أسطورة القرن العشرين.. محمد علي «طار كالفراشة ولسع كالنحلة»

الملاكم الوحيد الذي فاز باللقب 3 مرات

في واحدة من أشهر مبارياته (أ.ب).. وفي الإطار محمد علي كلاي في لقطة تعود لعام 2004 (رويترز)
في واحدة من أشهر مبارياته (أ.ب).. وفي الإطار محمد علي كلاي في لقطة تعود لعام 2004 (رويترز)
TT

أسطورة القرن العشرين.. محمد علي «طار كالفراشة ولسع كالنحلة»

في واحدة من أشهر مبارياته (أ.ب).. وفي الإطار محمد علي كلاي في لقطة تعود لعام 2004 (رويترز)
في واحدة من أشهر مبارياته (أ.ب).. وفي الإطار محمد علي كلاي في لقطة تعود لعام 2004 (رويترز)

توفي محمد علي كلاي أسطورة الملاكمة الأميركي السابق يوم الجمعة الماضي عن 74 عامًا في فينيكس في ولاية أريزونا بعدما خسر معركته الطويلة والأخيرة ضد داء باركينسون.
ورحل أسطورة الرياضة العالمية والشخصية المميزة في تاريخ القرن العشرين في أحد مستشفيات فينيكس بولاية أريزونا. وقال بوب غونيل الناطق باسم عائلة بطل الملاكمة السابق إن «محمد علي كلاي توفي عن 74 عاما بعد صراع مع داء باركينسون دام 32 عاما». وأضاف أن بطل العالم في الوزن الثقيل ثلاث مرات توفي مساء الجمعة الماضي.
وأوضح أن جنازة أشهر ملاكم في العالم ستنظم في مسقط رأسه لويفيل في ولاية كنتاكي، من دون أن يحدد أي موعد. وأدخل محمد علي كلاي الذي يعاني منذ ثمانينات القرن الماضي من داء باركينسون، الخميس إلى مستشفى مدينة فينيكس في ولاية أريزونا، حيث يقيم مع زوجته الرابعة لوني، لمعالجته من مشاكل تنفسية.
وكان أدخل المستشفى مرتين في نهاية 2014 وبداية 2015 بسبب إصابته بالتهاب رئوي والتهاب في جهاز البول.
وكان يحلو لمحمد علي أن يردد عبارة «أنا الأعظم». وبالفعل فإنه لم يكن الأعظم وحسب، بل الملاكم الأكثر جاذبية في تاريخ رياضة الفن النبيل.
فبالإضافة إلى تمتع محمد علي الرياضي بمواهب فريدة وبتقنية صافية ولكمات قوية، فإن التاريخ سيذكر الإنسان الذي أعطى دفعا كبيرا لرياضة الملاكمة بفضل حديثه وميله إلى التصريحات المثيرة للجدل ومعارضته القانون القائم.
وبدأ كاسيوس كلاي، وهو اسمه الأصلي قبل أن يعتنق الإسلام، المولود في 17 يناير (كانون الثاني) 1942 في لويزفيل (ولاية كنتاكي)، ممارسة الملاكمة بعد أن حاول الثأر من ولد صغير سرق دراجته.
