الرباط في مواجهة التطرف والإرهاب بأفريقيا

جهود متواصلة لمأسسة الحقل الديني وربطه بـ«النموذج المغربي»

الرباط في مواجهة التطرف والإرهاب بأفريقيا
TT

الرباط في مواجهة التطرف والإرهاب بأفريقيا

الرباط في مواجهة التطرف والإرهاب بأفريقيا

أعاد تنصيب الملك محمد السادس ملك المغرب لـ«المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة» إلى واجهة الدور الديني المغربي التاريخي بأفريقيا، وما تلعبه المملكة من دور فعال في مواجهة الإرهاب الذي يتوسّع في جغرافية القارة السمراء. المبادرة المغربية التي جاءت في حفل داخل جامعة القرويين بفاس يوم الخميس 11 رمضان 1437هـ - 16 يونيو (حزيران) 2016، جمعت 99 عالما وعالمة أفارقة من 30 دولة؛ إلى جانبهم 20 عالما وعالمة مغاربة، في أكبر مؤسسة دينية بالقارة. وتجدر الإشارة إلى أن «مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة» أحدثت بظهير ملكي مؤرخ بيوم 6 يونيو 2015. وهي تحت رئاسة الملك. وتهدف المؤسسة بحسب المعطيات التي قدمتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، إلى «صيانة الثوابت العقدية والمذهبية والروحية المشتركة بين المغرب وبلدان أفريقيا، وكذا نشر الحكم الشرعي الصحيح، وإشاعة الفكر الإسلامي المعتدل».
المبادرة المغربية، المشار إليها أعلاه، تأتي في سياق السياسة الدينية الجديدة التي بدأها المغرب بعد الأحداث الإرهابية التي ضربت مدينة الدار البيضاء عام 2003، إذ اعتمد المغرب سياسة داخلية، وأخرى خارجية تهم الجانب الأمني من جهة، ومن جهة أخرى أعادت الدولة هيكلة الحقل الديني ومؤسساته. ففيما يخص المجال الديني، أعيد تفعيل دور «المجلس العلمي الأعلى» باعتباره أعلى مؤسسة دينية تابعة لأمير المؤمنين (الملك) مباشرة، وخوّلت لها حصرا اختصاصات مثل الإفتاء الديني. كذلك أعاد السلطة ونفخ الروح في المجالس العلمية التابعة للمجلس الأعلى والمنتشرة في العمالات (المحافظات) والمدن المغربية، ووسع من عددها ومجالات تدخلها وتأطيرها المباشر للمواطنين دينيا. وخارجيا أحدث تحت إشراف الملك «المجلس العلمي لأوروبا»، سنة 2008، تأطير الجالية المغربية دينيا وحمايتها من التيارات المتطرفة والتشيّع. أما فيما يخص المجال الأمني، فقد تبنى المغرب سياسة جديدة في محاربة الفكر والتنظيمات الإرهابية، اعتمدت تكوين جهاز أمني خاص بالإرهاب، واستطاع بفضل سياسته هذه، التي طورها منذ 2008 في هذا المجال، أن يتحول فاعلاً مركزيًا في شمال أفريقيا، يلعب دورًا متقدمًا في مجال المواجهة الاستباقية للتنظيمات الإرهابية. ولعل هذا ما نقل المغرب من مُطالب للخبرة الأجنبية، إلى مُقدِّم المساعدة والخبرة لدول أوروبية مثل فرنسا وبلجيكا وهولندا، وأخرى أفريقية مثل مالي وبوركينا فاسو والكوت ديفوار، في مجال مكافحة واختراق التنظيمات الإرهابية.
واستمرارًا لسياسة تشبيك ما هو أمني، بما هو عقدي ديني، يبدو أن المغرب بتأسيسه «مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة»، وتعيين مجلسها الأعلى، قد يتحول فعليًا إلى قطب ديني أفريقي، مستثمرًا خصوصيته الجو - دينية وإرثه التاريخي في هذا المجال.
