على مدار التاريخ الحديث، يمثل يوم الجمعة على وجه الخصوص أكثر أيام الأسبوع التي تمثل أيامًا فارقة في الاقتصاد الأميركي، وهو ما يتبعه أثر أكيد في الاقتصاد العالمي. ومساء أول من أمس، كانت «جمعة أخرى» تقلب الموازين، بانخفاض في معدلات التوظيف الأميركية، لتمسح هذه الجمعة آمالاً شهدتها جمعة سابقة حين فاز الرئيس باراك أوباما عام 2012 بجولته الرئاسية الثانية، وبين الجمعتين، أضاف الاقتصاد الأميركي ما يقرب من 200 ألف وظيفة في المتوسط ومعدل بطالة 5 في المائة، لكن أول من أمس عصف بما قدمه أوباما قبل نهاية ولايته بشهور قليلة.
ومما يزيد الأمور صعوبة هو أن التقرير المذكور أصبح عائقا أمام رفع الفائدة الأميركية في اجتماع الشهر الحالي، خاصة وأن جانيت يلين، رئيسية البنك المركزي، والتي وصفها منافسها لورانس سامرز على مقعد رئاسة الفيدرالي في عام 2013 بأن «لديها قدرة على الصبر»، حيث عادة ما تستخدم يلين «الفن» المصرفي في حل العقبات الاقتصادية باستخدام المؤشرات والبيانات.
وظهر هذا في خطاباتها التي تميزت بالشدة والحسم أحيانا وتارة أخرى بالهدوء، لمحاولة استرضاء أسواق المال؛ خاصة مع التقلبات التي شهدتها أول العام الحالي، إلا أن هذه المرة أصبح البنك في موقف لا يحسد عليه، خاصة في ظل الانقسام الذي يشهده المجلس منذ رفعه للفائدة للمرة الأولى في ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي.
وأضاف الاقتصاد الأميركي أقل عدد من الوظائف في أكثر من خمس سنوات في مايو (أيار) الماضي، متأثرا بإضراب العمال في عملاق الاتصالات الأميركي شركة فيريزون، وتراجع التوظيف في قطاعات إنتاج السلع، مما يشير إلى ضعف في سوق العمل.
وقالت وزارة العمل الأميركية الجمعة الماضي، إن عدد الوظائف في القطاعات غير الزراعية زاد بواقع 38 ألف وظيفة فقط الشهر الماضي، وهي أقل زيادة منذ سبتمبر (أيلول) 2010. وكانت الشركات الأميركية عينت عددا أقل بواقع 59 ألفا في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) الماضيين.
وأوضحت الحكومة الأميركية أن اضطراب «فيريزون» الذي استمر على مدار الشهر الماضي قلص من نمو الوظائف.
وانخفض عدد الوظائف في قطاع إنتاج السلع الذي يشمل التعدين والصناعات التحويلية بواقع 36 ألف وظيفة، وهو أكبر انخفاض منذ فبراير (شباط) 2010. كما هبط معدل البطالة بنحو 0.3 نقطة مئوية إلى 4.7 في المائة في مايو، وهو أدنى مستوى منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2007، ونتج هذا الانخفاض عن عدة أسباب، منها خروج البعض من قوة العمل.
وكان اقتصاديون استطلعت «رويترز» آراءهم توقعوا زيادة عدد الوظائف بواقع 164 ألف وظيفة في مايو، وانخفاض معدل البطالة إلى 4.9 في المائة.
وزاد متوسط الأجر في الساعة خمسة سنتات، أو بواقع 0.2 في المائة الشهر الماضي، لتصل نسبة الزيادة الشهرية إلى 2.5 في المائة.
ويقول خبراء إن هناك حاجة لنمو الأجور بما يتراوح بين ثلاثة و3.5 في المائة لرفع معدل التضخم إلى المستوى الذي يستهدفه البنك المركزي الأميركي، والبالغ اثنين في المائة.
