للصحافيين: احذروا مواقع الأخبار المزورة

«كولمبيا جورناليزم ريفيو»: الصحف الورقية تقدر على تطوير نفسها بمساعدة الإنترنت

نانسي ريغان - سارة  بالين
نانسي ريغان - سارة بالين
TT

للصحافيين: احذروا مواقع الأخبار المزورة

نانسي ريغان - سارة  بالين
نانسي ريغان - سارة بالين

في العام الماضي، وخلال الأشهر الأولى من هذا العام، نشرت هذه الصحف هذه الأخبار: قالت صحيفة «واشنطن بوست» إن «سارا بالين، حاكمة سابقة لولاية ألاسكا، ومرشحة سابقة لرئاسة الجمهورية، وقعت عقدا مع تلفزيون (الجزيرة) لتقدم تعليقات إخبارية».
وقالت صحيفة «نيويورك تايمز»، إن «المغني الأسود كاني ويست صار مثليًا جنسيًا».
وقالت صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، إن «الأمم المتحدة ستصدر تقريرًا يؤيد عدم تجريم تدخين حشيشة الماريغوانا».
وقالت صحيفة «بوسطن هيرالد» إن «بول كروغمان، الفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد، وكاتب تعليقات مهمة في صحيفة (نيويورك تايمز) سوف يعلن إفلاسه». وقال وكالة أخبار «بلومبيرغ» إن «نانسي ريغان، أرملة الرئيس رونالد ريغان، لن تؤيد المرشح الجمهوري دونالد ترامب. وتفضل عليه المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون».
كل هذه الصحف نقلت كل هذه الأخبار من مواقع إخبارية في الإنترنت (أو التقطت أول الخبر، وأضافت إليه). لكن، كل هذه الأخبار لم تكن صحيحة.
في آخر أعداد دورية «كولمبيا جورناليزم ريفيو»، التي تصدرها كلية الصحافة في جامعة «كولمبيا» (في نيويورك)، كتب ستيف كول، عميد الكلية (كان صحافيا بارزا في صحيفة «واشنطن بوست»، حيث نال جائزة «بوليتزر» مرتين): «تدمر مواقع الإنترنت الإخبارية الصحف الورقية، لكن، في الوقت نفسه، تقدر الصحف الورقية على تطوير نفسها بمساعدة الإنترنت؟». لكنه، طبعا، لم يقصد نشر أخبار مزورة. لكن، كما كتب جاك ميرثا، صحافي في الدورية، وأستاذ مساعد في الكلية: «لا تبدو كثير من هذه الأخبار أنها غير صحيحة. لا تبدو في عناوينها، ولا تبدو في أسماء المواقع التي تنشرها». من بين هذه الأسماء، هذه المواقع الآتية: «ناشيونال ريبورت»، و«ورلد نيوز»، و«ورلد ديلي»، و«نيوز ديلي»، و«نيوز ريبورت». بل هناك موقع تلفزيون «آي بي سي دوت أورغ» (يشبه موقع تلفزيون «آي بي سي دوت كوم»).. تستخدم كثير من هذه المواقع صحافيين مهنيين، يكتبون أخبارا مهنية، ومتوازنة، ومحملة بالمصادر والتصريحات. لكن، في نهاية المطاف، يصير واضحا أن أساس الخبر ليس صحيحا.
اعترف بهذا ألان مونتغمري، مؤسس ورئيس موقع «ناشيونال ريبورت» الإخباري. وأشار إلى عدة أسباب:
أولاً: كثرة الأخبار في الإنترنت (حتى يبدو أن كثيرا من الأخبار لا تجد من يقرأها).
ثانيًا: المنافسة على الإعلانات التي تعتمد على توزيع كل موقع (وليس على محتويات الموقع).
ثالثًا: كسل الصحافيين الذين لا يريدون بذل جهود أكثر.
وأضاف: «نحن لا نتعمد نشر أخبار كاذبة. لكننا نتعمد نشر ما سيجد اهتمام القراء. نحن في مجال منافسات مع مواقع عملاقة. ندرس ما يريد القراء في موضوع معين، ونعمل لكسبهم».