ونال شرف تمثيل بلاده في أولمبياد روما عام 1960. وكان أصغر الملاكمين في المنتخب الأميركي، وسبق له أن نال جائزة القفاز الذهبي عام 1958 عندما كان في السادسة عشرة من عمره.
وما إن بدأ مسيرته الاحترافية حتى أطلق العنان للسانه عندما قال قبل إحدى مبارياته: «أطير كالفراشة وألسع كالنحلة». وعندما بلغ الثانية والعشرين من عمره توج بطلا للعالم على حساب مواطنه سوني ليستون.
احتفظ بلقب بطل العالم حتى عام 1967، تاريخ رفضه التوجه إلى فيتنام لخوض الحرب إلى جانب مواطنيه، وإذا كان أفلت من الدخول إلى السجن فإنه منع من الملاكمة بسبب ذلك قبل أن يعفى عنه عام 1971.
وفي العام ذاته دافع عن لقبه ضد جو فرايزر في مباراة وصفها محمد علي نفسه بأنها «نزال القرن» وخسرها بالنقاط. قبل أن يستعيد لقبه بعد ثلاث سنوات في مباراة مشهودة ضد جورج فورمان، أقيمت في كينشاسا عاصمة زائير عام 1974، عندما أنزل منافسه بالضربة القاضية في الجولة الثامنة.
وثأر محمد علي لخسارته أمام فرايزر في مانيلا عام 1975، قبل أن يخسر اللقب ضد مواطنه ليون سبينكس عام 1978.
واستعاد محمد علي لقبه العالمي للمرة الثالثة (رقم قياسي) ضد سبينكس بالذات بعد سبعة أشهر. بعد ذلك مباشرة اعتزل الملاكمة. لكن الحنين إلى رياضة الفن النبيل وفشله في إدارة أمواله التي جناها جعله يلبس القفازين من جديد، وصعد إلى الحلبة وهو في الثامنة والثلاثين من عمره ليلقى خسارة ثقيلة أمام لاري هولمز بالضربة القاضية في الجولة الحادية عشرة في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1981.
وخاض محمد علي 60 نزالا، فاز في 56، منها 22 على اللقب العالمي. ودفع محمد علي ثمن السنوات الطويلة التي أمضاها في عالم الملاكمة، حيث أصيب بمرض الشلل الرعاشي «باركينسون»، وإذا كان هذا المرض حد من قدرته الطبيعية، فإنه لم يثنه عن القيام بجهود كبيرة في خدمة الرياضة والإسلام والأطفال، قبل أن ينال منه المرض في النهاية.
ونال محمد علي تكريما رائعا من قبل اللجنة المنظمة لأولمبياد أتلانتا عام 1996، عندما أوكلت إليه إيقاد الشعلة الأولمبية، فقام بذلك ويداه ترتجفان في مشهد مؤثر.

