أنقرة مستعدة لـ«التدخل البري» في سوريا لمنع إقامة «كيان كردي»

مصادر تركية لـ «الشرق الأوسط» : العلاقات مع واشنطن متوترة.. وننتظر إجابات على أسئلتنا

معرة النعمان بريف إدلب شمال سوريا كما بدت أمس تحت غبار غارة جوية من الطيران الحربي أمس (رويترز)
معرة النعمان بريف إدلب شمال سوريا كما بدت أمس تحت غبار غارة جوية من الطيران الحربي أمس (رويترز)
TT

أنقرة مستعدة لـ«التدخل البري» في سوريا لمنع إقامة «كيان كردي»

معرة النعمان بريف إدلب شمال سوريا كما بدت أمس تحت غبار غارة جوية من الطيران الحربي أمس (رويترز)
معرة النعمان بريف إدلب شمال سوريا كما بدت أمس تحت غبار غارة جوية من الطيران الحربي أمس (رويترز)

تنظر تركيا بقلق بالغ إلى ما يجري خلف حدودها الشمالية من تمدد لأكراد سوريا باتجاه مدينة منبج، واحتمالات إيجاد تواصل جغرافي بين منطقة عفرين، وبقية مناطق الأكراد في سوريا، والذي من شأنه أن يشكل حزاما فاصلا بين تركيا ومنطقة حلب، كما يشكل تهديدا لأمنها القومي، كما يؤكد قادتها على اختلاف مناصبهم.
وينبع الخوف التركي من قيام كيان كردي على الجهة السورية من حدودها، ما قد يزيد من النزعة الانفصالية لبعض مواطنيها الأكراد، ويمنح تنظيمات مثل حزب «الاتحاد الكردستاني» المعروف بـ«ب.ك.ك» الذي يقاتل الحكومة المركزية في أنقرة منذ عشرات السنوات، مدى حيويا من شأنه تعقيد أمورها.
وأكدت مصادر رسمية تركية لـ«الشرق الأوسط»، أن أنقرة ستتصدى لأي محاولة لفصلها عن إخوتها في الشمال السوري، نافية بشدة وجود أي اتفاق مع الأميركيين حول تخطي قوات تنظيم الاتحاد الديمقراطي الكردي (بي واي دي) لنهر الفرات غربا، وهو ما تعتبره تركيا خطا أحمر وخطرا على أمنها القومي. وقالت المصادر إن تركيا تحتفظ لنفسها بحق الدفاع عن أمنها القومي، ملمحة إلى إجراءات من جانب واحد ستقوم بها لمنع قيام أي كيان انفصالي في شمال سوريا يفصل بينها وبين إخوتها السوريين.
وكشفت المصادر عن توتر غير مسبوق في العلاقة مع واشنطن، مشيرة إلى أن أنقرة وجهت عدة أسئلة إلى الولايات المتحدة وتنتظر إجابات حولها، موضحة أن من بينها سؤال حول كيفية التوفيق بين ما تقوله عن علاقة تحالف مع تركيا، وتدعم في الوقت نفسه منظمة تصنفها أنقرة إرهابية، كما تسألها عن كيفية توفيقها بين استخدام قاعدة جوية تركية لدعم منظمة تعتبرها تركيا خطرا على أمنها القومي. ونفت المصادر أيضا ما يشاع عن مهلة 6 أشهر أعطتها واشنطن لتركيا للتخلص من «داعش» قبل أن تبدأ التحرك وحدها في المنطقة.
ويبدو الوضع التركي دقيقا، في ظل دعم واشنطن للأكراد، ما يدفعها إلى التفكير بخيارات أخرى، قالت مصادر في رئاسة الحكومة التركية لـ«الشرق الأوسط» إن التدخل البري قد يكون بينها لمنع قيام أي كيان انفصالي، ولحماية السوريين العرب والتركمان من أي عملية فرز ديموغرافي. لكن نائب رئيس الوزراء التركي، نعمان قورتولموش، أكد أمس أن إقامة منطقة «حظر طيران» شمال سوريا يعد أمرا صعبا في الوقت الراهن. واستغرب المسؤول التركي تقديم واشنطن الدعم لتنظيم «بي واي دي» الذي تعتبره أنقرة الجناح السوري لمنظمة «ب.ك.ك» الإرهابية، قائلا: «جرى تقديم الدعم العسكري للتنظيم الذي كان ضعيفا للغاية، بحجة محاربته (داعش)، والآن يُقدم له الدعم السياسي». واستذكر قورتولموش، وجود خطوط حمر لبلاده في مسألة سوريا، قائلا: «هناك شيئان مهمان، الأول يكمن في منطقة حظر الطيران، الذي قمنا باقتراحه قبل 3 سنوات، ولو كان المجتمع الدولي فرض ذلك لما مات نحو 200 - 250 ألف سوري، ولما ظهرت أزمة اللاجئين. والثاني هو المنطقة الآمنة».
