لبنان يقيّم خسائره من الأزمة السورية ويدفع باتجاه «عودة تدريجية» للاجئين

درباس لـ «الشرق الأوسط» : نسعى لنكون قاعدة لإعادة الإعمار في سوريا

أطفال سوريون لاجئون في قرية العاقبية جنوب لبنان تجمعوا أثناء زيارة مدير المنظمة الفرنسية الإنسانية (النجدة الشعبية)أول من أمس لتوصيل مساعدات غذائية للاجئين (أ.ف.ب)
أطفال سوريون لاجئون في قرية العاقبية جنوب لبنان تجمعوا أثناء زيارة مدير المنظمة الفرنسية الإنسانية (النجدة الشعبية)أول من أمس لتوصيل مساعدات غذائية للاجئين (أ.ف.ب)
TT

لبنان يقيّم خسائره من الأزمة السورية ويدفع باتجاه «عودة تدريجية» للاجئين

أطفال سوريون لاجئون في قرية العاقبية جنوب لبنان تجمعوا أثناء زيارة مدير المنظمة الفرنسية الإنسانية (النجدة الشعبية)أول من أمس لتوصيل مساعدات غذائية للاجئين (أ.ف.ب)
أطفال سوريون لاجئون في قرية العاقبية جنوب لبنان تجمعوا أثناء زيارة مدير المنظمة الفرنسية الإنسانية (النجدة الشعبية)أول من أمس لتوصيل مساعدات غذائية للاجئين (أ.ف.ب)

