واشنطن تحجب أكثر من مليون وثيقة تدين طهران بالإرهاب ثمنًا للاتفاق النووي

مسؤولو استخبارات سابقون وأعضاء في إدارة أوباما تحدثوا عن وثائق أبوت آباد:

الرئيس باراك أوباما ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس يتحدثان على الهاتف مع الأمن الداخلي (غيتي)
الرئيس باراك أوباما ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس يتحدثان على الهاتف مع الأمن الداخلي (غيتي)
TT

واشنطن تحجب أكثر من مليون وثيقة تدين طهران بالإرهاب ثمنًا للاتفاق النووي

الرئيس باراك أوباما ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس يتحدثان على الهاتف مع الأمن الداخلي (غيتي)
الرئيس باراك أوباما ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس يتحدثان على الهاتف مع الأمن الداخلي (غيتي)

في الثاني من مايو (أيار) عام 2011 اقتحمت قوات أميركية منزل أسامة بن لادن في أبوت آباد بباكستان. وبعد إطلاق النار على زعيم تنظيم القاعدة وقتله، حصلت هذه القوات على مجموعة ضخمة من الوثائق، وصفت لاحقا بـ«أكبر مجموعة منفردة من المواد المهمة على الإطلاق». وأفاد مايكل بريغنت، الضابط بوكالة الاستخبارات العسكرية، بأن هناك أكثر من مليون وثيقة تدين طهران بالإرهاب،وتؤكد استمرار العلاقة بين نظام خامنئي وتنظيم «القاعدة». وفي الفترة السابقة على الحملة الانتخابية الرئاسية في عام 2012، والتي ترشح فيها الرئيس أوباما لفترة ثانية، كشف البيت الأبيض انتقائيا عن عدد محدود من وثائق أبوت آباد لدعم ادعائه بأن «القاعدة» تعرضت للهزيمة. وفي ذلك العام ، نظم فريق عمل من الضباط والمحللين الاستخباراتيين من القيادة المركزية الأميركية، بتكليف خاص، زيارة إلى أرشيف وثائق أبوت آباد في فرجينيا، ولكن مجلس الأمن القومي ألغى تصريح الاطلاع على تلك الوثائق. يقول ضابط الاستخبارات بريغنت،عضو فريق القيادة المركزية السابق «لو كشفت إدارة أوباما عن بعض الوثائق الخاصة بالعلاقة بين بن لادن وإيران، قبل وأثناء وبعد أحدث 11 سبتمبر (أيلول)، لأفسدت تلك المعلومات،وحقيقة معرفة الإدارة بها، الاتفاق النووي مع طهران». وتزامن التكتم على أدلة تعاون «القاعدة» وإيران مع حملة تشنها الإدارة لتركيز انتباه الأميركيين على ادعاءات بقيام الحكومة السعودية بدور عملي في أحداث 11 سبتمبر . من جهته طالب رئيس اللجنة الدائمة للاستخبارات بمجلس النواب بالإفراج الفوري عن جميع وثائق أبوت آباد. ويؤكد مسؤول سابق في الاستخبارات والعمليات الخاصة بالمارينز أنه لا يوجد مبرر عملي لاستمرار حجب غالبية الوثائق.
وصفت الحكومة الأميركية المواد السرية المحجوبة التي حصلت عليها قوات أميركية من منزل زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن في أبوت آباد بباكستان، بأنها تجاوزت مليون وثيقة، تدين طهران بالإرهاب، وقال مستشار الرئيس باراك أوباما لشؤون الأمن القومي توماس دونيلون، «أن تلكم المواد محفوظة على 10 أقراص صلبة، ونحو 100 قرص بحجم الإبهام وبطاقات بيانات، إضافة إلى كمية هائلة من المواد والأوراق المطبوعة» . ووفقا لما صرح به دونيلون، يمكن لتلك المواد أن تملأ «مكتبة جامعة».

