فيم تفيد الفلسفة اليوم؟ أطروحات غير مكتملة

هل تصير منقذًا من الضلال؟ وهل تساير الآيديولوجيّة السائدة؟

فيم تفيد الفلسفة اليوم؟ أطروحات غير مكتملة
TT
20

فيم تفيد الفلسفة اليوم؟ أطروحات غير مكتملة

فيم تفيد الفلسفة اليوم؟ أطروحات غير مكتملة

«فيم تفيد الفلسفة اليوم؟».
سؤال يحكمه الإنصات بالفِعل لِهَمِّ الفلسفة بِما هو هَمّ هذا الكون.
يتعلق الأمر بسؤال طرح في تاريخ الفلسفة بصيغ عدة، واتخذت مقارباته وجهات مختلفة، في الفلسفة الغربية وفي الفلسفة العربية على حد سواء.
ينطوي السؤال على نزعَةٍ نفعيّة – برغماتيّة من جهة، لا تقل عن نفعيّة أُجرة الفلسفة، وعلى همٍّ فكري – معرفي من جهة أخرى، لضمان استمراريّة الفلسفة، واستقرار الأوضاع على حالها. ولهذا نتساءل: هل تُتقِن الفلسفة وظيفة إعادة الإنتاج؟ ألا ينبغي لها أن تنخرط في مهام أخرى؟ هل ستصِيرُ الفلسفة مُنقِذًا من الضلال؟ هل تكمن وظِيفتُها البرغماتيّة في مسايرة الآيديولوجيّة السائدة في الوقت الذي تستكِينُ في وظيفتها المعرفيّة إلى نقد الآيديولوجيا؟
الفلسفة والإرهاب: ابتزاز ما بعده ابتزاز
من البديهي جدًا أن يتحلى الفلاسفة بنزعة إنسانيّة كوسموبوليتيّة، حيث ينشدون الحق والعدل، ويطمحون إلى تحقيق السلم الدائم بين الشعوب، ولا أجد أحدًا منهم دافع عن الإرهاب، وعن قتل الناس والفتك بهم. وفي المقابل، بحث الفلاسفة عن مصوغات نظرية وعملية للخروج من التيه الذي يعيشه العالم في عصر العبث والعدمية. ولقد فكر جاك دريدا J. Derrida ويورغن هابرماس J. Habermas معًا في أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وقدما مناظرة فلسفيّة في غاية الأهمية. غير أن كثيرا من فلاسفة العصر اتخذوا الحذر كل الحذر من السقوط في لعبة التوازنات الدوليّة، حيث موازين القوى غير متكافئة، بين قوى تحكم العالم بقبضة من حديد، وتجعل ما عداها مجرد دول في خدمة سيادة عظمى، وبين شعوب لا قدرة لها على الخروج من تخلفها بسبب ازدواجيّة التسلُّط.
لا شك في أنكم جميعًا تحسون وتدركون أن اختلالات العالم تعود إلى التحكم الكلياني للشركات المتعددة الجنسيات في 90 في المائة من خيرات الكوكب الأزرق، وإلى قبول الساسة عالميًا بهذا التحكم وتسويغه والدفاع عنه، وكأن مصالحهم مشدودة إلى ضغط هذه الشركات كقدر لا محيد عنه.
الفلسفة والسياسة: لا تطابق ولا انفصال
لا أحد ينكر الصلات البينة بين كلا المجالين، وسيكون من قبيل المجازفة إقامة حد فاصل بين الفلسفة والسياسة. غير أن تلك الصلات تطرح استفهامات عدة، من جهة أن الفلسفة السياسية ليست هي فلسفة السياسة، وليست هي علم السياسة، ومن جهة أن السياسة ليست هي السياسات ولا السياسي.
لا يوجد أي تطابق كلي بين الفلسفة والسياسة، ولا أي انفصال بينهما. ففي الوقت الذي تتجه فيه السياسة – بتعبير سلافوي جيجيك S. Zizik – نحو الاهتمام بقضايا الشأن العام، نحو إيجاد أجوبة عمليّة ملموسة لمشكلات البشر، تتجه الفلسفة نحو إثارة المشكلات التي تعترض البشر في وجوده الملموس. وبهذا المعنى، لا يمكن للفلسفة أن تلعب أدوارًا سيّاسيّة كتلك التي تلعبها الأحزاب والجماعات الضاغطة وتنظيمات المجتمع المدني، كما لا يمكن للسياسة أن تقوم مقام الفلسفة.
