«البراغماتية العسكرية» تدفع فرنسا إلى محاربة «داعش» بريًا

مصادر دبلوماسية فرنسية: لا تغيير في خطنا السياسي ولا في تحالفاتنا في سوريا

«البراغماتية العسكرية» تدفع فرنسا إلى محاربة «داعش» بريًا
TT

«البراغماتية العسكرية» تدفع فرنسا إلى محاربة «داعش» بريًا

«البراغماتية العسكرية» تدفع فرنسا إلى محاربة «داعش» بريًا

أفادت مصادر دبلوماسية فرنسية بأن وجود قوات فرنسية قليلة العدد إلى جانب «قوات سوريا الديمقراطية» المشكلة من عناصر كردية وعربية وغيرها التي تحاول طرد قوات «داعش» من مدينة منبج الاستراتيجية، الواقعة على خط تموين التنظيم انطلاقا من الحدود السورية - التركية حتى مدينة الرقة، «لا يعني تغييرا في الخط السياسي لفرنسا بل يعكس براغماتية عسكرية»، حيث إن «فرصة تلوح في الأفق لضرب (داعش) وإطباق الحصار عليه، وسيكون من الغباء عدم استغلالها، خصوصا إذ كان الهدف العسكري استراتيجيا بامتياز». وأضافت هذه المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أمس، أن باريس «ما زالت سياسيا عند موقفها»، وهي مستمرة في اعتبار الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والهيئة العليا للمفاوضات «شريكها السياسي»، لكن هذا الأمر «لا يمنعها من أن تقدم الدعم العسكري هنا أو هناك للأكراد واقتناص الفرص المتاحة لضرب (داعش)» التي تعتبر باريس أنها «في حالة حرب معها». وذكرت المصادر الفرنسية بالعمليات الإرهابية التي تبناها «داعش» في فرنسا العام الماضي، والتهديدات الكثيرة التي أطلقها بحقها أكثر من مرة، وآخرها دعوة التنظيم لمناصريه بضرب المصالح الفرنسية.
حقيقة الوضع أن المساندة الفرنسية التي أشار إليها وزير الدفاع جان إيف لو دريان سريعا للمرة الأولى الأسبوع الماضي في لقاء تلفزيوني على القناة التلفزيونية العائدة لمجلس الشيوخ، تدور حول مفهوم توفير الدعم في المهمات القتالية الذي اختصره بكلمة «المشورة». ووفق الوزير الفرنسي، فإن المساعدة الفرنسية تشمل التسليح والتدريب والدعم الجوي وتوفير الخبرات القتالية. وأضاف لو دريان أن هذه الأمور «لا يمكن أن تعطى من المكاتب»، مما يعني وجود الخبراء العسكريين المنتمين إلى القوات الخاصة ميدانيا، لكن ليس بالضرورة على خطوط القتال الأمامية. وقالت مصادر عسكرية لوكالة الصحافة الفرنسية أمس، إن قوات خاصة فرنسية توفر المشورة للقوات العربية - الكردية التي تسعى للسيطرة على مدينة منبج، مضيفة أن الهجوم المذكور «يحظى بدعم مجموعة من الدول بينها فرنسا، وهذا الدعم هو ما نعرفه كلاسيكيا أي تقديم المشورة».
من جانبها، امتنعت وزارة الدفاع الفرنسية عن إعطاء مزيد من التفاصيل «عدد الجنود المنخرطين في المهمة، طبيعتها ومدتها..»، رغم إلحاح الصحافيين الذين طرحوا كثيرا من الأسئلة خلال المؤتمر الصحافي الأسبوعي للوزارة ظهر أمس. وفي المؤتمر الصحافي نفسه، قال الكولونيل جيل جارون، الناطق باسم رئاسة الأركان الفرنسية، إن الامتناع عن تقديم التفاصيل هو «لحماية العمل الذي يقوم به هؤلاء الرجال». وترفض السلطات العسكرية الفرنسية إعطاء أي تفاصيل عن قوات الكوماندوز أو القوات الخاصة أو نشر أي صور لها. لكن المعلوم أن نحو مائتي رجل من هذه القوات موجودون في العراق، ويرجح أن يكون العدد في شمال سوريا أقل بكثير من العدد الأول.
