كان رمضان لتجتمع العائلة وليس للمقاهي

كان رمضان لتجتمع العائلة وليس للمقاهي
TT

كان رمضان لتجتمع العائلة وليس للمقاهي

كان رمضان لتجتمع العائلة وليس للمقاهي

«السكبة» كانت من أهم تقاليد شهر رمضان في طرابلس عند الغروب.
العنوان العريض الذي كان يحمله شهر رمضان في الماضي هو المحبّة بكلّ أشكالها وأفعالها. فلقد كان أهالينا في مدينة طرابلس ينتظرون هذا الشهر الفضيل لممارسة أفعال الخير بشكل إضافي على المعوزين والمحتاجين. وأكثر ما أتذّكره عن تلك الفترة هو تقليد «السكبة» الذي كان يعنون أيام الشهر الكريم ويرافقه على مدى أيامه الثلاثين.
وهذه العادة تكمن في أن تطهي ربّات المنازل كميّات كبيرة من الطعام (عشرة كيلو من الكوسا مثلا)، ويسكبونها في حلل وأوان لتوزّع على الجيران ولا سيما المحتاجين منهم، قبيل موعد الإفطار بفترة قصيرة، أي عند المغرب، فتكون طازجة وساخنة تتسلّل رائحتها إلى جميع الطوابق في العمارة. و«السكبة» كانت علامة الألفة بين أهالي طرابلس، وكان من المفروض أن تمارس والدتي هذا التقليد يوميا وعلى عائلات تختارها بنفسها حسب حالاتها الاجتماعية ولا سيما الفقيرة منها. وبينما كنّا نسكب الطعام ونوزّعه على غيرنا، كان هناك من يدقّ بابنا ليعطينا بدوره ما تيسّر لديه من أطباق ساخنة وباردة، نضيفها إلى تلك المحضّرة من قبل والدتي على مائدتنا الرمضانية.
لقد كنا عشرة أشقاء في المنزل نجتمع يوميا وبمشاركة والدي بالتأكيد، لنجلس حول مائدة رمضانية غنيّة بأطباق الحلو والمالح التي كنا نتعاون جميعنا في تحضيرها الكل على طريقته. فمن جهتي كنت أرافق والدي في الأسواق لنشتري الخضراوات واللحوم والفواكه. وبمبلغ ستّ أو سبع ليرات كنا نشتري ما طاب لنا من مكوّنات طعام طازجة ومن حلويات لذيذة. الجميع كان يعرف بعضه في طرابلس إذ لم تكن على هذا القدر من العمران والاكتظاظ السكني كاليوم.
عند ساعة الإفطار تجدنا مجتمعين كلّنا لا محالة حول المائدة، فهذا الوقت كان مقدّسا ولا يمكن أن نفوّته أو نغيب عنه مهما كانت ظروفنا.
تغيّر كثيرا رمضان اليوم عن الماضي، فأخذ منحى آخر؛ إذ صار يرتكز على الديليفري والسهر في المقاهي وموائد الإفطار المختصرة. أعتقد أن هناك عشرة في المائة فقط من أهل طرابلس الذين ما زالوا متعلّقين بتقاليده القديمة «كالسكبة» مثلا. فكان شهرا نمارس فضائله ببساطة دون مظاهر لمّاعة وبرّاقة. العادات كانت ترتكز على اللمّة العائلية والأجواء المسليّة التي نقضيها مع بعضنا البعض بين أهل الحارة الواحدة. ومن الأشياء التي ما زلت أتذكّرها هو صوت أمّي (وصال) عندما كانت تناديني ولو مرة واحدة في الأسبوع وتعطيني مبلغا من المال (سبع ليرات) وهي توصيني بصوت منخفض، أن أوصلها لواحدة من جاراتنا في الشارع الموازي للزاهرية الذي كنا نسكن فيه. وكانت تطلب مني أن أقول لها: «هذا المبلغ من والدتي وتقول لك شكرا لأنها استدانته منك منذ فترة». وفي الحقيقة لم تكن أمي استدانت المبلغ منها ولا من يحزنون، بل كان مجرّد عمل خير تقوم به وترفض أن تجاهر به، فكانت تخترع حجّة ما لممارسته. وكان الأهم أن لا ينام أحد من أهالي المدينة وهو جائع، ولذلك كان الجميع يتشارك في توزيع الطعام على المحتاجين.
لم نكن نرتاد المقاهي ولا أي أماكن تسلية أخرى، حتى الحكواتي الذي كان والدي يصطحبنا لمشاهدته بين وقت وآخر، كنا نغيب عنه في شهر رمضان. فهذا الشهر شهر الصوم والتأمل والصلاة فقط كما يقول لنا والدي. أما عند السحور، فكنا نصحو الواحد تلو الآخر على صوت المسحراتي ضارب الطبلة في الأحياء. كلّ حي كان لديه واحد خاص به ينادي سكّانه بالاسم.
اليوم ما زلت محافظا على تقاليد هذا الشهر في منزلي؛ إذ يجب أن أستضيف يوميا واحدة من عائلات أبنائي في منزلي لتناول الفطور. وما زالت حلويات «ورد الشام» و«البصمة» و«القطايف» تزيّن المائدة فهي تذكّرني بالحلويات التي كانت تحضّرها أمي لنا والتي كنّا نشتري بعضا منها في حال كانت والدتي متعبة بعد تمضيتها وقتا طويلا في المطبخ.
هي ذكريات أحتفظ بها منذ أكثر من ستين عاما، فأنا اليوم في الثمانين من عمري، ولكن طعم رمضان في الماضي كان له نكهته الخاصة التي بتنا نفتقدها تماما اليوم، وكل رمضان والجميع بخير.
*ممثل لبناني