صحيح أن الفلاسفة لعبوا أدوارا سيّاسيّة في الدفاع والتنظير والتشريع لأنماط سيّاسيّة معينة ضد أخرى. غير أنهم لم يفعلوا ذلك باسم الفلسفة، بقدر ما فعلوه كمواطنين في مجالهم وشأنهم العام. وكثيرة هي الخطابات التي روجها الفلاسفة حول إصلاح الفلسفة، وحول مستقبل الفلسفة، كما فعل لودفيغ فيورباخ L. Feuerbach، وحول نهاية الفلسفة، وضرورة تحولها إلى حارس آيديولوجيا البروليتاريا، كما فعل كارل ماركس K. Marx، أو مماهاتها مع النظام العقلي – الواقِعي لحال ألمانيا مع فريديريك هيجل F. Hegel، وحول صياغتها للدّستور، كما فعل أرسطو Aristote وإيمانويل كانط E. Kant وهابرماس. وفي المقابل، كثيرةٌ هي الخطابَات التي روَّجها الفلاسفة حول هدم القيَّم، كما فعل فريديريك نيتشه F. Nietzsche، وحول نقد الدِّين، كما فعل فيورباخ وآخرون، ورفض رؤى للعالم بعينها، وحول حاجتها إلى الانخراط في عبثيَّة الوجود.
إن ازدواجيَّة الخِطاب الفلسفي، وانتقاله من القضيّة إلى نقيضها، لهي سمة طبعت تاريخًا مديدًا، وجعلت من الفكر الفلسفي فكرًا مشروطًا بعصره، فكرًا زمنيًا ومكانيًا وسيَّاقيًّا. هكذا نظرت حنة آرنت H. Arendt لمناهضة التوتاليتاريا وتصحر العالم، وواجه لينين النزعة التجريبيّة، ووقف جيجيك ضد آلة الرأسماليّة الجهنميّة، وفضح ثيودور أدورنو T. Adorno وماكس هوركهايمر M. Horkheimer وهربرت ماركيوز M. Marcus نزعة الاستهلاك المتناميّة في المجتمعات الصناعيّة، ونظر فرانز فانون F. Fanon للمعدمِين، وأسَّس برتراند راسل P. Russel ومن معه لمحاكمة الصهيونيّة.
لقد صرخ ماكس هوركهايمر يومًا: «في مملكة الشَّر التوتاليتاريّة، يدين الإنسان بقدرته على المحافظة ليس فقط على وجوده، بل على هويته أيضًا، إلى الصُدفة وحدها.. لذلك، فإن كل فلسفة تفكر في إيجاد السِّلم في ذاته، في حقيقة ما، لا علاقة لها بالنظريّة النقديّة».
«من أجل الفلسفة» 1995
ثمّة جدلُ صاعِد ونازِل بين ما يجري في حصة مادة الفلسفة، وبين ما راج في «إعلان باريس من أجل الفلسفة» (بيان الفلاسفة)، الذي دعمته وأعدته اليونيسكو في 15 / 16 فبراير (شباط) عام 1995. ففي درس الفلسفة داخل الفصل الدراسي، يستشهد المدرس بأقوال فلسفيّة، ويستحضر فلاسفة بعينهم لمقاربة إشكالية فلسفيّة، ويتخطى مختلف مراحل تاريخ الفلسفة خِفية، بوعي أو عن غير وعي. فمن طاليس إلى هابرماس، ثمة مسافات زمنيّة غير هينة، وهي تغطي مختلف المجالات المعرفيّة: العلوم، الأخلاق، السيّاسة، الفن، الأدب، الاقتصاد، الأنثربولوجية، التاريخ، القانون. وهو يعلم الطلبة فن التوليد، والمناقشة الحرة، وطرح السؤال، واحترام الرأي، ويؤدّبهم عبر سلسلة معقدة من العمليّات: مراقبة الدفاتر، الغياب، التشجيع والتنويه، الامتحانات، إلى آخره.
وفي بيان «مجلس الفلاسفة» تناقش كبار الفلاسفة حول قضايا الديمقراطيّة، وحقوق الإنسان، والحريات العامة، والمواطنة، والتعدديّة الثقافيّة، والحق في الاختلاف الجنسي، ناهيك عن سعيهم الدؤوب نحو تعميم تدريس الفلسفة في كل بقاع العالم. كما تناقشوا حول وضع الدرس الفلسفي، وهواجس تكوين المدرسين، ومآلات مناهج التدريس، مع السعي نحو تنزيل التطبيقات الفلسفيّة الجديدة.
لا يخفى أن هذه الحركة المزدوجة من الفصل إلى المجلس، ومن المجلس إلى الفصل، ليست بالأمر الهين، رغم ما يمكن أن يقال عنها حول الآيديولوجيا التي تسعى إليها اليونيسكو، وحول وجود هيئة أركان فلسفية دوليّة تتدخل في شؤون الدول الوطنيّة.
