هاني المُلقي.. سياسي «القانون على الجميع»

يرأس حكومة انتقالية بجرعة اقتصادية لتغيير المزاج العام الأردني

هاني المُلقي.. سياسي «القانون على الجميع»
TT

هاني المُلقي.. سياسي «القانون على الجميع»

هاني المُلقي.. سياسي «القانون على الجميع»

جاء تكليف الدكتور هاني المُلقي لرئاسة الحكومة الأردنية، في مرحلة اقتصادية صعبة يعيشها الأردن جراء تأثيرات تداعيات أحداث المنطقة وما أفرزته الحرب في سوريا والعراق على الأردن من إغلاق للحدود وتدفق اللاجئين السوريين في بلد شحيح الموارد والمياه؛ الأمر الذي انعكس بسرعة كبيرة على حياة المواطنين. ولعل اختيار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني للرئيس الملقي، جاء لما تتطلبه المرحلة الدقيقة والصعبة التي تمر بها البلاد، وإحساسه بمعاناة المواطنين الذين استنزفت مدخراتهم جراء الضرائب التي فرضتها حكومة الدكتور عبد الله النسور السابقة.
حكومة المُلقي جاءت بجرعة اقتصادية واضحة، وملف الاستثمار يحتل مكانة متقدمة في اهتماماتها بحكم تركيبتها، وهي حكومة تقول للعالم إن قلبها وذراعيها مفتوحان لاستقبال الاستثمارات. أما ما يشغل بال الحكومة فملفان يعتبران من أولوياتها: الأول هو الاقتصاد والمديونية وضرورة معالجتهما، خاصة أن المواطن يعاني معاناة كبيرة. والآخر هو إجراء الانتخابات النيابية والمجالس المحلية التابع لمشروع اللامركزية.
حكومة هاني المُلقي الجديدة في الأردن «حكومة انتقالية» جاءت في ظروف حساسة، وأمامها ملفات صعبة، خاصة في المجال الاقتصادي. هكذا يصفها الكاتب السياسي فهد الخيطان، ويضيف: إن «عدد أعضاء الحكومة جاء أكبر من اللازم، وكان يجب أن تكون أكثر رشاقة؛ لأن المرحلة تتطلب العمل بديناميكية عالية، وأن الفريق موسع جدًا وسيعيق عمل الحكومة». ثم تابع: «أعتقد أنه لن يكون هناك تغييرات في السياسات والاستراتيجيات الرئيسية والتي كانت في عهد الحكومة السابقة». وبالنسبة للملفات الخارجية، قال الخيطان: إن الحكومة ستتولى الأمور الداخلية، ولن تتدخل في الأمور التي تهم الأمن والدفاع.
أما وزير الإعلام الأسبق الدكتور نبيل الشريف، فيرى أن التغيير الحكومي «جاء لإعطاء الملف الاقتصادي دفعة إلى الأمام، وليس كما يقال إنها جاءت لإجراء الانتخابات؛ إذ إنه كان بإمكان الحكومة السابقة إجراء الانتخابات، ولا يوجد نص دستوري يمنع ذلك». ثم أشار إلى أن الحكومة «جاءت لترتيب البيت الاقتصادي»، معربا عن اعتقاده أن «الحكومة السابقة أصابها الوهن والترهل في الفترة الأخيرة، خصوصا في الجهاز الحكومي، وهذا رأيناه في كتاب التكليف السامي حول ضرورة تطوير الجهاز الحكومي». وتابع الشريف «الهم الاقتصادي ومعاناة المواطنين منه هو الذي كان يشغل بال الملك، ولو استطاعت الحكومة الحالية أن تخفّف المزاج العام وتدخل التفاؤل إلى قلوب الأردنيين فهو بحد ذاته نجاح. وأعتقد أن هناك نسبة من التفاؤل على قدرات هذه الحكومة لتغيير المزاج العام وبدء التغيير في الملفات الاقتصادية».
* الحكومة الـ16
جدير بالذكر، أن حكومة هاني المُلقي هي الحكومة السادسة عشرة منذ تولي الملك عبد الله الثاني سلطاته عام 1999، وكان قد تولى رئاسة الحكومات الـ15 قبلها 11 من رؤساء الوزراء، هم: عبد الرءوف الروابدة وعلي أبو الراغب وفيصل الفايز وعدنان بدران ومعروف البخيت ونادر الذهبي وسمير الرفاعي وعون الخصاونة وفايز الطراونة وعبد الله النسور، ورئيس الوزراء الحالي هاني المُلقي. لم يأت الملك عبد الله الثاني بشخصية معارضة، أو حتى شبه معارضة، تحظى ببعض القبول لدى أحزاب اليسار والأوساط النقابية، لكي يخلق انطباعًا بأن النظام في الأردن تجاوز مرحلة «الربيع العربي» إلى مرحلة جديدة وهي استعادة هيبة الدولة. بل ذهب الخيار الملكي باتجاه اختيار دبلوماسي واقتصادي ليقود مرحلة ربما تكون انتقالية، تقف فيها الأردن على أعتاب انتخابات برلمانية، في ظل تحديات اقتصادية وسياسية وجوار مضطرب يلقي بظلاله على الساحة المحلية.
