بريطانيا.. أمام القرار الأوروبي الصعب

دعاة «البقاء» يحذّرون من المجازفة بالاقتصاد.. ومناصرو «الخروج» يلوّحون بـ«غول» الهجرة

بريطانيا.. أمام القرار الأوروبي الصعب
TT

بريطانيا.. أمام القرار الأوروبي الصعب

بريطانيا.. أمام القرار الأوروبي الصعب

حدّقت لورين هوتن، وهي طالبة جامعية بريطانية تدرس اللغات وعلم الاجتماع في جامعة ويستمنستر بلندن، بمحتويات صحيفة ما حال إلى تأجيل إكمالها وجبة طعام قدمتها لها نادلة بولندية. وبعد فترة وجيزة عادت لورين لإكمال طعامها مع صديقتها وزميلتها في الجامعة السويدية آنا. إنه مشهد يحمل جملة من المفارقات التي تبرز إيجابيات الاتحاد الأوروبي وسلبياته. منها على صعيد الإيجابيات أن النادلة البولندية التي تعمل في مطعم يملكه بريطاني قد تفقد منافع نظام الإعانات الاجتماعية لأولادها إذا ما خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وسيتهدّد صاحب المطعم بزيادة النفقات جراء استقدام عمالة أعلى أجورًا، وستواجه آنا صديقة لورين صعوبات جمّة في دخول سوق العمل.