تكليف فريق من (سي آي إيه) بتحليل المواد
تم تكليف فريق من وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) بتحليل المواد، مع إعطاء الأولوية للاستخبارات التي يمكن اتخاذ إجراءات فورية بشأنها، وبهدف نهائي بفحص المحتوى بالكامل للوصول إلى أقرب قدر ممكن من المعرفة الشاملة بتنظيم القاعدة. كما وعدت الإدارة بجعل معظم المواد متاحة للجمهور عندما يكون ذلك آمنا ومقبولا من الناحية العملية.
ولكن بعد مرور أكثر من خمسة أعوام على مصادرة الوثائق، تم الكشف عن قدر ضئيل للغاية من المواد للجمهور. ويؤكد مسؤولون سابقون في الاستخبارات، كانوا على دراية بالخلافات داخل الأجهزة حول ذلك الأرشيف، أن إدارة أوباما استخدمت قدرا محدودا من المواد التي رفعت عنها السرية لدعم خطابها السياسي بشأن «القاعدة» ولم تثبت صحة أغلبية الوثائق. ومن أبرز التناقضات: الدليل القوي على وجود تعاون بين «القاعدة» والحكومة الإيرانية.
وتنشر {الشرق الأوسط} بالتزامن مع الزميلة «المجلة» لقاءات مع مسؤولين استخباراتيين سابقين وأعضاء عاملين في أرشيف الأمن القومي في واشنطن، وخبراء في سياسات رفع السرية في حكومات أميركية متعاقبة، بالإضافة إلى فحص أكثر من 250 وثيقة من مجمع أبوت آباد.
- وصف بن لادن إيران بأنها «الممر الرئيسي لنا بالنسبة للأموال والأفراد والمراسلات»، وأوصى تابعيه بعدم «فتح جبهة مع إيران والانصراف كليا.. للقتال ضد الصليبيين والمرتدين».
- كان هناك تناقض واضح بين البيانات العامة التي يصدرها تنظيم القاعدة معلنا أن جميع الشيعة (كفار) من جهة، والمداولات الداخلية التي يجريها التنظيم داعا إلى تبادل المنفعة البرغماتي مع ملالي طهران من جهة أخرى.
- شعر بن لادن بالقلق إثر خروج تقارير عن وجود تعاون بين «القاعدة» وإيران في وسائل الإعلام العربية، وحث تابعيه على نفيها بشدة.
- استهدف أبو مصعب الزرقاوي الأماكن المقدسة الشيعية والمدنيين الشيعة في العراق مخالفا لأوامر بن لادن، مما أثار أزمة في العلاقات بين «القاعدة» وإيران.
واتخذت إيران إجراءات صارمة ضد «القاعدة» من بينها احتجاز أفراد من أسرة بن لادن، من أجل التفاوض على إعادة التعاون من مركز قوة.
- استخدمت إيران نفوذها وصلتها بـ«القاعدة» كوسيلة ضغط على الولايات المتحدة في عهد كل من بوش وأوباما.
- في الفترة السابقة على الحملة الانتخابية الرئاسية في عام 2012، والتي ترشح فيها الرئيس أوباما لفترة ثانية، كشف البيت الأبيض انتقائيا عن عدد محدود من وثائق أبوت آباد لدعم ادعائه بأن «القاعدة» تعرضت للهزيمة.
- وفي ذلك العام ذاته، نظم فريق عمل من المحللين الاستخباراتيين من القيادة المركزية الأميركية بتكليف خاص زيارة إلى أرشيف وثائق أبوت آباد في فرجينيا، ولكن ألغى مجلس الأمن القومي تصريح الاطلاع على وثائق.
- تقدم 50 محللا استخباراتيا من القيادة المركزية الأميركية بشكوى رسمية من أن عملهم يخضع لتغيير على يد رؤسائهم ليعطوا صورة وردية عن الحملة الأميركية العسكرية ضد «داعش»، مما أدى إلى تحقيق البنتاغون في تلاعب مزعوم في المعلومات الاستخباراتية.
- يتزامن التكتم المزعوم على أدلة تعاون «القاعدة» وإيران مع حملة سافرة تشنها الإدارة لتركيز انتباه الشعب على ادعاءات بقيام الحكومة السعودية بدور عملي في أحداث 11 سبتمبر (أيلول) .
- يطالب رئيس اللجنة الدائمة للاستخبارات بمجلس النواب بالإفراج عن جميع وثائق أبوت آباد. ويؤكد مسؤول سابق في الاستخبارات والعمليات الخاصة بالمارينز أنه لا يوجد مبرر عملي لاستمرار حجب غالبية الوثائق.
- وصف خبراء في سياسات السرية في الحكومة الأميركية البيت الأبيض في عهد أوباما بأنه «أكثر الإدارات تكتما في التاريخ الرئاسي الأميركي».
التسلسل الزمني للسرية
في مارس (آذار) عام 2012، مع اقتراب الذكرى الأولى لحملة أبوت آباد، كانت حملة إعادة ترشح الرئيس أوباما في أوجها. وعملت الإدارة عبر كاتب المقالات في «واشنطن بوست» ديفيد إغناتيوس على نشر بعض المقتطفات من الأرشيف والتي تم اختصارها بطريقة ملائمة في عنوان مقال: «أسامة بن لادن: أسد في الشتاء»؛ كتب إغناتيوس: «رأيت عينة صغيرة من آلاف الأشياء التي تم الحصول عليها في ليلة الثاني من مايو عام 2011. ولكن حتى تلك الوثائق القليلة التي أخرجها لي مسؤول بارز في إدارة أوباما، أعطتني فكرة عن كيفية.. فقدان (تنظيم القاعدة) لقوته الدافعة». وأضاف أن بن لادن وجماعته كانوا «مطاردين بلا هوادة من القوات الأميركية لدرجة أنهم وجدوا صعوبة في تبادل أبسط الاتصالات». دعّم المقال، وبعض المقالات الأخرى المعدودة التي اعتمدت على تقديم معلومات بطريقة مشابهة، ادعاء الإدارة الذي كثيرا ما يُذكر بأن تنظيم القاعدة «مطارد». وكانت المواد المقدمة إلى إغناتيوس ضمن أقل من 20 وثيقة من وثائق أبوت آباد التي تم الكشف عنها للعامة أخيرا في الذكرى الأولى للمداهمة التاريخية.
ولكن كشف مدير معهد الصحافة السياسية في جامعة جورج تاون السابق المقرب من ديك تشيني، ستيفن هايز ، عن حالة من الفوضى في رفع السرية والتي نالت أهمية إضافية. قبل الكشف عن الوثائق بفترة وجيزة، تم حجب وثيقة عن الجمهور،وهي تشير إلى وجود تنسيق عملي وثيق بين «القاعدة» وكبار قادة حركة طالبان الأفغانية، ولم يكن ذلك في مرحلة ماضية بعيدة، بل حتى المراحل الأخيرة في حياة بن لادن.
بالإضافة إلى الصورة المتناقضة عن «أسد في الشتاء»، كان من الطبيعي أن تُعَرِّض المعلومات بشأن مخططات طالبان الأفغانية ضد القوات الأميركية والناتو المفاوضات التي كانت دائرة في ذلك الوقت بين إدارة أوباما وطالبان للخطر. لم يتم الإفراج عن الوثيقة، وفي الوقت ذاته، صرح مسؤولون رفيعو المستوى في الإدارة من بينهم وزير الدفاع ليون بانيتا ورئيس «سي آي إيه» جون برينان للشعب بأن هزيمة «القاعدة» باتت وشيكة.
في ذلك الحين اكتشف محللون استخباراتيون في القيادة المركزية الأميركية، والذين كانوا يجرون تحقيقاتهم بشأن «القاعدة»، أنه على عكس ذلك كان تنظيم القاعدة نشطا وبحال جيدة، إذ كان بن لادن مشاركا بنشاط في عملياته حتى آخر لحظة، ولم تتوقف العلاقات التي استمرت طيلة عقود بين قيادات «القاعدة» وإيران.
يقول مايكل بريغنت، الضابط السابق بوكالة الاستخبارات العسكرية والذي كان يركز على إيران طوال فترة خدمته: «بالنظر في أرقام الهاتف والإشارات التي اعترضتها الاستخبارات، وغيرها، بدأنا نرى عملية تسهيل المرور عبر إيران. كانت هناك رسالة ضمن وثائق بن لادن (غير السرية) تشير إلى دور إيران المهم في التنظيم، حيث حذر عناصر (القاعدة) من التلاعب مع إيران. كنا نحاول الحصول على معرفة تاريخية بالتنظيم وكيف كان يعمل، وبدأنا نرى أشياء لم يكن هناك من يتحدث عنها، مثل قيام إيران بتسهيل سفر عناصر (القاعدة) إلى داخل باكستان».
وصرح ديريك هارفي، وهو عضو آخر في فريق القيادة المركزية، بأنه في ذلك الوقت، كانت وثائق بن لادن مُهمَلة: بعد عدة أسابيع أولى أجرى فيها فريق استخباراتي جمع بين وكالات مختلفة بقيادة «سي آي إيه» عمليات بحث عن طريق كلمات مفتاحية للحصول على معلومات فورية يمكن اتخاذ إجراءات بشأنها، ولم يجر أي شخص مراجعة أخرى للمواد لمدة عام أو أكثر. وبعد أن احتفظت بسيطرتها على الوثائق، رفضت وكالة «سي آي إيه» السماح للوكالات الأخرى بمراجعتها.
ما حدث بعد ذلك كان خلافا داخل الحكومة الأميركية حول السماح لفريق القيادة المركزية بالاطلاع على وثائق أبوت آباد أم لا. ودافع مسؤولون رفيعو المستوى في القيادة المركزية بقوة عن السماح بذلك، وفي النهاية وافق جيمس كلابر، مدير وكالة «سي آي إيه» في ذلك الوقت على التراجع.
يذكر بريغنت أن فريقه حصل على تصريح من وكالة «سي آي إيه» للذهاب إلى المركز الوطني لاستغلال الوسائط في ماكلين بفرجينيا للاطلاع على الوثائق. ولكن كما أوضح بريغنت، تم إلغاء الرحلة فجأة. وأضاف: «بناء على ما قيل لي جاء القرار من مجلس الأمن القومي التابع للرئيس. وتم حل الفريق بعد ذلك بأسابيع». ووفقا لمصادر استخباراتية، تم استدعاء بعض المحللين إلى واشنطن وإبلاغهم بالتوقف عن محاولة تحليل الوثائق القليلة التي لديهم.
وأشار بريجنت بانه يعني بذلك ان أكثر من مليون وثيقة، تم الإفراج عن قدر ضئيل للغاية من الوثائق الخاصة ببن لادن، ولدينا كل المؤشرات التي تدل على أنه إفراج انتقائي. وشدد ضابط الأستخبارات العسكرية السابق «لو كانت الإدارة ستكشف عن بعض الأشياء التي تتعلق بالصلة بين بن لادن وإيران، التي تدل على تقديمها دعما ماديا لـ«لقاعدة» قبل وأثناء 11 سبتمبر، لأفسدت تلك المعلومات، وحقيقة معرفة الإدارة بها، الاتفاق النووي مع إيران».
وفي سياق متصل، قال مسؤول سابق بالبيت الأبيض، طلب عدم الكشف عن اسمه: «إن حجب مئات الآلاف من الوثائق التي تؤكد ضلوع طهران في عمليات إرهاب، وتشير إلى دعمها المادي واللوجستي لتنظيم القاعدة، كان هدفه إسكات انتقادات الاتفاقية النووية المعيبة، وإقناع الرأي العام الأميركي والمجتمع الدولي بجدية دولة الملالي في وقف مشروعها النووي، وتغيير سلوكها العدائي تجاه الولايات المتحدة خاصة، والغرب بشكل عام».
وكان ثمن ذلك أيضا نشر الإدارة الأميركية معلومات خاطئة، أو غير مكتملة بشأن السلوك الإيراني.
وجنّد بعض المستفيدين من الصفقة المخزية، إعلاميين وباحثين ومنظمات غير الحكومية للترويج لأجندة إدارة أوباما، وخداع المواطنين نيابة عن الدولة. كل ذلك كان ثمنا لصفقة الرئيس الأميركي مع نظيره الإيراني روحاني، الرئيس الحالي والمفاوض القديم.
وخلال الشهر، نشرت «الأسوشييتد برس» خبرا حول تقديم «صندوق بلوشيرز» - وهي جمعية خيرية معروفة برعايتها للمجلس القومي الإيراني الأميركي،الذي يرأسه في واشنطن الإيراني تريتا بارسي، صديق وزير الخارجية جواد ظريف- هذا الصندوق قدم دعما ماليا لوسائل الإعلام بما في ذلك «الإذاعة الوطنية العامة» الأميركية في إطار جهوده لدعم صفقة البيت الأبيض مع إيران. ووفقا لتقرير بلوشيرز السنوي الصادر في 2015، منح الصندوق «الإذاعة الوطنية العامة» 100 ألف دولار لمساعدتها على تقديم تقارير حول الصفقة النووية والقضايا المتعلقة بها في 2015.
وتشير التقارير في جميع الأماكن الأخرى إلى أن المؤسسة منحت «الإذاعة الوطنية العامة» 700 ألف دولار خلال العقد الماضي.
وتؤكد كل من «الإذاعة الوطنية العامة» ومؤسسة «بلوشيرز» أن تلك المنحة لم تؤثر على تغطية الاتفاق؛ حيث زعمت الإذاعة التي تحظى جزئيا بدعم عام: «لدينا سياسة تحريرية متشددة لكي نضمن أن نقدم تغطية مستقلة وألا نتأثر بالممولين أو بالمصالح الخاصة». وبدورها، قالت جنيفر أبراهاموس، المتحدثة باسم «بلوشيرز»، في حوار مع «الأسوشييتد برس» إن التمويل «لا يؤثر على المحتوى التحريري للتغطية التي تقدمها الإذاعة على أي نحو كما أننا لا نرغب في ذلك».
وتعليقا على تصريحات أبراهاموس لـ «الأسوشييتد برس» يقول الباحث الأميركي لي سميث فإذا لم تكن «بلوشيرز» ترغب في التأثير على المحتوى التحريري بما يتوافق مع مهمتها - «بناء عالم آمن من خلال تقديم مبادرات والاستثمار في تلك المبادرات لتقليل المخزون النووي بالعالم والحد منه» - يجب عليها إذن أن تقنع مموليها بأسباب إهدارها أموالهم.
وعلى أي حال، يتضح من وثائق «بلوشيرز» الداخلية أن الصندوق يتابع عن كثب ما إذا كانت تلك الأموال تستحق أن يتم إنفاقها على وسائل الإعلام أم لا. ويتضح أيضا أن الشعب الأميركي يدفع وحده ثمن صفقة واشنطن طهران النووية.

