احتقان شيعي بعد انطلاق مظاهرات المحافظات الوسطى والجنوبية

عبد الرزاق: الصدر يجب أن يوضح موقفه منها

احتقان شيعي بعد انطلاق مظاهرات المحافظات الوسطى والجنوبية
TT

احتقان شيعي بعد انطلاق مظاهرات المحافظات الوسطى والجنوبية

احتقان شيعي بعد انطلاق مظاهرات المحافظات الوسطى والجنوبية

كشف قيادي بارز في إحدى كتل التحالف الوطني (الكتلة الشيعية الأكبر داخل البرلمان العراقي) لـ«الشرق الأوسط» أن «تحركًا واسعًا أعقب المظاهرات الأخيرة التي انطلقت في عدد من المحافظات الوسطى والجنوبية لاحتواء أزمة سياسية حادة لحدوث مواجهة شيعية - شيعية بالسلاح».
وقال السياسي الذي طلب عدم الكشف عن اسمه إن عمليات الاعتداء واسعة النطاق التي أدت إلى إلحاق أضرار كبيرة بمقرات كثير من القوى والأحزاب والفصائل تعود لأحزاب وقوى سياسية معروفة ولها تمثيل واسع بالحكومة والبرلمان، بالإضافة إلى التجرؤ للمرة الأولى من قبل متظاهرين يفترض أنهم كلهم أو في الأقل غالبيتهم العظمى من الشيعة على حرق صور رموز ومراجع دين شيعة كبار، مشيرًا إلى أن «ذلك أثار في الواقع كثيرًا من علامات الاستفهام، حيث وصل الغضب إلى حد تمزيق صور رجال دين يحظون بتقدير كبير في الوسط الشيعي». وعن أبرز من شملهم الحرق من رجال الدين قال القيادي الشيعي إن «اللافت للنظر أن بعض المتظاهرين الذين يفترض أنهم تابعون للتيار الصدري مزقوا صور السيد محمد باقر الصدر الذي يعد مرجعًا لمعظم الأحزاب الشيعية مثل الدعوة والتيار الصدري». وأوضح القيادي الشيعي أن «عددًا من قيادات التحالف الوطني والزعامات الدينية تحركوا باتجاه عدم توسيع نطاق المواجهة لا سيما أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي كان قد شجع هذه المظاهرات شاهد بنفسه الصور المحروقة بما فيها صور عمه، مما دفعه إلى تخفيف حدة التوتر خلال شهر رمضان».
من جهته أكد القيادي البارز في حزب الدعوة صلاح عبد الرزاق في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «الاعتداء على مقرات الأحزاب والقوى السياسية سواء في بغداد أو في كثير من محافظات الوسط والجنوب مثل النجف وبابل والمثنى وميسان وغيرها أمر لا علاقة له بدعوات الإصلاح، وهي يافطة تحولت إلى وصفة للفوضى ومساعٍ لإشعال الفتنة الداخلية». وأضاف عبد الرزاق أن عملية حرق صور بعض الزعامات الدينية تدل على أن من يقوم بذلك جهات غير منضبطة ولديها أهداف خاصة.
وردًا على سؤال فيما إذا كان التيار الصدري هو المسؤول عن هذه الأعمال، قال عبد الرزاق إن «المطلوب من التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر التوضيح وتبيان موقفه الحقيقي وهو ما طلبته الأحزاب والقوى السياسية، لأنه لا يزال يشجع المظاهرات ويوصف الأحزاب بالفاسدة، ولكن مع ذلك فإن هذا لا يبرر الاعتداءات التي نرى أن هناك جماعات استغلت رعاية الصدر للمظاهرات ودخلت تحت عباءتها لإحداث فتنة داخلية».
من جانبه أكد القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي سامي الجيزاني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «ما يحصل في بعض محافظات الوسط والجنوب هو مقدمة لفتنة يراد لها أن تشمل الجميع». وأضاف الجيزاني أن «الأمر المستغرب أن تجري هذه الاعتداءات التي وصلت إلى تدمير المقرات وحرق صور الزعامات ورجال الدين تحت غطاء الإصلاحات».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.