وسط غياب دور البرلمان.. الحياة في العراق في أوج فوضويتها

ميسون الدملوجي لـ «الشرق الأوسط»: مجلس النواب لا يستطيع تحقيق النصاب لجلسة واحدة

وسط غياب دور البرلمان.. الحياة في العراق في أوج فوضويتها
TT

وسط غياب دور البرلمان.. الحياة في العراق في أوج فوضويتها

وسط غياب دور البرلمان.. الحياة في العراق في أوج فوضويتها

يبدو العراق في وضعه الحالي مثل سفينة ترسو منذ زمن ليس بالقصير في مياه راكدة، ورغم جسامة الأحداث الداخلية، التي في مقدمتها الحرب ضد تنظيم داعش لتحرير مدينة الفلوجة (غرب) والاستعدادات الجارية لتحرير مدينة الموصل (شمال)، ومعارك قوات البيشمركة الكردية ضد تنظيم داعش في حدود وخارج محاور إقليم كردستان، فإن الجوانب الأخرى في السياسة والحياة والأمن والاقتصاد تبدو بوضوح غير مستقرة وتراوح في مكانها، وهذا ما يريده السياسيون حاليا. بلد في ضخامة العراق وضخامة ما تتراكم فيه من أزمات لكنه عمليا بلا مجلس نواب فاعل، ووزاراته قيد التغيير، واقتصاده محطم، وجيشه منشغل في القتال، وبلا خدمات، وشعبه يتظاهر ليليا، بمناسبة شهر حملت تسمية (حتى مطلع الفجر) في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد.
تقول ميسون الدملوجي، عضو مجلس النواب عن ائتلاف الوطنية بزعامة الدكتور إياد علاوي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مجلس النواب لم يستطع أن يحقق حتى اليوم منذ أحداث اقتحام البرلمان قبل شهر أي جلسة كاملة النصاب ليتم مناقشة وقراءة مشاريع القوانين وإقرارها ولا سيما البلد مشغول بالحرب ضد (داعش)، والوضع الاقتصادي سيء، وهناك أزمات سياسية وأمنية وخدمية تتراكم كل يوم»، مشيرة إلى أن «إصرار ما يقرب من مائة نائب على إقالة هيئة رئاسة البرلمان، واعتراضهم على سير العمل وعلى عدم دستورية الجلسة الأخيرة ومجمل الأخطاء التي تقترفها هيئة رئاسة مجلس النواب، وبالتالي وصول هذه الاعتراضات كشكاوى إلى المحكمة الاتحادية التي أجلت البت بهذه الشكاوى لمرات عدة، عطل عمل المجلس وعقد مهمته، وبالتالي فإنه عمليا ليس هناك مجلس نواب حاليا لا سيما أن البرلمان يتمتع بعطلته التشريعية».
في المقابل، حسب ما يقول وزير تمت إقالته من منصبه، فإن «هناك وزراء تمت إقالتهم وتعيين آخرين بدلا عنهم يمارسون اليوم عملهم بمناصبهم الجديدة من دون أداء اليمين الدستورية، ويعترض الوزراء المقالون على عدم دستورية وقانونية قرار إقالتهم ورفعوا شكاوى للمحكمة الاتحادية ضد الحكومة، وهذا يعني عمليا أن وضع الحكومة غير مستقر أو أن الوزراء الذين تم تكليفهم وجودهم غير قانوني»، مشيرا إلى أن «المحكمة الاتحادية تؤجل النظر في الطعون لقرار الإقالة من أجل كسب الوقت لصالح الحكومة التي تتعاطف وتنحاز لها المحكمة الاتحادية». ويضيف الوزير المقال، الذي فضل عدم نشر اسمه، لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار الإقالة غير مسبب ولا نعرف لماذا، فإذا كان هناك خطأ أو تقصير أو قضايا فساد فيجب إحالة المسؤول إلى القضاء وليس الإقالة ودفع رواتب تقاعدية، أما إذا كان القرار لأغراض إرضاء الشارع العراقي الذي يطالب بالإصلاحات الجذرية وإرضاء بعض الكتل، وخصوصا التيار الصدري فإنه يجب بالفعل إجراء إصلاحات جذرية وإقالة الحكومة بأكملها وإحالة المفسدين إلى القضاء إلا أن ما قام به العبادي هي إجراءات ترقيعية». ويرى المحامي يعرب.ح. العكيلي، وهو متخصص بالشؤون الإدارية وقضايا المحكمة الاتحادية أن «الدستور أعطى لرئيس الحكومة حق إقالة أي وزير من دون أن يشرح الأسباب، ومع ذلك فإن إجراءات رئيس الحكومة في موضوع تغيير بعض الوزراء تبدو عشوائية وغير مدروسة». موضحا لـ«الشرق الأوسط» بقوله: «في البداية ولإقناع الشارع العراقي المزدحم بالمتظاهرين قدم تشكيلة وزارية شبه كاملة أبقى فيها على نفسه وعلى وزيري الداخلية والدفاع، وهذا إجراء يتعارض مع النصوص الدستورية التي تقول إن إقالة أكثر من نصف الوزراء يعني إقالة الحكومة بأكملها وأن يقوم رئيس الجمهورية بتكليف شخص لتشكيل حكومة جديدة»، مشيرا إلى أنه «كان الإعلان عن أسماء التشكيلة المقترحة قد سبب إحراجا لشخصيات عراقية من التكنوقراط بسبب تناسيهم بعد أن تلقوا التهاني، وأن بعضهم يعتبر نفسه وزيرا مؤجلا».
ويضيف العكيلي أن «في الوقت الذي تقول فيه الحكومة إنها تحارب الفساد وتتجه للإصلاحات تقوم بعزل وزراء ونواب رئيس الوزراء ثم تصرف لهم رواتب تقاعدية عالية وتعين آخرين بدلا عنهم لتصرف لهم رواتب أكثر وهذا أمر يثير الاستغراب».
الأزمات الحالية خصوصا فيما يتعلق بوضع البرلمان والحكومة أثرت مباشرة على الوضع الاقتصادي، وحسب الخبير الاقتصادي سعدي الجميلي، فإن القطاع المصرفي أول المتضررين بسبب هذه الأزمات.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.