الجزائر : مواجهات طويلة مع أذرع «القاعدة»

في سياق حرب ضروس ضد الإرهاب

الجزائر : مواجهات طويلة مع أذرع «القاعدة»
TT

الجزائر : مواجهات طويلة مع أذرع «القاعدة»

الجزائر : مواجهات طويلة مع أذرع «القاعدة»

حقق الجيش الجزائري انتصارات متتالية كبيرة على الجماعات المسلحة المتطرفة، التي يحاربها منذ 1993 تاريخ اندلاع الإرهاب في الجزائر، وذلك بفضل عمليات عسكرية متفرقة لكنها مركزة استهدفت بالتحديد معاقل تنظيم «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي»، الذي يظل ناشطًا في مناطق كثيرة من البلاد وفي بعض الدول المجاورة، حيث يلقى «منافسة» شديدة من طرف «داعش» الذي يبحث له عن موطئ قدم على تراب الجزائر.
الجيش الجزائري أعلن مطلع الأسبوع عن مقتل 18 إرهابيًا، بمنطقة الرواكش بولاية المديّة (100 كلم جنوب غربي المديّة)، وأفاد بأنه عثر في مكان العملية العسكرية على أسلحة حربية وذخيرة، كانت بحوزة المتطرفين الذين ينتمون إلى «القاعدة المغاربية»، التنظيم الذي يدوم منذ 25 سنة تحت أسماء كثيرة.
وكانت المديّة قد بعيدة عن الأعمال الإرهابية منذ 10 سنوات على الأقل. إلا أنها عرفت في منتصف تسعينات القرن الماضي بأنها «منطقة محرّمة على الجيش» نظرًا للسيطرة المحكمة على المنطقة من طرف «الجماعة الإسلامية» آنذاك، بزعامة جمال زيتوني. ويومذاك استفاد التنظيم الإرهابي من تضاريس ولاية المديّة، من جبال ووديان، فاستغلها للتحصن بها واتخذها منطلقًا لضرب أهداف عسكرية ومدنية. واقترفت الجماعة مجازر رهيبة في المديّة راح ضحيتها المئات من المدنيين العزل، كما قتلت عددًا كبيرًا من رجال الأمن.
* «القاعدة» بثلاثة أسماء
اللافت أن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب، منذ أُسس مطلع 2007 على أنقاض تنظيم متشدد خرج من عباءة «الجماعة الإسلامية المسلحة»، لم يكن له وجود في هذه الولاية إلا في حدود ضيقة جدًا. ويرى متتبعو الشأن الأمني أن تنقّل عناصر منه إلى ولاية المدية دليل على أمرين أساسيين: الأول أن خناق الجيش اشتد على الجماعة في معاقلها الرئيسية، وهي تحديدًا مدن تيزي وزو وبومرداس وبجاية شرقي العاصمة. والثاني أن قيادة التنظيم كانت بصدد إعادة توزيع عناصره بنقلهم إلى مناطق جديدة تفلت من مراقبة الأجهزة الأمنية.
ويشار إلى أن الضربة الموجعة التي وجهها الجيش إلى «القاعدة» في المدية، تأتي بعد سنة بالضبط من عملية إرهابية استهدفت الجيش. ففي مطلع شهر رمضان الماضي، قتل 13 جنديًا من فرقة مشاة في كمين للتنظيم الإرهابي بمنطقة عين الدفلى (120 كلم غرب الجزائر العاصمة). ومنذ ذلك الاعتداء الإرهابي كثّف الجيش من عمليات تمشيط المناطق التي يُشك في أن «القاعدة» زرعت عناصرها فيها.
وحول عملية الرواكش العسكرية النوعية، قال أحدث تقرير لوزارة الدفاع، إن الجيش «تمكن من القضاء على 18 إرهابيًا وإلقاء القبض على 4 آخرين، واسترجاع 20 رشاشًا من نوع كلاشنيكوف وبندقيتين نصف آليتين من نوع سيمونوف ومدفع هاون عيار 60 ملم مع 10 مقذوفات، ورشاش عيار 12.7 ملم وبندقية مضخية و4 قذائف (آر بي جي – 2) وكمية ضخمة من الذخيرة من مختلف العيارات بالإضافة إلى 23 مخزن ذخيرة و20 قنبلة يدوية و3 أحزمة ناسفة ومعدات تفجير و7 نظارات ميدان و23 هاتفًا جوالاً».