خيار «البقاء» أو «الخروج» ما عاد بإمكان أي شخص في بريطانيا البالغ عدد سكانها 64 مليون نسمة أن يتلافى الحديث عنه. ولا صوت يعلو الآن على صوت الاستفتاء الذي ستشهده البلاد، انطلاقا من العاصمة لندن، ووصولاً إلى أبعد أطراف البلاد، فالجميع مشغول بإقناع الآخرين: «ابقوا».. أو «اخرجوا».
وبطبيعة الحال، احتدمت في أوساط النخبة السياسية الحرب الكلامية بين ناشطي معسكري «البقاء» - وعلى رأسها الحكومة المحافظة الحالية ورئيسها ديفيد كاميرون - و«الخروج» من الاتحاد الأوروبي خلال الأيام والأسابيع الماضية، وضاعفت الحملتان من جهودهما لإقناع الناخبين للتصويت، كل وفق مصالحه.
* ثلاثة محاور
وفي حين تظهر استطلاعات الرأي تقاربا بين مؤيدي المعسكرين، يدرس المحللون التداعيات المحتملة لـ«الخروج» على بريطانيا.. اجتماعيًا، وسياسيا، واقتصاديا؛ وكذلك ما يمكن أن يحمله انتصار خيار «البقاء» إلى الاتحاد الأوروبي. والواضح اليوم أن ثمة 3 محاور أساسية تهيمن على النقاش:
المحور الأول يتعلق بالاعتبارات الاقتصادية، حيث تُصدر الحملتان المتنافستان أرقامًا متضادة شبه يومية عن حجم الخسائر أو المكاسب التجارية والمالية المترتبة على «الخروج» أو «البقاء».
والمحور الثاني يتصل بقضية الهجرة الساخنة في دول الاتحاد الأوروبي، وهذه «فزّاعة» يستغلها معسكر «الخروج» بقوة للترهيب من تدفق ضخم للمهاجرين - وبالأخص، من دول شرق أوروبا - إذا ما ظلت الحدود مع القارة الأوروبية «مفتوحة».
أما المحور الثالث، فيمسّ وحدة كيان بريطانيا نفسها إذا انتصر دعاة «الخروج»، وذلك في ظل تلويح اسكوتلندا بتنظيم استفتاء جديد على بقائها ضمن كيان «المملكة المتحدة لبريطانيا وآيرلندا الشمالية» (وهذا هو الاسم الرسمي للبلاد).
* انكماش الاقتصاد البريطاني
لقد حذّرت وزارة الخزانة البريطانية مرارًا من الانكماش الاقتصادي الذي قد يضرب البلاد إذا ما خرجت من أسرة الاتحاد الأوروبي، في تصريحات وتقارير عزّزت موقف رئيس الحكومة وأثارت غضب دعاة «الخروج» والمدافعين عنه. وبعد تحذيرها في شهر مارس (آذار) من «صدمة اقتصادية عنيفة» سيتسبب بها على الأمد الطويل الخروج من الاتحاد الأوروبي، نشرت وزارة الخزانة معطيات مثيرة للقلق حول تأثير هذه الخطوة على الأمد القصير، فقالت إن «الاقتصاد البريطاني سيشهد انكماشًا على مدى سنة»، مشيرة إلى أن بريطانيا ستظهر فجأة وكأنها «أقل انفتاحًا على التجارة والاستثمار»، وستعاني من تأثير الشكوك في نشاط الشركات ومن تقلّبات قويّة في أسواق المال. كذلك، توقّع خبراء الوزارة أن إجمالي الناتج الداخلي للبلاد سينخفض خلال سنتين بنسبة 3.6 في المائة مما كان سيسجّله إذا صوّت البريطانيون لصالح «البقاء» في أوروبا، وبنسبة 6 في المائة مائة في توقعات أخرى أكثر تشاؤما. كذلك، وفق وزارة الخزانة، قد يكبّد «الخروج» من أوروبا الاقتصاد البريطاني خسارة ما بين 520 و820 ألف وظيفة، ويسبب انخفاضا في قيمة الجنيه الإسترليني تتراوح بين 12 و15 في المائة بحسب الوزارة.
* المصارف مع «البقاء»
وبهذا الصدد، أوضح أنتوني براون، رئيس جمعية المصارف البريطانية أن «السوق الموحّدة تتميز بأهمية جوهرية بالنسبة للقطاع المصرفي البريطاني الذي يشمل أكثر من نصف مليون موظف، وتسهم بأكثر من 31 مليار جنيه إسترليني من الضرائب سنويًا، كما أنها تعد أكبر قطاع تصديري في بريطانيا. وفي جردة لمواقف نحو 147 مصرفا بريطانيا، وجدت جمعية المصارف البريطانية - التي هي أكبر مظلة تمثيلية للمصرفيين البريطانيين - أن نحو 60 في المائة من المصارف تعتبر أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيؤثر سلبًا عليها، بينما رأت 26 في المائة أن العواقب الاقتصادية ستكون وخيمة.