* ابن عائلة سياسية
الرئيس هاني المُلقي شخصية واقعية، تنظر للمشهد من الزوايا كافة، وهو شخص عرف عنه معالجة الوضع الاقتصادي بأسلوب إداري موزون، وهو الأسلوب ذاته الذي اضطلع فيه الرجل، حين مارس السياسة الاقتصادية بمفهومها الشامل، منذ توليه مناصب وزارية في أكثر من موقع. المُلقي ابن عائلة سياسية مُخضرمة، فوالده هو رئيس الوزراء الأسبق فوزي المُلقي في عهد الملك الراحل الحسين بن طلال. وعُرف عنه أنه يُعالج القضايا بأسلوب علمي هادئ يرقى إلى الوعي المبني على فلسفة (الفهم والتفاهم)، وقد يكون هذا سرّ نجاحه في المواقع السياسية والاقتصادية التي تبوأها، منذ أن دخل الحياة السياسية في أواسط ثمانينات القرن الماضي، وحتى توليه رئاسة الحكومة.
وعائلة المُلقي تقلّدت الكثير من المناصب المهمة والحساسة في الدول الأردنية قبيل وبعد استقلالها، حيث قرّب الملك عبد الله الأول (الملك المؤسس) فوزي المُلقي – والد رئيس الوزراء الجديد – وعيّنه مسؤولا عن التموين أثناء الحرب العالمية الثانية، وتحديدًا عام 1944، ثم استعان به الملك الراحل حسين بن طلال وعيّنه أول رئيس وزراء له عند تسلمه مقاليد الحكم عام 1953. ومنذ ذلك الوقت وعائلة المُلقي مقرّبة من القصر الهاشمي. واللافت أن هاني المُلقي تسلم الحقائب ذاتها التي تسلمها والده، من رئاسة الوزراء إلى وزارة التموين إلى منصب السفير الأردني في القاهرة، حيث مكث المُلقي الابن فترة طويلة في القاهرة، وهي المدينة التي درس فيها المرحلة الأولى من تعليمه الجامعي.
لعب هاني المُلقي دورًا بارزًا في السياسة الخارجية إبان تسلمه حقيبة الخارجية عام 2004، وهي وزارة سيادية لها وزنها في التركيبة الحكومية، إضافة إلى عمله مندوبًا دائمًا لدى جامعة الدول العربية بين عام 2008 وحتى 2011، وخلال عمله مستشارًا للملك خلال الفترة (2005 – 2007)، كما عين عضوا في مجلسي الأعيان الحادي والسادس والعشرين.
ولا تقتصر خبرة الرئيس الجديد، على الجانب السياسي، بل تتعداه – كما سبقت الإشارة – إلى مؤسسات ووزارات ذات طابع اقتصادي، منها: المياه والري والطاقة والتموين والصناعة، ولعل أهم تلك المواقع تسلمه رئاسة سلطة منطقة العقبة الخاصة. وفي عهد المُلقي كان التركيز على جذب الاستثمارات الخارجية، وهي الفلسفة التي ينطلق منها، ويدعو لها منذ عهد بعيد، وفقًا لتصريحاته الصحافية ولقاءاته، ومشاركاته في الندوات والمؤتمرات. وكما يقول عارفوه، فهو من القلائل الذين يجمعون بين الحنكة السياسية، والنظرة الشمولية لمعالجة الاختلالات الاقتصادية، من حيث دراسة المشاريع التنموية دراسة متأنية، بما ينعكس إيجابًا على زيادة معدلات النمو الاقتصادي، وهو بمجمله الفهم العميق للواقع من منظوره العام.
من ناحية ثانية، فإن شخصية المُلقي القوية هي الدافع الحقيقي لإيمانه بهيبة الدولة، وبضرورة إعادة الاعتبار لها، ولقد مارس صلاحياته في حل الكثير من الإشكالات التي كانت شهدتها مدينة العقبة، إبان ترؤسه سلطتها الاقتصادية. وكذلك رفضه التسويات التي تقود إلى التمادي في المخالفات والاعتداءات على أملاك الدولة. وهو رجل دولة بامتياز، يتبنى سياسة القانون على الجميع، ويبدو أن اختياره لهذا الموقع يصب في خانة الإصلاح الشامل.
أيضًا عرف عن المُلقي أنه يفصل بين الأملاك العامة والأملاك الشخصية الخاصة، فهو يستعمل سيارته الخاصة بعد انتهاء دوامه، إضافة إلى يحمل هاتفين الأول للعمل والثاني للبيت ويستخدم أملاكه الشخصية خارج الدوام الرسمي.
* المفاوضات مع إسرائيل
