صحافي سنودن يخوض مغامرة صحافية جديدة

ملياردير التكنولوجيا أوميديار نحو ارتياد سبل جديدة تعزز الصحافة الجادة

صحافي سنودن يخوض مغامرة صحافية جديدة
TT

صحافي سنودن يخوض مغامرة صحافية جديدة

صحافي سنودن يخوض مغامرة صحافية جديدة

حاول ملياردير التكنولوجيا، بيير أوميديار، على مدى سنوات ارتياد سبل جديدة لتعزيز الصحافة الجادة، والبحث عن وسيلة إعلامية مناسبة لدعمها بالثروة التي اكتسبها من تأسيس موقع «إي باي»، فقدم المنح إلى وسائل الإعلام المستقلة في أفريقيا وجماعات مراقبة الأداء الحكومي في الولايات المتحدة. وفي مسعى أكثر مباشرة، أنشأ موقعا إخباريا على الإنترنت في هاواي، مسقط رأسه.
كانت «واشنطن بوست» قد سعت الصيف الماضي للحصول على مشتر للصحيفة، وانتهى الأمر ببيع أسرة غراهام «واشنطن بوست» إلى ملياردير التكنولوجيا، جيفري بيزوس مؤسس موقع «أمازون». وكتب أوميديار على مدونته يوم الأربعاء: «لكن التجربة دفعتني إلى التفكير بشأن نوع التأثير الاجتماعي الذي يمكن أن يحدث في حال القيام باستثمار مماثل في كيان جديد تماما، يتم بناؤه من الألف إلى الياء».
وأكد أوميديار أيضا بأنه سيعمل شخصيا على تمويل هذه الشركة الإعلامية الجديدة، حيث سينضم إليه الصحافي جلين غرينوالد من صحيفة «الغارديان»، البريطانية، الذي اكتسب سمعة سيئة هذا الصيف عندما نشر وثائق وكالة الأمن القومي التي قام إدوارد سنودن، متعاقد وكالة الأمن القومي بتسريبها.
وكتب أوميديار «لا تزال تفاصيل المشروع غامضة، فأنا لا أعرف حتى الآن كيف ومتى سيتم تنفيذ الفكرة، أو كيف ستبدو».
المؤكد أن غرينوالد سيكون أحد صحافيي المشروع المقبل، ومن المتوقع أن يضم أيضا لورا بواترا، مخرجة الأفلام الوثائقية التي كانت وسيطا هاما بين سنودن وغرينوالد. يمتلك غرينوالد وبواترا كنزا ضخما من الوثائق التي قدمها إليهما سنودن المتعلقة بالرقابة الحكومية ووثائق سرية أخرى. وقد أشار غرينوالد إلى أن لديه الكثير من المواد التي قدمها إليه سنودن والتي لم تنشر بعد وهناك الكثير من المقالات التي لم تكتب حتى الآن.
وهذا يعني أن أوميديار وموقعه الإعلامي قد يقعان في خضم صراع بين الحكومة والمجموعات الإخبارية على كيفية تحقيق التوازن بين حرية الصحافة والمخاوف بشأن الأمن القومي، وربما يجعله ذلك خصما جديدا للوكالات التي تحاول منع نشر معلومات سرية.
وشدد غرينوالد في مقابلة مساء الثلاثاء أنه لن يكون رئيس تحرير أو مدير الموقع، قائلا: «سأعمل بالصحافة».
وكتب أوميديار يوم الأربعاء أن المشروع سيديره بشكل مباشر وشخصي بمعزل عن جهوده الأخرى في العمل الخيري. جاء التقاء أوميديار وغرينوالد في أعقاب تزايد التقارب في وجهات نظرهما تجاه قضايا مشتركة مثل حماية الصحافيين والنفور من أساليب الرقابة الحكومية.
وتحدث أوميديار - الذي رفض طلبا للمقابلة لكنه أصدر بيانا وتحدث إلى أستاذ الصحافة في جامعة نيويورك البروفيسور جاي روزين - عن مصادفة سعيدة وهي أنه عندما كان يبحث لبدء مشروعه، كان غرينوالد بواترا، بالمشاركة مع الصحافي والكاتب جيرمي سكاهيل، يعدان بالفعل لخلق مساحة على الإنترنت لدعم الصحافيين المستقلين. وكتب: «كانت لدينا الكثير من الأفكار المشتركة ولذا قررنا توحيد القوى».
وقد طرح روزن، في مدونته، بعضا من أفكار أوميديار، مشيرا إلى أنه في على الرغم من تركيز غرينوالد، وبواترا وسكاهيل على الأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، فإن المشروع الجديد سيركز بشكل أكبر على الشأن العام. ونقل روزن عن أوميديار قوله إن المشروع لن يغطي مساحة بعينها بل سيغطي الرياضة، والأعمال التجارية والترفيه والتكنولوجيا.
ولدى سؤاله حول الميزانية المالية لهذا المشروع كتب روزن إن أوميديار أشار إلى مبلغ الـ250 مليون دولار التي كان قد خصصها لشراء صحيفة «واشنطن بوست» ستكون نقطة البداية.
ولد أوميديار في باريس لأبوين إيرانيين، وقضى معظم سنوات حياته الأولى في واشنطن. وقام بابتكار البرنامج الأصلي لنظام المبيعات عبر الإنترنت «إي باي» عام 1995. وقد حققت الشركة نجاحا باهرا غير حياة أوميديار ليحقق المليارات وفي نهاية المطاف طرح أسهم «إي باي» في البورصة.
وقال في كلمة له أمام عدد من المنظمات غير الربحية في هاواي في عام 2011 إن إنشاء نظام تجاري غير منظم في الغالب يتمكن فيه الغرباء من التعامل بنجاح مع الآخرين علمه أن «الناس يحاولون في نهاية اليوم القيام بالشيء الصحيح».
لم يكن أوميديار، 45 عاما، رئيس موقع «إي باي»، نشطا في إدارة المنظمة بشكل يومي لأكثر من عقد.
وكان قد قرر تكريس بعض من ثروته للأعمال الخيرية، لكنه قال إنه أحبط من النماذج التقليدية، التي يقول إنها قد تسفر في كثير من الأحيان عن نتائج سيئة. فأطلق على منظمته الخيرية الرئيسة اسم شبكة أوميديار لتجنب دلالات كونها جمعية خيرية، وقدم الكثير من التبرعات التي تهدف إلى إنشاء شركات مكتفية ذاتيا. وسعى أيضا لأن يكون له تأثير يتناسب مع ما يشعر بقدرة ثروته على تحقيقه، تأثير لم يستطع موقع الأخبار المحلية الذي يملكه، «هونولولو سيفيل بيت»، أن يلبيه. وسيكون المشروع الجديد على ما يبدو أحدث مظهر من مظاهر طموحه لإنشاء وامتلاك وسائل الإعلام المهم الكبيرة.
وتظهر تغريدات «تويتر» التي ينشرها أوميديار وغرينوالد مدى التلاقي بين أفكارهما منذ العام الماضي. فكان أوميديار كثيرا ما ينشر رسائل غرينوالد التي ينشرها على «تويتر» بشأن مخاوف مثل حماية الصحافيين من الملاحقات الحكومية. وبلغت محادثة على «تويتر» حول وثائق سنودن ذروتها بكتابة أوميديار إلى غرينوالد، «لقد كنت الصحافي الأكثر اتساقا ودراية بشأن التنصت غير القانونية على المكالمات الهاتفية (والمفترض أنه قانوني الآن) منذ الكشف الذي حدث في إدارة بوش».

* خدمة «نيويورك تايمز»



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.