مدير «سي آي إيه»: نتوقع هجمات «داعشية»

إجراءات أمنية متشددة لعيد الاستقلال

مدير «سي آي إيه»: نتوقع هجمات «داعشية»
TT

مدير «سي آي إيه»: نتوقع هجمات «داعشية»

مدير «سي آي إيه»: نتوقع هجمات «داعشية»

في حين توقع مسؤولون أميركيون كبار، على ضوء هجمات مطار إسطنبول يوم الاثنين الماضي، هجمات داخل الولايات المتحدة، بدأت إجراءات أمنية متشددة، استعدادا لاحتفالات عيد الاستقلال الأميركي، يوم الاثنين المقبل، وقال هؤلاء المسؤولون إنهم يعتقدون أن «داعش» وراء هجمات مطار إسطنبول.
نقل تلفزيون «إي بي سي»، أمس، من مطار ريغان في واشنطن العاصمة، صور بداية إجراءات أمنية متشددة، توقعا لسفر ملايين الناس بمناسبة احتفالات عيد الاستقلال. ونقل التلفزيون على لسان متحدث باسم وزارة أمن الوطن أن إجراءات مكثفة «ستعم أجزاء كثيرة من البلاد».
قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، جون برينان، مساء أول من أمس: «سأستغرب جدا إذا عرفت أن تنظيم داعش لا يخطط لهجمات داخل الولايات المتحدة، وضد أهداف أميركية في الخارج». وكان مدير الاستخبارات الوطنية (دي إن إي)، جيمس كلابر، قال إن تنظيم داعش «يقدر على شن هجمات في الولايات المتحدة، مماثلة لتلك التي وقعت» في الخارج.
وعن الحرب الأميركية الجوية ضد «داعش» في سوريا والعراق، قال برينان، الذي تحدث في مجلس العلاقات الأجنبية في نيويورك: «يظل أمامنا طريق طويل قبل أن نقول إننا حققنا تقدما واضحا». وأضاف: «لتعوض الدولة الإسلامية خسائرها في العراق وسوريا، نتوقع أن تنفذ مزيدا من العمليات الإرهابية والدراماتيكية خارج مناطق سيطرتها».
من جهته، قال مارك تونر، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، عن مقاتلي «داعش» في العراق وسوريا، ظهر أول من أمس،: «يواجهون ضغوطا هائلة، من الجو ومن البر. لكن، لا يمنعهم هذا من القيام بهجمات في أوروبا، أو في أي مكان آخر في العالم». وأضاف: «يظلون يريدون القيام بهذه الهجمات الإرهابية الدراماتيكية. بل هم الآن أكثر رغبة في ذلك».
وعن الحرب الجوية الأميركية ضد «داعش» في سوريا والعراق، قال، أمس الخميس، روبرت اتون، مدير استخبارات السلاح الجوي الأميركي، لتلفزيون «سي إن إن»: «ليست المشكلة عدم وجود طائرات. المشكلة هي عدم القدرة على تحديد أهداف فعالة». وعندما سئل: «كم درجة نجاح هذه الجهود، من صفر إلى عشرة؟»، أجاب: «خمسة».
وعن انفجارات إسطنبول، أعاد تونر، المتحدث باسم الخارجية الأميركية، إلى الأذهان قرارا مشتركا أصدرته، في مارس (آذار) الماضي، وزارتا الخارجية والدفاع بإجلاء عائلات موظفيهما من بعض مناطق تركيا بسبب التفجيرات في ذلك الوقت. وكرر تونر أن القرار يظل ساري المفعول. وأن وزارة الخارجية، قبل إعلان الإجلاء، تشاورت مع وزارة الدفاع، وأبلغت الوزارتان المسؤولين الأتراك قبل إعلان الإجلاء.
وقال تونر، في ذلك الوقت، عندما سأله صحافيون عن مستقبل التطورات: «يبدو أن الصيف سيكون ساخنا». وأشار، ليس فقط إلى تلك التفجيرات، ولكن، أيضا، إلى توقع كثير من الهزائم لتنظيم داعش في كل من سوريا والعراق. وبالتالي، توقع تسلل عناصر منه إلى الدول المجاورة، خصوصا تركيا. ثم تسلل هذه إلى دول أوروبية، على خطوط اللاجئين نفسها عبر اليونان ودول البلقان.
في ذلك الوقت، أيضا، قال مصدر عسكري لصحيفة «واشنطن بوست»، بعد أن طلب عدم نشر اسمه أو وظيفته، إنه لا بد من الإشارة إلى أن «داعش» تبنت التفجيرات التي وقعت في أنقرة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وفي إسطنبول في يناير (كانون الثاني) الماضي. وأن حكومة تركيا، نفسها، أكدت ذلك. وأن تنظيم «صقور الحرية الأكراد» أعلن تبنيه تفجيرين آخرين: في أنقرة في فبراير (شباط)، وفي أنقرة أيضا في مارس الماضي. في ذلك الوقت، قال المصدر: «أعتقد أن عمليات «داعش» والصقور ستزيد، ولن تقل. وأعتقد أن تركيا على أبواب صيف ساخن».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