كذلك أفاد التقرير بأن العملية، التي انطلقت في 8 يونيو (حزيران) الحالي، واستغرقت 9 أيام كاملة، «مكّنت من تحديد هوية المجرمين الستة الآخرين، الذين تم القضاء عليهم مساء يوم أمس 19 يونيو 2016 بالمنطقة نفسها، ويتعلق الأمر بمحيي الدين ح. المدعو (موسى)، وم. بوعلام المدعو (أبو سفيان)، وب. الحاج المدعو (سامورة)، وع. قويدر المدعو (أبو محسن)، وب. إبراهيم المدعو (أبو عقيل)، وب. العياشي المدعو (أسامة)».
وأوضح التقرير أن «تحييد هذه الجماعة الإرهابية، يُعتبر ثمرة التدريب والتكوين الجيد والانضباط والتقيد الصارم بتعليمات وتوجيهات القيادة العليا للجيش، لا سيما خلال مختلف اللقاءات التي تجمعها بالإطارات والمستخدمين عبر النواحي العسكرية، وسيزيد حتمًا من إصرار وعزيمة قوات الجيش الوطني الشعبي على تكثيف مثل هذه العمليات النوعية، والقضاء على ما تبقى من هذه العصابات الإجرامية».
وهذا في إشارة إلى زيارات ميدانية مكثفة يجريها الفريق أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش ونائب وزير الدفاع، إلى النواحي العسكرية منذ مطلع العام، بهدف تفقّد جاهزية الجيش وقدرته على التصدّي لهجوم محتمل من طرف الإرهاب. وحث صالح في كل زياراته، الجنود على القضاء على ما سمّاه «بقايا الإرهاب»، وهو مفهوم يتداوله الخطاب الرسمي منذ سنوات طويلة للدلالة على أن الإرهاب في «ربع الساعة الأخير» من عمره.
* اهتمام أميركي مركز
وفي الـ18 من الشهر، نشر الجيش حصيلة عملياته منذ مطلع العام. إذ أعلن عن القضاء على 73 متطرفًا واعتقال 111 شخصا متهمين بدعم الجماعات المتشدّدة خلال خمسة أشهر الأولى من العام الحالي، حيث تمكن الجيش خلال 6 أشهر من وضع حد لنشاط 1117 مهرب سلاح ومواد محظورة بالحدود، بينما جرى اعتقال 2309 مهاجرين سريين و105 تجار مخدرات. وسمح نشاط الجيش، خلال الفترة نفسها، باكتشاف وتدمير 248 مخبأً في الجبال والغابات يستعمله المتطرفون، للتحصن ضد ضربات قوات الأمن. وتضمّنت الحصيلة المنشورة بـ«مجلة الجيش»، حجز 205 سيارات ذات دفع رباعي و120 شاحنة، و148 سيارة و70 دراجة نارية، وهي وسائل نقل درج المتطرّفون ومهرّبو السلاح على استعمالها في نشاطهم وتنقلاتهم بالحدود، وفي المساحات الشاسعة لا سيما بالصحراء الكبرى، حيث تبذل السلطات الجزائرية مجهودات كبيرة لتغطيتها أمنيًا.
