محمد الحرز: من أجل كتابة حرة لا بد من تفكيك السلطات المختبئة في ثقافتنا

الشاعر والناقد السعودي يرى أن حياتنا العربية أساءت لتطور الشعر

محمد الحرز: من أجل كتابة حرة لا بد من تفكيك السلطات المختبئة في ثقافتنا
TT

محمد الحرز: من أجل كتابة حرة لا بد من تفكيك السلطات المختبئة في ثقافتنا

محمد الحرز: من أجل كتابة حرة لا بد من تفكيك السلطات المختبئة في ثقافتنا

عرف الناقد والشاعر السعودي محمد الحرز، باشتغالاته النقدية على قراءة المشهد الثقافي السعودي، ورصد التحولات التي يمرّ بها، كما يعرف بأنه واحد من شعراء التجربة الحداثية التي أثراها من خلال أربع مجموعات شعرية قدمها، وهي: «رجل يشبهني»، دار الكنوز الأدبية، 1999. و«أخف من الريش أعمق من الألم»، دار الكنوز الأدبية، 2003. و«أسمال لا تتذكر دم الفريسة»، الصادرة ضمن إصدارات «بيروت عاصمة عالمية للكتاب 2009»، وأخيرا «سياج أقصر من الرغبات»، عن دار طوى 2013.
وصدر له أيضا في النقد والدراسات الفكرية: «شعرية الكتابة والجسد»، عن مؤسسة الانتشار العربي، 2005، و«القصيدة وتحولات مفهوم الكتابة»، عن نادي أدبي الجوف. و«يصرون على البحر» انطولوجيا الشعر السعودي، من إصدارات وزارة الثقافة الجزائرية، بالاشتراك مع الناقد عبد الله السفر، و«الحجر والظلال» عن دار طوى 2013، و«ضد الطمأنينة» عن دار مدارك 2013.
التقينا بالشاعر والناقد السعودي محمد الحرز، في الأحساء حيث يقيم، وأجرينا معه الحوار التالي:

* بالإضافة للنقد لديك تجربة شعرية حداثية ناضجة سجلت إضافة مهمة لقصيدة النثر. كيف تقرأ الواقع من زاوية أن تكون شاعرا؟
- ثمة حلم أشبه ما يكون بالطوباوي، يطارد الشعراء أينما حلوا، وإلى أي مكان ارتحلوا هو: الإقامة الشاعرية على الأرض.
هذا الحلم يتحول في أحيان كثيرة عند بعض الشعراء إلى نوع من التراجيديا، تجاربهم توحي بذلك، فتدفق النظرة الشاعرية عند الشاعر إلى الأشياء من حوله، وإلى علاقاته الاجتماعية، وسريان هذا التدفق في نسق تصوراته للحياة والكون والعالم، يجعل من ذاته أسيرة المثالية المفرطة، وبالتالي أسيرة الهشاشة والانكسار إزاء تناقضات الحياة. هكذا تعّلِمُنا تلك التجارب: أن كل شاعر حاول أن يعيش وفق نظرته الشاعرية، ويتطابق معها حد التلاشي، فإن المأساة تنتظره في أحد منعطفات حياته. لذلك بالنسبة لي خلق عالم بديل من الكلمات والأشياء، يوازي الواقع المعاش، هو ما يحافظ على التوازن النفسي والروحي والوجودي، حيث تصبح الحياة من خلال هذا التوازن ممكنة التعايش والانسجام مع الذات من جهة، ومع الآخرين من جهة ثانية. ربما كانت القصائد التي نكتبها لا تعبر عن هذا التوازن فقط، وإنما تقول شيئا يتجاوز ذلك بكثير، تقول: ثمة أمل ورغبة في أن تعيش الإنسانية يوما ما وفق قوانين الشاعرية على هذه الأرض، ووفق تاريخ الشعر المرتبط بذاكرتها.
* كيف توفق بين كونك ناقدا تحمل المبضع وتمزق أشلاء النصوص، مع رقة الشاعر الذي يتحاشى المعارك النقدية؟
- لا يوجد ثمة تناقض، فالنقد لا يلغي الشعر في ذات الشاعر، ولا الشعر يلغي النقد في ذات الناقد، فمن الأفكار الشائعة التي تدخل الاتجاهين في تناقض تام، هي مجموعة من المسلمات التي ورثناها من خطابنا النقدي العربي، جميعها كانت ترتكز على مؤثرات المنطق الأرسطي في اللغة والنحو والبلاغة وعلم الكلام والنثر والشعر. وهي مؤثرات تستند على فكرة الفصل المعياري بين صنوف المعرفة، فالشعر هو الشعر والنثر هو النثر، لا يلتقيان. بينما المفارقة التي تبرز في تاريخ الثقافة العربية، هو وجود علماء، على سبيل المثال، برعوا في العلوم الدينية بجانب الأدب شعرا ونقدا، دون أن يشعروا بمثل هذا التناقض. ناهيك أن الثقافة المعاصرة، لا تعترف بالحدود فيما تنتجه من أنواع المعرفة، فتاريخ سير المبدعين والمفكرين في العصر الحديث يشير إلى وجود منجز ثري ومتنوع عند هؤلاء، يتراوح بين الشعر والرواية وبين الفكر والفلسفة أو المسرح والموسيقى. من جهتي لم أشعر يوما ما بالفصل التام بين ما أكتبه شعرا، أو ما أكتبه نقدا، بل أرى أنهما يتقاطعان عندي من العمق، وكل جانب منه يرفد الآخر، ويثريه في الرؤية والأسلوب والتقنية.
* مجموعاتك الشعرية الأربع: «رجل يشبهني»، و«أخف من الريشة أعمق من الألم»، و«أسمال لا تتذكر دم الفريسة» و«سياج أقصر من الرغبات» تحمل تجارب متنوعة.. كيف تعبر هذه المجموعات عن تأثير الزمن في محطاتك الشعرية؟
- الزمن مكون أساس من مكونات أي تجربة إبداعية أو فكرية، والإحساس به وتلمس مكامن قوة تأثيره، يتطلب حساسية مفرطة في التقصي والبحث. لم أع هذه الحقيقة إلا لاحقا، عندما اكتشفت أن ثمة علاقة طردية بين الكلمات والجسد، فدماء الكلمات لا تتجدد إلا إذا شاخ الجسد بكل مخزونه الفكري والروحي والتخيلي. الزمن يلعب لعبته هنا، لا توجد تجربة إبداعية تضيء نفسها من الداخل إلا بعد أن يكون الجسد استسلم تماما لمشرط الزمن وتأثيراته التي تصل إلى عمق الروح. لكن هذا التلازم الشرطي في العلاقة بين تجدد الكلمات وضخها بمعان ودلالات، وبين تهدل الجسد بفعل الزمن، لا يدركه سوى المبدع الذي عمل على إيجاد صلة قوية بين حياته داخل القصيدة، وحياته داخل الجسد. لذلك هذا الاكتشاف، لا يعني بالضرورة أنني عملت على إيجاد مثل هذه الصلة. في مجموعاتي الأربع حاولت كثيرا تلمس منابع هذه العلاقة، لا أدعي النجاح. لكني على الأقل عرفت أين هي جهة البوصلة؟