أبرز المباريات
التي خاضها:
* 5 سبتمبر (أيلول) 1960
فاز بالميدالية الذهبية لوزن خفيف الثقيل في أولمبياد روما بعد التفوق بالنقاط وبإجماع الحكام على البولندي زبيغينيو بيتركوفسكي.
* 29 أكتوبر 1960
خاض أول نزال على مستوى الاحتراف في مسقط رأسه لويزفيل بولاية كنتاكي، وفاز بالنقاط وبإجماع الحكام على توني هونساكر، الذي كان في هذا الوقت رئيسا للشرطة في فايتفيل في وست فرجينيا.
* 25 فبراير (شباط) 1964
حقق فوزه الـ19 دون أي خسارة، عندما توج بلقب وزن الثقيل وهو في الثانية والعشرين من عمره بتغلبه على سوني ليستون الذي استسلم بعد ست جولات في ميامي بيتش.
* 22 مارس (آذار) 1967
بعد نجاحه في الدفاع عن اللقب ثماني مرات، بما في ذلك الفوز على ليستون والتفوق على البطل السابق فلويد باترسون، فاز علي بالضربة القاضية على زورا فولي في الجولة السابعة في نيويورك. كان هذا نزاله الأخير قبل خسارة ألقابه ومواجهته عقوبة السجن لرفضه الالتحاق بالجيش الأميركي.
* 26 أكتوبر 1970
بعد ابتعاده عن حلبة الملاكمة ثلاث سنوات ونصف بسبب مشكلات قانونية عاد علي إلى الحلبة في أتلانتا أمام جيري كواري وفاز بالضربة القاضية الفنية في الجولة الثالثة.
* 8 مارس 1971
واجه علي منافسه جو فريزر - الذي أصبح بطل وزن الثقيل في غياب علي - في نزال منتظر وصفه مروجو الحدث بأنه «نزال القرن» في نيويورك. ولم يخسر الملاكمان قبل خوض المعركة التي وضعت سرعة علي وطول ذراعيه أمام تحمل فريزر وقوة لكماته. بدأ علي النزال قويا، ولكن فريزر هيمن على الجزء الأخير من المباراة التي استمرت 15 جولة وفاز بالنقاط وبإجماع الحكام.
* 31 مارس 1973
كانت خسارة علي الثانية بالنقاط أمام كين نورتون الذي كسر فك علي. بعد ستة أشهر فاز علي على نورتون في مباراة جديدة بين الرجلين.
* 28 يناير 1974
فاز علي على فريزر - الذي فقد لقبه قبل ذلك أمام جورج فورمان - بالنقاط وبإجماع الحكام.
* 30 أكتوبر 1974
خاض علي «لقاء الأدغال» في كينشاسا بزائير أمام فورمان المخيف الذي يصغره في السن. وبدلا من الاعتماد على التحرك بصورة مستمرة كما هو معهود عنه، اكتفى علي خلال أغلب فترات النزال بتغطية وجهه بذراعيه والاستناد إلى الحبال. كان يهدف بهذه الاستراتيجية إنهاك فورمان من خلال اللكمات التي لم تلحق ضررا كبيرا به، وقد نجحت هذه الخطة، إذ إن علي تغلب عليه بالضربة القاضية في الجولة الثامنة وفاز باللقب.
* أول أكتوبر 1975
خاض علي مباراة إعادة ثانية أمام فريزر في مانيلا. وقبل المباراة وصف علي فريزر بأنه غوريلا. فاز علي بالنزال إذ لم يتمكن فريزر من خوض الجولة 15 الأخيرة، عندما اقتربت درجة الحرارة من 38 درجة مئوية، وقال علي إنه كان أقرب ما يكون للموت في هذه المباراة.
* 15 فبراير 1978
علي وهو في الـ36 من عمره خسر اللقب بالنقاط أمام ليون سبينكس - 25 عاما - الذي سبق له خوض سبع مباريات فقط على مستوى الاحتراف، بعد أن فاز بالميدالية الذهبية في أولمبياد 1976.
* 15 سبتمبر 1978
استعاد علي لقب الوزن الثقيل بعد تغلبه على سبينكس بالنقاط وبإجماع الحكام، ما جعله أول رجل يتوج بطلا ثلاث مرات. بعدها أعلن اعتزاله.
* 2 أكتوبر 1980
حاول وهو في الـ38 من عمره العودة في نزال على اللقب أمام لاري هولمز الذي كان يتدرب معه في السابق، ولكن مهارات علي تراجعت بصورة واضحة. وأوقف مدرب علي النزال بعد عشر جولات مستسلما لتصبح المرة الأولى في مسيرة علي التي ينهي فيها مباراة بهذه الطريقة.
*11 ديسمبر 1981
خسر علي بالنقاط وبإجماع الحكام آخر نزال له وكان أمام تريفور بيربيك.