وأوضحت «نشرية الجيش الشهرية»، أن الضباط والجنود المنخرطين في سياسة محاربة الإرهاب، نجحوا في عمليات متفرقة منذ مطلع العام، من حجز كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة. وهذا النشاط غير المسبوق للآليات العسكرية، دفع بالجنرال ديفيد رودريغز، قائد المهام العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، إلى طلب زيارة الجزائر، فالتقى الأسبوع الماضي مع رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال وقايد صالح ومسؤولين في قسم محاربة الإرهاب بجهاز المخابرات. كما استقبله الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
وأبلغت مصادر عليمة «الشرق الأوسط» أن رودريغز أبلغ محدثيه بأن «أفريكوم» تريد التعاون مع الجيش الجزائري من أجل التصدي لـ«دواعش ليبيا» فوق التراب الليبي. ونقلت المصادر عن المسؤول العسكري الأميركي أن تنظيم الدولة الإرهابي يشكل خطرًا كبيرًا على الأمن بالمغرب العربي وأوروبا، وحتى الولايات المتحدة الأميركية في حال استطاعت الجماعة المتطرّفة أن تجد لها منفذًا، إلى بلدان غرب القارة السمراء التي تطل على المحيط الأطلسي. وإذا ما وصلت إلى هذه المناطق فإن الخطر سيكون قريبًا من السواحل الأميركية، بحسب ما نقل عن رودريغز في لقاءاته مع المسؤولين الجزائريين. كما استفسر قائد «أفريكوم» عن عودة «القاعدة» إلى النشاط في جمهورية مالي، على خلفية استهدافها المتكرر مواقع البعثة الأممية للسلام في مالي.
وأوضح المصدر ذاته بأن المسؤولين الجزائريين أبدوا لرودريغز تحفظًا شديدًا بخصوص نقل وحدات من الجيش الجزائري خارج الحدود لمطاردة عناصر «القاعدة» أو «داعش»، بحجة أن دستور البلاد يمنع ذلك، إلا إذا تعلق الأمر بمهام سلمية. وأكد المسؤولون، في المقابل، أنهم على استعداد للتعاون أمنيًا مع بلدان المنطقة لمساعدتها على مواجهة الإرهاب. وضرب محدّثو رودريغز، حسب المصدر، مثالاً بالأشواط الكبيرة التي قطعها التعاون الاستخباراتي بين تونس والجزائر خلال العامين الأخيرين.
* تأثير دواعش ليبيا
من جهة أخرى، يقدم خبير القضايا الأمنية والاستراتيجية، قوي بوحنية، لـ«الشرق الأوسط» قراءة في المشهد الأمني على ضوء العملية العسكرية الأخيرة، فيقول: «مقتل 18 إرهابيا بالمديّة ينبئ بأن خلايا الإرهاب النائمة ما زالت تملك القدرة على النشاط من جديد، وبالتالي إلحاق خسائر بالجيش». وتابع أن «نشاط الجيش خلال السنوات الثلاث الأخيرة، يؤكد مدى جاهزيته لضرب جيوب الإرهاب الأساسية، وليس أدل على ذلك من القضاء على زعيم تنظيم (جند الخلافة)، الذي يُنسب له اغتيال متسلق الجبال الفرنسي هيرفيه غوردال عام 2014»، في إشارة إلى المتطرّف عبد المالك قوري، الذي سقط في كمين للجيش غرب الجزائر العاصمة، وكان معه مجموعة من عناصر التنظيم تم القضاء عليهم.
وأضاف قوي بوحنية أن «الجماعات النائمة والخلايا اللوجيستية الداعمة للإرهاب، لا تزال تجد مرتعًا لها في الجزائر، وتحديدًا، في مرتفعات مناطق القبائل والمدية وتيبازة وصولاً إلى ضواحي العاصمة والبليدة، حيث يقوم الجيش شهريًا وبصفة دورية بتفكيك العبوات واستهداف مجموعات إرهابية صغيرة تتربّص به لمباغتته. ولا يوجد شك في أن الجيش الجزائري اكتسب تجربة وخبرة كبيرتين خلال تسعينات القرن الماضي عندما كان الإرهاب في أوج قوته. يضاف إلى ذلك التنسيق الاستخباراتي العالي الدقة بين مختلف الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى التدريب الاحترافي الذي استفادت منه القوات المسلحة في مجال الأدلة الجنائية، وتفكيك خيوط الجريمة المنظمة وارتباطاتها بمهربي السلاح وتجّار المخدرات».