الوجع.. والخوف
* ثيمة «الوجع- الألم» نابضة في قصائدك.. وتبرز أكثر في مجموعته «أخف من الريش أعمق من الألم»، حيث تقول: «كلما أردت تحريك قلبك إلى الجهة المقابلة: تريث... هناك جهة أخرى، تستحق الوجع، بالطبع هناك أوجاع تنتظر المرور».. لكأن المعاناة والحزن «مصيرٌ لجوجُ»؟
- مفردة الألم تشكل لحظة تحول عندي في الكتابة الإبداعية، وهي المفصل الحقيقي بين مرحلتين، ليست بالمفهوم الزمني التراتبي، وإنما بالمفهوم التجاوري. قبلها كانت دلالاتها لا تتجاوز مجرد الصراخ والعويل والاحتجاج، وهذا ما تشي به كلمات كالوجع والذكريات والوحدة، وهي مبثوثة في النصوص. بعدها تخلصت هذه المفردة من كل ما علق بها من هذه الدلالات والمعاني السابقة، وذهبت إلى صفاء المعنى وعمقه وكثافته كما أزعم، وذلك في مجموعتي الأخيرة «سياج أقصر من الرغبات»، وبعض النصوص من هنا وهناك.
* ممَ يخاف المثقف؟، أنت تقول في مجموعتك: «هو الخوف إذن يطال القاع من تفكيري، ولا يترك قشة من الاطمئنان إلا ويكنسها برياحه العاتية»..
- الشعور بالخوف الذي تظهر تفاصيله في قصائدي، هو غيره الخوف الذي أستشعر أبعاده حين أمارس دور المثقف في تفكيري. الأول يتكئ على انكسارات الذات في الحياة، وعلى الضعف والهشاشة الإنسانية أمام الطبيعة والكون والآخر. تأمل هذا الانكسار يخلق في حد ذاته هذا الشعور ويكثفه. وخطورة هذا التأمل أنه يؤدي في بعض الأحيان عند بعض الشعراء إلى مزيد من الهشاشة والضعف، وبالتالي إلى التشاؤم والانتحار، بينما عند البعض مجرد التأمل يقوي صموده أمام الحياة، ويغذيه أمام عواصفها، ويعطيه نوعا من الطمأنينة والسكون. أما الخوف الآخر فالمثقف يرتبط به باعتباره خوفا يتصل بمظاهر المجتمع وقضايا في الشأن العام.

تطور الشعر

* تقول: «إن حياتَنا العربية السياسية والاجتماعية والثقافية أساءت كثيرا إلى تطور الشعر، وجعلت منه رهينا للوظيفة الآيديولوجية»، لكن الشعر في مداه التاريخي لم ينضج إلا في أروقة السلطة وبتأثير عطاياها.. أليس كذلك..؟
- هناك ثلاثة اتجاهات تتعلق بهذه المقولة، وبالنتيجة التي استخلصتها أنت في سؤالك،
- أولا هذه المقولة تتصل أساسا بفترة ما بعد عصر النهضة الأولى، عصر جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، أي النهضة الثانية التي تحررت فيها الحياة العربية من مرحلة الاستعمار، وبدأت في بناء مرحلة الآيديولوجيات التي طالت جميع مناحي الحياة. الشعر كان أحد هذه المناحي، فقد تحول إلى خطاب يوظف في البناء ذاته.
ثانيا- نعم ما تقوله صحيح. لكن لا ينطبق على مرحلة النهضة الثانية، بل على فترة تألقه في العصر العباسي الأول تحديدا، وعلاوة على ذلك، هذا التألق لم يكن بلاط الملوك هم من صنعوه وحدهم، بل تشكل المدينة وتطور الحياة المدنية في بغداد وضواحيها هي غذت هذا التألق من العمق.
ثالثا- ربما أمكنني القول هنا: أن تاريخ الموروث الشعري في العالم لم يتحرر من توظيفه وإدماجه في مجالات أخرى من تاريخ المعرفة، بدءا بالسحر ومرورا بالدين ونهاية عند السياسي. بيد أن بدايات تحرره لم تحصل إلا في العصر الراهن من الكتابة الشعرية الحديثة.

