الشيف لورينزو كوغو: {نفتقد الهوية الأصيلة في المطبخ الحديث}

حصد نجمة «ميشلان» في مطعمه «لو كوك»

من أطباق الشيف لورنزو
من أطباق الشيف لورنزو
TT

الشيف لورينزو كوغو: {نفتقد الهوية الأصيلة في المطبخ الحديث}

من أطباق الشيف لورنزو
من أطباق الشيف لورنزو

كان في الخامسة والعشرين من عمره عندما حاز الشيف لورنزو كوغو على نجمة «ميشلان» من خلال مطعمه «لو كوك». ومنذ تلك اللحظة، كما ذكر لـ«الشرق الأوسط»، تحوّل من شاب مجنون كما كانوا يلقّبونه إلى عبقري من إيطاليا. «لا أدري لماذا الناس تهتم إلى هذا الحد بالماركات أو العلامات التجارية التي تحيط بهم، فهم لا يحترمون إلا هؤلاء الذين يحملونها، وإلا فأنت بالنسبة لهم مجرّد نكرة. تخيّلي أنه قبيل حصولي على نجمة (ميشلان) كانوا يصفونني بالشيف المجنون، أما اليوم فصرت عبقريا محترما يرفعون لي القبّعة»، يقول الشيف الإيطالي الذي التقيناه في معرض «هوريكا» في بيروت في نسخته الثالثة والعشرين.
ويضيف صاحب المطعم الذي يقع في مدينة مارانو فيشنتينو الإيطالية: «لم أتوقّع قطّ حصولي عليها، فشغفي بالطبخ سرقني من كلّ شيء، فكان وقعها علي مفاجئًا لم أستوعبه في البداية، ولكنها دون شكّ ميّزتني في مهنتي».
وعن سبب حيازته عليها قال: «لا أعتقد أن الحصول على نجمة (ميشلان) هو بالأمر السهل، و(لو كوك) حصدها، ليس بسبب الأطباق التي أحضرها ويتم تقديمها فحسب، بل لأنه يمثل بحد ذاته خلطة ناجحة بكل ما للكلمة من معنى. فلقد حاولت دائما الخروج عن المألوف إن بأسلوب الطهي أو في طريقة خدمة الزبائن. فلطالما رغبت في أن يكون (لو كوك) مكانًا دافئًا يشعر فيه الزبون وكأنه في منزله، فلا يشعر بالملل أو القلق، أو أن يمضي وقته وهو مقيد بتقاليد بالية. فلقد أردت أن أكون حرًّا في أسلوبي بالطهي، وفي استضافة الزبائن معا، كوني غير متمسّك بالمطبخ الكلاسيكي الجدّي».
والشيف لورنزو كوغو الذي يعدّ من الجيل الثالث في عائلته الذي يمارس هذه المهنة، إذ سبقه إليها جده ووالده، يصف أسلوبه بالمبتكر والجديد، ويعلّق: «الزبائن الذين يقصدونني لا يشبهون هؤلاء الذين يقصدون مطعم والدي. فلقد دأبت على أن أخرج عن العادية في أطباقي، فصحيح أنني تمسّكت بالمطبخ الإيطالي العريق ومكوّناته، إلا أنني حاولت قدر الإمكان تجديد مذاقه، فقدمت الطبق الإيطالي بمستوى عالمي»، وبسؤاله: «وكيف تفسّر لنا ذلك؟»، أجاب: «يعني مثلا يرتكز المطبخ الإيطالي على النكهات الناعمة والسهلة، أما أنا فأدخلت إليها تلك المميّزة بطعمها القوي التي تدفع متذوقها لترداد كلمة (واو) لشدة إعجابه بها وتأثيرها على حاسة الذوق عنده. فأحيانا أركن إلى نكهتي الحامض أو الملح المركّزين، وأحيانًا أخرى إلى نكهات أكثر قوة، وهذا الأمر ولد الفرق بين أطباقي وتلك التي يحضّرها والدي»، وبسؤاله: «لماذا لجأت إلى إجراء التغيير هذا في المطبخ الإيطالي لا سيما أنك عرفته عن كثب وعلى أصوله من خلال عملك مع والدك؟»، رد: «أكثر ما يهمّني هو أن لا يشعر الزبون بالملل، فهذا الأمر هو بمثابة هاجس لدي، فأحاول دائمًا مفاجأة الزبون بطعم جديد لم يسبق أن تذوّقه في أي مطعم آخر».
