قراءة في الحالة الراديكالية في الأردن

على خلفية اعتداء مخيم البقعة

قراءة في الحالة الراديكالية في الأردن
TT

قراءة في الحالة الراديكالية في الأردن

قراءة في الحالة الراديكالية في الأردن

وقع الأردن من جديد ضحية للهجمات الإرهابية، وكان آخرها هذه المرة الهجوم الذي استهدف مخيم البقعة شمالي العاصمة عمّان، وذهب ضحيته خمسة أشخاص من بينهم ثلاثة من عناصر الاستخبارات. وللعلم، يقع مخيم البقعة، وهو الأكبر بين 10 مخيمات رسمية للاجئين الفلسطينيين في الأردن، على بعد 20 كيلومترًا من وسط عمّان، ويعرف بأنه كان مقر إقامة الشيخ أبو محمد الطحاوي، الذي يوصف بأنه أحد أشد مناصري وداعمي تنظيم «داعش» في الأردن، وأول من دعا إلى الجهاد في سوريا.
شهد المجتمع الإسلامي الراديكالي في الأردن نموًا ملحوظًا منذ اندلاع الحرب في سوريا. في بداية الصراع فضل هؤلاء «المجاهدين في سبيل الله» الالتحاق بـ«جبهة النصرة» إلا أنهم مع تطوّر الأحداث أخذوا يبدّلون ولاءاتهم، وإذا بهم اليوم يفضّلون الالتحاق بصفوف تنظيم «داعش». والواقع أن السلطات الأردنية واعية تمامًا لخطورة هذا الأمر، وهذا ما يدفعها إلى تشديد تدابيرها الأمنية على أراضيها. غير أن التشدد الأمني وحده، من دون أدنى شك، لن ينجح إلا بتقوية عزيمة هؤلاء المتطرفين ما لم يترافق مع برنامج إعادة تأهيل شامل ومدروس.
معلوم أن الحرب في سوريا قد جذبت آلاف المقاتلين المتشددين والراديكاليين من مختلف أنحاء العالم حتى وصل عددهم إلى ما يقارب 20.000 مقاتل، وذلك قبل الهجمات التي باشرت قوات التحالف الدولي بشنها على مواقع «داعش»، والتي ألحقت هزائم وخسائر كبيرة في صفوف التنظيم في العراق وسوريا، ما أدى إلى زيادة حالات الفرار من صفوفه، وفق تقارير السفارات الأجنبية.
وفي وقت من الأوقات، كان الراديكاليون الأردنيون قد شكّلوا إحدى أكبر المجموعات المقاتلة الوافدة إلى سوريا، إذ قدّرت مصادر موثوقة حسنة الاطلاع عدد الشباب الأردنيين الذين التحقوا بالحركات الراديكالية بنحو 2000 شخص. وهنا يشير الباحث حسن أبو هنية في لقاء سابق مع «الشرق الأوسط» إلى أن ما نسبته الـ80 في المائة من هؤلاء يقاتلون حاليًا في صفوف «داعش»، وذلك بعدما نجح هذا التنظيم المتطرف – وفق أبو هنية – في «أن تغذي لديهم الرغبة في الخلافة». وحقًا، فإن اعتماد «داعش» الخطاب الطائفي المتطرف سمح للتنظيم بتعبئة الشباب الأردني. وللعلم، فإن هذه الاستراتيجية سبق أن اعتمدت في الماضي من قبل «أبو مصعب الزرقاوي» (أحمد فاضل النزال الخلايلة) أحد أبرز الشخصيات الأردنية المتطرفة المعروفة بميلها الشديد إلى العنف، وهو الذي يعتبر اليوم «الأب الروحي» لتنظيم داعش.
واليوم، بعد نحو عشر سنوات من مقتل «الزرقاوي»، يواجه التيار الراديكالي المتطرف في الأردن انقسامًا جديدًا. ذلك أن العداوة التي كانت سائدة في بداية الألفية والتي طغى عليها الثنائي «أبو مصعب الزرقاوي» والشيخ «أبو محمد المقدسي» أعيد إحياؤها اليوم من جديد مع الانقسامات الراهنة بين «داعش» و«جبهة النصرة» المحسوبة على تنظيم القاعدة والمبايعة له.
إضافة إلى ذلك، يبدو أن العامل الجغرافي لعب أيضًا دورًا في توجه الشباب الأردنيين خلال السنة الماضية إلى «داعش» بدل «جبهة النصرة»، وهذه الظاهرة لوحظت أيضًا في لبنان. ومع إقدام الأجهزة الأمنية والجيش الأردني على إقفال الحدود الأردنية مع جنوب سوريا، حيث كانت تتمركز قوات «جبهة النصرة»، أجبر المقاتلون المستقبليون إلى التوجه إلى سوريا عبر تركيا، وهناك كان «داعش» بانتظارهم.
من جهة أخرى، عانت الجماعات الراديكالية الأردنية خسائر كبيرة في سوريا، وكان لمختلف المدن الأردنية مثل السلط ومعان وإربد نصيبها من أبنائها المقاتلين الذين سقطوا في المعارك. وحسب الإحصاءات التي يعتد بها وصل حتى الآن عدد الأردنيين الذين قتلوا في سوريا إلى 350 قتيلاً، كما ألقت أجهزة الاستخبارات القبض على نحو 400 مقاتل. أما حيال موضوع تنقل الراديكاليين الأردنيين من فصيل متطرف إلى آخر فجسدته خير تجسيد قضية أحمد عطا الله شبيب المجالي، النقيب في سلاح الجو الأردني، الذي فرّ من الأردن لينضم إلى صفوف «جبهة النصرة» في يوليو (تموز) 2013، وفقًا لصحيفة «الأخبار» اللبنانية القريبة من «حزب الله». ويتحدّر المجالي من إحدى أهم وأبرز عشائر منطقة الكرك، بجنوب الأردن. وصار معروفًا بشكل كبير بعدما نُشِرَت صورة له مع متشدد آخر حاملاً كلاشنيكوف، ليعود لاحقًا وينضم إلى تنظيم داعش قبل أن يُقتَل في إحدى المعارك خلال صيف عام 2014.