إعلان وزارة الخزانة كان الأحدث الأخير في سلسلة تحذيرات من العواقب الاقتصادية المحتملة لـ«الخروج» من الاتحاد أطلقتها في الأسابيع الأخيرة مؤسسات مرموقة عدة، مثل بنك إنجلترا، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الأوروبية، وصندوق النقد الدولي، بل وحتى وزراء مال «مجموعة السبع». كذلك أكّد قادة الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وكندا وإيطاليا أنه في حال أدى استفتاء 23 يونيو (حزيران) الحالي إلى «خروج» بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن ذلك سيشكل «خطرًا جسيمًا على النمو العالمي». وأوضحوا في بيان نشر عقب القمة التي عقدوها في اليابان أخيرًا أن تلك الخطوة «ستعكس اتجاه نمو التجارة العالمية والاستثمار، وكذلك فرص العمل التي تحدثها، وستشكل خطرًا جسيمًا جديدًا على النمو».
* ذرائع دعاة «الخروج»
في المقابل، بينما تشكل هذه المواقف دعمًا لموقف رئيس الحكومة ديفيد كاميرون، المتحمس لـ«البقاء»، فإنها تزيد من غضب مناصري «الخروج» الذين يرون فيها «مؤامرة» تهدف «لإخضاع» البريطانيين إلى سلطة المفوضية الأوروبية والطبقة الحاكمة في العالم. وفي هذا السياق، أدان إيان دنكان سميث، الزعيم اليميني السابق لحزب المحافظين، الذي استقال من منصبه كوزير للعمل في مارس (آذار)، دراسة وزارة الخزانة، معتبرًا أنها «غير نزيهة، وموجهة بشكل واضح، ويجب ألا تؤخذ على محمل الجدّ». وأردف «في الواقع، نحن ندفع 350 مليون جنيه (450 مليون يورو) أسبوعيًا إلى الاتحاد الأوروبي. وإذا ما صوّتنا لصالح مغادرته سنتمكن من وضع أيدينا على هذه الأموال واستخدامها هنا في بريطانيا». ويضيف: «سنستعيد أيضا التحكم باقتصادنا عبر إحداث مئات الوظائف وإبرام اتفاقات للتبادل الحر». غير أن محللين يشيرون إلى أن دنكان سميث «يذكر رقمًا لا يأخذ في الاعتبار الاستثناء الممنوح للندن من قبل المفوضية»، موضحين إلى أن المبلغ الصحيح الذي يدفع أسبوعيًا إلى ميزانية الاتحاد يقدّر بـ280 مليون جنيه.
أما رئيس بلدية لندن السابق بوريس جونسون، الذي يعدّ الشخصية الأبرز بين دعاة «الخروج»، وبالتالي خلفًا محتملاً لرئيس الوزراء كاميرون في زعامة المحافظين - إذا كسب معسكره الاستفتاء - فقد سخر في مقالة نشرتها صحيفة «ديلي تلغراف» المحافظة مما أسماه «معسكر الخوف»، راسما صورة مثالية لمملكة متحدة حرة ومزدهرة بعد خروجها من الاتحاد.
لقد كتب جونسون في المقالة أن «الأسواق بدت هادئة والجنيه لم يهبط (...) وأقيمت علاقة جديدة (مع المفوضية الأوروبية) بسرعة تستند إلى التبادل الحر والزعامة البريطانية التقليدية». ومن ثم، دعا مواطنيه إلى التفكير بـ«الخطر الهائل» الذي سيشكله «البقاء» في الاتحاد على استقرار البلاد، حسب قوله.
وفي مواجهة هذا التحدي الصريح لسياسة رئيس الوزراء، دأب الأخير على التشكيك في صحّة ادعاءات دعاة «الخروج»، وانتقد مرارًا عبر شاشات التلفزيون ما يصفه بأساليبهم «المخادعة». وأكّد كاميرون الذي يراهن بمستقبله السياسي وموقعه في التاريخ مع هذا الاستفتاء، أنه سيكون لمغادرة الاتحاد وقع «القنبلة» على الاقتصاد البريطاني، وستحكم عليه «بعقد من البلبلة» لحاجة البلاد إلى التفاوض على عقود تجارية جديدة في حال خروجها من كتلة الـ28.
* هزّة مالية مزدوجة
إلى جانب فقدان بريطانيا لأسواق الاتحاد الأوروبي وانكماش الاقتصاد، يحذّر مؤيدو «البقاء» من مخاطر زعزعة الأسواق المالية وانعكاسات ذلك على الجنيه الإسترليني. وحقًا، تراجع سعر صرف الجنيه الأسبوع الماضي بعدما كشف معدل لنتائج ستة استطلاعات رأي نشره موقع «وات – يوكاي - ثينكس» (بماذا تفكّر بريطانيا) تقدّم معسكر «الخروج» على معسكر «البقاء» بنسبة 51 في المائة مقابل 49 في المائة وذلك للمرة الأولى منذ شهر. إذ هبطت قيمة الجنيه آنذاك إلى 1.4353 دولار، وهو أدنى مستوياته خلال ثلاثة أسابيع، كذلك هبط الجنيه مقابل «اليورو» (العملة الأوروبية) إلى 78.61 بنس (البنس يوازي 0.1 جنيه)، ووصل مع بدء التبادلات الآسيوية 79.05 بنس لليورو، أي أدنى مستوياته منذ ثلاثة أسابيع ونصف أسبوع.