المثقف والحداثة

* طرحت ذات مقالٍ سؤالا قلقا، هو: لماذا لم نكن حداثيين؟، من هم الذين كان يجب أن يكونوا حداثيين وفاتهم القطار..؟
- هذه الإشكالية تمس الحياة العربية على العموم، وللأسف تم تناول مصطلح الحداثة في أغلب الخطابات الفكرية العربية باعتباره آيديولوجيا تخص الغرب وحدهم. هذا الوهم فرضه على التفكير العربي خلط المفاهيم والأفكار التي تشكلت في فضاء التاريخ الأوروبي. فتاريخ المفهوم هو تاريخ تصورات الفكر عنه، وتحولاته اجتماعيا وثقافيا. فمفاهيم مثل الليبرالية والعلمانية لها مساراتها الخاصة والعامة في تاريخ المجتمعات الأوروبية، بينما كنا نتلقاها في الفكر ومن ثم في الممارسة باعتبارها مصطلحات ذات دلالة واحدة تنوب الواحدة منها عن الأخرى، وهذا ما جرى أيضا مع مصطلح الحداثة. لذا قلت لسنا حداثيين بهذا المفهوم، وإلا قطار الحداثة هو يسير ويقطع العالم شرقه وغربه، قبلنا ذلك أم لم نقبل به، والمصيبة أننا لا نتعلم مما سبق، فقد كررنا نفس الموقف لاحقا مع مصطلح العولمة، وبنفس التصور والتحليل. (بالطبع مع تفريقي التام هنا بين إشكالية المصطلح وإشكالية المفهوم).
* هل ترى أننا بما نكتنز من موروث، قادرون على شق طريقنا نحو الحداثة..؟
- بلا شك نحن قادرون على شق هذا الطريق، وقد بدأت تبرز مشاريع تعبد لمثل هذا الطريق، لا يسعنا هنا الحديث عنها بالتفصيل. لكنها جميعا تركز على تأسيس فلسفة وفكر يرتبط بتاريخ الفكر الإسلامي بدأ من النص القرآني وما يتلوه من نصوص تمثل المتن من هذا التاريخ.
* هل يمكن الفصل بين الحداثة الأدبية، شعرا ورواية، والحداثة الفكرية؟
- لا يمكن فصل هذا عن ذاك. الحقيقة التي أخفقنا في استيعابها عند الغرب، أو لأقل حاولنا أن لا نبصر الجانب الآخر منها، لأسباب تبدو لي أنها بحاجة إلى علم النفس الاجتماعي، والدراسات التاريخية المقارنة. هي أن تطور التاريخ الأدبي الأوروبي كان الفكر والفلسفة ركيزته الأساسية. خذ على سبيل المثال تطور مفهوم الزمن في السرد، حيث كانت الاشتغالات النظرية عند الفيلسوف برغسون حول هذا المفهوم واضحة وجليلة في أعمال الروائي وليم فوكنر. وهناك شواهد كثيرة جميعها تدلل على هذا الترابط بين الفن والإبداع والفكر في تاريخ الثقافة الأوروبية.
* أنت تقول: إننا «لم نكن حداثيين لأن وعينا بالحداثة الغربية ليس وعيا تأريخانيا».. ماذا تعني؟
- أعني بالدرجة الأولى أننا لم نقرأ التاريخ الأوروبي في سياق تقاطعاته الداخلية، وتحولات مجتمعاته سواء على مستوى الفكر أو الاجتماع والسياسة والاقتصاد والدين. وبالتالي لم نستوعبه تماما. ومن مظاهر اللاعقلانية في فهم هذا الغرب أننا ذهبنا في تصديق ما يقوله عن نفسه حد اليقين. وبالقدر الذي حجب هو عنا نفسه، كنا نرتكب خطيئة أخرى حين صدقنا أيضا ما يقوله هو عنا بطريقة أو بأخرى. إنها تصورات عنا وعن الآخر تتكئ على أخطاء مزدوجة. تفكيك هذه التصورات في ظني هي من مهمات هذا الجيل المقبل على الفكر والفلسفة بوعي وحب.
* إلى أي درجة تمثل «الحداثة» أهمية للشعر..؟ يقول الدكتور سعد البازعي: «يخشى الحرز على الشعر من سوء الفهم، الذي يتهدده في مشهدنا الأدبي، يخشى على روح الحداثة فيه أن تذوي لدى الشعراء أنفسهم»..؟
- الحداثة في الشعر هي بمثابة جريان ماء الحياة الذي لا يتوقف على الإطلاق. هي إعادة وصل الشعر بالحياة من جهة، والتخفف من كل الأعباء التي تثقل كاهل الشعر، وتبطئ حركته وجريانه، وليس السياسي والديني والطائفي والخطابات النفعية الأخرى سوى قيود تحد من حركته وانطلاقته. هذا ما أفهمه من أن يكون الشعر حداثيا بالدرجة الأولى. وكل هذا الفهم مشروط بمدى قابلية أذهاننا لزحزحة مفاهيم قديمة عن الشعر، وإبدالها بمفاهيم معاصرة له.
* أصدرت كتاب (القصيدة وتحولات مفهوم الكتابة).. كيف ترى إلى علاقة الكتابة بالمثقف، والمجتمع؟
- كنت ولا زلت، لي اهتماماتي التي تتعلق بالكتابة تنظيرا وممارسة، قناعاتي التي تتصل بها تذهب باتجاه الفكرة التي تقول: لا يمكن تأسيس ثقافة مغايرة على سمات وأساليب في الكتابة لا تمت إلى المعاصرة بصلة. وأول شروط التأسيس هو تفكيك السلطة الكامنة خلف التقاليد الكتابية التي نشأت في المجتمع، حيث على أثرها انبنت ثقافة، تخرجت منها أجيال وأجيال، منهم المثقف والعامل والتاجر ورجل الدين والسياسي. وإذا كان ربط مفهوم السلطة بالكتابة هي الحقول التي تشتغل عليها الدراسات الثقافية المعاصرة، فإن أهمية طرحها في الأوساط الثقافية السعودية، لا تنبع من كون هذه الدراسات تنتصر للثقافات المهمشة في أي مجتمع، بل لأنها أيضا تعري عمليا جميع السلطات المختبئة في ثقافتنا منذ قرون: سلطة المؤسسة والقبيلة والطائفة والمثقف والأدب الرسمي والثقافة الرسمية وسلطة الأدب، وهكذا يكون مفهومي للكتابة محوري واستراتيجي في تفكيك جميع هذه السلط.
* كيف أصبح المثقفون اليوم حراسا للمقابر، وأبواقا للنزعات العصبية، ومع ذلك يتبجحون بأنهم نخبة المجتمع..؟
- من الطبيعي أن يدجن المثقف في إطار من الاستغلال والاستثمار، وهذا امتداد للمرض الذي أشرنا إليه سابقا. لم يتمايز المثقف بخطابه، لا عن سلطة المؤسسة، ولا عن سلطة المجتمع، بل كان تابعا في فترة من الفترات لإحداهما، وفي فترات لكلتيهما. لذلك الفجوة التي تحدثنا عنها، تركت كي يتم استثمارها لأحد الطرفين دون أن يشارك المثقف في سد ولو جانبا بسيطا منها، رغم تلك المحاولات التي طالعتنا بها محاولات عصر النهضة الأولى.
* كيف تقرأ التناقض في تكويننا الثقافي.. فمن جهة نمتلك أقوى درجات التواصل مع العالم عبر وسائط التقنية، ومن جهة نشعر أننا مشدودون بقوة للماضي، مع خوف من التغيير..؟
- هذا التناقض كما تقول في تكويننا الثقافي، هو مرض لا يخص الثقافة والمجتمع السعودي، بل هو ينسحب على عموم المجتمع العربي. الوسائط الاجتماعية بتقنياتها المتعددة عرت الكثير من التناقضات في السلوك والفكر والعلاقات. أهمها على الإطلاق انبعاث الماضي بحلة لم نعهدها من قبل، بوجود القنوات الفضائية والإعلام النتي المعولم. هذا الانبعاث كان غائبا ثم ظهر فجأة. المقصود هو أن الفجوة الواسعة بين ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، ساعدت كثيرا كي يقوم مثل هذا الإعلام بملء الفراغ الذي تركته هذه الفجوة، وهذا ظاهر للعيان في الكثير من المجالات: السياسة، والاقتصاد والدين والاجتماع.