رفع السرية عن 250 وثيقة فقط
وبالعودة إلى وثائق بن لادن ، أستمر الضغط الشعبي في التصاعد من أجل رفع السرية عن الوثائق، وكان أغلبه من الكونغرس في جهود قادها العضو عن كاليفورنيا ديفين نيونز رئيس اللجنة الدائمة للاستخبارات بمجلس النواب. وفي عام 2014، طلب «قانون تفويض الاستخبارات» من مكتب مدير الاستخبارات الوطنية إجراء مراجعة للوثائق من أجل الإفراج عنها. وتم تشكيل فريق عمل بين الوكالات من أجل تلك المراجعة، تحت رعاية البيت الأبيض.
وبعد عامين، رُفعت السرية عن أقل من 250 وثيقة فقط من المليون وثيقة. وبعد الإفراج عن أحدث مجموعة منها (113 وثيقة)، في الأول من مارس الماضي، أصدر عضو الكونغرس نيونز البيان التالي: «على الرغم من أنه من الجيد رؤية الإفراج الجديد عن وثائق بن لادن، لا تزال إدارة أوباما في حاجة إلى إخراج المزيد منها. وكان يجب بالفعل أن تقدم وكالة (سي آي إيه) جميع وثائق بن لادن إلى لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، وكان يجب أن يتم مكتب مدير الاستخبارات الوطنية عملية مراجعة سرية جميع الوثائق لتحديد ما يمكن الكشف عنه للشعب. أتطلع إلى تسلم الوثائق المتبقية على الفور».
وذكر مكتب مدير الاستخبارات الوطنية أنه «سيتم الإفراج عن جميع الوثائق التي لا يضر إصدارها بالعمليات المستمرة ضد (القاعدة) أو تابعيها».
يثير هذا الالتزام المصرح به تساؤلات تيموثي وارد نيكولز، وهو بروفسور في جامعة ديوك ومتخصص في مكافحة الإرهاب وسياسات الاستخبارات، وشارك سابقا في عمليات خاصة في كل من العراق وأفغانستان. صرح نيكولز بأنه بعد مرور أكثر من خمسة أعوام على الحصول على الوثائق من أبوت آباد: «من الصعب تصور أنها جميعا فيما عدا قدر ضئيل منها لها إمكانية التأثير على العمليات الحالية. إذا كانت هناك معلومات عن مواقع أو أنشطة مخططة، والهدف هو إدخالها في نظام الاستخبارات واتخاذ إجراء واستهداف أشخاص والمنع.. لقد مرت سنوات كثيرة على ذلك، وإذا لم يتم اتخاذ إجراء بالفعل، فمن المحتمل أنه لن يحدث. وعلى الرغم من أن بعض المعلومات قد تستحق البقاء قيد السرية، أشك في أن الغالبية العظمى من المواد لها قيمة استخباراتية مستمرة».
وتثار التساؤلات حول إخفاء أرشيف أبوت آباد في سياق اتهامات واسعة موجهة ضد إدارة أوباما بالتلاعب في التحليلات الاستخباراتية.
في نهاية العام الماضي، أصدر أكثر من 50 محللا استخباراتيا من القيادة المركزية في الجيش الأميركي عددا من الشكاوى زاعمين أن تقاريرهم وتحليلاتهم عن أنشطة «داعش» و«القاعدة» في سوريا تخضع لتغيير كبير على يد رؤسائهم، من أجل إضفاء صورة أكثر وردية عن الحملة الأميركية العسكرية ضد «داعش». تسببت الشكاوى في شروع المحقق العام في البنتاغون في تحقيقات حول التلاعب المزعوم في المعلومات. ووصفت الشكاوى المقدمة رسميا المناخ الخاضع للرقابة والمحيط بعمل المحللين الاستخباراتيين بأنه على الطريقة «الستالينية». وفي تطور كبير في الشهر الماضي، تم الكشف عن فصل اثنين من كبار محللي الاستخبارات في القيادة المركزية من عملهما بسبب التقييمات المتشككة التي قدماها إلى رؤسائهما.
ولدى سؤاله عن تقييم المزاعم الموجهة ضد الصفوف العليا في القيادة المركزية، أشار نيكولز إلى معرفته القديمة بأحد الشاكين الأساسيين وهو مسؤول الاستخبارات غريغ هوكر: «يمكن أن يكون غريغ، الذي أعرفه منذ عشرين عاما، أفضل محلل أميركي لشؤون العراق. وعندما يشعر بالقلق من أن التحليلات الاستخباراتية التي يقدمها يتم التلاعب بها لتبدو أفضل مما هي عليه، أقف إلى جانب غريغ».