ينشغل لبنان حاليا وبالتحديد اللجنة الوزارية المعنية بشكل مباشر بملف اللاجئين السوريين، الذين يتخطى عدد المسجلين منهم لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في بيروت المليون و48 ألف لاجئ مقابل عشرات آلاف آخرين غير مسجلين وعدد كبير منهم لا يملك أوراقا قانونية، بمحاولة تطوير وسائل جديدة لمقاربة الأزمة السورية وتداعياتها التي باتت تخرج في كثير من الأحيان عن قدرة البلاد على الاحتمال.
وان كانت الاهتمامات الرسمية تنصب وبشكل خاص على إيصال رسائل متعددة ومتسارعة للمجتمع الدولي مفادها أن لبنان «لن يكون بلدا للاندماج»، بإشارة إلى رفض توطين اللاجئين، تبدو المحاولات المتكررة للأجهزة والوزارات المعنية لتقييم الخسائر التي ألمّت بالقطاعات كافة، دون ذي جدوى في ظل تفاقم هذه الخسائر مع مرور الوقت وبغياب أي أفق لحل قريب للأزمة السورية، والأهم عدم بروز نية جدية لدى المجتمع الدولي لتقديم الدعم المطلوب للبنان للصمود وإغاثة مئات آلاف النازحين على أراضيه.
ولا شك أن «الفجوة الأمنية» تبقى إحدى أبرز «الفجوات العميقة التي أصابت لبنان جراء النزوح»، بحسب توصيف المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، في ظل استمرار الصراع على الأراضي السوية والحدود المفتوحة بين البلدين ما يهدد بامتداد النيران إلى لبنان في أي لحظة، خاصة أن قسما كبيرا من أراضيه شرقي البلاد لا تزال محتلة من قبل مسلحي تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة»، أضف إلى كل ذلك هاجس التفجيرات الأمنية المتنقلة التي تعمل الأجهزة اللبنانية جاهدة لإحباطها قبل حصولها بإطار عمليات استباقية أدّت لإلقاء القبض على مئات المتورطين بقضايا إرهاب.
وتقارب الحكومة اللبنانية والوزارات المعنية كل الملفات المتعلقة باللاجئين السوريين من زاوية قطع الطريق على أي محاولة لتثبيت وجودهم تمهيدا لتوطينهم في لبنان. ووجهت وزارة الخارجية اللبنانية بوقت سابق رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، تضمنت ما قالت إنه «رفض لبنان لما ورد في تقريره بشأن استيعاب النازحين في أماكن وجودهم وضرورة اندماجهم في المجتمعات ووضع السياسات الوطنية من قبل الدول للتكيف مع بقائهم وصولا إلى إعطائهم الجنسية». ورغم إصرار المبعوثين الأمميين وبان كي مون نفسه على التأكيد أن فرض توطين اللاجئين أمر غير وارد وعلى أن المسألة «تعود حصرًا إلى قرار البلد نفسه»، ينبه عدد من الوزراء من «توطين الأمر الواقع»: «وهو ما عايشناه مع موضوع اللجوء الفلسطيني إلى لبنان»، بحسب وزير العمل سجعان قزي، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «نعلم أنه لا يوجد مشروع دولي محدد لتوطين اللاجئين السوريين، كما أنّه لم يكن هناك مشروع مماثل لتوطين اللاجئين الفلسطينيين، لكن سلوك المجتمع الدولي، يضاف إليه الانقسام اللبناني الذي أدّى لاستمرار الوجود الفلسطيني وتوطينهم كأمر واقع، قد يتكرر مع السوريين إذا لم نتشاور مع الدول الكبرى ومجلس الأمن لإيجاد حل لهذه الأزمة التي تهدد بزعزعة الكيان اللبناني وبتغيير ديموغرافي خطير في البلد». ويعتبر قزي أن «هناك مشاريع وأفكارا كثيرة للتصدي لأزمة اللجوء وأبرزها، وهو ما ندفع باتجاهه، وضع برنامج عودة تدريجي إلى سوريا، خاصة أن هناك مناطق آمنة، وأخرى مقسّمة ما بين خاضعة لسيطرة النظام والمعارضة ما يُمكّن اللاجئين من العودة إلى المناطق التي يختارونها». وأضاف: «أي مشروع عودة ومهما بدا للبعض غير قابل للتطبيق، يبقى أقل تكلفة من خطورة مشروع تثبيتهم، على أن نمهّد لهذه العودة بتشديد الإجراءات الأمنية والاقتصادية المتخذة لمنع التمدد السوري في لبنان مناطقيا كما بسوق العمل». فبحسب قزي، يعاني لبنان من «خلل ديموغرافي نتيجة الوجود السوري إضافة إلى أنّه يرزح تحت 14 مليار دولار خسائر نتيجة هذا الوجود»، لافتا إلى أنّه وقبل الأزمة كان النمو 9 في المائة فإذا به ينخفض بعدها للصفر. أما البطالة فارتفعت أيضا من 10.3 في المائة إلى 25 في المائة تماما كنسب اللبنانيين الذين هم على خط الفقر أو تحته والتي بلغت مليون و170 ألفا.
ووصف البنك الدولي في آخر التقارير التي أعدها النموذج الاقتصادي والاجتماعي اللبناني بـ«المفلس»، لافتا إلى لبنان لا يزال يتأثر بالحرب الدائرة في سوريا والركود السياسي الداخلي كما أن اعتماده على تحويلات أبنائه العاملين في الخارج يؤثر سلبًا على الاقتصاد ككل.
ويحاول وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس وللتخفيف من حجم التحديات التي تواجه لبنان، التركيز على الضوء الموجود في آخر النفق، مشددا على وجوب أن «نعبر من الأزمة إلى الفرصة. فرغم كل الضرر الذي أصابنا سنسعى لنكون قاعدة مهمة من قواعد ورشة إعادة أعمار سوريا على أن نبقى أحياء حتى ذلك الوقت». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «في الاجتماع الحكومي الأخير للجنة الوزارية المعنية باللجوء السوري، طورنا وسائل لمقاربة كيفية التعاطي مع اللاجئين حتى إيجاد مناخ ملائم وظروف مواتية لعودة آمنة لهم إلى بلدهم»، مشددا على وجوب «تشجيع هذه العودة وتسهيلها خاصة أننا أكدنا ونؤكد أن لبنان ليس دولة لجوء ولا أرضه أو جوازات سفره للبيع».
ويبقى البُعد الإنساني للأزمة السورية أحد أبرز التحديات التي يواجهها لبنان، ففيما يسعى للحفاظ على حقوق وأمن ومصالح مواطنيه، يرى نفسه مضطرا وبكثير من الأحيان للتضييق على اللاجئين وهو ما يثير حفيظة المنظمات الدولية التي تُعنى بحقوق الإنسان. وقد أثارت آخر التقارير الصادرة عن منظمة «هيومن رايتس ووتش» والتي انتقدت شروط الإقامة في لبنان معتبرة أنّها «تهمش اللاجئين وتجعل حياتهم مستحيلة»، سخط المسؤولين اللبنانيين. فاعتبر الوزير درباس أن المنظمة تحمّل لبنان مسؤولية ما هو ضحيته أصلا، مشددا على أنّه «لا إمكانية لمقارنة أحوال اللاجئين فيه بأحوالهم في العراق والأردن وتركيا، بحيث لهم حرية الحركة الكاملة كما أنّه لم تسجل أي حالة ترحيل».
بالمقابل، نبّه نديم حوري، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «هيومن رايتس ووتش» من أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في يناير (كانون الثاني): «لا تؤثر سلبا على اللاجئين وحدهم الذين سيفتقدون الكثير من حقوقهم، بل على لبنان باعتبار أنّها تحول غالبية هؤلاء اللاجئين إلى أشخاص لا يملكون أوراقا قانونية موزعين على كامل الأراضي اللبنانية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «السلطات اللبنانية يجب أن تعطي الأولوية في سياسات التخطيط المتبعة للتخفيف من معاناة اللاجئين كما اللبنانيين على أن يترافق ذلك مع الدعم الدولي المطلوب، أما الحديث بالوقت الحالي عن إعادة النازحين إلى مناطق آمنة داخل سوريا، فلا نعتقد أنّه ممكن بغياب المقومات المطلوبة خاصة مع عودة الوضع في الداخل السوري إلى هشاشته السابقة وارتفاع نسب القتلى من المدنيين».
وقسّمت الإجراءات الحكومية اللبنانية الأخيرة اللاجئين الذين يتقدمون لتجديد إقاماتهم إلى فئتين، المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، وغير المسجلين الذين عليهم الحصول على كفيل لبناني ليقيموا شرعيا، ودفع رسوم تقدر بمائتي دولار سنويا.



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.