عازفو «الأوركسترا» يتوجون الفائزين بـ«جائزة سلطان العويس الثقافية»

مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية والفائزين بالدورة الـ19 للجائزة (الشرق الأوسط)
مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية والفائزين بالدورة الـ19 للجائزة (الشرق الأوسط)
TT

عازفو «الأوركسترا» يتوجون الفائزين بـ«جائزة سلطان العويس الثقافية»

مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية والفائزين بالدورة الـ19 للجائزة (الشرق الأوسط)
مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية والفائزين بالدورة الـ19 للجائزة (الشرق الأوسط)

وسط حضور شخصيات أدبية وثقافية وإعلامية، من الإمارات والعالم العربي؛ كرّمت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، مساء الخميس، الفائزين بـ«جائزة سلطان العويس الثقافية» للدورة الـ19، خلال حفل أقيم في دبي، شهد أداءً موسيقياً ساهراً لأوركسترا «أكاديمية الفجيرة للفنون الجميلة»، شارك فيه 45 مغنياً وعازفاً، قدّموا ألواناً من الموسيقى العربية الأصلية.

وتحدث في الحفل الدكتور أنور قرقاش رئيس مجلس أمناء المؤسسة، مؤكداً أن تكريم الفائزين في هذه الدورة يأتي «تقديراً لعطائهم وجهودهم، واعتزازاً بإسهامهم في صياغة الوعي الجمالي والفكري والثقافي لأمتنا».

ووصفَ الفائزين بـ«جائزة العويس الثقافية» بأنهم «منارات الفكر والإبداع في عالمنا العربي، يضيفون إلى تراثنا الغني مزيداً من العمق والتجدد، ويغذّون مسيرة الإبداع العربي بما يفتح آفاقاً جديدة للفكر والمعرفة».