تسييس الاستخبارات
وفي تعليق على تسييس الاستخبارات، أشار نيكولز إلى أن المشكلة تبدو كامنة إلى حد كبير في مجلس الأمن القومي: «عندما تدخل الاستخبارات إلى مجلس الأمن القومي، أعتقد أن تسييسا كبيرا يحدث، وهذا يضر بالرئيس أوباما. فهو يضع رجاله في المكان وهم يخبرونه بما يريد أن يسمعه». ولكن ألقى ليفتنانت جنرال مايكل فلين، الذي عمل مديرا للاستخبارات العسكرية قبل تقاعده في عام 2014، باللوم على مستويات عليا في الحكومة، إذ صرح لقناة «فوكس نيوز» بأن «محور هذا التحقيق كان يجب أن يبدأ من الأعلى.. تبدأ الاستخبارات وتنتهي عند البيت الأبيض. يحدد الرئيس الأولويات، وهو الزبون الأول».

ملامح علاقة معقدة ولكنها مستمرة بين «القاعدة» وإيران
جاءت الإشارات إلى دور إيران في أنشطة «القاعدة» على مستوى تنظيمي عرضي في رسائل متبادلة بين بن لادن وتابعيه في الميدان. على سبيل المثال، في تقرير يرجع إلى أبريل (نيسان) عام 2011 أرسله إلى بن لادن أحد العناصر الموجودة في مكان آخر في باكستان، وردت إشارات إلى زملاء استقروا في إيران: «كان قد خرج الأخ (أبو السمح) المصري وهو الآن باقٍ في إيران. ويبدو أنه استأنف ممارسة نشاط إعلامي واتصالات بعنوان (جماعة الجهاد) كما ترون في ملفٍ مرفق. كذلك خرج الأخ عبد الله رجب الليبي (أبو الورد قديما) وهو هناك في إيران كذلك».
وفي رسالة كتبها بن لادن بتاريخ 27 أغسطس (آب) عام 2010، توجد إشارة إلى «إخوة قادمين من إيران» بالإضافة إلى الحديث عن «إخوة (آخرين) سيذهبون إلى إيران للمحافظة عليهم».
وفي رسالة مختلفة لا تحمل تاريخا، توجد إشارة إلى عناصر «القاعدة في اليمن»، الذين تم اعتقالهم في باكستان عندما كانوا في الطريق إلى إيران. وهكذا يبدو أن إيران كانت وجهتهم وليست مجرد نقطة مرور.
وفي رسالة غير مؤرخة تتعلق بـ«العمليات الخارجية»، كتب أحد العناصر لبن لادن أنه كان يفكر في فتح مكتب بإيران: «لو جئنا لنقيم ما قمنا به في هذا الباب، فأول ما واجهنا هو أننا في صدد عمل تنظيم كامل وهو ما لا نقدر عليه لا ماديا ولا من ناحية الكوادر المطلوبة ونحن عملنا في الأساس كما نظن تنفيذي إلا بعض الأمور الخاصة بنا.. فلا بد أن تكون تابعة لنا، حتى أننا فكرنا في عمل مكتب لنا في إيران لاستقبال من يأتينا أو تسفيره». وتابع عنصر «القاعدة» حديثه عن مخاوف بسبب ارتفاع تكلفة ذلك في الوقت الحالي.
قد تكون واحدة من أهم الوثائق هي رسالة من بن لادن يرجع تاريخها إلى 18 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2007، والتي أعرب فيها عن رفضه لأحد تابعيه – على الأرجح أنه في العراق - والذي تبنى خطابا عدائيا ضد إيران. «إنكم لم تشاورونا في هذا الأمر الخطير، الذي يمس مصالح الجميع. وقد كنا نتوقع منكم المشورة في هذه المسائل الكبيرة. فأنت تعلم أن إيران هي الممر الرئيسي لنا بالنسبة للأموال والأفراد والمراسلات، وكذلك مسألة الأسرى». وقال بعد ذلك، «لا داعي لفتح جبهة مع إيران إلا إذا كنتم مضطرين.. فالرأي عندي تأجيل فتح الجبهة معها والانصراف كليا.. للقتال ضد الصليبيين والمرتدين. وكذلك رأيي بالنسبة للجبهات الأخرى كلبنان وغيرها».
من المعروف أن نصيحة بن لادن لم تلق اهتماما من أبو مصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم القاعدة في العراق أثناء الأعوام الأولى من الاحتلال الأميركي للبلاد بعد الإطاحة بصدام حسين. وكما ذكرت تقارير واسعة، كان قرار الزرقاوي باستهداف الأماكن الشيعية المقدسة والمواطنين الشيعة أحادي الجانب، وذلك على عكس نصيحة بن لادن. ولكن عندما تسببت الأحداث الدموية في حدوث صدع في العلاقات بين «القاعدة» وإيران، تقابل وسيط إيراني مع عنصر بارز في «القاعدة» في محاولة لحل الخلافات واستكمال التعاون. يأتي وصف لذلك الجهد في رسالة غير مؤرخة، وفيما يبدو أنها وردت من العراق ومكتوبة بخط اليد، نقل فيها عنصر «القاعدة» ما حدث في نقاش مع وسيط إيراني حيث قال: «الإيرانيون مهتمون لعمل ارتباط مع أحد من طرف العمدة (بن لادن).. إذ إنهم يعتقدون أن الإخوة هناك وبالذات الأزرق (في إشارة إلى الزرقاوي) ومجموعته لهم دخل في الاعتداءات على الأماكن والعتبات المقدسة لدى الشيعة، لذا يرغبون إما بمقابلة مندوب من طرف العمدة لمناقشة هذا الأمر والاستيضاح حوله، وإمكانية التعاون إذ إنهم (الإيرانيون) يرغبون بتقديم نوع من الدعم والمساعدة.. وهم يرغبون بالحصول على رسالة بتوقيع العمدة يؤكد فيها أن الأماكن المقدسة لدى الشيعة ليست مستهدفة من قبل الإخوة. وأنها ليست من الأهداف المراد ضربها، وأن ما يحصل إنما هو نتيجة التخطيط، الحاصل هناك، وأن العمدة وأصحابه غير راضين وغير موافقين على استهداف مثل هذه الأماكن».

