باكستان تحارب التطرف والتعصب بالرسوم المتحركة

صناعة ناشئة تعمل على تبديد الخرافات السلبية المحيطة بالإسلام

لقطتان من سلسلة الرسوم المتحركة «Quaid Ki Baatain» تظهر فيها فتاة باكستانية في حوار مستمر مع مؤسس البلاد لإيجاد حلول للأزمات الراهنة
لقطتان من سلسلة الرسوم المتحركة «Quaid Ki Baatain» تظهر فيها فتاة باكستانية في حوار مستمر مع مؤسس البلاد لإيجاد حلول للأزمات الراهنة
TT

باكستان تحارب التطرف والتعصب بالرسوم المتحركة

لقطتان من سلسلة الرسوم المتحركة «Quaid Ki Baatain» تظهر فيها فتاة باكستانية في حوار مستمر مع مؤسس البلاد لإيجاد حلول للأزمات الراهنة
لقطتان من سلسلة الرسوم المتحركة «Quaid Ki Baatain» تظهر فيها فتاة باكستانية في حوار مستمر مع مؤسس البلاد لإيجاد حلول للأزمات الراهنة

دخلت صناعة السينما في باكستان عالم أفلام الرسوم المتحركة (الأنيميشن) منذ أقل من عشر سنوات، إلا أنه خلال العقد الأخير أنتجت تلك الصناعة الناشئة لأفلام الرسوم المتحركة بعضًا من قصص النجاح الكبيرة.
والمثير للاهتمام أن منتجي أفلام الرسوم المتحركة ركزوا على تناول موضوعات التطرف والتعصب الأعمى، وحققوا نجاحًا كبيرًا ومثيرا للدهشة في المبيعات. وقد حققت بعض تلك الأفلام أرباحا ضخمة في شباك التذاكر، ونقلت الشخصيات المتحركة الشعبية إلى المجتمع.
وقد أعطى كل ذلك النجاح دفعة للأزمة التي تعصف بصناعة السينما، والتي ظلت في حالة من الجمود منذ 1980.
وعلى رأس القائمة، تتصدر سلسلة رسوم متحركة بعنوان «Quaid Ki Baatain» (المقتبس من قول القائد الأعظم محمد على جناح، مؤسس باكستان)، وتظهر فيه فتاة في طور المراهقة تتخيل نفسها في حوار مستمر مع مؤسس باكستان، لتجد إجابة لكل المشكلات التي تواجه البلاد، خصوصا المشكلات المتعلقة بصعود التشدد والتعصب والتطرف. وفي كل حلقة، تواجه زينب مشكلة مختلفة، وتحلها بعد ذلك بواسطة تذكر أقوال وأفعال القائد الأعظم.
وبداية، فإن مسلسل «Quaid Ki Baatain» أُذيع على قناة الأخبار الرئيسية في باكستان «GEO TV» على حلقات قصيرة مدة كل منها 5 دقائق، ثم جرى تحويله في وقت لاحق إلى فيلم يتم عرضه في السينما، وحقق نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر.
وعلى سبيل المثال، تسأل الشخصية الرئيسية في المسلسل (زينب) في إحدى تلك الحلقات مؤسس باكستان: كيف ينبغي أن تتعامل دولة باكستان المسلمة مع غير المسلمين الذين يعيشون بينهم؟ ويجيبها: «من واجبنا معاملتهم معاملة حسنة».
وبالمثل، فإن فيلم الأنيميشن «البرقع المنتقم» يعد قصة نجاح أخرى، وتدور أحداثه في بلدة خيالية تدعى «هالوابور»، بشمال باكستان، وتصور بطلة خارقة ترتدي برقع (الحجاب الباكستاني التقليدي) كقناع لإخفاء هويتها، وهي تقاتل الأشرار المتطرفين والمتشددين في غالبيتهم. وشخصيتها خارج القناع تدعى «جيا»، معلمة ملهمة في مدرسة للفتيات فقط، وتحارب جيا فساد السياسيين والمرتزقة الانتقاميين والمجاهدين ممن يحاولون إغلاق مدارس البنات، مستخدمة «تخت كبادي»، وهو فن من فنون الدفاع عن النفس التي تنطوي على رمي الأقلام والكتب. وتتمكن «البرقع المنتقم» بتعاون من الأطفال أشو وإيمو ومولي من محاربة الساحر الشرير «بابا باندوك»، وتابعه السياسي الفاسد «فاديرو باجيرو».
وقد بدأت قصة البرقع أولاً في كتاب لقصص الأطفال في عام 2011، وتحولت في نهاية المطاف إلى فيلم رسوم متحركة.
وتحكي السلسلة قصة يوسف عبد الله، وهو شاب عادي مسلم يعيش في مدينة «نوفا» الخيالية، ويقول إنه يأمل في محاربة الظلم في العالم من خلال الوفاء بدوره كمدير لمنظمة إغاثة كبيرة، وكذلك من خلال استخدام قدراته فوق الطبيعة كقوته الخارقة وقدرته على الطيران. وحول ذلك، يقول الأخوين عادل وكامل إن الهدف من وراء قصة البرقع المنتقم هو تبديد الخرافات والسلبيات المحيطة بالإسلام باستخدام وسيلة الكتب الهزلية والتلفاز.
ويقول ناقد سينمائي: «في السنوات القليلة الماضية، بدأنا ندرك عدم وجود أي شخصيات إسلامية إيجابية في عالم الترفيه السائد، سواء أكان أفلاما أو مسلسلات تلفزيونية أو كتبا أو قصص مصورة، خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، إذ تناولت وسائل الإعلام السائدة المسلمين بصورة سلبية. ومن ثم، صارت لدينا رغبة ملحة في استخدام مهاراتنا الفنية وإنتاج شيء ملهم للشباب المسلم»، مضيفا: «ومن أنجح أفلام الرسوم المتحركة فيلم «الثلاثة الشجعان»، الذي أخرجته شرمين عُبيد سينوي أول مخرجة باكستانية تفوز بالأوسكار. وقد حقق الفيلم أعلى إيرادات في مجال صناعة السينما الباكستانية».
ووفقًا للمنتج التنفيذي لفيلم الثلاثة الشجعان، جرجيس سيجا، فإن نجاح الفيلم يؤكد على أن الجماهير الباكستانية تريد «مشاهدة الأفلام محلية الصنع»، متابعا: «إنه لمن الرائع حقًا أن يحقق أول فيلم رسوم متحركة باكستاني مبيعات في شباك التذاكر تفوق ما حققته أفلام هوليوود الكبرى، مثل فيلم Rio 2».
جدير بالذكر أن الفيلم قد عُرض في أكثر من 35 دارا سينمائية، محققًا نجاحًا في دور السينما بأقاليم البنجاب والسند، وسجل كل إقليم نسبة 50 في المائة من إجمالي إيرادات شباك التذاكر. ومع ذلك، فإن الفيلم لم يُعرض في إقليمي «خيبر بختونخوا» و«بلوشستان».
ومن جانبه، قال خورام غولتسب، المدير العام لسلسلة فروع سوبر سينما في ولاية البنجاب: «على الرغم من أن الفيلم لم يشهد إقبالاً كبيرًا خلال أول أسبوعين، فإنه لاقى إقبالاً كبيرًا آخر أسبوعين»، وعزى السبب الرئيسي إلى «الامتحانات» التي كانت وراء قلة الإقبال على دور السينما خلال الأسبوع الأول.
ويقول خبراء الإعلام إن قصص النجاح هذه أعطت دفعة هائلة لصناعة أفلام الرسوم المتحركة في باكستان. واللافت للانتباه أن الفكرة الرئيسية في جميع هذه الأفلام اتخذت من رسالة مكافحة التطرف الموضوع الرئيسي لها، حيث يقول خبير إعلامي إن ثمة أعمالا كثيرة جديدة ما زالت في طور الإنتاج.