الدكتور أنور قرقاش رئيس مجلس أمناء «مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية» أثناء إلقاء كلمته في حفل تكريم الفائزين (الشرق الأوسط)

وقال قرقاش: «يسرّنا أن نرحّب بكم جميعاً في الإمارات العربية المتحدة، أرض اللقاء والانفتاح، التي تؤمن بقدرة العرب على النهوض والتطور والنجاح، وترى في الإبداع والثقافة جسراً للتواصل الإنساني وبناء المستقبل».

وأضاف: «هذه الجائزة تُجسّد تقديراً مستحقاً لجهودهم المتميّزة في ميادين الأدب والفكر والعلوم، ودافعاً لمواصلة العطاء والتميّز».

وزاد رئيس مجلس الأمناء: «لقد كان عام 2025 عاماً مميزاً في مسيرة المؤسسة، إذ احتفلنا بمئوية الشاعر سلطان بن علي العويس - رحمه الله - من خلال سلسلة من الفعاليات الثقافية التي امتدّ صداها عربياً وعالمياً، احتفاءً برمزٍ جعل من الكلمة جسراً للتنوير، ومن الشعر رسالةً للإنسان والحياة».

وتابع: «لقد كان سلطان بن علي العويس نموذجاً للمثقف العربي الأصيل الذي عبّر بصدق عن اعتزازه بالأدب العربي، وآمن بأن الثقافة هي زاد الأمة وضميرها، فأسّس هذا الوقف الحضاري تكريماً للكلمة المبدعة والعقل المستنير، ليكون منارة تُنير دروب الفكر والإبداع العربي لأجيال متعاقبة».

وأضاف قرقاش: «في هذه الأمسية التي نحتفي فيها بالفائزين ونثمّن إسهاماتهم الثرية في إثراء المشهد الثقافي العربي، نؤكد على التزام مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية بدورها في دعم الإبداع، وتكريم رموزه، وصون القيم الثقافية التي تُعلي من شأن الفكر والكلمة والإنسان».

وأكّد: «إن الأدب والثقافة والفكر ليسوا ترفاً، بل ضرورة إنسانية وحضارية، بهم تُبنى القيم، وتترسّخ الهوية، ويتعمّق الوعي. فهم المرآة التي تعكس تطور المجتمعات، والبوصلة التي توجه الإنسان نحو الخير والجمال والمعرفة. وفي زمنٍ تتسارع فيه التحولات، يبقى دور الثقافة راسخاً في الحفاظ على التوازن الإنساني، وصون الذاكرة، وإلهام المستقبل».

كلمة المكرمين

وفاز بـ«جائزة العويس الثقافية»، في دورتها الـ19، كل من الشاعر العراقي حميد سعيد بجائزة «الشعر»، والروائية العراقية إنعام كجه جي بجائزة «القصة والرواية والمسرحية»، والناقد المغربي حميد لحمداني بجائزة «الدراسات الأدبية والنقد»، والمفكر التونسي عبد الجليل التميمي بجائزة «الدراسات الإنسانية المستقبلية».

وألقت الروائية والصحافية العراقية إنعام كجه جي كلمة الفائزين، قالت فيها: «أودّ التعبير عن الشكر والاعتزاز بهذه اللفتة النبيلة والكريمة. نبيلة لأنها تحمل اسم أديب شاعر ولد في هذه البلاد الطيبة. وتعرفون جميعاً منزلة الشعر لدى العرب. وكريمة لأنها تأتي من رجل اجتهد طوال حياته لكي يخدم اقتصاد بلاده، وأن يؤسس ما يسمح له برعاية العديد من المشاريع التربوية والثقافية، بعطاء جزل».

تقرير التحكيم

وتحدث الكاتب الإماراتي علي عبيد العامري عن لجنة التحكيم، معتبراً أن لجنة تحكيم الجائزة قرّرت فوز هذه المجموعة من الأدباء والمفكرين العرب، وذلك لتميزهم، كل في مجاله، ولأعمالهم التي أسهمت في تطور الأدب والثقافة في العالم العربي.

وأضاف أن لجنة التحكيم قررت منح «جائزة الشعر» للشاعر العراقي حميد سعيد لما تتمتع به تجربته الشعرية من تماسك واطلاع واسع على التراث العربي والإنساني من جهة، ووعي عميق بحداثة القصيدة العربية في مراحلها الفنية والتاريخية المترابطة من جهة أخرى، فقصيدته تغترف مادتها وجمالياتها من حياة محتشدة بالألم والأمل والوعي بتحديات العصر، وصولاً إلى قصيدة مؤثرة ومقلقة تتماهى مع تطلعات الأمة إلى حياة أكثر جمالاً وعدلاً.

الفائزون بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية (الشرق الأوسط)

كما قرّرت اللجنة منح جائزة «القصة والرواية والمسرحية» للروائية إنعام كجه جي، لما تميزت به كتابتها الأدبية من قدرة على المزج بين الجانبين التوثيقي والأدبي. فقد برزت في أعمالها موضوعات الهوية، والمنفى، والاغتراب، والتشظي النفسي، والحنين الذي يعيد اكتشاف الماضي ويطرحه برؤية نقدية جديدة، وهو ما عبّرت عنه شخصيات عاشت على أطراف التاريخ، ولم تجد من يروي حكاياتها، ومنها نساء واقعات في قلب الحياة، يحضرن في منجزها الأدبي بقوتهن، وضعفهن، ونجاحاتهن، وانكساراتهن، وبكل ما يلقين من تناقضات وتحديات.