وتابع بوحنية، الذي نشرت له دراسات كثيرة عن الأوضاع الأمنية بأفريقيا، شارحًا: «الزحف الداعشي على مدن الساحل الليبي، مثل درنة وصبراتة - والثانية لا تبعد سوى كيلومترات عن الحدود التونسية - وتعاظم النشاط الميليشياوي المسلح في تونس، زاد من تعقيد عملية إعادة الاستقرار إلى المنطقة. وهذا الوضع تسبّب بدوره في متاعب أمنية إضافية للجزائر باعتبارها تشكل عُمق المنطقة، وهي أكبر قوة إقليمية. وما يستحق الإشارة هنا خطورة ما اعتبره الدولة الميليشياوية الأمنية التي تحاول السيطرة على مقاليد الدولة السياسية في ليبيا، وهو ما صعّب عملية الاستقرار في هذا البلاد».
وبحسب الخبير الأمني فـ«الامتدادات الحدودية للجزائر التي تزيد عن 6000 كلم، من شأنها أن تشكّل ضريبة جغرافية وأمنية إضافية عليها. خصوصًا أن تحرّك الخلايا الإرهابية في الساحل الأفريقي واستمرار تدفق السلاح على منطقة الساحل، تسبّبا في تفاقم الوضعية الرخوة للساحل، رغم الاستقرار النسبي الذي تشهده دوله منذ عام تقريبًا».
ولاحظ بوحنية أن «جماعات أنصار الدين وبعض الفصائل الأزوداية الانفصالية تناضل وفق رؤية تمكنها من أن تكون ضمن المشهد الأمني والتنموي في مالي. بينما جماعة بوكو حرام وبعض الجماعات الراديكالية في نيجيريا وبعض الدول المجاورة تعانق الآيديولوجية الداعشية. وكان «أبو بكر البغدادي» قد أعلن قبل سنة ونصف السنة تقريبًا عن مبايعة أكثر من 14 سريّة إرهابية من دول المغرب العربي له، وهو بذلك يسعى إلى استكمال عقد العمل المسلح العابر للقارات، والمهدّد للدول الأفريقية الهشّة والمحيطة بمنطقة الساحل.
وأوضح الخبير بأن الجزائر «ستبقى محل تهديدات أمنية، رغم الضريبة التي دفعتها خلال العشرية السوداء، وهي 200 ألف قتيل. ولقد مرّت عشر سنوات على إقرار ميثاق السلم والمصالحة، الذي حقق نتائج جيدة نسبيًا على صعيد إقناع المسلحين بالتخلي عن الإرهاب. غير أن العمليات الإرهابية ذات الحجم الصغير والمتوسط تبقى غير مستبعدة.. فالجماعات المتشددة تتغذّى من المحيط الإقليمي المتفجر في ليبيا ومالي. وبالتالي، لا حل للدول الأفريقية، برأيي، إلا تبني خطة عمل أفريقية متكاملة تركّز على محاور ثلاثة: المحور الأول أمني ويقوم على تعزيز التعاون الاستخباراتي بين الدول بشكل يمكنها من تفكيك الجماعات المسلحة والقضاء عليها. والمحور الثاني يتمثل في التنمية بتعزيز الحكم الراشد والتوزيع العادل للثروة. والمحور الثالث يتعلق بدعم الاستقرار السياسي في دول الساحل، خصوصا، تفاديًا لحركات انقلابية. وهنا يجب دعم خيارات المصالحة في ليبيا ومالي وأفريقيا الوسطى وساحل العاج».
* «المرابطون».. الخطر الداهم
وبإلقاء نظرة متأنية على الجماعات المتطرفة المسلحة النشطة حاليًا، وخريطة انتشارها، يتضح أن أخطرها فيما يخص الداخل الجزائري، يبقى تنظيم «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي»، الذي يرأسه عبد المالك دروكدال الشهير بـ«أبو مصعب عبد الودود» منذ 2005. وحاولت أجهزة الأمن الإيقاع به في كمائن عدة مرات بمنطقة القبائل، حيث يتنقل بين شعابها ووديانها، من دون أن تتمكن منه.
غير أن القوة الضاربة التي كان يتمتع بها التنظيم الإرهابي خلال سنوات 2006 و2007 و2008، تراجعت إلى حد كبير، وإن كان لا يزال يحتفظ بعامل المباغتة، وهو ما تدركه السلطات جيدًا. وللعلم، التنظيم خلال 2013 أحد أبرز عناصره، وهو صلاح أبو محمد الناطق باسم «القاعدة» والمروج لأعمالها عبر الإنترنت الذي وقع في كمين للمخابرات شرقي العاصمة. وتقريبًا لم يبقَ من «الوجوه البارزة» في التنظيم سوى «أمين المال» المكنّى «أبو أحمد الجيجلي»، وهو من أوائل الملتحقين بالتنظيم الإرهابي الذي نقل جزءًا كبيرًا من نشاطه إلى الصحراء الكبرى على الحدود مع مالي والنيجر.
أما ثاني التنظيمات التي تتوجّس منها السلطات الأمنية الجزائرية خيفة فهو «المرابطون»، بقيادة المطلوب دوليًا الجزائري مختار بلمختار المعروف بـ«خالد أبو العباس». وفي وقت كان فيه المسؤولون الأمنيون يعتقدون بأن الخلاف الذي وقع بين بلمختار وقيادة «القاعدة»، ثم طلاقه معها، أدخلاه في مرحلة ضعف ووهن، فاجأ الإرهابي الأكثر خطورة في منطقة الساحل الأفريقي الأجهزة الأمنية بعملية استعراضية مطلع 2013، تمثّلت بالهجوم على منشأة عين أميناس، التي هي المنشأة الغازية الأكبر في صحراء البلاد واحتجز العشرات من الفنيين الأجانب والمحليين. ويومذاك تدخّلت «القوات الخاصة» الجزائرية لفك أسر الرهائن، وانتهت العملية بمجزرة رهيبة إذ قتل 29 أجنبيًا ومعهم 28 من المعتدين، لم يكن بلمختار من بينهم، إذ كان العقل المدبّر للعملية التي نفّذها عناصر يتبعون له، يتحدّرون من 6 جنسيات: جزائرية وموريتانية ومصرية وتونسية ومالية وكندية. ويتحصًن «أبو العباس» حاليًا بقبيلة البرابيش في شمال مالي، التي تزوج منها. ويقال إن أعيان هذه القبيلة المسلحين على استعداد لخوض حرب إذا استدعى الأمر، ولن يفرطوا في «أبي العباس».
وفي حين لم يُعد يُعرف أي نشاط لما تدعو نفسها «جماعة حماة الدعوة السلفية» منذ 5 سنوات، بعدما كانت تنشط في تيبازة وعين الدفلى (غرب وجنوب غربي الجزائر العاصمة)، يتعاظم خطر «حركة أنصار الدين» منذ نهاية عملية «القط المتوحش» العسكرية التي شنها الطيران الحربي الفرنسي على مواقع التنظيمات المتطرفة بشمال مالي في مطلع 2013. ولئن كانت القوات الفرنسية بالتحالف مع عسكر النيجر قد نجحت في قتل قائد «القاعدة» الجزائري «عبد الحميد أبوزيد» في خضم «القط المتوحش»، فإن زعيم «أنصار الدين» المتطرف إياد آغ غالي ما زال يتحرّك بعناصره في المدن المالية الحدودية مع الجزائر. وبحسب أحدث تقارير الأمن، يبحث آغ غالي عن التوغّل إلى عمق التراب الجزائري لضرب مصالح غربية تتمثل أساسًا في مشاريع بترولية أميركية. وتخشى أجهزة الأمن الغربية التي تقتفي أثر هذا القيادي المتشدّد من قيام حلف بينه وبين «داعش» ليبيا.
أما «حركة التوحيد والجهاد» التي انشقت عن جماعة «أبي زيد»، في 2011 فقد «تخصصت» بخطف رعايا غربيين، خصوصًا الفرنسيين منهم، ومساومة حكوماتهم للحصول على فدية. ولقد تراجع نشاط هذا التنظيم منذ سنة، إلا أن خطره يظل قائمًا. ولوحظ أن عناصره في المدة الأخيرة يتحرّكون في منطقة الحدود الموريتانية - المالية.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.