من أقواله

لم يكن الراحل محمد علي بطلا في الملاكمة فحسب، بل إنه كان شخصية جذابة يجيد الحديث في كثير من المجالات والموضوعات، بعكس كثير من الرياضيين، وفيما يلي بعض من أقواله.
* «أحلق كالفراشة وألسع كالنحلة».
* «إنها مجرد مهنة. العشب ينمو، والطيور تحلق، والأمواج تصطدم بالرمال. وأنا أوسع الناس ضربا».
* «الملاكمة عبارة عن مجموعة من البيض يشاهدون رجلين أسودين يضربان بعضهما».
* «في المنزل أنا رجل لطيف، ولكن لا أريد للعالم أن يعرف ذلك، بعد أن تبين لي أن البسطاء لا يحصلون على الكثير».
* «صارعت التماسيح، وواجهت حوتا. قيدت البرق وحبست الرعد. تعرفون أنني شديد البأس. في الأسبوع الماضي قتلت صخرة وجرحت حجرا، وبسببي دخل أحد قوالب الطوب المستشفى. أنا سيئ للغاية. يمكنني أن أجعل الدواء مريضا».
* «أنا لست الأعظم. أنا أعظم العظماء. لا أوجه لهم الضربات القاضية فحسب، بل أختار الجولة للقيام بذلك. أنا الأكثر جرأة والأجمل، والأكثر تميزا، وأكثر العارفين بالعلوم، وأكثر المقاتلين مهارة وقدرة في الحلبة اليوم».
* «أعرف أنني أنجزت ذلك في الوقت الذي لا تزال فيه أعداد غفيرة من ذوي البشرة السمراء يعانون، ولكن طالما أنهم ليسوا أحرارا فأنا لست حرا».
* «ربما لا أتحدث بطريقة لبقة ومنمقة مثل أصحاب البشرة البيضاء، ولكني أمنحكم الحكمة».
* «إذا قال علي أن بعوضة يمكنها أن تسحب جرارا فلا تجادل في ذلك».
* «أنا الشخص الوحيد على الإطلاق الذي يمكنه الحديث للجميع في العالم بأسره. اسمي معروف في صربيا وباكستان والمغرب. هذه الدول التي لا تتابع أخبار سباقات كنتاكي للخيول».
* «أحيانا أشعر ببعض الحزن؛ لأنني أستطيع أن أرى كيف أن بعض ما أقوله يمكن أن يسيء إلى أشخاص آخرين. ولكني لا أحاول عمدا إيذاء أحد. الخطابات المثيرة والعبارات الرنانة كانت جزءا من عملي».
* «الآن الأمور التي لم تكن تتطلب جهدا في السابق - قوة صوتي وسرعة حركتي - باتت أكثر صعوبة. ولكنني أستيقظ كل يوم وأحاول أن أعيش الحياة بكل جوانبها؛ لأن كل يوم نعيشه هو هبة من الله».
* لقد نمت روحي على مر السنين وتغيرت بعض آرائي. وسأستمر في محاولة فهم المزيد.. كما طالت حياتي لأن عمل القلب لا ينتهي. (من سيرته الذاتية «روح الفراشة: تأملات في رحلة الحياة»)
* الصداقة هي أصعب شيء يمكن تفسيره في هذا العالم، ليست شيئا تدرسه في المدرسة، ولكن إذا لم تتعلم معنى الصداقة فأنت لم تتعلم شيئا.
* فقط الرجل الذي يعرف معنى الهزيمة يستطيع الغوص في أعماق روحه لاقتناص القوة التي تمكنه من الفوز.
* ليست الجبال المنتصبة أمامك هي التي ترهقك، ولكنه الحصى في حذائك.
* نقص الثقة هو ما يجعل الناس يخافون من التحديات، وأنا أثق في نفسي.
* إذا حلمت فقط بأن تضربني فمن الخير لك أن تستيقظ وتقدم الاعتذار.
* لن أحن للملاكمة، الملاكمة هي التي ستحن لي.
* لا توجد أي متع في الملاكمة، ولكن الفوز في بعض مبارياتي كان ممتعا.
* الأبطال لا يتشكلون في صالات التدريب. بل يتشكلون من أشياء في أعماقهم: رغبة، حلم، رؤية. يجب أن تكون لديهم قدرة على الجلد لآخر لحظة، يجب أن يكونوا أسرع قليلا، وأن يتمتعوا بالمهارات والإرادة. إلا أن الإرادة يجب أن تكون أقوى من المهارات.
* أنا أميركا، الجزء الذي لا تدركونه. عليكم التعود على ذلك. أسود، واثق، مغرور، اسمي ليس اسمكم، ديني ليس دينكم، أهدافي تخصني، اعتادوني.
في عام 1970 عقب إدانته بالتهرب من التجنيد
* أكره كل دقيقة من التدريب، ولكني أقول لنفسي: لا تستسلم وعش بقية حياتك بطلا. (معلقا على بذل مزيد من الجهد).
* لا يوجد أي مبرر لقتل أي شخص في الحلبة، إلا إذا كان يستحق. (معلقا بعد مباراته مع جيمي أليس في يوليو (تموز) 1971).
* الشخص الذي يرى العالم وهو في الخمسين من عمره كما كان يراه وهو في العشرين أضاع 30 سنة من حياته. (في مقابلة صحافية مع مجلة «بلاي بوي» في عام 1975).

محمد علي.. «الأعظم»

لندن: «الشرق الأوسط»