ويرى الباحث في مركز الفكر الاستراتيجي التركي، جاهد توز، أن هدف واشنطن الأساسي ليس حل المشكلة السورية، معتبرا أنها بدعمها لـ«بي واي دي» في شمال سوريا تهدف إلى تطهير شمال سوريا من «داعش» وتركها لـ«بي واي دي»، حتى تكون هناك منطقة حكم ذاتي أو ما يشابه للأكراد في شمال سوريا، وهذا «يكون سدا بين العرب والأتراك». وأكد أنه إذا تجاوز «بي واي دي» أو أي منظمة إرهابية غرب الفرات، «فتركيا ستتدخل، والتدخل البري ليس خيارا بعيدا عن السلطات التركية» وأشار توز إلى أن أنقرة ترى أن «بي واي دي» هو جزء من المشكلة في سوريا ولديه أجندات سرية، وهذا ليس لصالح تركيا.
وأكد نواف خليل، رئيس المركز الكردي للدراسات، أن برنامج وهدف «قوات سوريا الديمقراطية»، التي ستكون «نواة الجيش السوري المستقبلي»، واضح وليس سرا، ويقضي بتحرير كل المناطق المحتلة من «داعش» و«جبهة النصرة» و«أحرار الشام»، وغيرها من المجموعات الإرهابية في الشمال السوري، وإقامة فيدرالية تمتد من عفرين إلى منبج فكوباني وتل أبيض والجزيرة، مشددا على أنه «لن يتم ضم أي شبر من هذه الأراضي إلى الفيدرالية إلا بموافقة أهالي تلك المناطق». واعتبر خليل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تركيا تعاني حاليا «مشكلات مستعصية واستراتيجية» وخصوصا في ظل إصرارها على تخيير الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، بينها وبين «حزب الاتحاد الديمقراطي»، متسائلا: «ماذا تملك أصلا أنقرة من أوراق للضغط على واشنطن التي أتاحت لها أكثر من فرصة لتحرير جرابلس لكنها لم تنجح بذلك». وشدد خليل على أن «السوريين والأكراد لن يسمحوا لتركيا بإقامة جمهورية لمجموعات تابعة لها، كما أنهم لن يقبلوا بتحول حلب لولاية تركية، فحلب سورية وستبقى كذلك».
من جهته، تحدث رامي دالاتي، رئيس المكتب السياسي في «جيش التوحيد» عن «احتجاج شديد» لدى فصائل الجيش السوري الحر على المستجدات الأخيرة في الشمال السوري والدعم الأميركي المعلن للأكراد، لافتا إلى أنهم أبلغوا واشنطن والدول المعنية بـ«تذمرنا الشديد من دعم مبدأ استفراد فصيل معيّن يحمل أجندة انفصالية بمواجهة تنظيم داعش في مناطق محددة». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «سِجل الـ(بي واي دي) سيئ جدا بما يتعلق بحقوق الإنسان وتجنيد الأطفال، وهو ما أشارت إليه منظمة (هيومن رايتس ووتش) أكثر من مرة، أضف إلى ذلك أن القوات الكردية تسعى لتهجير العرب من المنطقة التي لطالما ضمت نسيجا عربيا – كرديا».
ونبّه دالاتي من «تنسيق غير مباشر بين واشنطن والنظام السوري بدأنا نلتمسه بحجة محاربة (داعش)»، مشددا على «خطورة نقل أصدقاء الثورة البوصلة من إسقاط النظام إلى محاربة (داعش) وتقليص نفوذه بالشمال». وأضاف: «البوصلة والأولوية بالنسبة لنا كانت وستبقى إسقاط النظام، لاقتناعنا بأن (داعش) ليس إلا ما أفرزه وسينهار مع انهياره».



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.