السفير عبد الرحمن إبراهيم القاضي.. عاش وعمل وكتب بعيدًا عن الأضواء

رحل في القاهرة عن 86 عامًا مخلفًا 15 ديوانًا

السفير عبد الرحمن  إبراهيم القاضي في شبابه
السفير عبد الرحمن إبراهيم القاضي في شبابه
TT

السفير عبد الرحمن إبراهيم القاضي.. عاش وعمل وكتب بعيدًا عن الأضواء

السفير عبد الرحمن  إبراهيم القاضي في شبابه
السفير عبد الرحمن إبراهيم القاضي في شبابه

ما أقسى أن يرقب المرء لقاء عزيز عليه في مرضه، ثم تعاكسه الظروف حتى اليوم الأخير من حياته، فتبقى حسرة في خاطره، وغصّة يتجرّعها بصبر، ويبتلعها بعميق حزن، يستشعر حكمة الله وإرادته في عدم تحقيق أمنيته، والصديق السفير عبد الرحمن القاضي كان في وضع حقيق بزيارة محبّيه، أمضى الأشهر الثلاثة الأخيرة بين المشفى والمنزل، محتفظًا بذاكرة وفيّة لمحبّيه، وروح محتسبة عالية، ومشاعر كريمة لمن حوله، والطرفة المرحة لا تفارقه مُهجته في بهجة متحرّكة في كل الظروف والمناسبات ومع كل من يعرفهم من الرسميين أو الأصدقاء، اختار الإقامة في القاهرة التي أمضى سنوات الدراسة الجامعية وبعضًا من سنوات العمل الدبلوماسي المبكر فيها.
والراحل الكريم عن 86 عامًا، هو حفيد «شاعر نجد الكبير» محمد العبد الله القاضي، ورث عنه الموهبة الشعرية والمعاني الرفيعة، لكنه حوّل تلك الموهبة من العامية إلى مقطوعات إخوانيّة بالفصحى، محتفظًا بها في نحو خمسة عشر ديوانًا مطبوعة في القاهرة محدودة التداول، ثم حالت ظروفه الصحية وضعف البصر دون الاستمرار في إنتاج مزيد منها، ولم يرغب في نشر شيء منها صحافيًا، وكانت قصائده خاصة لا يتجاوز معظمها عشرة أبيات.
تخرّج في جامعة القاهرة في منتصف السبعينيات الهجرية (أواسط الخمسينيات الميلادية) بتخصص الحقوق، وكان من زملائه في الدراسة عبد الرحمن منصوري وكيل وزارة الخارجية، يمثِلون الجيل الثاني من البعثات السعودية للدراسة في مصر، وفي الوقت نفسه عاصر في عمله معظم الجيل المخضرم من الدبلوماسيين والسفراء والقناصل السعوديين وعمل مع كثير منهم، من أمثال عمر السقّاف وإبراهيم السويّل ومحمد الحمد الشبيلي وعبد الرحمن الحليسي وطاهر رضوان وعبد الرحمن العمران وعبد العزيز وعلي الصقير وبكر خميّس وعبد الرحمن العبد العزيز الشبيلي ومحمد إبراهيم مسعود وإبراهيم السلطان ومأمون كردي وناصر المنقور وفؤاد ناظر ومحمد المنصور الرميح وعبد العزيز وحمود الزيد وجميل الحجيلان وعبد الرحمن أبا الخيل ونوري إبراهيم وخالد الناصر التركي وعبد الرحمن البسام وعبد الله حبابي وغيرهم، وتدرّج في مختلف الوظائف في ديوان وزارة الخارجية، واختير في نهايتها رئيسًا للدائرة العربية، وحضر كثيرا من مؤتمرات الجامعة العربية والجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ومكث في الوظائف الدبلوماسية طويلاً قنصلاً عامًا في نيويورك، وفي السفارات السعودية في القاهرة ثم في بيروت، ثم عيّن في منتصف السبعينات الميلادية سفيرًا للسعودية لدى البحرين (سلفًا للدكتور غازي القصيبي) ثم لدى السويد، منتقلاً - بتندره المعهود - من الفرن إلى الثلاجة.
مال في السنين القليلة الأخيرة من حياته إلى الانطواء والتزام المنزل بسبب ظروفه الصحيّة، وهو بطبعه يغلب عليه العزوف عن التدخّل في شؤون غيره، لكنه كان يتابع الأحداث، ويشترك في تحليلها مع زواره المعدودين، ويحرص على الموضوعية في المناقشة، ويكون له رأي في المستجدّات، ويناقش في الأمور الفكرية والسياسية برأي ثاقب مستنير يغترف من تجربته وخبرته الطويلة، وهو مع دماثة حديثه ومودة علاقاته، يقتصد في الإطراء، أما عن الأضواء فهو عنها بعيد كل البعد لا يقيم لها وزنًا.



الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي
TT

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

تصدر قريباً الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي كمال سبتي (1955 - 2006)، أحد أهم شعراء ما عُرف بجيل السبعينات في العراق. متضمنة ثمانية دواوين، مستهلةً بديوان «وردة البحر ـ 1980»، ومختتمةً بـ«صبراً قالت الطبائع الأربع ـ 2006». هنا نص مقدمة هذه الأعمال التي ستصدر عن «دار جبرا للنشر والتوزيع ـ الأردن»، وبالتعاون مع «دار النخبة للتأليف والترجمة والنشر - لبنان».