ولد محمد علي في لويزفيل في كنتاكي بالولايات المتحدة، تحت اسم كايسوس مارسيليوس كلاي جونيور في 17 يناير (كانون الثاني) عام 1942. والدته أوديسا كانت طاهية وعاملة منزلية، أما والده فكان رسام لوحات إعلانية وكان يلقي باللائمة على التفرقة العنصرية التي حرمته من مستقبل أفضل بصفته رساما.
أصر محمد علي على تعلم الملاكمة لينتقم من صبي سرق دراجته الهوائية عندما كان طفلا. وبسرعة أخذ يحقق، بفضل قوة قبضتيه، النصر تلو الآخر وأصبح بطل دورة الألعاب الأولمبية في روما في 1960، ثم بطل العالم حسب تصنيف الجمعية العالمية للملاكمة في 1964 بفوزه على سوني لينستون بالضربة القاضية في الجولة السابعة. غداة ذلك قرر تغيير اسمه إلى كاسيوس إكس تيمنا بزعيم «المسلمين السود» مالكولم إكس. وبعد شهر اعتنق الإسلام وغير اسمه إلى محمد علي.
وأصبح شخصية محورية بصفته ممثلا لحركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، ورمزا لمقاومة حرب فيتنام، عندما رفض التجنيد في الجيش. وقال: «لست في نزاع مع الفيتناميين... لم يطلق علي أي فيتنامي اسم زنجي».
وأدين بعد ذلك بالتهرب من الخدمة العسكرية، لكنه طعن على القرار حتى وصل إلى المحكمة العليا التي نقضت الحكم، في عام1971.
بسبب موقفه من حرب فيتنام جرد محمد علي من الألقاب التي حصل عليها ومنع من ممارسة الملاكمة ثلاث سنوات ونصف السنة، بعدما أغضب غالبية الرأي العام الأميركي. لكن آخرين رأوا فيه أحد أعمدة الثقافة المضادة وبطل قضية السود الذين كانوا يناضلون من أجل المساواة في الحقوق.
وأصبح محمد علي مجددا بطل العالم في 1974، حسب تصنيف الجمعية العالمية والمجلس العالمي، بفوزه بالضربة القاضية في الجولة الثامنة على جورج فورمان، فيما أطلق عليه تسمية «معركة في الأدغال» في كينشاسا بزائير التي أصبحت اليوم جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وخسر لقبه بالنقاط أمام ليون سبينكس في 15 فبراير (شباط) 1978، ثم استعاده في 15 سبتمبر (أيلول) من السنة نفسها.
واعتزل في 1979. لكنه اضطر للعودة إلى الحلبة بعد سنتين في سن التاسعة والثلاثين بسبب إساءته إدارة ثروته.
ولم تكن هذه العودة في مصلحته، ومني في أكتوبر (تشرين الأول) 1981 بهزيمة ساحقة أمام مواطنه لاري هولمز، الذي كان أقوى منه بكثير. لم يعد محمد علي «الأعظم» لكنه أصر على مواصلة العمل. في ديسمبر (كانون الأول) من السنة نفسها هزم أمام تريفور بيربيك وكانت تلك آخر مباراة يخوضها.
وتوقف كلاي عن اللعب نهائيا بعد 56 فوزا في 61 مباراة بينها 22 في بطولة للعالم و37 بالضربة الفنية القاضية.
وفي 1996 بدا مريضا وأضعفه داء باركينسون في حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في أتلانتا.
وفي 2005 منح وسام الحرية الرئاسي، وهو أرفع وسام مدني في الولايات المتحدة.
وأصبح ظهوره بشكل علني نادرا تدريجيا. وكان آخر تجمع عام شارك فيه، في فينيكس، عشاء لجمع تبرعات للأبحاث لمكافحة داء باركينسون.
وقال في 1987: «الله أصابني بمرض باركينسون لأرى أنني لست سوى مجرد رجل مثل الآخرين ولدي نقاط ضعف مثل الجميع».
لم يكن كثيرون ليختلفون على براعة علي الفائقة في أوج سطوع نجمه في الستينات. وبخفة حركة قدميه وقبضتيه استطاع أن «يحلق كالفراشة ويلسع كالنحلة» على حد تعبيره. وكان أول من فاز ببطولة العالم للملاكمة للوزن الثقيل ثلاث مرات.
وخلال سنوات بطولاته وبعدها التقى بعشرات من زعماء العالم، بل كان يعتبر لفترة أبرز شخص على وجه البسيطة، حتى أن صيته امتد لقرى نائية بعيدة كل البعد عن الولايات المتحدة.
وامتد تأثير علي لما هو أبعد كثيرا عن حلبات الملاكمة. فقد أصبح المتحدث غير الرسمي باسم ملايين السود والمقهورين في أنحاء العالم لرفضه المهادنة في آرائه ولوقوفه أمام السلطات البيضاء.