وقرّرت اللّجنة منح جائزة حقل «الدراسات الأدبية والنقد» للنّاقد المغربي حميد لحمداني؛ لما يتمتع به منجزه النّقدي من أصالة منهجيّة، وتراكم معرفي، واستمراريّة نقديّة لمشروع ضخم ومتراكم، بدأ تقريباً في سبعينات القرن العشرين، ولا يزال مستمرّاً في تحقيق التّثاقف المعرفي بين النقد العربي والغربي، حيث تنفتح تجربته على المنجز الغربي بوعي يتمثّل معطياته، ويعيد إنتاجه في سياق معرفي جديد، من خلال تقديم المنهج ومراجعته ونقده، والاشتغال على النقد التطبيقي.

وقررت اللجنة منح جائزة «الدراسات الإنسانية والمستقبلية» للمؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي، وهو أحد أبرز المؤرخين العرب المعاصرين، وتمثل أعماله البحث التاريخي كما جرى تطويره في الفكر المعاصر، إضافة إلى تنوع مجال اهتمامه التاريخي، حيث انصبّت أعماله على دراسة تاريخ الموريسكيين في الأندلس، وتاريخ الولايات العربية في العهد العثماني، وتاريخ تونس المعاصر، وتعدّ أعماله نموذجاً للتوثيق التاريخي المستند إلى القواعد الجديدة في الكتابة التاريخية.

جانب من الحضور في حفل تكريم الفائزين بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية (الشرق الأوسط)

يذكر أن هذه الدورة من الجائزة تحتلّ أهمية خاصة، كونها تتزامن مع مئوية الشاعر سلطان بن علي العويس، وتم فيها رفع قيمة الجائزة لكل فائز إلى 150 ألف دولار.

وتهدف «جائزة العويس الثقافية» إلى تكريم المبدعين الذين حصلوا عليها في مختلف الحقول الثقافية والعلمية، وتُساهم في تشجيع الإبداع والابتكار في العالم العربي، وتعزيز دور الثقافة في التنمية والتقدم.


الروائية العراقية إنعام كجه جي: أقتلُ أبطال رواياتي… خاصة إذا كانوا رجالاً!

الروائية العراقية إنعام كجه جي تتحدث في ندوة حوارية نظمتها مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية في معرض الشارقة الدولي للكتاب وأدارتها الروائية الإماراتية صالحة عبيد (الشرق الأوسط)
الروائية العراقية إنعام كجه جي تتحدث في ندوة حوارية نظمتها مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية في معرض الشارقة الدولي للكتاب وأدارتها الروائية الإماراتية صالحة عبيد (الشرق الأوسط)
TT

الروائية العراقية إنعام كجه جي: أقتلُ أبطال رواياتي… خاصة إذا كانوا رجالاً!

الروائية العراقية إنعام كجه جي تتحدث في ندوة حوارية نظمتها مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية في معرض الشارقة الدولي للكتاب وأدارتها الروائية الإماراتية صالحة عبيد (الشرق الأوسط)
الروائية العراقية إنعام كجه جي تتحدث في ندوة حوارية نظمتها مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية في معرض الشارقة الدولي للكتاب وأدارتها الروائية الإماراتية صالحة عبيد (الشرق الأوسط)

حملت الروائية العراقية إنعام كجه جي، هموم عراقها، وغربتها، والهوية والمنفى، ومعها انكسارات أبطال رواياتها، إلى الخليج الذي لا يبعد عن عراقها سوى بضعة أميال تفصلها عن وطنٍ لا يغيب، وعن ذاكرةٍ تقاوم النسيان.

فضمن الدورة التاسعة عشرة لـ«جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية»، أقيمت للروائية العراقية الفائزة بالجائزة هذا العام ندوة لتروي شهادتها، وندوة حوارية خاصة في قاعة الفكر بمعرض الشارقة الدولي للكتاب، وسط حضور ثقافي من الأدباء والمثقفين وجمهور معرض الشارقة، وأدارت الندوة الروائية الإماراتية صالحة عبيد.

في هذه الندوة، تحدثت إنعام كجه جي، عن تجربتها في عالم الكتابة: صحافة ورواية، وعن غربتها والحنين للعراق الذي يطلّ بجراحه وآلامه أمامها كل يوم.

وقالت الروائية العراقية إنها حملت العراق بين جوانحها إلى باريس، وإن الغربة منحتها جواز سفر تتنقل فيه... «لكنّ كم شخصاً يُتاح له أن يكون عراقياً». لكنها أضافت، أنها تفتقد في غربتها وجود «حياة اجتماعية حقيقية» ففي باريس «لا يمكن إلا أن تكون غريباً رغم ما كل بذلتُ من جهود للتعرف عليها».

فازت إنعام كجه جي بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية في دورتها التاسعة عشرة، فرع (القصة والرواية والمسرحية)، «لما تميزت به كتابتها الأدبية من قدرة على المزج بين الجانبين التوثيقي والأدبي». وبرزت في أعمالها موضوعات الهوية، والمنفى، والاغتراب، والتشظي النفسي، والحنين الذي يعيد اكتشاف الماضي ويطرحه برؤية نقدية جديدة، وهو ما عبّرت عنه شخصيات عاشت على أطراف التاريخ ولم تجد من يروي حكاياتها، ومنها نساء واقعات في قلب الحياة، يحضرن في منجزها الأدبي بقوتهن، وضعفهن، ونجاحاتهن، وانكساراتهن، وبكل ما يلقين من تناقضات وتحديات.