وقد كتب مقدمة المجموعة الكاملة الشاعر العراقي باسم المرعبي، التي جاءت بعنوان «كمال سبتي... المرافعة عن الشعر» ويقول فيها:

«يحتاج شعر كمال سبتي، بالمجمل، إلى جَلَد عند قراءته، فهو على نقيض الكثير مما هو شائع من تقنيات شعرية تعتمد البساطة والعفوية والمباشرة، مع عدم تسفيه هذه النزعات الأسلوبية، طالما أن الشعر كقيمة وجوهر يبقى مُصاناً، غير منتهَك به. على أنّ إشاحة الشاعر عن مثل هذا الاتجاه ومخالفته، لم يجعل شعره غامضاً أو عصيّاً.

شعر مثقل بالمعنى ومزدحم به، لأنه ذو مهمة توصيلية، وهو يتطلب إصغاءً وإعمال فكر. والقصيدة لدى كمال معمار ذهني - فكري ونفسي، في الآن ذاته، يستمدّ فيها الشاعر مادته من مغاور النفس والسيرة الشخصية، فضلاً عن استثمار راهن التجربة الحياتية، مشظّياً كلّ ذلك في النص، صراحةً أو رمزاً. دون أن يستثني مادة الحلم من استثماره الفني والموضوعي، وهو ما يُتبيَّن أثره في نصوصه، لا سيّما النصوص النثرية الطويلة، المتأخرة، ليتصادى ذلك مع قراءات الشاعر في الرواية أو اعتماده السينما مصدراً مفعّلاً في كتابته الشعرية. وعن هذه الأخيرة قد أشار إلى ذلك الشاعر نفسه في واحد من الحوارات التي أُجريت معه، ليرقى كلّ ذلك إلى أن يكون جزءاً عضوياً من تجربته الحياتية، الذهنية هذه المرة، مُسقَطة بالمحصلة على القصيدة، لتنعكس خلالها حركةً وتوتراً درامياً. وهو ما ينسحب بالقدر ذاته على نزوع الشاعر في سنواته الأخيرة إلى قراءات في التصوف والقرآن والتراث، ما نجمَ أثره بشكل جلي، في مجموعته الأخيرة «صبراً قالت الطبائع الأربع»، وإلى حد ما في المجموعة السابقة لها. وهو فارق يلمسه القارئ، إجمالاً، بين المنحى الذي اتخذه شعر كمال سبتي في السبعينات أو الثمانينات وما صار إليه في التسعينات وما بعدها. وعلى الرغم مما ذهب إليه الشاعر من مدى أقصى في التجريب الكتابي مسنوداً برؤية يميزها قلق إبداعي، شأن كلّ شاعر مجدّد، إلا أنه وبدافع من القلق ذاته عاد إلى القصيدة الموزونة، كما تجسد في كتابيه الأخيرين. وكان لقراءاته المذكورة آنفاً، دورها في بسط المناخ الملائم لانتعاش هذه القصيدة، ثانيةً، وقد بدت محافظة في شكلها، لكن بالاحتفاظ بقدر عال ورفيع من الشعرية المتينة، المعهودة في شعر كمال سبتي، وبدافع من روح المعنى الذي بقي مهيمناً حتى السطر الأخير، لأن الشعر لديه مأخوذ بجدية حدّ القداسة، وهو قضية في ذاتها، قضية رافع عنها الشاعر طوال حياته بدم القلب.

تصدر هذه الأعمال في غياب شاعرها، وهو ما يجعل من حدث كهذا مثلوماً، إذ عُرف عن كمال اهتمامه المفرط بنتاجه وتدقيقه ومتابعته، واحتفائه به قبل النشر وبعده، لأن الشعر كان كل حياته، هذه الحياة التي عاشها شعراً. فكم كان مبهجاً، لو أن مجموع أعماله هذا قد صدر تحت ناظريه.

ولأهمية هذه الأعمال وضروة أن لا تبقى رهينة التفرّق والغياب، أي في طبعاتها الأولى المتباعدة، غير المتاحة للتداول إلّا فيما ندر، ولأهمية أن تأخذ مكانها في مكتبة الشعر، عراقياً وعربياً، كانت هذه الخطوة في جمعها ومراجعتها وتقديمها للنشر. وقد كان لوفاء الصديق، الفنان المسرحي رياض سبتي، لشقيقه وتراثه الشعري، دوره الحاسم في حفظ مجموعات الشاعر، ومن ثمّ إتاحتها لكاتب سطور هذه المقدمة، حين تم طرح فكرة طباعتها ونشرها، إسهاماً في صون هذا الشعر وجعله قابلاً للانتشار من جديد، بما يجدر به».

من المجموعة الكاملة:

«الشاعر في التاريخ»

الرجل الجالسُ في المكتبة

مورّخٌ يكتبُ عن شاعرٍ

الرجل الهاربُ في سيرةٍ

مشرّدٌ في الليل كالليلِ

رغيفهُ باردْ

رغيفهُ واحدْ

عنوانه مصطبة

محطّةٌ مغلقةُ البابِ

الرجلُ الخائفُ في سيرةٍ

يغيّر الشكلَ تباعاً، فمرّةً

بلحية كثةٍ

ومرّةً بشاربٍ، ثمّ مرّةْ

بنصفِ قلبٍ حائرٍ في الطريقْ

يسيرُ فوقَ جمرةٍ، ثمّ جمرةْ

تلقيه فوقَ جمرةٍ، في الطريقْ.