وعن ماذا تشكّل له نجمة «ميشلان» على صعيد المستقبل، وهل يصبو للحصول على ثانية منها.. قال: «هي مسؤولية صعبة جدا، هذا الأمر لا يقتصر على كيفية تحضير الأطباق بطريقة جديدة فقط، بل على ما تتطلّبه من علاقات عامة إن مع الزبائن أو أهل الإعلام. ومهمّتي تقتضي الحفاظ على مستوى مطبخ جيد، وهو أمر صعب بنظري. كما أنني لا أنتظر الحصول على نجمة أخرى، بل الانتقال إلى العاصمة لأفتتح مطعمًا هناك يعرّف عن أسلوبي في الطهي من ناحية، وليقدم أطباقًا خفيفة عالمية وأخرى إيطالية عريقة من ناحية ثانية»، وحول ما إذا كان يفكّر في افتتاح فرع له في لبنان، أوضح: «ربما في المستقبل فاليوم علي الاهتمام بجذوري وتثبيتها في بلدي، وبعدها لكلّ حادث حديث».
وبسؤاله: «عندما تقوم بمهمّة الطهي ما الأفكار التي تراودك؟»، أشار إلى أن «هناك ذكريات من طفولتي لا تفارقني أثناء قيامي بالطهي. فرائحة النار المضرمة في مدفأة بيت جدّي ما زالت تسكنني حتى اليوم، كنت يومها في السادسة من عمري، وحاليا عندما أقوم بالطهي أستحضر تلك الرائحة المعطّرة وأحاول استخدامها في مطعمي. فجدّي كان طبّاخا ماهرا، إلا أن والدي هو من كان يملك مطعما. فلقد تذوّقت أطباقًا كثيرة وتعرّفت إلى نكهات مختلفة من خلال مواكبتي لحرفة جدّي ومهنة والدي، فخزّنت منها ما يكفيني لأبرع في مجالي».
أما ما يلفته اليوم في الخطّ الغذائي عامة والمطبخ الحديث خاصة، فهو «افتقادنا لهوية ما نقدّمه من أطباق، هو بمثابة خطأ يشوب المطبخ الحديث اليوم. فقد اختلط الحابل بالنابل إلى حدّ جعلنا لا نعرف ماذا نتناول. فبإمكاننا أن نغيّر بنكهات طبق ما لكن دون المسّ بهيكليته الأساسية التي تمثّل هويّته»، وعن رأيه في المطبخ اللبناني، قال: «لقد تذوّقت الكثير من أطباقه واستمتعت بها، كبابا غنّوج والحمّص بالطحينة. وعلى فكرة فإن مطبخكم يعدّ من النوع الحديث، كونه يرتكز على أصناف كثيرة تُعرف عندكم بالمزة، كما أنه يواكب الخطّ الجديد السائد في مطاعم عالمية اليوم، التي تعتمد على مبدأ المشاركة في تناول الطعام من صحون صغيرة على مائدة واحدة. فهذا أمر يولّد جوًا دافئًا بين المجتمعين بعيدًا كل البعد عن رتابة المائدة الكلاسيكية. كما أنه يضفي متعة التذوّق والتسلية على متناوليه»، ويتابع: «لا أحبّ الكلاسيكية حتى في طريقة تناول الطعام، فالطبق الفردي يمثّل الوحدة، أي الملل، وأنا لا أحبّذه بتاتا».
ويصف الشيف لورنزو كوغو أطباقه بثلاث كلمات فيقول: «هي شبابية بامتياز فيها الكثير من الغريزة وذات خطّ عالمي»، أما عن «طعام الشارع» أو (street food) كما هو معروف عالميا فيقول: «أعتقد أنه الأفضل والأكثر رواجًا حاليًا، فهو يحثّ على العيش المشترك بين الطاهي والزبون، دون وجود أي حواجز بينهما».
وينصح هواة الطبخ والذين يحلمون بأن يصبحوا يوما ما «طهاة» على مستوى عالمي، بقوله: «أهمّ ما في الموضوع هو أن لا يتوقّفوا عن اكتساب المعرفة مهما بلغوا من نجاح، فيثابرون على البحث ويقومون بالتجارب دون خوف من نتائجها أو حيثياتها. فأنا لم أتردد ولا للحظة في المجيء إلى لبنان لأتعرّف إلى ثقافة طعام جديدة وحضارة بلد مختلف. ولذلك لا أفوّت فرصة للسفر لأزيد من معرفتي وأصبّ ما يفيدني منها في مهنتي».



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».