الروائية العراقية إنعام كجه جي: العيش في الاغتراب هو سمة معظم شخصيات قصصي ورواياتي (الشرق الأوسط)

قلق الهوية

وهي لم تبد قلقاً على الهوية التي انغمست في الثقافة الباريسية نصف قرن، وأبدت استغرابها من مفهوم الاستلاب الثقافي... وقالت: «لا أفهم معنى الاستلاب الثقافي، ولا أفهم معنى الغزو الثقافي... من كانت أصوله قوية لا ينبغي له أن يخاف، وأنا أشعر أنني قوية، وأن الآخر عليه أن يشعر بالخوف من قدرتي على التأثير فيه».

لكن قلق الهوية لا يغادر إنعام، فهي تصف الهوية، بأنها «مفردة التي تكاد تهترئ من كثرة التداول!»، وتقول: «كلما التقيت صحافياً أراه يطرح عليّ سؤال الهوية. وأنا أخشى هذا السؤال. لا بمعنى المناورة والتهرّب، بل لأنني لم أتوصّل إلى جواب شافٍ. بعد أربعين عاماً ونيّف من الإقامة في البلد الغريب لم أتوصل إلى جواب شافٍ. هل ضاعت هويتي أو سقطت مني؟ هل اضمحلّت وبت أرتدي هوية غيرها؟ ما كان الأمر يهمنّي قبل دخولي ميدان الكتابة الأدبية. كنت أعرف أنني فلانة. أنتمي لمسقط رأس في بغداد ولي دين أهلي ولغتي العربية ولهجتي المحلية. وهمومي الوطنية وآمال في مستقبل أفضل لأمتّي».

وعن السرد والغربة والهوية في العراق، تقول: «نصف ما يُكتب من روايات عراقية يصدر اليوم بأقلام مهاجرين. سرديات لا فكاك لها من هوياتها. العيش في الاغتراب هو سمة معظم شخصيات قصصي ورواياتي. وجدت حولي في مهجري مصائر فالتة من مداراتها. وأنا أفضل دائماً أن أعدّ نفسي مهاجرة. إذ لم أكن لاجئة ولا منفية. وهكذا، ومن دون تخطيط مسبق، سيطرت على رواياتي شخصيات قلقة تعيش تذبذب الهوية، تتعلق بوطن سابق تعذبّت فيه وتستقر في بلد يؤمن لها العيش دون أن تأتمنه تماماً. ولأنني من جيل سابق، شعرت أن من واجبي توثيق تلك المصائر».

وفي لحظة اعتراف لافتة، قالت إنعام: «أعترف بأن لديّ سادية كامنة... فأنا أقتل أبطال رواياتي في النهاية... وخاصة إذا كانوا رجالاً».

وقدمت إنعام أمام جمهور معرض الشارقة صورة سريالية لعالمها في الكتابة، فهي التي تكتب من شقة في برج سكني تطل من خلاله على شتاء باريس وثلوجه، تصطلي صفحات رواياتها بأحداث مفجعة ومؤلمة... وهي تقول «التضاد بين الثلج خارج نافذة بيتي وأنا أكتب في مواجهة لهيب القيظ داخل رواياتي يخلخلني».

الروائية العراقية إنعام كجه جي: الغربة منحتني جواز سفر... لكنّ كم شخصا يُتاح له أن يكون عراقياً (الشرق الأوسط)

وتبدو إنعام سعيدة، حيث أتاح لها الأدب فرصة للتواصل مع محيطها، وكسر طوق الغربة، وخاصة بعد أن ترجمت بعض أعمالها للغة الفرنسية، «كانت سعادتي كبيرة يوم أن ترجمت إلى الفرنسية لكي يقرؤها جيراني وأبنائي الذين لم يجيدوا العربية وعاشوا عمرهم يظنون أن أمهم كانت تكتب أحجية وتمائم... كذلك فإن نظرة الفرنسي تتغير إذا عرف أنك تنتمي لعالم الكتابة أو العمل الأكاديمي».

إنعام كجه جي، التي وصفت نفسها بأنها «صحفية عجوز وروائية شابة»، قالت إنها «صحفية أكثر من كوني روائية» وأبدت وفاءها للمهنة التي قالت عنها: «هي المهنة التي عشتُ منها وزودتني بشخصيات رواياتي»، وتحدثت عن علاقتها بالصحافة، وكيف أثرت تجربتها الصحافية على كتابتها للرواية، وقالت: «علمتني الصحافة كيف أختصر وأزيل الترهلات من الكتابة الروائية».

وعن فوزها بجائزة سلطان العويس الثقافية، قالت: «شعرتُ وكأنها مكافأة نهاية الخدمة»، يذكر أن إنعام كجه جي لديها مشوار مع الجوائز الأدبية، فقد وصلت رواياتها للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية ثلاث مرات.