مبرر آيديولوجي لتعاون «القاعدة» مع إيران
تلقي مجموعة أخرى متاحة من وثائق أبوت آباد نظرة على الرؤية الآيديولوجية التي تبناها أسامة بن لادن والتي يبدو أنها تبرر التعاون مع إيران الشيعية، حتى بالنسبة لحركة تكفيرية على خلفية سنية متشددة متطرفة ترى أن المذهب الشيعي يقترب من درجة (الشرك). وُجد أن بن لادن أكد بطرق متعددة على أن المصلحة العامة التي تقتضي مواجهة الولايات المتحدة تجعل من الحكمة تنحية تلك الخلافات جانبا والتعاون مع إيران، ما دامت إيران ملتزمة أيضًا بإلحاق الهزيمة بالولايات المتحدة. ووفقا لمذكرة كتبها بن لادن ولا تحمل تاريخا: «المصلحة في هذه المرحلة تقتضي ألا يدخل المجاهدون حربا عسكرية مع إيران، لما في ذلك من تشتيت للجهد الوحيد الموجه إلى رأس الكفر أميركا. وأحسب أننا بفضل الله تعالى في فترة الإجهاز على أميركا، إلا أنه كما لا يخفى عليك أن الدول الكبرى لا تنهار في عشية وضحاها، وأن الانشغال عن عدو مُنهَك وإعطائه الفرصة لالتقاط أنفاسه والدخول في حرب طويلة المدى مع عدو آخر أمر مناف للحكمة».
ورد أحد الأمثلة الأخرى العلنية على التعاون مع إيران ضد عدو مشترك في رسالة بدون تاريخ إلى «الإخوة المسلمين في العراق والأمة الإسلامية»، حيث كتب بن لادن: «العراقي الذي يجاهد ضد الكفار الأميركيين أو حكومة علاوي (المرتدة) فهو أخونا وولينا، وإن كان فارسيًا أو كرديًا أو تركمانيًا. والعراقي الذي ينضم إلى هذه الحكومة (المرتدة)، ويقاتل معها المجاهدين المقاومين للاحتلال فقد ارتد وكفر، وإن كان عربيا».

ثورات الربيع العربي
في عام 2011، عندما بدا أن الإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي تبشر بموجة من الثورات في العالم العربي، ظهر أسامة بن لادن حريصا على وضع بصمته على التغيير الهائل، وربما على توجيه الثوار من خلال كتاباته ونصائحه. وبحثا عن مقارنة يقدم من خلالها نصائحه، أشار بن لادن أكثر من مرة في كتاباته بإيجاب إلى الثورة الإيرانية ضد الشاه. على سبيل المثال في رسالته «إلى الأمة الإسلامية عامة» والتي كتبها بعد اندلاع الثورة في تونس، أشاد بن لادن بـ«نجاح الثورة الإيرانية في إسقاط نظام الشاه».
وفي رسالة أخرى إلى «أمتي المسلمة»، والتي يبدو أيضًا أنها صدرت في أعقاب الثورة التونسية، ذكر بن لادن أيضًا الثورة الإيرانية كنموذج على فكرته بوجوب التخلص التام من فلول النظام القائم؛ حيث استشهد بـ«الثورة الإيرانية التي أصر قائدها على أن يحرر البلاد من النظام تحريرًا تامًا، فحتى بعد أن خرج الشاه وترك شهبور يدير الأمور ويخادع الناس ليعود الشاه، لم تقف الثورة وإنما استمرت رغم سفك النظام للدماء إلى أن أزيل تمامًا».