وأشار إلى خبر، في بداية هذا العام، عن مايكل جوردون، ربما أشهر لاعب كرة سلة خلال الثلاثين عاما الماضية، الذي، بعد أن اعتزل اللعب مع فريق «بولز» (الثيران) في شيكاغو، اشترى، مع مستثمرين آخرين، فريق «هورنت» (النحل اللاسع) في شارلوت (ولاية نورث كارولينا). كان الخبر هو أن جوردون سينقل فريقه إلى ولاية أخرى بسبب قرار كونغرس الولاية بالتشدد في استعمال المراحيض حسب الجنس (لمواجهة طلبات المتحولين جنسيا). انتشر الخبر، ونشرته صحف أميركية رئيسية، وكررت إذاعته القنوات التلفزيونية الرياضية. لكن، كان الخبر كاذبا.
عن هذا قال مونتغمري، ناشر الخبر: «لم نقسم بأن جوردون وقع على أمر بنقل فريق كرة السلة. نحن سبحنا مع موجة إشاعات. فقط، الفرق هو أننا لم نقل (إشاعة)، ولكن قلنا (خبرا)».
لكن، الحقيقة هي أن الأخبار غير المؤكدة، وغير الصحيحة، صارت مشكلة كبيرة في الإنترنت، خصوصا بالنسبة لشركات الإنترنت التي تدير مواقع التواصل الاجتماعي.
طبعا، تريد هذه الشركات أن يعتمد الناس على ما فيها، بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي (رغم أنها تعرف أنها لا تقدر على التأكد من كل ما تنشر هذه المواقع).
في بداية هذا العام، قررت شركة «فيسبوك» السماح للمشتركين فيها برفع علم أحمر على الأخبار التي يرون أنها غير صحيحة. لكن، كما قالت دورية «كولمبيا جورناليزم ريفيو»: «من دون تحول ثقافي في المجتمع، ومن دون تحول مهني في العمل الصحافي، سوف تستمر (أخبار القمامة) في دخول المجال الإعلامي الرئيسي».
وقال كريغ سلفرمان، رئيس تحرير موقع «فازفيد» الإخباري، في تقرير عن هذا الموضوع: «نظل نبحث عن الخط الفاصل بين ما يريده القراء وما يريده الصحافيون. في مكان ما، في وقت ما، يجب أن يوضع الخط الفاصل. ولأن المواقع الإخبارية الصغيرة تريد منافسة المواقع الكبيرة، تحرك الخط الفاصل من وقت لآخر». وأضاف: «ليس الذنب ذنب المواقع الإخبارية الصغيرة. الذنب ذنب هذا العالم الجديد الذي يسمى الإنترنت. غير كثيرا من المفاهيم الثقافية والاجتماعية، وأيضا الصحافية. لم نعد نعرف حتى ما هو الخبر. ناهيك بأن نعرف إذا ما هو صادق أم كاذب». وقال: «صار العالم مليئا بكل ما هو غامض ومتناقض وغير مؤكد. بسبب هذا، صارت الحقيقة أشكالا وألوانا». وأشارت دورية «كولمبيا جورناليزم ريفيو» إلى الآتي:
أولا: يريد أصحاب المواقع الإخبارية مزيدا من الأخبار. عندما يطلب موقع «سي إن إن الاقتصادي» من كل مخبر من مخبريه كتابة خمسة أخبار في اليوم، يبذل كل مخبر كل ما يستطيع حتى لا يتهم بالكسل، أو يفصل.
ثانيا: يريد أصحاب المواقع الإخبارية مزيدا من القراء. في هذه الحالة، يركز المخبر على الخبر المثير أكثر من تركيزه على الخبر الصحيح.
ثالثا: لا تهتم شركات الإعلانات بالأخبار الصحيحة بقدر اهتمامها بالأخبار التي تجلب مزيدا من القراء. ولا تركز على استفادة القراء من المعلومات التي في هذه الأخبار بقدر اهتمامها بأن يطلع القراء على الإعلانات. قبل شهرين، وقعت آرين تومسون، التي تعمل في صحيفة «يو إس توداي»، ضحية خبر غير صحيح. كان عن اختراع «شوز سيلفي» (كاميرات «سيلفي» توضع في الأحذية). لم تنكر أن مصدر الخبر هو موقع إخباري في الإنترنت. ولم يفصلها رؤساؤها.وقالت: «ماذا أفعل عندما يطلبون مني مزيدا من الأخبار؟ يقولون: نريد نقرات بعد نقرات (على الخبر في الموقع)». وأضافت: «أقترح مقررا في سنة أولى صحافة عنوانه: (الفاكهة المعلقة قرب الأرض) (تقصد الأخبار السهلة، المتوفرة في مواقع الإنترنت الإخبارية)».
في كل الأحوال، يجب على الصحافي العاقل أن يتمهل قبل التقاط الفاكهة السهلة.



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».