وفضلاً عن ذلك، ظهر أخيرًا فتى يدعى أشرف خريسات في شريط مصوّر التقط في شمال سوريا وهو يُمزق جواز سفره إلى جانب مجموعة من الشبان المغاربة. مع هذا، يبقى الجيل الأكبر سنًا من المقاتلين الراديكاليين ميالاً أكثر إلى «جبهة النصرة» التي لا تزال تطغى عليها شخصيات معروفة على غرار الدكتور سامي العريدي الأستاذ في الشريعة، وإياد الكليبي الصيدلي.
إن مشروع المقاتلين الراديكاليين في الأردن، كما يرى مراقبون مطلعون على الصورة العامة، مشروع طموح جدًا يتعدى الدفاع عن السوريين السنّة ويسعى إلى إقامة حكومة إسلامية قائمة على الشريعة، إلا أن هذا الهدف يبقى صعب المنال في بلد يرعاه نظام ملكي مستقر. وعلى الرغم من أن عدد المؤيدين للتوجهات المتشددة والراديكالية في الأردن الآن يتراوح ما بين 8.000 و12.000 شخص، وعلى الرغم من تزايد شعبية الراديكاليين في البلد، فإن الغالبية العظمى من الأردنيين لا تطمح إلى القتال في سوريا، ولا تدعم بالضرورة الحركات المتطرفة مثل «القاعدة» و«داعش»، لا سيما بعد جريمة قتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة بطريقة وحشية على أيدي عناصر «داعش». وبالتالي، فإن أقل من 5 في المائة فقط من الشعب قد يؤيد الجماعات المتطرفة. والملموس جدًا أن جريمة قتل معاذ الكساسبة أثرت بعمق في الأردنيين، وانعكست سلبًا على صورة الراديكاليين الأردنيين.
في أي حال، سعيًا لمواجهة موجة التطرف هذه، اتخذت السلطات الأردنية بعض التدابير الوقائية الجذرية كمراقبة الحدود لقطع الطريق على محاولة انضمام مزيد من المتطرفين الأردنيين إلى الحركات الراديكالية في سوريا، وبالأخص عن طريق تركيا ودول عربية أخرى. وهنا أشار الخبير مروان شحادة في مقابلة سابقة معه إلى أن 60 في المائة تقريبًا من أولئك الذين قبض عليهم، والذين تجري محاكمتهم في الأردن هم من أبناء مدينتي الرصيفة والزرقاء، كما أن السلطات الأردنية عمدت إلى اعتقال كل من أوقفته على الحدود بين الأردن وسوريا.
هذا ولم تقتصر سياسات أجهزة الاستخبارات الأردنية على ملاحقة واعتقال المتطرفين والراديكاليين إنما تمكنت أيضًا من اختراق «جبهة النصرة»، وفقًا لبعض المصادر، في حين صعب تحقيق مثل هذا الإنجاز مع تنظيم داعش كونه تتمتع بجهاز استخبارات داخلي قوي جدًا يضطلع بأعمال المراقبة والرصد الفعالة. إلا أن إلقاء القبض على المقاتلين، لا سيما الشباب منهم، وزجهم في السجون مع راديكاليين قدامى قد يحوِّلهم إلى أسلحة قاتلة أخطر حتى من أولئك الذين ظهروا، أو «تخرجوا»، في سجن مخيم بوكا الأميركي في البصرة، بجنوب العراق، حيث وُلد «داعش». فبالنسبة للذين لم يتورطوا كثيرًا مع «داعش» قد تكون الأحكام البسيطة بحقهم، والتركيز على إعادة إدماجهم في المجتمع من الخيارات الأساسية المناسبة.
كلمة أخيرة.. أمام واقع الحرب السورية التي يبدو أن نهايتها ليست بالقريبة، فإن تزايد أعداد المقاتلين الراديكاليين الأردنيين وعبورهم إلى سوريا أو إلى العراق، ينذر بتعاظم الأخطار التي تواجه المملكة بشكل يومي. وعلى المدى الطويل، قد تؤدي هذه الراديكالية بنسختها الجديدة، ولا سيما في أوساط الجيل الشاب الأردني، إلى زعزعة القواعد القبلية، وإضعاف التركيبات التقليدية ضمن شريحة من السكان تشكل الأساس الصلب لاستقرار الأردن. غير أن الهم الأول والأساسي اليوم يتمثل في التصدي للآيديولوجية التوتاليتارية التي يبثها «داعش»، والتي ما زالت تنجح بجذب وتعبئة قسم من الشباب ضمن مواجهات يبدو أنها تتخذ يومًا بعد يوم طابعًا أكثر مأساوية.



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