تكمن قيمة هذه الجدليّة، في نظرنا، في هذا الربط العجيب - وغير الميكانيكي - بين الكوني والخصوصي، بين العالمي والمحلي، بين الإنسانيّة والأنا الفرديّة. ففي هذا الجدل الصاعد والنازل، تكمن حيوية التفلسف، وتضمن الحفاظ على ذاتها وتراثها، أي على عملية إعادة إنتاج الفكر الفلسفي وفق قضايا العصر، ووفق انشغالات اليومي. إن عملية التكرار والترداد الممل كل سنة للمواقف نفسها، وللإشكالات نفسها، والمفاهيم والأفكار نفسها، رغم إحساس المدرس بالملل وبالروتين، هي عملية ضرورية لضمان الحفاظ على التراث الفلسفي، ولضمان الظفر بمريدين أو بعشاق محتملين لهذه المادة.
في مختلف جامعات العالم، نجد متخصصين في بعض الفلاسفة، أو في ثيمات معينة، أو في إشكالات محددة، وهناك من يقضي حياته كاملة وفاء لتخصصه، وهو تقليد راق جدًا بالمقارنة مع ما يجري في الجامعات المغربية، مع استثناء بعض الأسماء المعروفة جيدًا ممن كرسوا هذا التقليد وزرعوه: محمد المصباحي، وجمال الدين العلوي، وسبيلا، وأبي يعرب المرزوقي، وحسين مروة، وسامي النشار، والجابري، وغيرهم. إننا بحاجة إلى هذا التقليد، وإلى إعادة إحيائه والدفع به، وتشجيع الباحثين لسلوك سبيله. لذا، فصحيح أننا بحاجة إلى «عمال الفلسفة» بتعبير نيتشه، أولئك الذين يهدفون من وراء أعمالهم إلى إيفاء إشكالية، أو فيلسوف، أو منهج، أو مذهب، حقه في البروز والتشيع.
من المستحيل تصور قطيعة بين هذين البعدين، لأن هناك ثقوبا سوداء تمثل جوهر هذا الجدل النازل والصاعد، التي يمكن تلخيصها في: ثقب اللغات، وثقب التخصص الأعمى، وثقب الانفصام.
الثقب الأول
من المستحيل ضمان استمرارية الجدل النازل والصاعد، من دون لغات متعددة ومتنوعة، تعكس تنوع وتعدد ثقافات العالم، تحضر في المدارس والجامعات بشكل قوي، لأن غيابها وضعف إتقانها سيقودنا إلى فقدان القدرة على نقل ما لدينا إلى غيرنا، ونقل ما لدى الغير إلينا.
الثقب الثاني
إن الاعتقاد بكونك، وبكوني أنا، متخصصًا في الفلسفة، أو في علم النفس، أو في السوسيولوجية، بل وفي أحد فروع هذه المجالات، يحول دون إدراك الروابط القائمة بين مختلف فروع المعرفة. ووحده التفكير النقدي يمكننا من بيان الترابطات تلك، ومن بيان تهافت الدعاوي التي تنكر الصلات بين المعارف. فالبشرية واحدة لم تقتسم بعد ما راكمته مع حيوان آخر. البشرية فهم وسلوك وفعل وأثر – هذا المصطلح الفعّال عند آرنت – يتحقق في الزمان والمكان، ولا ينتظر أن يتحقق في عالم آخر غير العالم الذي نحن فيه، ونحيا فيه، ونفعل فيه، ومن دون فعل لا وجود ولا معنى لهذا العالم.
الثقب الثالث
خارج الانفصام، يوجد السواء – لا أؤمن بالسواء بالمعنى المتداول، أي الانكماش والركون للأوضاع، والاستسلام لسلطة ما غير سلطة الذات على نفسها – يوجد الانسجام بالمعنى الأبيقوري للكلمة، بين العدد والنوتة (الموسيقية)، بل التناغم بين الإحساس والتعبير (حتى لا نقول المعنى لأن هذا الأخير يحمل التأويل)، فأن تكون منفصمًا في فكرك وتعبيرك وآرائك، معناه أنك لم تتجاوز بعد مستوى الدوكسا (نمط التفكير اليومي، وهو سطحي بسيط يتبنى الآراء الشائعة). ثمة خيار واحد بين اثنين: إما أنك أنت هو هو، وإما أنك لست أنت، بل سواك.