أبرز ردود الفعل

* في ما يلي أبرز ردود الفعل على وفاة الملاكم الأسطورة محمد علي عن عمر 74 عامًا:
* غردت ابنته، هنا علي، قائلة: «لقد كان والدنا جبلاً متواضعًا!. والآن ذهب إلى جوار ربه. فليباركك الله يا أبي».
* الرئيس باراك أوباما وهو أول رئيس أسود للولايات المتحدة قال: إن علي «قاتل من أجلنا» ووضعه في مصاف أبرز دعاة الحقوق المدنية مثل مارتن لوثر كينغ ونيلسون مانديلا. وأضاف الرئيس الأميركي في بيان «بسبب معاركه خارج الحلبة خسر لقبه وصورته العامة. كما أصبح له الكثير من الأعداء وتعرض للإهانة وكان على وشك دخول السجن أيضا ولكن علي تمسك بمواقفه. وصب الانتصار الذي حققه في صالحنا ولولاه ما عرفنا أميركا التي نراها اليوم».
* رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي («تويتر»): «محمد علي لم يكن بطلا في الحلبة فقط، بل كان بطلا للحقوق المدنية وقدوة للكثيرين».
* رئيس الوزراء الماليزي نجيب رزاق في تغريدة: «خسر العالم أكثر من مجرد أسطورة في الملاكمة. لقد خسرنا أعظم شخص على مر التاريخ».
*رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي: «سيظل اسم محمد علي خالدا كأسطورة وبطل في الملاكمة وملحمة نجاح. ارقد في سلام يا كلاي».
* بيليه نجم كرة القدم البرازيلي السابق عبر «إنستغرام»: «لقد تكبد عالم الرياضة خسارة كبيرة. كان محمد علي صديقي ونجمي المفضل وبطلي. قضينا بعض الوقت سويا ودائما كان هناك اتصال بيننا طوال الوقت. الحزن كبير للغاية».
* جورج فورمان، بطل العالم السابق في الوزن الثقيل والذي هزمه محمد علي في أشهر نزال في التاريخ (على مدونة «تويتر»): «علي، فريزر وفورمان، كنا نحن الثلاثة واحدًا. جزء مني رحل، والواقع أنه الجزء الأكبر».
* مايك تايسون، بطل العالم السابق في الوزن الثقيل (على مدونة «تويتر»): «وداعًا إلى الملاكم الأعظم، أيها العظيم ارقد بسلام».
* فلويد مايويذر، بطل العالم السابق لوزن الوسط الذي لم يخسر في 49 مباراة واعتزل شابا: «لقد خسرنا أسطورة، بطلا كبيرا وشخصا رائعا. إنه أحد الذين فتحوا لي الطريق لأكون كما أنا الآن. الكلمات لا تكفي ولا تعطي علي حقه لما قدمه لرياضتنا. بالنسبة إلى شخصيا، علمني ألا أشعر بالخوف أبدا».
* إيفاندر هوليفيلد، بطل العالم السابق للوزن الثقيل: «إنها خسارة ثقيلة. كنت أريد أن أكون مثله، لقد ألهمني. سألني في أحد الأيام إذا كنت أريد تحطيم رقمه القياسي (توج علي بلقب بطل العالم للوزن الثقيل 3 مرات، وأجبت كلا، لأن ذلك يعني أنه يتعين علي أن أخسر أحد نزالاتي. لكن العودة بعد الخسارة تظهر مدى القوة وهذا ما برهنه علي طوال مسيرته».
* دون كينغ، أشهر منظم مباريات الملاكمة: «كان شخصا رائعا ليس فقط كملاكم لكن كأيقونة أيضا. لن يموت محمد علي إطلاقا. لن يموت محمد علي، فهو مثل مارتن لوثر كينغ. روحه ستبقى إلى الأبد».
* أوسكار دي لا هويا، بطل العالم سابقا في 6 أوزان مختلفة ومنظم مباريات حاليا: «إنه الملاكم الذي منح رياضة الفن النبيل عصرها الذهبي وجعلها شعبية. كان علي يجسد الشجاعة، لم يختر إطلاقا السهولة أكان على الحلبات أو خارجها. لقد بحث عن العظمة في كل ما قام به».
* توماس باخ رئيس اللجنة الأولمبية الدولية: «لقد كان رياضيا لمس شغاف قلوب المعجبين في مختلف أنحاء العالم، لقد تحلى بشجاعة بث الأمل في نفوس كثيرين ممن يعانون جراء الأمراض بإضاءة الشعلة الأولمبية وعدم إخفاء محنته. لقد كان أولمبيا حقيقيا. وكان لقاؤه شخصيا مصدر إلهام. لقد كان رجلا شديد الاعتزاز بنفسه وفي نفس الوقت متواضعا جدا».
* كريم عبد الجبار النجم السابق بدوري كرة السلة الأميركي للمحترفين: «اليوم، نخفض رؤوسنا. فقدنا رجلا قدم الكثير للولايات المتحدة. غدا، سنرفع رؤوسنا لنتذكر شجاعته وصراحته وتضحياته من أجل الناس ومن أجل بلاده».
* البريطاني لويس هاميلتون بطل العالم لسباقات سيارات فورمولا 1: «فليبارك الله عائلة هذا البطل ويساندها في هذا الوقت العصيب».
* نجم التنس الألماني السابق بوريس بيكر: «هذا العملاق تحرك كالفراشة ولدغ كالنحلة».
* العداء البريطاني والبطل الأولمبي الشهير محمد (مو) فرح: «فقدت بطلي».
* وو تشينج كو رئيس الاتحاد الدولي للملاكمة: «نجح كلاي في تغيير رياضة الملاكمة في أوجه عدة وأصبح رمزًا لعدة أجيال».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».