حساسيات حول التعاون العلني مع إيران
لم تمر المؤشرات على وجود توافق بين «القاعدة» وإيران مرور الكرام في العالم العربي الواسع. في بعض المراسلات، علم قادة «القاعدة» بشأن إدراك بعض الدول العربية لشراكة «القاعدة» مع إيران. وبدا أن قيادات «القاعدة» تتفهم أن ذلك الإدراك يثير المشكلات ويجب مواجهته بطريقة ما.
في رسالة بتاريخ 17 ديسمبر (كانون الأول) عام 2007، قدم بن لادن نصيحة في الإعلام والاتصالات العامة إلى أبو عبد الله الحاج عثمان. قال إنه في حين ينبغي تجاهل بعض الاتهامات التي توجهها الحكومات العربية لـ«القاعدة»، يجب الرد على تقارير وسائل إعلام «الضرار» العربية حول وجود علاقة بين إيران و«القاعدة».
يبدو في الوقت ذاته، أن بعضا من أتباع أسامة بن لادن، الذين انغمسوا في تيار الكراهية التكفيرية تجاه الشيعة، يحتاجون إلى الاطمئنان إلى أن زعيم التنظيم لا يتعامل بـ«مرونة» مع الطائفة الشيعية. في رسالة دون تاريخ إلى بن لادن، سأله أحد عناصر «القاعدة» بشأن تردده المربك في انتقاد الجمهورية الإسلامية حيث كتب: «وأترك بقية القضايا لمراسلات قادمة، ومنها سكوتكم عن المخطط الإيراني الصفوي، في المنطقة العربية وطبيعة العلاقة معه خاصة بعد تكرار حث الدكتور أيمن المسلمين للوقوف مع (حزب الله) مع أنه جزء من هذه الأجندة الإيرانية الرافضية».
وهكذا يظهر التشعب بين المداولات السرية البرغماتية بشأن قيمة نظام طهران بالنسبة لـ«القاعدة» من جهة، والبيانات العدائية المخصصة للاستهلاك العام بشأن نبذ «القاعدة» للشيعة في الجهة المقابلة. على سبيل المثال، في رسالة ترجع إلى الأول من مارس عام 2004 (9 - 1 - 1425 هجرية)، أعلنت أن الشيعة تقترب من الشرك.
وحتى في النقاش العام، وفي أشد الكتابات المعادية للشيعة التي صدرت عن «القاعدة»، بذل التنظيم جهدا لتهدئة حدة الخطاب، فيما يبدو أنه احترام للتعامل بين التنظيم والقيادة الإيرانية. في مسودة لكلمة عن الشيعة، على الرغم من شدة الاتهامات الموجهة للطائفة، أكد الكاتب قائلا: «لست متعصبا لقوم دون قوم، لمجرد الجنس والانتساب العرقي القومي والحمد لله على نعمة الإيمان، فسلمان الفارسي وبلال الحبشي من أوليائنا وسادتنا رضي الله عنهما وإن كانا من العجم. وابن سلول الخزرجي وأبو لهب الهاشمي من أعدائنا وإن كانا من العرب وأقرب إلينا نسبا، فالعبرة بالإسلام والتقوى وليست بالوطن والقربى. وذكر الكاتب في المسودة أن السنة والشيعة جميعا معرضون للوقوع في الضلال حيث كتب: «وهنا أوجه نصيحة لطائفة أهل السنة وأخرى لطائفة الشيعة وأقول: علم الله أنني أحب أن أوصل الحق إلى كل الناس ليعرفوه فيتمسكوا به عسى أن ندخل الجنة جميعا بإذن الله، ورحمته وفضله».

ريبة متبادلة وضباب الحرب
لا تعني الإشارات الكثيرة على وجود تعاون بين «القاعدة» وإيران في صور مختلفة أن قادة الكيانين يتعاملان بثقة متبادلة، بل على النقيض، ذكر بن لادن في وثائق أبوت آباد أنه لا يجب الوثوق في الإيرانيين. وبين عدد من الوثائق، ركز القدر الأكبر على محاولة تنظيم القاعدة التعامل مع اعتقال بعض العناصر – من بينهم زوجة بن لادن شخصيا وابنه وأحفاده – على يد الحكومة الإيرانية. ومن وجهة نظر سياسية، يبدو أن الوثائق تنفي ظاهريا الدليل على التعاون بين «القاعدة» وإيران. ولكن تحت السطح تظهر صورة أكثر تعقيدا.
في بعض المراسلات، أعرب كاتبو الرسائل من وإلى أبوت آباد عن شعور بالصدمة لاعتقال الحكومة الإيرانية بعض عناصر التنظيم. في رسالة بتاريخ 27 - 12 - 1431ه، يطلب الكاتب- يبدو أنه بن لادن - من «الأخ الشيخ محمود» إفادته بأسباب اعتقال عناصر معينة من «القاعدة» في إيران. ويذكر، بناء على معلومة من عنصر آخر في التنظيم على علم بالتفكير الاستراتيجي الإيراني، أن «الإيرانيين يخشون الضغوط». ويحث بن لادن محاوريه في إيران على معالجة الأمر بحرص – فيمارسون ضغوطهم من الأجل الإفراج عن العناصر ولكن «بشكل تدريجي».
علاوة على ذلك، في الرسالة ذاتها، يتحدث بن لادن عن عناصر أخرى في إيران تتحرك بحرية واضحة في البلاد – لدرجة أنه يدخل في نقاش لوجيستي عن تبادل المراسلات بين مجمع أبوت آباد وداخل «الجمهورية الإسلامية»: «سنخبر الوسيط من طرفنا بأن يتصل عليكم على رأس كل شهر شمسي في مثل هذا التاريخ لترسلوا لنا رسالة إن كان هناك شيء مهم لا يحتمل التأخير، ونظرا لاحتمال مجيء أحد من أهلي في إيران، فأرجو الترتيب بأنه متى اتصل صاحبنا على صاحبكم وهو عندكم أن يأتوا معه مباشرة».
تقدم رسالة مختلفة فكرة أخرى عن طبيعة «الضغوط» التي قد تواجهها إيران لوضع بعض عناصر «القاعدة» قيد الإقامة الجبرية حيث جاء فيها: «اضطرتهم إلى ذلك حملة أميركا الظالمة على أفغانستان فقد كانت تستهدف أسر المجاهدين العرب نساء وأطفالا عن عمد مرات ومرات، فبعض الذين نجوا منهم ذهبوا إلى إيران دون تنسيق مع طهران ثم بعد ذلك قامت باعتقالهم..».
ويبدو أن كاتب الرسالة يعتقد أن بن لادن يملك نفوذا كافيا في إيران للتفاوض حول الإفراج عنهم: «وقد طالبنا بهم مرارا حتى يخرجوا إلى باكستان فلم تستجب طهران لذلك، فعسى أن يتيسر لك السعي في إخراجهم..».
تشير وثائق أخرى إلى وجود صلة بين اعتقال عناصر «القاعدة» في إيران واستياء حكومة طهران من العنف ضد الشيعة في العراق بقيادة أبو مصعب الزرقاوي. ولعل أكثر الوثائق المؤثرة عن «الاعتقال» - التي تتحدث عن احتجاز أهل بن لادن في إيران في الأعوام الأخيرة من حياته - تلك التي تزامنت مع فترة التقارب المكشوف إلى حد ما بين إدارة أوباما ونظام طهران. لم يكن من الصعب على بن لادن أن يلاحظ في الأعوام الثلاثة الأخيرة من حياته غصن الزيتون الذي مده أوباما إلى الملالي في أول «رسالة بمناسبة عيد النوروز» – أو حقيقة أن أوباما لم يعرب عن دعمه لـ«الحركة الخضراء» في إيران في عام 2009.
وهكذا تسللت إلى مراسلات بن لادن الخاصة باعتقال أسرته في إيران في أثناء الفترة ذاتها مشاعر ارتياب متزايدة بشأن نيات النظام تجاه أحبائه. وفي رسالة يرجع تاريخها إلى فبراير (شباط) عام 2011، بعنوان «رسالة إلى أهلي الكرام»، يرد بن لادن على رسالة من أحد أقاربه الذين تم الإفراج عنهم بعد الاعتقال في إيران ووصلوا إلى وزيرستان. يتضح من الرسالة أن زوجته تلقت علاجا للدوخة الشديدة على يد طبيبة إيرانية.
وطلب منها بن لادن الذهاب إلى طبيبة في وزيرستان لتحديد «هل كانت (الأعراض) تستدعي العلاج الذي وصفته طبيبة إيران أم لا؟».
كذلك كان يشعر بالقلق تجاه حشو أسنان وضعته لها طبيبة أسنان إيرانية – فيما يبدو أنه كان يتساءل حول وجود جهاز تنصت أو تعقب مخبأ في الحشوة. (في رسالة منفصلة، أعرب عن قلقه من «زرع شريحة») وتناولت رسالة سبقت الرسالة المذكورة آنفا بعدة أشهر، ويرجع تاريخها إلى 26 سبتمبر عام 2010، عن الشك في الإيرانيين ومسألة زرع شرائح: «قبل تحرك أم حمزة إلينا ينبغي أن تترك أي شيء كان معها من إيران بما في ذلك الكتب والملابس.. كل شيء يدخل فيه مقدار رأس المخيط إذ إنه قد تم تطوير شرائح للتنصت صغيرة جدا تدخل داخل حقن العلاج، وبما أن الإيرانيين غير مؤتمنين فمن الممكن زرع شرائح في بعض المقتنيات التي أحضرتموها معكم».