«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)
TT

«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)

مرة أخرى يتجدَّد الصراع بين عملاقَي التكنولوجيا «أبل»، و«ميتا»، مثيراً تساؤلات بشأن مدى «حماية خصوصية بيانات المستخدمين». وبينما رأى خبراء التقتهم «الشرق الأوسط» أن المعركة الأخيرة جزء من نزاع مستمر بين «أبل»، و«ميتا» يتيح لهما البقاء على عرش التكنولوجيا الرقمية، فإنهم أشاروا إلى أن تأثير الصراع بشأن الخصوصية قد يمتد إلى مواقع الأخبار.

المعركة الأخيرة بدأت منتصف الشهر الحالي، مع تحذير وجَّهته شركة «أبل» بشأن تقديم منافستها «ميتا» مالكة «فيسبوك» و«إنستغرام» نحو «15 طلباً للوصول العميق إلى البيانات، في إطار قانون الأسواق الرقمية الجديد بالاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يضعف حماية بيانات المستخدمين».

ووفق «أبل»، فإنه «إذا حصلت طلبات (ميتا) على الموافقة، فسيكون باستطاعتها من خلال تطبيقاتها: (فيسبوك)، و(إنستغرام)، و(واتساب)، رؤية كل الرسائل القصيرة ورسائل البريد الإلكتروني والصور والمواعيد، وكل بيانات مكالمات المستخدمين». ونبَّهت «أبل»، في بيانها، إلى أن «مجموعة من الشركات تستخدم قانون الأسواق الرقمية الأوروبي؛ للوصول إلى بيانات المستخدمين». ولكن في المقابل، نفت «ميتا» هذه الاتهامات، وعدَّتها «حججاً تستخدمها (أبل) في إطار ممارساتها المضادة لحرية المنافسة». وقالت، في بيان لها، إن «(أبل) لا تعتقد بالتوافق بين الأجهزة الأخرى».