وعلى الأثر علقت المحللة آنا ثيكر، من «فيليب كابيتال يو كاي» بالقول إن «الاستطلاعات تواصل لعب دور المحرّك للعملة التي تواجه هذا الشهر مستوى عاليًا من الغموض». وتوقعت تقلّبات «أكبر» مع اقتراب موعد الاستفتاء. ومن جانبها بدأت المصارف تعد لسيناريو «الخروج» فبدأت تعمم على موظفيها إرشادات حول النصائح للزبائن في حال صوت البريطانيون لصالح «الخروج»، وفقا لصحيفة «فاينانشال تايمز»، كما ركزت على وجه الخصوص على الحؤول دون «إصابتهم بالذعر».
* «غول» الهجرة
كما سبقت الإشارة، إذا كان المعسكر المؤيد لـ«لبقاء» بريطانيا ضمن الأسرة الأوروبية يلعب على وتر الخوف من العواقب الاقتصادية، فإن دعاة «الخروج» يركبون موجة التخويف من الهجرة واليد العاملة الأجنبية. ولقد استغلت حملة «الخروج» الجدل القائم حول اتفاق الهجرة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، ومطالب أنقرة بتحرير التأشيرة لمواطنيها، للتحذير من عواقب «البقاء»، زاعمة أن ذلك سيؤدي إلى تدفّق ملايين الأتراك إلى بريطانيا. وهذا ما أجاب عنه كاميرون قائلا إنه «في ضوء وتيرة تقدّم الأمور، علينا أن ننتظر عام 3000 لكي نرى (تركيا) تنضم إلى الاتحاد الأوروبي». إلا أن هذا لم يحل دون مواصلة دعاة «الخروج» تخويف الناخبين وتحذيرهم من «غول» الهجرة، فنشرت حملة «فوت ليف» (صوتوا للخروج) على موقعها الأسبوع الماضي ملفا حول خمسين أوروبيًا متّهمين بارتكاب جرائم في بريطانيا، ولكن لا يمكن للقضاء طردهم بسبب القانون الأوروبي. وعلّق وزير الدولة للعدل، دومينيك راب، المؤيد لـ«الخروج» بالقول إن «هذا يشكل خطرا على الأسر البريطانية»، فرد عليه وزير الدولة للهجرة جيمس بروكنشير، المدافع عن «البقاء»، بأنه «تمّ بالفعل طرد 6500 مجرم من بريطانيا منذ 2010، تحديدًا بفضل آلية التوقيف الأوروبية».
* استقلال اسكوتلندا
على الصعيد الاسكوتلندي، رفضت نيكولا ستيرجن، رئيس وزراء إقليم اسكوتلندا، أول من أمس استبعاد استفتاء جديد حول استقلال بلدها، معتبرة أنه يصعب معالجة قضايا مثل حقوق العمال وتغير المناخ بمعزل عن العالم. وكان الاسكوتلنديون قد رفضوا الاستقلال في استفتاء عام 2014 بنسبة 55 إلى 44 في المائة، ولكن منذ ذلك الحين اكتسب الحزب القومي الاسكوتلندي المزيد من الدعم، بل وحصل على 56 مقعدًا من أصل 59 مقعدًا مخصصًا لاسكوتلندا في مجلس العموم البريطاني بلندن خلال الانتخابات العامة التي أجريت بشهر مايو (أيار) الماضي. كذلك التقى رئيسا وزراء بريطانيا السابقان توني بلير (عمالي) وجون ميجور (محافظ) الخميس الماضي للتحذير معًا، من منبر جامعة ألستر شمال إقليم آيرلندا الشمالية، من أن التصويت لصالح «الخروج» سيهدد وحدة البلاد عن طريق تقويض السلام في آيرلندا الشمالية وتشجيع حركة الاستقلال في اسكوتلندا. وحذر الزعيمان السابقان، اللذان لعبا أدوارًا مهمة في عملية السلام بالإقليم خلال التسعينات من أن «الوحدة في بطاقة الاقتراع». وقال ميجور (حكم بين 1990 و1997) في كلمة أمام طلاب الجامعة: «تخلوا عن عضوية أوروبا ولا تندهشوا إذا تبين لنا في النهاية أننا تخلينا بطريق الخطأ عن وحدتنا. إن أنجح اتحاد في تاريخ العالم، قد يتفكك إلى الأبد». ثم حذّر من أنه إذا صوتت اسكوتلندا لـ«البقاء» واختارت باقي البلاد «الخروج» فإن الضغوط بشأن تنظيم استفتاء جديد على استقلال اسكوتلندا «قد تخرج عن السيطرة، ولن يتسنى مقاومتها سياسيا».
أما بلير فرأى الاستفتاء قد يقوّض أيضا اتفاقية السلام الخاصة بآيرلندا الشمالية الموقعة في عام 1998، التي أنهت ثلاثة عقود من صراع دامٍ بين الآيرلنديين الكاثوليك القوميين (المناصرون لاتحاد الإقليم مع آيرلندا) وخصومهم من البروتستانت (الراغبين بإبقاء الإقليم داخل كيان المملكة المتحدة) حصد أكثر من 3600 شخص. وأوضح بلير الذي أشرف على اتفاق السلام عندما كان رئيسا للوزراء بين 1997 و2007 «إذا تركنا الاتحاد الأوروبي في 23 يونيو، فإن ذلك سيضع مستقبل آيرلندا الشمالية في خطر، وسيجعل اتحادنا في خطر وسيلحق ضررًا عميقًا. إنه مسار ينطوي على مجازفة». وفي الاتجاه نفسه، تدخّل الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون - الذي لعب بدوره دورًا محوريًا في سلام آيرلندا الشمالية - في النقاش، فكتب في مقالة بمجلة «نيو ستيتسمان» بأن عملية السلام استفادت من عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، مضيفا: «إنني أشعر قلق من أن يتعرض مستقبل الرخاء والسلام في آيرلندا الشمالية للخطر إذا انسحبت بريطانيا (من أوروبا)».
غير أن تصريحات بلير وميجور لم تحظ بدعم الجميع، إذ وصفت تيريزا فيلرز، وزيرة الدولة لشؤون آيرلندا الشمالية - وهي معارضة لعضوية الاتحاد الأوروبي - تعليقاتهما بأنها غير مسؤولة، وأردفت «مهما كانت نتيجة الاستفتاء، فإن آيرلندا الشمالية لن تعود إلى متاعب الماضي.. وقول ما سوى ذلك ينطوي على عدم الشعور بالمسؤولية».
* تسييس لمصالح حزبية
خلال الأسبوعين المتبقيين قبل تاريخ الاستفتاء الموعود، سيواصل المعسكران حشد أصوات الناخبين، ولا سيما من الشباب الذي يجدون أنفسهم في قلب حملة متعددة المستويات تشجعهم على التسجيل والتصويت. إلا أن الخطابات المتضادّة والاتهامات المتبادلة بتزوير الحقائق والتحايل على الأرقام تزيد من تردد الناخبين الشباب. وبهذا الصدد، قالت لورين إن تصريحات المسؤولين المتضاربة وتسييس النقاش حول الاستفتاء لمصالح حزبية خالصة زادت حيرتها ما قد يدفعها إلى الإحجام عن التصويت. وأضافت: «لا أريد أن أصوت لصالح البقاء، فتنهال علينا كميات مهاجرين تزعزع استقرارنا الاجتماعي، أو لصالح الخروج ونصبح في معزل عن العالم.. أفضل الاحتفاظ بصوتي».
أما ريتشارد ويتمان، الزميل في «المعهد الملكي للشؤون الاستراتيجية» (تشاتهام هاوس) والخبير في الشؤون الأوروبية، فرأى أن إحدى أبرز خواص النقاش السياسي حول الاستفتاء الأوروبي بين حملتي «الخروج» و«البقاء» تتمثل في «التلاعب بالمعطيات، فكل معسكر يركّز على الرسائل التي يتجاوب معها الناخبون» واستطرد «المعركة السياسية هنا تختلف عن ما نشهده في الانتخابات حيث يتنافس الأحزاب على مقاعد برلمانية.. هنا نشاهد تحالفات حزبية غير معتادة». وفعلاً ويبدو هذا جليًا في صفوف حزب المحافظين بالذات، حيث هدد ثلاثة نواب رئيس الوزراء بحجب الثقة عنه، بينما انتقد كاميرون وزراء ضمن حكومته التي شهدت استقالة وزير العمل أخيرًا.
* ماذا سيعني «البقاء».. إذا اختاره البريطانيون؟
- إذا ما اختار الناخبون البريطانيون التصويت لصالح «البقاء» ضمن الاتحاد الأوروبي، فإن ذلك سيشكل نصرًا تاريخيًا لديفيد كاميرون الذي يواجه مطالب بالاستقالة من رئاسة الوزراء من طرف بعض نواب حزبه. وبمجرّد إغلاق صناديق الاقتراع في 23 يونيو الحالي، ستتبيّن بوادر النتيجة ليتنفس كاميرون وأنصار «البقاء» الصعداء. وعند الإعلان عن النتائج النهائية بعد يوم من ذلك مبشّرة مؤيدي «البقاء» بنجاح حملتهم، من المتوقع أن تتوالى تصريحات مسؤولي الاتحاد الأوروبي لتهنئة البريطانيين، وأن يلقي كاميرون خطاب نصر خارج مقر رئاسة الوزراء في «10 داونينغ ستريت»، قبل أن يذكّر بأن الوقت حان لالتزام الاتحاد الأوروبي بالإصلاحات التي تطالب بها لندن. وبعد ساعات من ذلك، سيرسل كاميرون طلبًا رسميًا لرئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك لمصادقة وتطبيق الاتفاق الذي توصّلا إليه حول صلاحيات لندن الجديدة داخل التكتل الأوروبي في شهر فبراير (شباط) الماضي.
وقد يستغل قادة الاتحاد الأوروبي القمّة التي ستنظم في بروكسل في 28 - 29 يونيو الحالي للموافقة على الاتفاق. وللعلم، يطالب كاميرون بتمديد السوق الموّحدة وتعزيز التنافسية في الاتحاد الأوروبي، وذلك من خلال تسهيل حركة رؤوس الأموال من جهة، وتخفيف القوانين الأوروبية المنظمة للشركات الصغيرة والمتوسطة. كما يشترط كاميرون إعفاء بريطانيا من المبادئ التأسيسية لاتحاد أكثر ترابطا، إلى جانب تعزيز الرقابة الوطنية وحق النقض في البرلمانات الوطنية.
أما المطلب الأخير والأكثر تعقيدا وإثارة للجدل، فيتعلق بـ«حرمان» الوافدين الأوروبيين إلى بريطانيا من استحقاقات الرعاية الاجتماعية بشكل خاص، وبحرية تنقّل مواطني الاتحاد الأوروبي بشكل عام.



ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل
TT

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

شيل
شيل

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ) و«الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، فإنه كان غالباً «الشريك» المطلوب لتشكيل الحكومات الائتلافية المتعاقبة.

النظام الانتخابي في ألمانيا يساعد على ذلك، فهو بفضل «التمثيل النسبي» يصعّب على أي من الحزبين الكبيرين الفوز بغالبية مطلقة تسمح له بالحكم منفرداً. والحال أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم ألمانيا حكومات ائتلافية يقودها الحزب الفائز وبجانبه حزب أو أحزاب أخرى صغيرة. ومنذ تأسيس «الحزب الديمقراطي الحر»، عام 1948، شارك في 5 حكومات من بينها الحكومة الحالية، قادها أحد من الحزبين الأساسيين، وكان جزءاً من حكومات المستشارين كونراد أديناور وهيلموت كول وأنجيلا ميركل.

يتمتع الحزب بشيء من الليونة في سياسته التي تُعد «وسطية»، تسمح له بالدخول في ائتلافات يسارية أو يمينية، مع أنه قد يكون أقرب لليمين. وتتمحور سياسات

الحزب حول أفكار ليبرالية، بتركيز على الأسواق التي يؤمن بأنها يجب أن تكون حرة من دون تدخل الدولة باستثناء تحديد سياسات تنظيمية لخلق أطر العمل. وهدف الحزب الأساسي خلق وظائف ومناخ إيجابي للأعمال وتقليل البيروقراطية والقيود التنظيمية وتخفيض الضرائب والالتزام بعدم زيادة الدين العام.

غينشر

من جهة أخرى، يصف الحزب نفسه بأنه أوروبي التوجه، مؤيد للاتحاد الأوروبي ويدعو لسياسات أوروبية خارجية موحدة. وهو يُعد منفتحاً في سياسات الهجرة التي تفيد الأعمال، وقد أيد تحديث «قانون المواطنة» الذي أدخلته الحكومة وعدداً من القوانين الأخرى التي تسهل دخول اليد العاملة الماهرة التي يحتاج إليها الاقتصاد الألماني. لكنه عارض سياسات المستشارة السابقة أنجيلا ميركل المتعلقة بالهجرة وسماحها لمئات آلاف اللاجئين السوريين بالدخول، فهو مع أنه لا يعارض استقبال اللاجئين من حيث المبدأ، يدعو لتوزيعهم «بشكل عادل» على دول الاتحاد الأوروبي.

من أبرز قادة الحزب، فالتر شيل، الذي قاد الليبراليين من عام 1968 حتى عام 1974، وخدم في عدد من المناصب المهمة، وكان رئيساً لألمانيا الغربية بين عامي 1974 و1979. وقبل ذلك كان وزيراً للخارجية في حكومة فيلي براندت بين عامي 1969 و1974. وخلال فترة رئاسته للخارجية، كان مسؤولاً عن قيادة فترة التقارب مع ألمانيا الديمقراطية الشرقية.

هانس ديتريش غينشر زعيم آخر لليبراليين ترك تأثيراً كبيراً، وقاد الحزب بين عامي 1974 و1985، وكان وزيراً للخارجية ونائب المستشار بين عامي 1974 و1992، ما جعله وزير الخارجية الذي أمضى أطول فترة في المنصب في ألمانيا. ويعتبر غينشر دبلوماسياً بارعاً، استحق عن جدارة لقب «مهندس الوحدة الألمانية».