السجالات لم تمت ولكنها صارت ثرثرة للتخوين والتكفير

سماح إدريس و يحيى جابر
سماح إدريس و يحيى جابر
TT

السجالات لم تمت ولكنها صارت ثرثرة للتخوين والتكفير

سماح إدريس و يحيى جابر
سماح إدريس و يحيى جابر

هل انتهى عصر السجالات أم ترى أن النقاشات الفكرية اتخذت أشكالاً أخرى. مجلة «الآداب» كانت إحدى الساحات النشطة لهذا النوع من المنازلات الحادة والشيقة، وسماح إدريس رئيس تحريرها اليوم، يقول إن المجلة التي أصبحت إلكترونية لا تزال تشهد هذه النقاشات وإن اختلفت المواضيع أحيانًا. يتذكر سماح إدريس السجالات الشهيرة بين طه حسين ورئيف خوري، ومجلتي «شعر» و«الآداب»، وما دار من نقاشات حول مجلة «حوار» التي تبين لاحقًا أن الجهة الممولة لها تابعة لوزارة الخارجية الأميركية. وبرأي إدريس أن مقالات كثيرة كتبت في الفترة الأخيرة، حول ظهور الأديب أمين معلوف على شاشة إسرائيلية، والمواضيع التي يتم حولها الخلاف كثيرة ومستمرة، منها مقاطعة إسرائيل والممانعة، لكن معايير النقاش تغيرت وربما أنه لم يعد يستقطب كثيرًا حيوية الناس. فماذا يعني اليوم بالنسبة لإنسان عادي أن نتحدث عن تمويل أميركي لمؤسسة ثقافية بعد أن بات الأمر شائعًا؟ وماذا يعني بالنسبة لعربي اليوم أن نتحدث عن ثقافة مستقلة، أو مثقف مستقل؟ نحن في الآداب مثلاً - يقول سماح إدريس - حين نعلن أننا نريد أن نكون مستقلين، يسخرون منا، ويتحسرون علينا وعلى حالنا ويسموننا بالسخف.
لم تعد الثقافة هي مما يعتد به على أي حال، هناك استهتار بكل شيء. هل ثمة جو يحتمل الثقافة أو السجال الثقافي أصلاً؟ لو رجع ماركس ولينين ومعهما غرامشي، لما استطاعوا فعل شيء اليوم، الأجواء اختلفت عن ذي قبل. صار كاتبًا مغمورًا لم نسمع به في بلدنا يذهب إلى بلد أوروبي ويصير عالميًا. قصة الكوسا التي كتبتها للأطفال، تربى عليها أجيال، لو كنت في بلد أجنبي لربما كان لي شأن آخر.
علينا ألا ننسى أن النقد بات ضعيفًا، ولم يعد يعلي من شأن أي كاتب أو عمل، وأن المافيات الثقافية أكلت الأخضر وما يبس، وأن الصفحات الثقافية لم تعد ذات جدوى، والمجلات الثقافية انتهت تقريبًا، فمن أين تأتي الرغبة في النقاش؟
هناك مسألة خطيرة، وهي تلك الليبرالية المزيفة التي يريدوننا أن نعيشها. يعلمون أولادنا في المدارس أن لكل شيء وجهة نظر. كل رأي، كل موضوع يطرح، يجب أن نأخذ في الاعتبار وجهة النظر الأخرى. نحن لا نناقش لنعرف الصواب أو لنقترب من الحقيقة، أو نجد النقاط المشتركة، وإنما لنسجل النقاط ضد الآخر ونحرجه. مجرم وقاتل بات يستضاف على المحطات التلفزيونية لمعرفة رأيه ودوافعه. هذا لا نراه في ليبراليات الغرب، من يؤيد النازية لا يتسامح معه ولا يصغى إليه، من تعاطف مع النازية يومًا مثل فالدهايم، لا يسمح له بدخول أميركا. الخيانة عندنا، صارت وجهة نظر يمكن مناقشتها، وهي ليست كذلك في الدول الليبرالية.