تعليقاً على ما هو حاصل، قال أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) هو امتداد لمعارك سابقة متكررة ومتجددة بين عملاقَي التكنولوجيا». وأردف: «هناك قانونان يحكمان السوق الرقمية في أوروبا: الأول هو قانون الخدمات الرقمية الذي يستهدف منع الاحتكار وحماية بيانات المستخدمين. والثاني هو قانون الأسواق الرقمية الذي يجبر الشركات على إتاحة معلوماتها للمطوّرين».

وأوضح بنضريف أن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) مرتبط بقانون التسويق الرقمي، إذ تعدّ (ميتا) من المطوّرين المتاحة تطبيقاتهم، مثل (إنستغرام) و(فيسبوك) على هواتف (أبل)». وتوقّع أن تنتهي المعركة لصالح «ميتا»، مبرراً ذلك بأن «حجة (أبل) ضعيفة وغير كافية، وخصوصية بيانات المستخدمين محمية قانوناً في أوروبا، إلا أن مخالفة (ميتا) لقوانين حماية الخصوصية تُعرِّضها لغرامات كبيرة... وفي أي حال الصراع هو جزء من معركة تستهدف الضغط على (أبل) لفتح خدماتها وإتاحتها على منتجات تابعة لشركات أخرى».

للعلم، حسب قانون الأسواق الرقمية الأوروبي، لا يسمح للشركات المشغّلة للمنصّات الحصول على امتيازات خاصة. وتطالب المفوضية الأوروبية شركة «أبل» بأن تغدو أجهزتها متوافقة مع التكنولوجيا التي تنتجها شركات أخرى.

وبموجب إجراءات المفوضية الأوروبية يتوجب على «أبل» تقديم وصف واضح للمراحل والمواعيد النهائية المختلفة والمعايير والاعتبارات التي ستطبقها أو تأخذها في الاعتبار عند تقييم طلبات التشغيل البيني من مطوري التطبيقات، مع تزويد المطورين بتحديثات منتظمة، وتقديم التعليقات وتلقيها فيما يتعلق بفاعلية حل التشغيل البيني المقترح. ومن المتوقع صدور قرار من المفوضية بشأن ما إذا كانت «أبل» تلتزم بشرط قابلية التشغيل البيني، بحلول مارس (آذار) المقبل، وفق ما نقلته «رويترز».

من جهة ثانية، صرَّح محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في الرصد والتحليل الإعلامي، لـ«الشرق الأوسط» شارحاً أن «التوترات المستمرة بين (أبل) و(ميتا)، إلى جانب قانون الأسواق الرقمية في الاتحاد الأوروبي، تسلط الضوء على الأهمية المتزايدة لتنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى، خصوصاً فيما يتعلق بالخصوصية والمنافسة». وأضاف أن «التحذير الذي أطلقته (أبل) بشأن (ميتا) أثار ذلك جدلاً حول ما إذا كانت مثل هذه الممارسات قد تضعف حماية البيانات للمستخدمين، والتركيز المتجدد على قانون الأسواق الرقمية يعد جزءاً من جهود الاتحاد الأوروبي لمنع شركات التكنولوجيا الكبرى من استغلال هيمنتها، حيث يهدف القانون إلى ضمان المنافسة العادلة عن طريق تقييد الشركات من منح نفسها مزايا خاصة، أو الوصول إلى بيانات المستخدمين بشكل مفرط دون موافقة».

وأشار الصاوي إلى أن «تأثير قانون الأسواق الرقمية يمتد إلى ما هو أبعد من شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث قد يؤثر أيضاً على المواقع الإخبارية، لا سيما تلك التي تعتمد على منصات مثل (فيسبوك) في توزيع منتجاتها». وأوضح أن «القانون قد يجبر المنصات على معاملة أكثر عدلاً، ما يضمن ألا تتضرر المواقع الإخبارية من الخوارزميات أو ممارسات البيانات المتحيزة، كما يفرض إعادة التفكير في كيفية جمع البيانات الشخصية ومشاركتها وحمايتها عبر المنصات، مما يشير إلى تحول نحو أنظمة رقمية أكثر شفافية».

وعدّ الصاوي «قانون الأسواق الرقمية محاولةً لإعادة التوازن في ديناميكيات القوة في السوق الرقمية، ما قد يؤثر بشكل كبير على المبدعين في مجال المحتوى، بما في ذلك المواقع الإخبارية، في كيفية تفاعلهم مع المنصات... في حين يضمن استمرار الصراع بين (أبل) و(ميتا) بقاءهما متربعتين على عرش المنافسة الرقمية».

وحقاً، يأتي الصراع الأخير بين «أبل» و«ميتا» في وقت قرَّرت فيه هيئة حماية البيانات الآيرلندية فرض غرامة قيمتها 251 مليون يورو على شركة «ميتا»؛ بسبب عملية اختراق واسعة لبيانات نحو 29 مليون مستخدم على مستوى العالم في عام 2018.