سياسيا ارتبط اسم هاني المُلقي بالمفاوضات الأردنية - الإسرائيلية، التي أفضت إلى توقيع «اتفاقية وادي عربة للسلام» بين الأردن وإسرائيل عام 1994، ولقد عهد الملك الراحل الحسين بن طلال لاحقا إلى المُلقي برئاسة المجلس الأردني في مفاوضات السلام «الاتفاقيات التفصيلية» بين الأردن وإسرائيل خلال الفترة الممتدة بين عامي 1994 - 1996. ومنذ ذلك التاريخ لم يغب رئيس الوزراء الجديد عن الساحة السياسية؛ إذ تقلد الكثير من الحقائب الوزارية، منها: وزارات المياه والري، والطاقة، والتموين، والصناعة والتجارة، والخارجية عام 2004. وخلال توليه حقيبة وزارة الخارجية التقى المُلقي برئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أريئيل شارون في تل أبيب عام 2005. كما التقى بشخصيات إسرائيلية أخرى من أبرزها وزير الخارجية سيلفان شالوم عام 2005، والنائب الأول لرئيس الدولة العبرية السابق شمعون بيريز، ووزير الصناعة والتجارة إيهود أولمرت الذي أصبح رئيسًا للحكومة الإسرائيلية عام 2006. وشنّ هجومًا عسكريا على قطاع غزة نهاية عام 2008 وأوائل 2009.
* المشكلات الاقتصادية
المُلقي، كما يتوقع محللون، سيسعى إلى إيجاد حلول ذكية لمشاكل الأردن الاقتصادية، ابتداء بإغلاق معابر الدولة الأردنية البرية مع العراق وسوريا اللتين تعدّان الشريان الرئيس للصادرات الأردنية، ومرورا بأزمات تراجع معدلات النمو وتدفق الاستثمارات الأجنبية وما رافقهما من ارتفاع لمعدلات البطالة بين الأردنيين. وللعلم، كانت حكومة سلفه عبد الله النسور قد تعهدت في «مؤتمر المانحين» في لندن خلال فبراير (شباط) الماضي بتشغيل نحو 200 ألف لاجئ سوري خلال ثلاث سنوات. وما ينطبق على الاقتصاد في الأردن ينطبق على السياسة أيضًا؛ إذ شهدت البلاد تراجعا في الحريات السياسية والإعلامية، كما تراجع ترتيب البلاد سلبا على سلّم مكافحة الفساد والشفافية العالمي.
ثلاثة ملفات رئيسية تنتظر حكومة المُلقي، ملف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول برنامج «إصلاح مالي جديد»، وملف مجلس التنسيق السعودي – الأردني، بالإضافة إلى ملف إجراء الانتخابات البرلمانية قبيل نهاية العام الحالي. ويسود اعتقاد بأن تلك الملفات الثلاثة هي ما سيحكم على أداء الحكومة، وهل ستستمر في قيادة الحكومة للسنوات الأربع المقبلة أم لا، وهي مَن سيحدد مصيرها بعد إجراء الانتخابات البرلمانية.
* بطاقة هوية
يبلغ عمر رئيس الوزراء الأردني الجديد 65 سنة، وهو من مواليد العاصمة عمّان عام 1951. حصل على شهادة البكالوريوس في هندسة الإنتاج من جامعة القاهرة في مصر عام 1974، ثم حاز شهادة الماجستير في الإدارة الهندسية من معهد رنسيلير البوليتكنيكي RPI، أحد أعرق وأبرز الجامعات التكنولوجية في الولايات المتحدة الأميركية، عام 1977. ثم نال منه شهادة الدكتوراه في هندسة النظم والصناعة عام 1979.
وعلى صعيد المناصب، شغل المُلقي عددا من المناصب، منها:
- مهندس ميداني في وزارة الأشغال العامة 1974 – 1975.
- مساعد عميد الهندسة في جامعة اليرموك 1980 ـ 1981.
- مدير تنفيذي للأكاديمية الإسلامية العامة للعلوم 1987 ـ 1989.
- باحث في الجمعية العلمية الملكية 1975 ـ 1979.
- رئيس قسم الطاقة الشمسية في الجمعية العلمية الملكية 1983 ـ 1987.
- رئيس الجمعية العلمية الملكية 1989.
- الأمين العام للمجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا 1993 ـ 1997.
- تولّى رئاسة الجانب الأردني في اللجنة المشتركة لمراقبة تنفيذ معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية.
- النائب التنفيذي لرئيس المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا 19-4-1999 - 1-3-2002.
- سفير للأردن لدى مصر 1-3-2002 - 24-10-2004، ومندوب دائم للأردن لدى جامعة الدول العربية.
- مستشار للملك 7-4-2005 - 1-10-2007.
- سفير للأردن لدى مصر 1-6-2008 - 11-2-2011، ومندوب دائم للأردن لدى جامعة الدول العربية.
- عضو في مجلس الأعيان الحادي والعشرين.
- عضو في مجلس الأعيان الـ 26 الحالي (استقال).
- رئيس لسلطة إقليم العقبة الخاصة عام 2014.
* الحقائب الوزارية
- وزيرا للمياه والرّي 1998.
- وزيرا للطاقة 1998 – 1999.
- وزيرا للتموين.
- وزيرا للصناعة والتجارة.
- وزيرا للخارجية في عام 2004.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».