لذلك فرغ السجال من مضمونه. إذا كانت كل قضية مطروحة، تحتمل وجهات نظر، فلماذا السجال أصلاً، الذي سيتحول إلى مجرد وسيلة لإدانة الآخر. ثمة ميوعة في المواقف العامة، وفقدان للتحصينات. حتى لو كنت أوافق شخصًا رأيه، قد أكتب شيئًا مضادًا لأحصل على قليل من «الليكات». تحول النقاش عندنا، إلى مجموعة من الهتيفة على الفيسبوك، حيث المساحات التي يمكن الكتابة فيها محدودة، والناس تريد أن تقرأ رؤوس أقلام، وبالتالي لا مكان لشرح الآراء بعمق.
يبدو أننا فهمنا الليبرالية خطأ، وشكلنا آراء مغلوطة عن المجتمع الأميركي، الذي لا تزال نسبة كبيرة منه ترتاد الكنائس وتؤمن بشفاء الأعمى والكسيح، وتؤمن بالجن والعفاريت. تأثرنا بثقافة هوليوود وظنناها هي ثقافة أميركا وهو ما ليس بصحيح على الإطلاق.
يحيي جابر: المنابر لم تعد موجودة
الشاعر والكاتب المسرحي يحيي جابر، كان شاهدًا أثناء عمله في «الناقد» على الكثير من السجالات التي نشرت على صفحات المجلة، وهو يعتبر أن الوضع تغير بعد أن انتصرت الثرثرة على العمق، بمعناها التلفزيوني الاستعراضي. ويعتقد أن وسائل التواصل لعبت دورًا كبيرًا، فالإشاعة كانت تحتاج وقتًا لتنتشر، والمقال كانت تتوالى الردود عليه لأشهر بعد نشره. الآن ومع الفيسبوك أصبحت عبارة صغيرة يتم تداولها، تحدث فتنة في ساعات.
ويرى يحيي جابر، أن نقاش موضوع ما، يمكن أن يتم الآن التداول به خلال ثلاثة أيام، ومن بعد ذلك ينطفئ. في السابق، كانت النقاشات عميقة وجادة، سواء حول العروبة والفرعونية أو العروبة والقومية السورية، أو حول اللغة العربية الفصحى والعامية، وتجري السجالات بهدوء وتكلف أصحابها البحث والتدقيق.
يلفت يحيي جابر إلى أن التلفزيون لم يعد حاجة عند البعض وحل مكانه «اليوتيوب»، وأن المجلات الثقافية غابت، وهذا يعني أن المنابر القديمة نفسها لم تعد موجودة أصلاً. عدا أن غالبية النقاشات باتت تستخدم التخوين والتكفير والزندقة والإلحاد، للانتصار على الآخر. إنها ذهنية بريد القراء، التي تميل إلى استخدام العبارات الفجة.
ويضيف جابر: «كنا قد استبشرنا خيرًا بالمدونات، لكن هذه لم تجد مكانها عند العرب، ولم تقم بوظيفتها كما يحدث في لغات أخرى. الكتاب أيضًا لم يعد يجد من يشتريه، ومعارض الكتب خير شاهد على ذلك. صار كل مواطن أديبا ومصورا وشاعرا ومفكرا، في وقت تقفل فيه المنابر الثقافية والملاحق في كل الصحف العربية. وأنا هنا أحمل الصفحات الثقافية جزءًا من المسؤولية، لأنها تحولت إلى إخوانيات، ومستوى النقد فيها هبط. أتحدى أي ناقد أن يجمع مقالاته خلال العشرين سنة الفائتة في كتاب، ويرينا كم أن كتاباته كانت قيمة وصالحة للحياة، وما هي مصطلحاته التي استخدمها، وما هي الظواهر التي شرّحها؟ من تابع ظواهر الشباب؟ أو تطورات الموسيقى؟ من كتب بشكل جدي عما أنتجته الثورات؟ أريد أن أعرف ما هي الثقافة التي أنتجتها 8 أو 14 . الحرب الأهلية ومخاضاتها، أنتجت مارسيل خليفة وزياد الرحباني وآخرين كثر، فماذا عما يحدث اليوم؟».



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.