أجواء احتفالية في مصر ابتهاجاً بعيد الفطر

زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
TT

أجواء احتفالية في مصر ابتهاجاً بعيد الفطر

زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)

سادت أجواء البهجة منذ الساعات الأولى من صباح أول أيام عيد الفطر في مصر، حيث احتشد المصلون من مختلف الأعمار في ساحات المساجد، وسط تكبيرات العيد التي ترددت أصداؤها في المحافظات المختلفة.
وشهدت ساحات المساجد زحاماً لافتاً، مما أدى إلى تكدس المرور في كثير من الميادين، والمناطق المحيطة بالمساجد الكبرى بالقاهرة مثل مسجد الإمام الحسين، ومسجد عمرو بن العاص، ومسجد السيدة نفيسة، ومسجد السيدة زينب، وكذلك شهدت ميادين عدد من المحافظات الأخرى زحاماً لافتاً مع صباح يوم العيد مثل ساحة مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية.
وتبدأ مع صلاة العيد أولى مباهج الاحتفالات عبر «إسعاد الأطفال»، وفق ما تقول ياسمين مدحت (32 عاماً) من سكان محافظة الجيزة (غرب القاهرة). مضيفةً أن «صلاة العيد في حد ذاتها تعد احتفالاً يشارك الأهالي في صناعة بهجته، وفي كل عام تزداد مساحة مشاركة المصلين بشكل تطوعي في توزيع البالونات على الأطفال، وكذلك توزيع أكياس صغيرة تضم قطع حلوى أو عيدية رمزية تعادل خمسة جنيهات، وهي تفاصيل كانت منتشرة في صلاة العيد هذا العام بشكل لافت»، كما تقول في حديثها مع «الشرق الأوسط».

بالونات ومشاهد احتفالية في صباح عيد الفطر (وزارة الأوقاف المصرية) 
ويتحدث أحمد عبد المحسن (36 عاماً) من محافظة القاهرة، عن تمرير الميكروفون في صلاة العيد بين المُصلين والأطفال لترديد تكبيرات العيد، في طقس يصفه بـ«المبهج»، ويقول في حديثه مع «الشرق الأوسط» إن «الزحام والأعداد الغفيرة من المصلين امتدت إلى الشوارع الجانبية حول مسجد أبو بكر الصديق بمنطقة (مصر الجديدة)، ورغم أن الزحام الشديد أعاق البعض عند مغادرة الساحة بعد الصلاة بشكل كبير، فإن أجواء العيد لها بهجتها الخاصة التي افتقدناها في السنوات الأخيرة لا سيما في سنوات (كورونا)».
ولم تغب المزارات المعتادة عن قائمة اهتمام المصريين خلال العيد، إذ استقطبت الحدائق العامة، ولعل أبرزها حديقة الحيوان بالجيزة (الأكبر في البلاد)، التي وصل عدد الزائرين بها خلال الساعات الأولى من صباح أول أيام العيد إلى ما يتجاوز 20 ألف زائر، حسبما أفاد، محمد رجائي رئيس الإدارة المركزية لحدائق الحيوان، في تصريحات صحافية.
ويبلغ سعر تذكرة حديقة الحيوان خمسة جنيهات، وهو مبلغ رمزي يجعل منها نزهة ميسورة لعدد كبير من العائلات في مصر. ومن المنتظر أن ترتفع قيمة التذكرة مع الانتهاء من عملية التطوير التي ستشهدها الحديقة خلال الفترة المقبلة، التي يعود تأسيسها إلى عام 1891، وتعد من بين أكبر حدائق الحيوان في منطقة الشرق الأوسط من حيث المساحة، حيث تقع على نحو 80 فداناً.