وتراجع معدل المشاركة في القوة العاملة - أو نسبة الأميركيين في سن العمل ممن يعملون أو على الأقل يبحثون عن وظيفة - بنسبة 0.2 نقطة مئوية إلى 62.2 في المائة.
والزيادة التي تحققت في الشهر الماضي ضعيفة على نطاق واسع، حيث أضاف القطاع الخاص 25 ألف وظيفة جديدة، وهي أقل زيادة منذ فبراير 2010. واستمر التوظيف في قطاع التعدين في اتجاهه النزولي، حيث تقلص عدد الوظائف فيه بواقع عشرة آلاف وظيفة، وانخفض عدد الوظائف في القطاع بواقع 207 آلاف وظيفة، منذ أن بلغ الذروة في سبتمبر 2014. وارتفع عدد الوظائف في قطاع التجزئة بواقع 11 ألفا و400 وظيفة، بعد أن تقلص في أبريل للمرة الأولى منذ ديسمبر 2014.
وقالت ليل برينارد، عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي، إنه ينبغي على «المركزي» الحذر بشأن رفع سعر الفائدة، مشيرة في حديثها أول من أمس، إلى أن تباطؤ سوق العمل في الولايات المتحدة يؤكد على ضرورة الانتظار في رفع الفائدة هذا الشهر وترقب البيانات الصينية والأوروبية خاصة نتائج الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ويرى ديفيد موريس الخبير الاقتصادي في تعليقه لـ«الشرق الأوسط»، أن «ضعف الوظائف في مايو رغم خطاب يلين الاثنين الماضي الذي وصف بالخطاب القوي، جعل من الصعب احتمال رفع الفائدة في الاجتماع المقبل»، مشيرا إلى أن «السوق لم يكن راضيا على احتمالات رفع الفائدة في الصيف. ونتيجة لذلك على مدى الأسابيع الماضية رأينا الحيرة بين رؤساء الاحتياطي الفيدرالي ليخرج بعضهم ليعلن عن تشديد السياسة النقدية، في حين يرى آخرون أن رفع الفائدة اثنين أو ثلاث أو حتى أربع مرات ممكنة في 2016. وكلها اقتراحات مثيرة للسخرية، خاصة مع الغموض الذي يحيط الانتخابات الرئاسية الأميركية، ناهيك عن التوقعات غير المؤكدة للاقتصاد العالمي بشكل عام والأميركي بشكل خاص».
وأوضح موريس أنه لا يمكن لوم الفيدرالي بسبب البيانات الضعيفة، لكن من المؤكد أنه سيزيد مهام المركزي خلال الفترة المقبلة لإنعاش السوق، وتصحيح تسعير الأصول المالية. وشهد قطاع الخدمات تباطؤا خلال مايو الماضي ليصل إلى 52.9 نقطة، من 55.7 نقطة في أبريل، مخالفًا بذلك توقعات سابقة بانخفاض ليصل إلى 55.5 نقطة.
وجاءت قراءة «ماركيت» لمؤشر مديري مشتريات الخدمات لشهر مايو عند 51.3 نقطة، تمثل انخفاضا من 52.8 نقطة في أبريل، في الوقت ذاته انخفض مؤشر ماركيت المركب للصناعات التحويلية والخدمات ليبلغ 52.4 نقطة من 50.9 نقطة في الشهر الأسبق.
ويتفق معه دانيال هيمنز، المحلل الاقتصادي بمجموعة أي إن جي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، قائلا إن «بيانات قطاع الخدمات جاءت مخيبة للآمال، والتي سرعان ما تبعها أرقام توظيف ضعيفة، لتقدم سببا آخر لمجلس الاحتياطي لترك أسعار الفائدة دون تغير هذا الشهر».
«جمعة» سيئة للاقتصاد الأميركي تعصف بجهود 4 سنوات لأوباما
رغم إشارات يلين.. المؤشرات ترجح عدم رفع الفائدة
«جمعة» سيئة للاقتصاد الأميركي تعصف بجهود 4 سنوات لأوباما
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة