ألمانيا تقر حزمة جديدة من قوانين مكافحة الإرهاب

الشرطة تهاونت في إحباط الهجوم على معبد السيخ

ألمانيا تقر حزمة جديدة من قوانين مكافحة الإرهاب
TT

ألمانيا تقر حزمة جديدة من قوانين مكافحة الإرهاب

ألمانيا تقر حزمة جديدة من قوانين مكافحة الإرهاب

بعد أقل من شهرين على إقرار حزمة جديدة من قوانين مكافحة الإرهاب في ألمانيا، أقرت حكومة المستشارة أنجيلا ميركل أمس الأربعاء حزمة أخرى تتيح للسلطات توجيه «ضربات استباقية» للشبكات الإرهابية عن طريق دس المخبرين السريين بين صفوفها.
تم قبل ذلك إقرار القوانين الجديدة من قبل اجتماع التحالف الحكومي بين الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الاشتراكي في أبريل (نيسان) الماضي، وينتظر أن تعرض للتصويت في البرلمان الألماني (البوندستاغ) في جلسته المقبلة. وتعول حكومة ميركل على أغلبيتها العريضة في البرلمان لتمرير القوانين الجديدة. وتتيح الإجراءات الجديدة لدائرة حماية الدستور الألمانية (الأمن العامة) إمكانية تبادل المعلومات على نطاق أوسع مع الوكالات استخباراتية الأجنبية الصديقة. كما تسمح الإجراءات الجديدة للشرطة الاتحادية دس المخبرين السريين بين صفوف شبكات الإرهاب والجريمة المنظمة، وخصوصًا في مجال مكافحة عصابات تهريب البشر.
ووافق مجلس الوزراء الألماني على إجراءات أخرى تتعلق بالمواطنين، حيث لن يمكن في المستقبل شراء بطاقات مدفوعة مسبقًا للهواتف الجوالة إلا بعد تقديم إثبات للهوية الشخصية. وتصبح شركات الاتصالات ملزمة، وفق هذا الإجراء، بمطالبة عملائها بتقديم وثائق لإثبات هويتهم قبل شراء البطاقات المدفوعة مسبقًا، لأن الشرطة وأجهزة الاستخبارات ترى فيها خطورة أمنية تتيح إمكانية استخدامها بمجهولية من قبل أشخاص مشتبه في صلتهم بالإرهاب أو مجرمين.
وبالضد من اعتراضات المعارضة اليسارية، والمنظمات الإنسانية، برر وزير الداخلية الاتحادي توماس دي ميزيير الإجراء الأخير بالقول إن القضية الأمنية لا تقل أهمية عن استخدام وسائل الراحة (يقصد الجوال)، وإن الكثير من البلدان الأوروبية اتخذت إجراءات مماثلة. وأكد أن الإجراءات ستشمل كل من يمد يد العون بهذا الشكل أو ذاك إلى المجرمين والإرهابيين. وفي كلمته الافتتاحية أمام مجلس الأمن والتعاون الأوروبي ببرلين، قال الوزير دي ميزيير صباح أمس الأربعاء إن عدد الإسلاميين الذين يلتحقون بالإرهابيين في سوريا والعراق انخفض في الأشهر الأخيرة. وأشار إلى 30 متشددًا التحق بالتنظيمات الإرهابية منذ مطلع العام الحالي، في حين كان مجموع المتشددين الذين غادروا من أوروبا إلى هناك يتراوح بين 4500 إلى 5000 شخص في نفس الفترة. ووصف الوزير نحو 810 ملتحقين عادوا إلى ألمانيا في السنوات القليلة الماضية بالخطرين جدًا، وقال إنهم تعلموا هناك «كيف يحقدون وكيف يقتلون».
وأوضح دي ميزيير أن قضية الإرهابيين العائدين من سوريا والعراق ستناقش في اجتماع مغلق لمدة يومين يجري في وزارة الخارجية الألمانية ببرلين. ويحضر الاجتماع ممثلون عن حكومات واستخبارات الدول المعنية، إلى جانب مندوبين من المنظمات غير الحكومية وخبراء في القضايا الأمنية من الأمم المتحدة.
وفضلاً عن قضايا الإرهابيين العائدين سيدرس هذا الاجتماع ارتفاع نسبة الإناث المنضمات إلى التنظيمات الإرهابية، التي ترتفع إلى 20 في المائة من مجموع الملتحقين. وسيكون التحاق القاصرين بالتنظيمات الإرهابية، ومشاركتهم في تنفيذ العمليات الإرهابية، فقرة أخرى في الاجتماع الموسع المنتظر عقده في العاصمة الألمانية. وقال دي ميزيير، بخصوص موضوع القاصرين، إن العامل البشري(العلاقات الشخصية مع المتطرفين) هو سبب اشتداد التطرف بينهم، وأضاف أن وقاية الشباب من الدعاية الإرهابية مهم، ولكن لا بد من شيء من الشدة أيضًا، لأن الوقاية لن تنجح من دون شدة.