لقد كان المغرب لقرون ممتدة أكثر دول شمال أفريقيا، مساهمة في نشر الإسلام والمذهب المالكي في مناطق جنوب الصحراء. وتمكنت الزوايا والطرق المغربية من التغلغل في غرب أفريقيا وبلاد السودان، ووصلت بشكل أقل إلى شرق وجنوب القارة السمراء؛ الشيء الذي دفع بعض المؤرخين لتاريخ أفريقيا، للقول بأن أكثر الزوايا والطرق المنتشرة بأفريقيا، أصولها من شمال أفريقيا. وتعد الطريقة التيجانية أكبر وأهم وأنشط هذه الطرق ذات الأصل المغربي، وتربطها بملك المغرب رابطة البيعة باعتباره «أميرا للمؤمنين». ولا يخفى أن هذا البعد العقدي، أكسب هذه الزاوية بعدا غاية في الأهمية في مجال الدبلوماسية الدينية؛ حيث ما زالت تلعب التيجانية دورا سياسيا في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية، ضد مساندي «جبهة البوليساريو» الانفصالية. كما تواجه إلى جانب الزاوية الدرقاوية والشاذلية، التي ظهرت في المغرب على يد مؤسسها الشيخ المؤسس مولاي عبد السلام بنمشيش، دور الموجه الديني السنّي في غرب أفريقيا. ولدى العودة إلى تركيبة العلماء المكونين لـ«المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة»، يلاحظ الحضور البارز للنخبة المعروفة، بأئمة وعلماء في المؤسسة، وهو ما يتضح من خلال الأسماء الممثلة للسنغال وموريتانيا وبوركينا فاسو ومالي وغانا وغينيا والسودان وبنين وغيرها.
وفي هذا السياق، يعوّل المغرب لتقوية هذه المؤسسة على توحيد الخطاب الديني وبناء مدرسة فكرية وعقدية معتدلة، ومرتبطة بالنموذج المغربي على امتداد القارة، ما سيمكن فروعها المحدثة بمختلف الدول الأفريقية جنوب الصحراء، من لعب دور مؤسساتي واجتماعي فاعل يشرك العلماء على صعيد أفريقيا في مكافحة التطرف. وهذا الهدف المركزي يشير إليه الظهير ملكي المتعلق بإحداث «مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة». إذ ينص الظهير، على أن إنشاء المؤسسة، رغبة من ملك المغرب في «المحافظة على وحدة الدين الإسلامي وصد التيارات الفكرية والعقدية المتطرفة». وكذا «الحرص على حماية العقيدة الإسلامية والوحدة الروحية للشعوب الأفريقية من كل النزاعات والتيارات والأفكار التضليلية التي تمس بقدسية الإسلام ومقاصده».
أما أهداف «مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة»، فيلخصها الظهير في: أولاً «توحيد وتنسيق جهود العلماء المسلمين بكل من المغرب وباقي الدول الأفريقية للتعريف بقيم الإسلام السمحة ونشرها». وثانيًا «القيام بمبادرات في إطار كل ما من شأنه تفعيل قيم الدين في كل إصلاح تتوقف عليه عملية التنمية في أفريقيا». وثالثًا «التشجيع على إقامة المراكز والمؤسسات الدينية والعلمية والثقافية».
ووفقا للسياسة المندمجة التي تبناها المغرب في موضوع المواجهة العملية للإرهاب والتطرف بأفريقيا، وارتباطا بالمؤسسة المشار إليها أعلاه وأهدافها، دشن الملك محمد السادس بتاريخ 6 جمادى الثانية 1436هـ موافق 27 مارس (آذار) 2015 «معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات». وتهدف هذه المؤسسة، التي لا يمكن فصلها عن «مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة» - حسب الوزارة المكلفة بالشؤون الدينية المغربية - إلى تكوين (أي إعداد) نخب دينية جديدة وطنية وأجنبية، وفق منظور يعتمد المقاربة المغربية المبنية على ضرورة الحفاظ على المرجعية الدينية «المرتكزة على إمارة المؤمنين والعقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف المستمد من سلوك الإمام الجنيد، وهي ثوابت مشتركة تنتهي أسانيدها إلى المغرب بالنسبة لمجموع أهل بلدان أفريقية الغربية».