تكريم الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب في «معرض أبوظبي»

الشيخ ذياب بن محمد بن زايد خلال تكريمه الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب (وام)
الشيخ ذياب بن محمد بن زايد خلال تكريمه الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب (وام)
TT
20

تكريم الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب في «معرض أبوظبي»

الشيخ ذياب بن محمد بن زايد خلال تكريمه الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب (وام)
الشيخ ذياب بن محمد بن زايد خلال تكريمه الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب (وام)

تحت رعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الإمارات، كرَّم الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان، نائب رئيس ديوان الرئاسة للشؤون التنموية وأسر الشهداء، الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها الـ19، خلال حفل تكريم أُقيم في مركز «أدنيك أبوظبي»، على هامش فعاليات الدورة الـ34 من معرض أبوظبي الدولي للكتاب، بحضور نخبة من رموز الأدب والثقافة العالمية.

وسلَّم الشيخ ذياب بن محمد الجوائز للفائزين، وهم: الكاتبة اللبنانية الفرنسية هدى بركات عن «فرع الآداب»، والكاتبة المغربية لطيفة لبصير عن «فرع أدب الطفل والناشئة»، والمترجم الإيطالي ماركو دي برانكو عن «فرع الترجمة»، والباحث المغربي الدكتور سعيد العوادي عن «فرع الفنون والدراسات النقدية»، والأستاذ الدكتور محمد بشاري من دولة الإمارات عن «فرع التنمية وبناء الدولة»، والباحث البريطاني أندرو بيكوك عن «فرع الثقافة العربية في اللغات الأخرى»، والباحث العراقي البريطاني رشيد الخيون عن «فرع تحقيق المخطوطات».

الشيخ ذياب بن محمد بن زايد يكرّم الأديب الياباني العالمي هاروكي موراكامي الفائز بجائزة شخصية العام الثقافية (وام)
الشيخ ذياب بن محمد بن زايد يكرّم الأديب الياباني العالمي هاروكي موراكامي الفائز بجائزة شخصية العام الثقافية (وام)

كما كرَّم الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان الأديب الياباني العالمي هاروكي موراكامي، الفائز بجائزة «شخصية العام الثقافية»، تقديراً لمسيرته الإبداعية التي أَثرت المكتبة العالمية بأعمال روائية فريدة، إذ تُعَدُّ أعماله من بين الأكثر قراءة وترجمة في العالم، ما يعكس قدرة الأدب على التقريب بين الثقافات المختلفة، ومدِّ جسور التواصل بين الشعوب.

وشهدت الدورة التاسعة عشرة من جائزة الشيخ زايد للكتاب، التي ينظِّمها مركز أبوظبي للغة العربية، مشاركة غير مسبوقة تجاوزت 4000 ترشيح من 75 بلداً، منها 20 بلداً عربياً، مع تسجيل 5 بلدان مشاركة للمرة الأولى، هي ألبانيا، وبوليفيا، وكولومبيا، وترينيداد توباغو، ومالي، ما يعكس المكانة المرموقة التي تحظى بها الجائزة على الساحة الثقافية الدولية، ودورها في ترسيخ مكانة دولة الإمارات مركزاً عالمياً للفكر والثقافة، وحاضنةً للمبدعين والباحثين من مختلف أنحاء العالم.

ويحصل الفائز بلقب شخصية العام الثقافية على ميدالية ذهبية وشهادة تقدير، إضافةً إلى جائزة مالية بقيمة مليون درهم، ويحصل الفائزون في بقية الفروع على ميدالية ذهبية وشهادة تقدير، وجائزة مالية تبلغ 750000 درهم لكلِّ فائز، في خطوة تهدف إلى دعم الإبداع المعرفي، وتعزيز استدامة العطاء الثقافي على المستويين العربي والعالمي.

علي بن تميم: تكريم للعقل

وقبيل حفل التكريم، شهدت «منصة المجتمع»، جلسة حوارية تحت عنوان «تقدير لكل مبدع... حوار مع الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب للدورة التاسعة عشرة»، بحضور نخبة من رموز الأدب والثقافة العالمية، فيما ترأس الجلسة الدكتور علي بن تميم رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، وأدارتها الدكتورة ناديا الشيخ عضو الهيئة العلمية للجائزة.

وفي كلمته، أكّد بن تميم أن جائزة الشيخ زايد للكتاب ترسخ التبادل الثقافي بين الحضارات، وتعزز حضور الإبداع الإنساني في عالم متغير، مشيراً إلى أن تكريم هذه النخبة من المبدعين هو تكريم للعقل المنتج، وللفكر الذي يعبر الحدود ليربط بين الشعوب.

وأكّد أن الجائزة تسعى إلى الاحتفاء بالعقل المنتج للمعرفة، وتكريم الأصوات القادرة على مد جسور الحوار بين الثقافات. وأشار إلى أن اللقاء مع الفائزين يرسخ هذه الرؤية، حيث يتحول الحفل إلى منصة للتبادل المعرفي والاحتفاء بالتنوع الثقافي، مشيداً بما يحمله كل عمل فائز من قدرة على إلهام الأجيال الجديدة وتعميق الوعي النقدي تجاه قضايا الإنسان والهوية والمستقبل.

علي تميم متحدثاً في ندوة الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب (معرض أبوظبي)
علي تميم متحدثاً في ندوة الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب (معرض أبوظبي)

معايير عالمية

واستهلت الروائية اللبنانية الفرنسية هدى بركات مداخلتها بالحديث عن روايتها «هند أو أجمل امرأة في العالم» التي فازت بجائزة فرع الأدب، موضحة أن كل رواية تُكتب هي شكل من أشكال الانتصار على البيئة المحيطة.

وأكّدت أن أدبها يتموضع في منطقة الحب المنتقد، حيث تروي الرواية مفاهيم الجمال بمعالجة مختلفة تتجاوز الصور التقليدية. وأشارت بركات إلى أن شخصية «هند» في الرواية ترتبط بمدينة بيروت، التي تحمل لها حباً خاصاً ممتزجاً بالألم. ورأت أن الجوائز العربية تحمل لها قيمة مضاعفة، معربة عن امتنانها العميق لجائزة الشيخ زايد للكتاب، التي تعدّها جائزة عالمية بمعاييرها واهتمام الإعلام الدولي بها.

قدرة الأدب

من جانبها، تحدثت الكاتبة المغربية لطيفة لبصير، الفائزة بجائزة فرع أدب الطفل والناشئة عن كتابها «طيف سَبيبة»، عن تجربتها الأولى في الكتابة الموجهة للأطفال، معتبرة أن تناول موضوع التوحد كان تحدياً إنسانياً وفنياً.

وأوضحت أنها استلهمت تجربتها من معايشتها حالات قريبة تعاني من هذا الاضطراب، ما دفعها إلى البحث والدراسة العلمية قبل الخوض في السرد الأدبي.

