انطلاق الدورة 38 من مهرجان «أنيسي» للرسوم المتحركة

قطة تركية ناجحة وحكاية تسجيلية عن طبيب مخادع

لقطة من فيلم بَـني لاين - من الفيلم الكندي «كليو» للصغار مع الحب
لقطة من فيلم بَـني لاين - من الفيلم الكندي «كليو» للصغار مع الحب
TT

انطلاق الدورة 38 من مهرجان «أنيسي» للرسوم المتحركة

لقطة من فيلم بَـني لاين - من الفيلم الكندي «كليو» للصغار مع الحب
لقطة من فيلم بَـني لاين - من الفيلم الكندي «كليو» للصغار مع الحب

للوصول إلى كل من مدينتي لوكارنو وأنيسي عليك، إذا ما كنت في سويسرا أو في فرنسا، أن تغادرهما ثم تعود إليهما.
يتجه بك القطار من جنيف إلى لوكارنو ليدخل الحدود الإيطالية. يتوقف في إحدى المحطات ثم تنتقل إلى قطار آخر يعود بك إلى ذلك الركن الساحر من الألب حيث تكمن المدينة.
للوصول إلى أنيسي عليك، إذا ما انطلقت من باريس أو من أي مدينة فرنسية، أن تدخل سويسرا أولاً ثم تعود أدراجك إلى المدينة الفرنسية.
الرحلة جميلة والأجمل منها عندما تحط في مهرجان لوكارنو أو في مهرجان أنيسي. كلا المهرجانين يقام في فصل الصيف. لكن كل منهما مختلف. أولهما هو «أنيسي» الذي انتهت أعماله في الثامن عشر من هذا الشهر والمتخصص في سينما الرسوم المتحركة.
إنها الدورة الثامنة والثلاثون لمهرجان تخصص في هذا اللون من السينما منذ عام 1960 عندما كان يقام مرّة كل سنتين. واستمر على هذا الوضع حتى عام 1997، عندما تقرر أن يصبح حدثًا سنويًا. ليس أنه المهرجان الوحيد من نوعه في العالم، لكنه أشهرها وأكثرها صمودًا في وجه المتغيرات.
2600 فيلم قصير وطويل ومن مختلف أنماط سينما «الأنيميشن» تم إرساله إلى إدارة المهرجان بغية الاشتراك في أي من أقسامه الاثني عشر. أهم هذه الأقسام نسبة إلى المشتركين هي قسم مسابقة الفيلم الطويل وقسم مسابقة الفيلم القصير والمسابقة الخاصة بأفلام الأنيميشن المنتجة تلفزيونيًا. وهناك «عروض خاصة» و«عروض السوق» وأفلام طويلة وقصيرة مبرمجة للعرض الرسمي إنما خارج المسابقة.
‫‬* الطبيب المخادع‬
الفيلم الأول الذي التقطناه يحمل اسمًا له أكثر من معنى وهو «Nuts!» فأحد معانيها «مجانين» والكلمة تعني أيضًا «عقدة»، لكن المعنى الثالث هو المقصود، وهو «خصيتان». الفيلم بوشر بعرضه هذا الأسبوع في صالات أميركية باستحسان نقدي جيد نسبة لموضوعه وحسن معالجته.
يبدأ «خصيتان» كما لو كان عملاً ساخرًا: طبيب يهاجر من المدينة إلى بلدة صغيرة لم يسمع بها أحد (اسمها ملفورد) في ولاية كانساس ويفتتح عيادة. ذات يوم يأتيه مزارع ويشكو له عدم قدرته على الإنجاب والشاكي نفسه هو من يقترح عليه لو أنه يزرع له خصيتي تيس. الطبيب يجد الفكرة قابلة للفعل ويجريهما (بعيدًا عن الكاميرا) وإذا بالرجل بعد تسعة أشهر صار أبًا.
هنا تفتح المخرجة بَني لين كتابًا عنوانه «حياة رجل» وضعه سنة 1934 كليمنت وود تستوحي منه أحداث هذا الفيلم. وعند هذه النقطة تدرك أن الفيلم بدأ ضاحكًا، وقد يجعلك تبتسم في بعض المشاهد اللاحقة، لكنه جاد جدًا في مجمله كونه يتحدث عن الطبيب الأميركي جون برينكلي الذي كان موضع سجال واسع في عشرينات القرن الماضي وثلاثيناته لأكثر من سبب، ليس تلقيح الرجال بمواد حيوانية إلا أحدها.‬
لكن حتى وإن لم يكن لديك الوقت لتراجع «غوغل» وما يذكره مطوّلاً عن هذا الطبيب وإنجازاته وما آلت إليه حياته، فإن الفيلم كاف لكي يقدّم لك تلك الحياة كما وقعت ولو ببعض الدهاء السينمائي الذي يجعلك تصدّق أن برينكلي كان ما ادعاه بنفسه من علم ونبل وشرف، قبل أن تنكشف شخصيته أمام الرأي العام، فإذا بها أقل مدعاة للتصديق والقبول. ليس فقط أنه فبرك حالات كثيرة وأجرى عمليات لم يكن واثقًا منها، وخلط القليل من المواد الطبية بالكثير من الماء ليحقن بالنتاج مرضاه، بل كوّن ثروة كبيرة (قدرت بعشرات الملايين في تلك الآونة). أما ذلك الكتاب الذي تم وضعه عنه فقد تبين أنه هو ناشره.‬
ليس أن الرجل كان كذبة خالصة. فهو أفاد الكثير بأبحاثه. والكثيرون يقولون إن عملياته الجراحية المتخصصة في تقوية فعل الإنجاب لدى الرجال أدت بالفعل لأن يسمعوا كلمة «بابا» من أولادهم لأول مرّة. لكن مع الهجمة الشديدة للمؤسسة العلمية الفيدرالية الأميركية لا بد أن تبدأ التفكير بأن هؤلاء ربما كانوا من لوازم الإعلام الذي اعتمده برينكلي ليواجه به تهم المؤسسة الرسمية بالخداع.‬
الفيلم مزيج بين التسجيلي (صور ولقطات أرشيفية) والرسوم. وهذه الأخيرة هي الجانب الروائي من الفيلم. وهي بالأبيض والأسود في نحو نصف الفيلم أيام العشرينات ولاحقًا بالألوان خلال الأربعينات، وهي الفترة التي تكاثرت فيها الأفلام الملوّنة أيضًا. والمخرجة لديها طرق فذّة لتوسيع رقعة العمل لتشمل سرد السيرة والتعليق على الحياة الاجتماعية وتصنيف الشخصيات رسمًا وتعليقًا. في أحد المشاهد تستعين بمشهد رائع من فيلم بستر كيتون الصامت «رجال شرطة» ليحاكي ما يمر به برينكلي من مشكلات. ويتركك الفيلم آسفًا على أن برينكلي هذا خرق القانون في أكثر من جهة، وأنه لم يكن سوى تاجر استطاع أن يخدع بعض الناس بعض الوقت.‬
‬* قطط شريرة
مما التقطناه أيضًا فيلم تركي ماهر الصنعة يبدو كما لو أنه من إنتاج هوليوودي نظرًا لتقنيته المتقدّمة وبراعة تنفيذ أفكاره المختلفة، وهو بالتأكيد متأثر بأسلوب «ديزني» و«دريموركس». «قط سيئ» لمحمد كورتولوش وعائشة أونال يدور حول الحياة العاطفية والاجتماعية لقط اسمه شيرو، لكنه ليس القط الذي تفكر بالاحتفاظ به كرفيق يؤانس وحدتك. على العكس هذا قط شرس يستخدم كلمات نابية طوال الوقت، ويتسبب في تكبيد الآدميين الكآبة والتسبب في مشكلات شخصية كانوا في غنى عنها. هو وصديقاه طائر النورس والجرذ يعيشون في مدينة إسطنبول، لكنه يتجاوزهما في مهارة التسلل إلى حيث يريد وسرقة الطعام (والشراب) من الأبرياء، والتسبب في موت قطط أخرى أحيانًا.‬
لا «قط سيئ» موجه للصغار. كذلك الحال بالنسبة لكثير من أفلام هذا المهرجان وكثير جدًا من أفلام الأنيميشن حول العالم. بالنسبة للقط الشرير فإن سوابقه تعود إلى فنانين آخرين سعوا قبل هذين المخرجين لتقديم الوجه المشاكس وغير الآمن للحيوان الأليف في المقدّمة رالف باكشي الذي ابتدع شخصية القط «فريتز» لمجلات «الكوميكس» أولاً ثم للسينما سنة 1972 وما بعد، وفي الحالتين عمد إلى شخصية تخص الراشدين الباحثين عما لا يستطيع فيلم الرسوم الموجه للصغار استحواذ اهتمامهم به.‬
فيلم آخر يثير الاهتمام في المسابقة هو «محطة سؤول» للمخرج سانغو يوون. هذا الفيلم الكوري الجنوبي في أساسه فيلم رعب تقع أحداثه في محيط محطة القطار في العاصمة الكورية، عندما ينتشر القتال بين مصابين بفيروس وآخرين سالمين ينتصر فيه الفريق الأول ويبدأ الفريق الثاني بمحاولة الهرب من المصابين قبل انتقال الفيروس إليهم. المشكلة هي أن البوليس كان عزل المنطقة بأسرها ما يجعلهم غير قادرين على النفاذ صوب الأمان.‬
لكن من المريح أن الفيلم الفائز بجائزة مسابقة الفيلم الطويل هو واحد من تلك التي يستطيع الصغار مشاهدتها بالفعل. وهو «كليو» المنفذ على الكومبيوتر بنظام الأبعاد الثلاثة، وهو فيلم كندي من إخراج جان - فرنسوا بوليو وفرنساوا بريسون ويتناول حكاية مجموعة من الأولاد انعزلت في استراحة في بعض الجبال الثلجية خلال رحلة الهدف منها محاربة أسباب التغيير المناخي. أما قسم الأفلام القصيرة فيحفل بعدد أكبر من الأفلام بطبيعة تكوينها الزمني. لكن من بين أبرزها الفيلم اللبناني «أمواج 98» لمخرجه إيلي داغر الذي كان خطف سعفة مهرجان «كان» الذهبية كأفضل فيلم قصير في العام الماضي. فيلم راقٍ في معالجته ولديه الكثير مما يرمز إليه، ولو أن القليل من ذلك هو ما يصل إلى المشاهدين على نحو واثق.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.