الخيانة الإيرانية
في الحقيقة يبدو في بعض المراسلات أن بن لادن كان يشعر بالخطر من أن تستغل الحكومة الإيرانية، في النهاية، تواصلها مع تنظيمه وقدرتها في التأثير عليه كمصدر للنفوذ في بعض مفاوضاتها مع الولايات المتحدة. بتاريخ أغسطس عام 2009، كتب بن لادن رسالة مطولة إلى الكاتب والمفكر المتشدد المصري مصطفى حامد وكنيته أبو الوليد المصري، والتي يفند فيها بعض كتابات حامد بشأن طبيعة النظام الإيراني.
يبدو أن بن لادن شعر بالقلق إلى درجة ذكر مواقف الخيانة الإيرانية لعدد من حلفائه المجاهدين السنة - وأبرزهم طالبان - مقابل الحصول على مميزات من الولايات المتحدة.
على سبيل المثال كتب بن لادن عن قصف معاقل طالبان في أفغانستان في فترة ما بعد الغزو الأميركي للبلاد في 11 - 9: «إن الحكومة الإيرانية بعد شهر من القصف المتواصل على معاقل طالبان دون جدوى قدمت للأميركيين خريطة عسكرية للمواقع التي يتعين عليهم التركيز عليها لكسر الخط، وبالفعل لما أخذ الأميركيون بالنصيحة الإيرانية انكسر الخط، كما صرحت بذلك ممثلة الولايات المتحدة في اللجنة المشتركة».
* بالإتفاق مع مجلة {المجلة}



وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
TT

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

تسببت عريضة قدمتها مجموعة من المنظمات غير الحكومية للمحكمة العليا بإسرائيل، مطالبةً فيها بإصدار أمر إقالة لوزير الأمن الوطني المنتمي لليمين المتطرف إيتمار بن غفير، في حدوث انشقاق داخل حكومة بنيامين نتنياهو، مما قد يزج بإسرائيل في أزمة دستورية.

وفي رسالة إلى نتنياهو، الأسبوع الماضي، طلبت المدعية العامة غالي باهراف ميارا من رئيس الوزراء أن يدرس إقالة بن غفير، مستندة إلى أدلة تشير لتدخله المباشر في عمليات الشرطة، واتخاذ قرارات الترقيات بداخلها بناء على أسباب سياسية.

وجاءت هذه الرسالة قبل أن تقدم باهراف ميارا رأيها إلى المحكمة العليا في الأسابيع المقبلة بشأن ما إذا كان ينبغي لها قبول العريضة التي قدمتها المنظمات غير الحكومية في سبتمبر (أيلول) والنظر فيها، أم لا.

وفي رسالتها التي نشرها مكتبها، أيدت باهراف ميارا الاتهامات التي ساقتها المنظمات غير الحكومية عن تدخل بن غفير شخصياً في الطريقة التي تعامل بها قادة الشرطة مع الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

واستشهدت أيضاً برسالة من المفوض السابق للشرطة يعقوب شبتاي الذي ترك منصبه في يوليو (تموز)، والتي جاء فيها أن بن غفير أصدر تعليمات لكبار قادة الشرطة بتجاهل أوامر مجلس الوزراء بحماية قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة إلى غزة.

وقد أثارت رسالة باهراف ميارا رد فعل حاداً من بن غفير الذي دعا علناً إلى إقالتها، قائلاً إن طلبها تُحركه دوافع سياسية. ونفى الوزير ارتكاب أي مخالفات.

وحصل بن غفير على مهام واسعة عندما انضم إلى ائتلاف نتنياهو في نهاية عام 2022، منها المسؤولية عن شرطة الحدود في الضفة الغربية المحتلة، على الرغم من إدانته في عام 2007 بالتحريض العنصري ضد العرب ودعم حركة (كاخ) اليهودية المتطرفة التي تصنفها إسرائيل والولايات المتحدة منظمة إرهابية.

وقد أدى (قانون الشرطة) الذي أقره الكنيست في ديسمبر (كانون الأول) 2022، وهو أحد الشروط التي وضعها بن غفير للانضمام إلى الائتلاف، إلى توسيع سلطاته على الشرطة والسماح له بوضع السياسات العامة، وتحديد أولويات العمل والمبادئ التوجيهية.

وقال بن غفير إن القانون سيعزز قوة الشرطة وقدرتها على مكافحة الجرائم، وزعم أن الشرطة في كل البلدان الديمقراطية تتبع وزيراً منتخباً. وقال منتقدون إن التعديلات منحت بن غفير سلطات شاملة على العمليات، وحوّلته إلى «رئيس للشرطة (بسلطات) مطلقة».

وقال أربعة من قادة الشرطة السابقين وخبيران قانونيان لـ«رويترز» إن التغييرات التي أجراها بن غفير على الكيان الشرطي وثقافته قادت إلى تسييسه.

وقال أمونون الكالاي، وهو سيرجنت سابق في الشرطة استقال في 2021: «يحاول الوزير بن غفير من خلال سلطته الموافقة على التعيينات أو التدخل في الترقيات لخدمة مصالحه السياسية الخاصة».

ولم ترد شرطة إسرائيل ولا مكتب بن غفير على طلبات للتعليق على دور الوزير في تعيينات الشرطة أو التأثير في عملها.

وقاوم نتنياهو، الذي يواجه اتهامات بالفساد، دعوات سابقة لإقالة بن غفير. وإذا انسحب حزب عوتسماه يهوديت (القوة اليهودية) الذي يرأسه بن غفير من الائتلاف الحاكم، فلن يكون لدى نتنياهو إلا أغلبية ضئيلة. وإلى جانب المشكلات القانونية التي تواجه رئيس الوزراء، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة لاعتقاله، الخميس، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في صراع غزة. ويصر نتنياهو على براءته من جميع التهم.