«معجم الأدباء السعوديين» يترجم لـ1544 أديباً وأديبة عبر 150 عاماً

غلاف كتاب «معجم الأدباء السعوديين»
غلاف كتاب «معجم الأدباء السعوديين»
TT

«معجم الأدباء السعوديين» يترجم لـ1544 أديباً وأديبة عبر 150 عاماً

غلاف كتاب «معجم الأدباء السعوديين»
غلاف كتاب «معجم الأدباء السعوديين»

صدر للأديب وباحث الببليوغرافي السعودي، خالد بن أحمد اليوسف، كتاب «معجم الأدباء السعوديين»، الذي يرصد أسماء وتراجم الأدباء السعوديين، على مدى 150 سنة، ووصل عدد السير والتراجم فيه إلى 1544 أديباً وأديبة.

صدر «معجم الأدباء السعوديين»، عن «مؤسسة الانتشار العربي» في بيروت والشارقة، 2025. ويقع في 720 صفحة، مجلداً تجليداً فاخراً، ومعروف عن اليوسف اشتغاله بالأعمال التوثيقية لحركة التأليف والنشر الأدبي في السعودية.

يتكون هذا المعجم من مقدمة تفصيلية، فيها جميع المعلومات المتعلقة بمحتواه، وتاريخ كتب التراجم والسير في المملكة، ومسيرة المؤلف مع هذا المعجم، ثم كشاف الأسماء للأدباء والأديبات، وقد وضع الكشاف بحسب اسم الشهرة وأمام كل اسم الرقم التسلسلي، لكي يتم الوصول إليه بيسر وسهولة، ثم السير والتراجم، ثم المراجع والمصادر، علماً بأن المؤلف لم يترك كتاباً أدبياً سعودياً إلا ورجع إليه، وإلى الصحافة بكل أنواعها، بخلاف الاتصال المباشر مع الأدباء.

ويعنى هذا الكتاب بكل أديب له نتاج مطبوع في مجالات الإبداع الأدبي، أو أديب له نتاج منشور في جميع الوسائط المقروءة، ويشهد عليه ما أنتجه والوسط الأدبي والثقافي، وليس له كتاب مطبوع، وكذلك من درس أو كتب أو أرخ للأدب السعودي، وهو بطبعه الإلمام بالأدب السعودي.

ويترجم لكل الأدباء الذين شهدوا وعاشوا بدايات المملكة العربية السعودية، وهم سعوديون، وتتفق المراجع على ذلك.

وقد وضع المؤلف لهذا المشروع مخططاً ليكون شاملاً محيطاً لكل الأدباء، مؤكداً أنه لم يهمل أحداً «إلا من رضي بذلك، ويتحمل هو مسؤولية عدم وجوده في الكتاب».

الأديب والباحث الببليوغرافي السعودي خالد بن أحمد اليوسف (الشرق الأوسط)

وعن البداية يقول خالد اليوسف: في عام 1992 كلفت تطوير كتاب «دليل الكاتب السعودي»، وبعد ثلاث سنوات من العمل الحثيث صدر كتابي: «دليل الكتاب والكاتبات»، وهو كتاب تراجم وسير للأحياء الذين لهم كيان ووجود في الكتابة الأدبية والثقافية، واعتبر المرجع الأول لكل من يبحث في هذا المجال، وبعده بـ15 سنة أصدرت كتاب «أنطولوجيا القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية»، وبالإضافة إلى أنه متخصص في «القصة القصيرة - نصوص متميزة»، فإن هناك السير والترجمة الجديدة والمركزة عن كل كاتب مشارك.

يضيف: «بعد اطلاعي على عشرات الكتب التي صدرت في هذا المجال، وجدت ضرورة أن أضع معجماً شاملاً لكل الأدباء السعوديين، لأن بعضها خاص بأدباء منطقة واحدة، وجاء فيها المجاملة وعدم التوازن في الترجمة، وهناك من أهمل الكثير والكثير من الأدباء، وهناك من تخصص في مجال أدبي معين، ومن هنا سعيت لوضع هذا المعجم منذ عام 2014».

وعن عمله في إعداد المعجم، يقول اليوسف: «كونت قاعدة لهذا المعجم؛ أن يكون متوازناً، منصفاً، لا يحمل أي كلمة إطراء أو مدح أو ثناء، لا تفاضل فيه ورفع شخصية دون شخصية أخرى. الكل في مرتبة واحدة هي الأدب، ولهذا تم ترتيبه هجائياً باسم العائلة الأصلي. وهناك مدخل آخر باسم الشهرة، وفرضت على كل مشارك أن تتكون معلوماته هي: الاسم الرباعي، اسم الشهرة، مكان الميلاد وتاريخه، آخر شهادة علمية يرغب ذكرها وتخصصها ومن أي جامعة وتاريخ التخرج، وصف الأديب وصفاته الأدبية وبعض نشاطه البارز في حدود أربعة أسطر، ذكر ستة كتب من مؤلفاته لمن تزيد عن ذلك مع ذكر نوعها وتاريخ الصدور، هذه المعلومات المهمة بصفته الأدبية، وهي لا تتجاوز لكل شخصية سبعين كلمة.

وعن المتاعب التي واجهته، يقول: «هناك مئات الأدباء الذين لهم إصدارات أدبية، وليس لهم اهتمام بوضع سيرة لهم في كتبهم أو في أي مكان مرجعي عنهم، وهم من أُرهقت منهم، ومن التواصل معهم، أو مع معلوماتهم الغائبة، ولهذا مع البحث بدأت أجمع كل معلومة وأدونها حتى تكتمل وتتكون سيرهم الكاملة، وكنتُ أتمنى ألا تطول وأن أنتهي قريباً».