كذلك يهدف التكوين الديني بالمعهد إلى الارتباط الوثيق بالهوية المغربية المتميزة بالوسطية والاعتدال والتسامح، ونبذها للتشدد والتطرّف، مع احترام تام للمقومات الخاصة لكل بلاد الأئمة الخاضعين للتكوين بالمعهد. وهو ما يعني، من جهة، أن المملكة المغربية تسعى لتصدير نموذجها الديني لخارج دول غرب أفريقيا، التي تتبنى المذهب المالكي؛ ليصل إلى دول شرق القارة التي تتبع المذهب الشافعي، ومع مناطق تداخل المذاهب الأخرى. ومن جهة ثانية، تهدف إلى تخريج المعهد طاقات بشرية أفريقية محلية مكونة دينيًا، تستطيع مواجهة التشيّع الذي أخد يتوغَّل تدريجيًا في أفريقيا، مع ازدياد استقطاب إيران للبعثات العلمية الطلابية وربطها بالمرجعيات الدينية الشيعية في طهران وقُم.
وحقًا، يبدو أن النموذج المغربي لمحاربة الفكر المتطرف والإرهاب، يلقى إقبالاً متزايدا على المستوى القاري. إذ شهد السنة الأولى من التكوين بـ«معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات»، حضورًا لافتا لكثير من الجنسيات للتكوين في المجال الشرعي. وبدأت هذه العملية بتوصل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، بمراسلات لتكوين الأئمة والاستفادة من الخبرة المغربية، من طرف وزارة الشؤون الدينية بالجمهورية التونسية، والأمانة العامة للشؤون الدينية بجمهورية غينيا، وكذلك معهد الإمامة والخطابة التابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في ليبيا. وبالإضافة إلى هذه الدول، تتلقى حاليا نخبة من أئمة نيجيريا وتشاد ومالي والسنغال وبوركينا فاسو والكوت ديفوار وأئمة فرنسيين، تكوينًا في المجال الديني بمعهد محمد السادس وعلى نفقة المغرب.
وضمن هذه السياسة، يشجع المغرب الطلبة الأفارقة على الدراسة في المغرب، حيث وصل عددهم لحدود عام 2015، نحو 15000 طالب، يدرسون في مختلف الجامعات، ومدرسة «دار الحديث الحسنية»، التي تعد أكبر معهد للدراسات العليا الدينية في المملكة المغربية. وفي هذا الإطار يقدم المغرب منحا دراسية لأكثر من 8 آلاف طالب أفريقي من الذين يستقبلهم.
بكلمة، يمكن القول إن النموذج المغربي في مواجهة الإرهاب بأفريقيا، يتكون من شقّين غير منفصلين: الشق الأمني حيث عقد المغرب في السنوات الأخيرة اتفاقيات أمنية وعسكرية مع بعض الدول الأفريقية تهم التعاون الأمني والعسكري، كما هو الشأن بالنسبة لدولة مالي والسنغال والكوت ديفوار. والشق الفكري العقدي، الذي أخذ المغرب يوليه أهمية قصوى، وتجاوز بذلك سياسته التقليدية القائمة على الزوايا، وانتقل لمأسسة الحقل الديني في بعده الأفريقي، وربطه بالنموذج المغربي الوسطي المعتدل، والمحاربة للتيارات المتطرفة الإرهابية.
* أستاذ العلوم السياسية جامعة محمد الخامس - الرباط



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».