وجاء تأكيد وجود العناصر العسكرية الفرنسية الداعمة لهجوم «قوات سوريا الديمقراطية» على مدينة منبج الاستراتيجية ليس في بيان رسمي من وزارة الدفاع بل على لسان «مصادر عسكرية» لم تكشف هويتها. وهذه المرة الأولى التي يذاع فيها علنا خبر وجود مثل هذه العناصر إلى جانب القوى الكردية السورية، بعكس الحال في العراق، حيث الوجود الفرنسي العسكري إلى جانب مقاتلي البيشمركة العراقيين والدعم متعدد الأوجه المقدم لهم رسمي ومعروف من الملأ.
تقول المصادر الفرنسية إن الدعم العسكري الفرنسي لـ«قوات سوريا الديمقراطية» سببه مزدوج: الأول، أن العدو «داعش» مشترك للطرفين، والثاني أن الهدف الذي تسعى هذه القوات للسيطرة عليه «استراتيجي وسيكون له تأثير على حضور (داعش) في سوريا وعلى مصير الحرب عليه»، وبالتالي فإن «التقاء المصالح هو ما دفع باريس إلى توفير الدعم العسكري» الذي يبقى محدودا، ولا يقاس بأي حال بالدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لهذه القوات. وبحسب مصادر سياسية في باريس، فإن الدعم الفرنسي «هو بالتأكيد موضع تنسيق بين باريس وواشنطن» وبشكل ما، فإن العاصمة الفرنسية «تسير على خطى الجانب الأميركي رغم الاستياء الذي يثيره هذا الدعم من جانب تركيا».
وثمة عنصر أساسي يمكن أن يفسر الرغبة الغربية في توفير الدعم لقوات سوريا الديمقراطية، رغم ما أثاره إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي يرأسه صالح مسلم، تشكيل «الإدارة الكونفدرالية في روج آفا» أي شمال سوريا، من ردود فعل مشككة وسلبية من جانب هذه الأطراف التي شددت على وحدة وسلامة الأراضي السورية، ذلك أن الغربيين ينظرون إلى «قوات سوريا الديمقراطية» على أنها «رأس الحربة» التي تحارب «داعش»، ويمكن بالتالي التوكؤ عليها لإضعاف تنظيم داعش وضربه. ولذا، فإن توفير الدعم لهذه القوات يبدو أقرب إلى «توزيع الأدوار»، حيث الأكراد ومن معهم يمسكون بالأرض، بينما طائرات التحالف الدولي تمسك الأجواء.
لكن المشاركة الفرنسية تطرح مشكلة قانونية، بسبب ما يظن أنه وجود لعناصر فرنسية تقاتل في صفوف «داعش». وفي هذه الحال، فإن قوة المساندة الفرنسية ستكون موضع مساءلة، إذا تبين أنها تسببت في مقتل مواطنين فرنسيين، لأنه عندها ستثار مسائل حول الأسس القانونية التي يقوم عليها التدخل الفرنسي والأسباب التي تجيز لهذه القوة قتل مواطنين فرنسيين «عن بعد» و«دون محاكمة»، وغيرها من المسائل التي لا تريد وزارة الدفاع الخوض فيها. وهذه الاعتبارات إلى جانب الرغبة في تلافي وقوع ضحايا فرنسية في العمليات العسكرية هي التي تبرر بقاء القوات الخاصة بعيدا عن الخطوط الأمامية.
بيد أن هذه الاعتبارات لا تقلل من أهمية المساعدة التي توفرها باريس التي تشمل الدعم الجوي والتسليح والتدرب على استخدام السلاح المقدم وجمع المعلومات الاستخبارية بطرق كثيرة «إلكترونية أو بشرية»، والتخطيط العسكري، خصوصا تفكيك القنابل البدائية التي يزرعها «داعش» على نطاق واسع.
تبقى المداليل السياسية للحضور الفرنسي العسكري. وفي هذا السياق، تؤكد المصادر الفرنسية أن «لا تبدل» في نهجها ولا في تحالفاتها، وأن «الخطوط السياسية لم تتبدل»، بل ما تغير هو «الرغبة في تصيد الفرص والعمل بمبدأ: عدو عدوي صديقي». وللتدليل على ذلك، تؤكد هذه المصادر أن «المكتب» الذي فتحه ممثلون عن «الإدارة الكونفدرالية في روج آفا» لا يتمتع بأي امتيازات، بل هو أشبه بمكتب لجمعية خاصة بحماية الطيور مثلا.



الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
TT

الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)

كثفت الولايات المتحدة ضرباتها الجوية في الأسابيع الأخيرة على مواقع الجماعة الحوثية بمحافظة عمران، لا سيما مديرية حرف سفيان، في مسعى لتدمير أسلحة الجماعة المخزنة في مواقع محصنة تحت الأرض، ما جعل الجماعة تنقل كميات منها إلى معقلها الرئيسي في صعدة (شمال).

وكشفت مصادر يمنية مطلعة أن الجماعة الحوثية نقلت خلال الأيام الأخيرة مركز الصواريخ والطائرات المسيرة من مناطق عدة بمحافظة عمران إلى محافظة صعدة، وذلك تخوفاً من استهداف ما تبقى منها، خصوصاً بعد تعرض عدد من المستودعات للتدمير نتيجة الضربات الغربية في الأسابيع الماضية.

وكانت المقاتلات الأميركية شنت في الآونة الأخيرة، غارات مُكثفة على مواقع عسكرية تابعة للحوثيين، كان آخرها، الجمعة، حيث تركزت أغلب الضربات على مديرية «حرف سفيان» الواقعة شمال محافظة عمران على حدود صعدة.

وبحسب المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، نقلت الجماعة الحوثية، تحت إشراف عناصر من «سلاح المهندسين والصيانة العسكرية»، مجموعة صواريخ متنوعة ومسيّرات ومنصات إطلاق متحركة وأسلحة أخرى متنوعة إلى مخازن محصنة في مناطق متفرقة من صعدة.

دخان يتصاعد في صنعاء عقب ضربات أميركية استهدفت موقعاً حوثياً (رويترز)

وتمت عملية نقل الأسلحة - وفق المصادر - بطريقة سرية ومموهة وعلى دفعات، كما استقدمت الجماعة الحوثية شاحنات نقل مختلفة من صنعاء بغية إتمام العملية.

وتزامن نقل الأسلحة مع حملات اختطاف واسعة نفذتها جماعة الحوثيين في أوساط السكان، وتركزت في الأيام الأخيرة بمدينة عمران عاصمة مركز المحافظة، ومديرية حرف سفيان التابعة لها بذريعة «التخابر لصالح دول غربية».

واختطف الانقلابيون خلال الأيام الأخيرة، نحو 42 شخصاً من أهالي قرية «الهجر» في حرف سفيان؛ بعضهم من المشرفين والمقاتلين الموالين لهم، بعد اتهامهم بالتخابر مع أميركا وإسرائيل، وفقاً للمصادر.

وجاءت حملة الاختطافات الحوثية عقب تنفيذ الجيش الأميركي في الأسبوعين الماضيين، عشرات الغارات التي استهدفت منشآت عسكرية وأماكن تجمعات للجماعة في حرف سفيان، أسفر عنها تدمير منشآت استُخدمت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية أميركية بجنوب البحر الأحمر وخليج عدن.

أهمية استراتيجية

نظراً للأهمية الاستراتيجية لمنطقة «حرف سفيان» في عمران، فقد تركزت الغارات على استهداف منشآت ومواقع متفرقة في المديرية ذاتها.

وتُعدّ مديرية «حرف سفيان» كبرى مديريات محافظة عمران من أهم معاقل الجماعة الحوثية بعد محافظة صعدة، وذلك نظراً لمساحتها الكبيرة البالغة نحو 2700 كيلومتر مربع، مضافاً إلى ذلك حدودها المتصلة بـ4 محافظات؛ هي حجة، والجوف، وصعدة، وصنعاء.

أنصار الحوثيين يحملون صاروخاً وهمياً ويهتفون بشعارات خلال مظاهرة مناهضة لإسرائيل (أ.ب)

وكان قد سبق لجماعة الحوثيين تخزين كميات كبيرة من الأسلحة المنهوبة من مستودعات الجيش اليمني في مقرات عسكرية بمحافظة عمران؛ منها معسكر «اللواء التاسع» بضواحي مدينة عمران، و«لواء العمالقة» في منطقة الجبل الأسود بمديرية حرف سفيان، وموقع «الزعلاء» العسكري الاستراتيجي الذي يشرف على الطريق العام الرابط بين صنعاء وصعدة، إضافة إلى مقار ومواقع عسكرية أخرى.

وإلى جانب ما تُشكله هذه المديرية من خط إمداد رئيسي للانقلابيين الحوثيين بالمقاتلين من مختلف الأعمار، أكدت المصادر في عمران لـ«الشرق الاوسط»، أن المديرية لا تزال تُعدّ مركزاً مهماً للتعبئة والتجنيد القسري لليمنيين من خارج المحافظة، لكونها تحتوي على العشرات من معسكرات التدريب التي أسستها الجماعة في أوقات سابقة، وترسل إليها المجندين تباعاً من مناطق عدة لإخضاعهم للتعبئة الفكرية وتلقي تدريبات قتالية.

صورة عامة لحاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» (رويترز)

وتقول المصادر إن الضربات الأميركية الأخيرة على محافظة عمران كانت أكثر إيلاماً للحوثيين من غيرها، كونها استهدفت مباشرةً مواقع عسكرية للجماعة؛ منها معمل للطيران المسير، وكهوف تحوي مخازن أسلحة وأماكن خاصة بالتجمعات، بعكس الغارات الإسرائيلية التي تركزت على استهداف البنى التحتية المدنية، خصوصاً في صنعاء والحديدة.

وترجح المصادر أن الأميركيين كثفوا ضرباتهم في مديرية حرف سفيان بعد أن تلقوا معلومات استخبارية حول قيام الحوثيين بحفر ملاجئ وأنفاق ومقرات سرية لهم تحت الأرض، حيث يستخدمونها لعقد الاجتماعات وإقامة بعض الدورات التعبوية، كما أنها تحميهم من التعرض لأي استهداف مباشر.