعبة الروسية – الإيرانية، وأن أقل المطلوب منها أن «تتوفر لها إرادة فرض وقف النار كمرحلة أولى، والدفع مجددا باتجاه البحث عن الحل السياسي» ولكن «ليس وفق التصور الروسي» بل وفق ما تم الاتفاق عليه في جنيف وفيينا ومجلس الأمن الدولي. والمعارضة السورية لا تمانع في العودة إلى جنيف، شرط توافر «الحد الأدنى» مما تطلبه، مثل وقف النار، وإيصال المساعدات، والبدء بتناول ملف المعتقلين في سجون النظام. وكشفت هذه المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن عدة أطراف طرحت تشكيل «مجموعة عمل» متخصصة في موضوع المعتقلين، على غرار مجموعة العمل الخاصة بوقف الأعمال العدائية أو المساعدات الإنسانية. لكن روسيا رفضت رفضا تاما، وانتهت المطالبة عند هذا الحد. وبمواجهة الرفض الروسي، تسعى المعارضة لتقديم حلول «وسطية» مثل المطالبة بداية بالإفراج عن النساء والأطفال. لكن طلبات كهذه تلقى هي الأخرى الرفض.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.