ويقول بعض الخبراء القانونيين إن إسرائيل قد تنزلق إلى أزمة دستورية إذا أمرت المحكمة العليا رئيس الوزراء بإقالة بن غفير ورفض ذلك، حيث ستظهر الحكومة وكأنها تضرب بقرارات القضاء عرض الحائط.

وقال عمير فوكس، وهو أحد كبار الباحثين في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وهو مركز أبحاث مقره القدس: «لا نعرف ماذا سيحدث في مثل هذا الوضع». وأضاف أن هذا قد يضع إسرائيل «في موقف خطير للغاية».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

موقف متشدد من الاحتجاجات

في العام الماضي، استقال قائد شرطة تل أبيب عامي إيشد، وأشار لأسباب سياسية وراء قراره، وذلك بعد أن صرح علناً أنه لن يستخدم القوة ضد المتظاهرين المناهضين للحكومة، على الرغم من طلبات بن غفير بذلك. وفي بيان بثه التلفزيون، قال إيشد إن «المستوى الوزاري» كان يتدخل بشكل صارخ في عملية اتخاذ القرار المهني.

ولم يرد مكتب بن غفير علناً على تعليقات إيشد. وكانت المحكمة العليا قد أمرت بن غفير بالتوقف عن إعطاء تعليمات للشرطة حول كيفية استخدام القوة للسيطرة على الاحتجاجات في العام الماضي، قبل أن تعاود الأمر في يناير (كانون الثاني).

وقال قادة الشرطة الأربعة السابقون الذين تحدثوا إلى «رويترز»، إن ثمة تغييراً طرأ على عمل الشرطة تحت قيادة بن غفير. وأوضحوا أن الدليل على ذلك هو عدم تنفيذ الشرطة أي اعتقالات عندما اقتحم متظاهرون من اليمين مجمعين عسكريين في يوليو، بعد وصول محققين لاستجواب جنود في اتهامات بإساءة معاملة سجين فلسطيني.

وعلى النقيض من ذلك، اتخذت الشرطة إجراءات صارمة في مواجهة المظاهرات المناهضة للحكومة. وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في يونيو (حزيران) أن 110 أشخاص قُبض عليهم في إحدى ليالي الاحتجاجات، وهو رقم قياسي، ولم توجّه اتهامات إلا إلى شخص واحد منهم.

وقالت الشرطة، رداً على الانتقادات الموجهة إليها باعتقال أعداد كبيرة، إن سلوك بعض المتظاهرين اتسم بالعنف خلال الاحتجاجات، ومنهم من هاجموا قوات إنفاذ القانون وأشعلوا الحرائق.

الحرم القدسي

أدت تعيينات في مناصب عليا في الأشهر القليلة الماضية إلى تحول في قيادة الشرطة، فبعد أن وافقت الحكومة في أغسطس (آب) على مرشحه لمنصب مفوض الشرطة، دانييل ليفي، قال بن غفير إن المفوض الجديد سوف يتبع «أجندة صهيونية ويهودية»، ويقود الشرطة «وفقاً للسياسة التي وضعتها له».

ويشكل العرب ما يزيد قليلاً على 20 في المائة من سكان إسرائيل، ويتعرضون لمعدلات أعلى بكثير من جرائم العنف. ولم يحضر بن غفير ولا ليفي اجتماعاً دعا إليه نتنياهو في سبتمبر لمواجهة ارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع العربي بإسرائيل.

وخفف أمير أرزاني، الذي تم تعيينه قائداً لشرطة القدس في فترة تولي بن غفير منصبه، قيود الوصول إلى المسجد الأقصى، في مكان يطلق عليه اليهود اسم جبل المعبد، وهو أحد أكثر الأماكن حساسية في الشرق الأوسط.

وقال أحد كبار المسؤولين سابقاً عن إنفاذ القانون في القدس لـ«رويترز»، إنه في السابق عندما كان يحاول الوزراء الوصول إلى الحرم القدسي لممارسة الطقوس اليهودية كان كبار الضباط يطلبون تصريحاً من وزارة العدل لاعتقالهم على أساس أن ذلك يشكل تهديداً للأمن الوطني.

وصعد بن غفير إلى الحرم القدسي عدة مرات منذ توليه منصبه دون أن يوقفه رجال الشرطة.

وقالت شرطة إسرائيل، في بيان، رداً على أسئلة من «رويترز» بشأن الإرشادات، إن أعضاء الكنيست يمكنهم طلب الوصول إلى الحرم القدسي عبر (حرس الكنيست)، وإن الموافقة تعتمد على تقييم أمني يجري في وقت قريب من موعد الزيارة المطلوبة.

وقال أحد المسؤولين السابقين، الذي خدم في فترة بن غفير وطلب عدم الكشف عن هويته بسبب الطبيعة الحساسة لمنصبه السابق، إن بن غفير لم يُمنع من الوصول إلى الحرم القدسي، حيث عُدّ أنه لا يشكل تهديداً.

أضرار طويلة الأمد

قال يوجين كونتوروفيتش، رئيس قسم القانون الدولي في منتدى كوهيليت للسياسات، وهو مركز أبحاث ذو توجه محافظ مقره القدس، إن الأمر الذي أصدرته المحكمة العليا لرئيس الوزراء بإقالة الوزير قد ينطوي على تجاوز لحدود السلطة القضائية.

وأضاف: «إذا لم يكن لرئيس الوزراء الاختيار بشأن الوزراء الذين يعينهم أو يقيلهم فهو ليس رئيساً للوزراء، بل مجرد دمية في يد المحاكم». وأضاف أن المدعية العامة لم تحدد قوانين بعينها انتهكها بن غفير.

وطعنت (الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل)، وهي حملة تهدف إلى تعزيز معايير الديمقراطية، على قانون الشرطة لعام 2022 أمام المحكمة العليا.

وقال أوري هيس، المحامي في الحركة، إن القانون أعطى بن غفير سلطة خطيرة للتدخل في السياسة الإسرائيلية؛ لأنه يستطيع استخدام الشرطة لقمع المشاعر المناهضة للحكومة.

وذكر يوآف سيغالوفيتش، وهو عضو في الكنيست عن حزب معارض وضابط إنفاذ قانون سابق ترأس قسم التحقيقات والاستخبارات في الشرطة، إن التغييرات التي أجراها بن غفير يحتمل أن تسبب أضراراً لا رجعة فيها، وقد يستغرق تصحيحها سنوات.

وقال سيغالوفيتش: «ينبغي ألا يتمتع أي سياسي بسلطة على كيفية استخدام الشرطة؛ لأن الشرطة ليست مثل الجيش، فالشرطة تتعامل مع المواطنين؛ الشرطة تتعامل مع القضايا الأكثر حساسية».