وأشارت إلى أن الكتابة عن التوحد كانت مؤلمة في كثير من اللحظات، لكنها شعرت أن الأدب قادر على نقل هذه القضايا الحساسة بعمق وجمال، معبرة عن فخرها بأن يكون هذا العمل رسالة إنسانية موجهة للعالم.

محاولة اختراق

بدوره، أوضح الأستاذ الدكتور محمد بشاري، الفائز بجائزة التنمية وبناء الدولة عن كتابه «حقّ الكدّ والسعاية... مقاربات تأصيلية لحقوق المرأة المسلمة»، أن كتابه يقدم قراءة فقهية تأصيلية لمفهوم الكدّ والسعاية، مبيناً جذوره الفقهية وقدرته على مواكبة التحولات الاجتماعية.

وعدّ بشاري أن كتابه يمثل محاولة لاختراق تقليدي فقهي قديم، مؤكداً أن الإسلام يملك في جوهره إمكانات كبيرة لتعزيز مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة بطريقة علمية متأصلة.

ندوة الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب (معرض أبوظبي)
ندوة الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب (معرض أبوظبي)

إحياء نصّ تراثي قديم

واستعرض المترجم الإيطالي ماركو دي برانكو، الفائز بجائزة فرع الترجمة عن نقله لكتاب «هروشيوش» من العربية إلى الإنجليزية، أهمية عمله بوصفه صلة وصل ثقافية بين عوالم متعددة.

وأشار إلى أن الكتاب يجمع بين نصّين متجاورين بالعربية والإنجليزية، ويعيد إحياء نص تراثي تمت ترجمته في العصر العباسي بأمر الخليفة المستنصر بالله. ورأى أن هذه الترجمة تفتح نافذة جديدة لدراسة التفاعل العميق بين الثقافات والحضارات عبر الزمن.

وفي مداخلته، تحدث الدكتور سعيد العوادي، الفائز بجائزة فرع الفنون والدراسات النقدية عن كتابه «الطعام والكلام... حفريات بلاغية ثقافية في التراث العربي»، عن أهمية إعادة قراءة التراث العربي من زوايا غير تقليدية.

وبيّن أن كتابه يسعى إلى تسليط الضوء على خطاب الطعام المهمل في التراث البلاغي العربي، مقدماً قراءة جديدة تعيد الحياة إلى النصوص المنسية، وتكشف أن كثيراً من مصطلحات اللغة العربية تنبع جذورها من عالم الطعام. وأوضح أن العودة إلى هذه المساحات المنسية تمنح البلاغة روحاً جديدة، وتفتح آفاقاً مختلفة لفهم الأدب العربي القديم.

وفي سياق متصل، تناول الباحث البريطاني أندرو بيكوك، الفائز بجائزة فرع الثقافة العربية في اللغات الأخرى عن كتابه «الثقافة الأدبية العربية في جنوب شرقي آسيا في القرنين السابع عشر والثامن عشر»، أثر الثقافة العربية والإسلامية في تلك المنطقة.

وأوضح أن عمله يكشف عن العلاقات المتينة التي ربطت العرب والمسلمين بجنوب شرقي آسيا، وكيف أسهم العلماء المهاجرون من الحجاز والمغرب في نشر الثقافة والمعرفة هناك، ما يعيد صياغة فهمنا للتاريخ الثقافي في تلك البقعة من العالم.

وتحدث الباحث العراقي البريطاني رشيد الخيون، الفائز بجائزة فرع تحقيق المخطوطات عن تحقيقه لكتاب «أخبار النساء»، عن أهمية العمل في حفظ التراث النسوي العربي.

وبيّن أن الكتاب يُعد من المصادر النادرة التي تناولت النساء بشكل مستقل، معتمداً على كتب تراثية مثل «الأغاني»، من دون تصنيف نمطي قائم على الطبقات الاجتماعية.

وأكّد أن تحقيقه اتسم بالدقة العلمية، وأضفى قيمة نوعية على الدراسات الأدبية والتاريخية النسائية، ما يجعله أحد أوائل المختارات النسائية في تاريخ الأدب.