على صعيد انتشار التطرف بين القاصرين، كشفت صحيفة «إكسبريس» اليومية الكولونية، أن الهجوم بقنبلة ضد معبد السيخ يوم 16 أبريل الماضي كان من الممكن تجنبه لو أن شرطة مدينة غيلزنكيرشن تعاملت بشكل جاد مع إخبارية عن تبجح أحد منفذي العملية، في مدرسته، بفيلم فيديو يظهر كيف جرى تدريبه على التفجير. ونقلت الجريدة عن تقرير لوزارة داخلية ولاية الراين الشمالي فيستفاليا، قالت إنها تحتفظ بنسخة منه، أن مدير المدرسة أخبر شرطة غيلزنكيرشن عن فيلم الفيديو الذي تبجح به يوسف ت. (17 سنة) أمام زملائه في المدرسة، إلا أن شرطة المدينة لم تنقل الخبر إلى شرطة مكافحة الجنايات في الولاية. ويكشف التقرير عن تهاون آخر لشرطة مدينة دويسبورغ التي لم تتحرك ضد القاصر الآخر تولغا أ. (17 سنة) رغم توفر دليل على خرقه قانون حيازة الأسلحة. واعتبر غريغور غولان، النائب عن الحزب الديمقراطي المسيحي، تهاون الشرطة في هذا الموضع «غير مقبول»، مطالبًا بتحميل المتهاونين العواقب «لأن التقرير يثبت أن العملية الإرهابية ضد معبد السيخ كان من الممكن إحباطها».
وكانت الشرطة الألمانية، بعد ستة أسابيع من تنفيذ الهجوم بالقنابل على معبد للسيخ في مدينة أيسن الألمانية، ألقت القبض على ألماني من أصل تركي (20 سنة) يفترض أنه كان الرأس المدبر للعملية. وبعد التكهنات حول «عمل فردي» نفذه قاصران يوم 16 أبريل الماضي، تولدت قناعة الآن بأن هجوم معبد السيخ نظمته شبكة من المتشددين الشباب هدفها إرهاب ذوي الديانات الأخرى. واعتقلت الشرطة الألمانية، بعد يوم من الهجوم، محمد ب. (16 سنة) من مدينة ايسن ويوسف ف. (16 سنة) من مدينة غيلزنكيرشن وتولغا أ. (17 سنة)، من بلدة شريمبيك - غالين بتهمة تنفيذ الهجوم الذي أوقع 3 جرحى في معبد السيخ. وتم التعرف على الثلاثة من خلال تحليل أفلام الفيديو التي صورتها كاميرا قريبة من المعبد. وفي حين سلم محمد ب. نفسه إلى الشرطة بضغط من والديه، تم اعتقال الاثنين الآخرين في مدينة هلدسهايم (ولاية سكسونيا السفلى)، التي تعتبر أحد مراكز تجمع المتطرفين، بعد أن تعرف المارة على صورهما التي نشرتها الشرطة. وعبرت الشرطة آنذاك عن قناعتها بأن الشابين صنعا القنبلة بنفسيهما، وأن التحقيق يجري حاليًا حول ماذا كانا على علاقة بالإرهاب، أو أنهما تطرفا بفعل الدعاية الإرهابية على الإنترنت. وقال فرانك ريشتر، رئيس شرطة مدينة ايسن، إن الشرطة صنفت العملية في خانة الإرهاب، بسبب علاقة الشباب القاصرين بأوساط المتشددين، وأن التحقيقات تجري باتجاه التحري عن علاقة ممكنه لهم بالتنظيمات الإرهابية.
وجاء في تقرير صحافي للنيابة العامة في مدينة ايسن أنها أمرت باعتقال ألماني من أصل تركي بتهمة «التحضير لأعمال بالغة الخطورة تخل بأمن الدولة». وتم اعتقال الشاب، البالغ 20 سنة من العمر، يوم 27 مارس (آذار) الماضي بعد أن عبرت والدته لدى الشرطة قبل يومين من اعتقاله عن خشيتها من التحاق ابنها بإرهابيي «داعش» في حربهم في سوريا. وهذا ما جرى مع الشاب تولغا أ. الذي اتصل والداه بالشرطة للتحذير من نياته الالتحاق بـ«داعش» في سوريا والعراق. وواضح أن اعتقال المتهم الأخير جرى قبل تنفيذ الشابين القاصرين لعملهما العدواني ضد السيخ. وظهر من التحقيق أنه على علاقة بالمتشددين في المنطقة، ومع أحد المتهمين بالتحريض على الكراهية بين صفوف المتشددين.
ويفترض أن الشاب المعتقل شارك في مطلع هذا العام في عمليتي تفجير تجريبيتين نفذتهما شبكة المتشددين في منطقة الرور، بل تم تصوير العمليتين بكاميرا فيديو، وتحتفظ الشرطة الألمانية بنسخة منه. وتمخضت عملية تفتيش غرفة المتهم عن الكشف عن علاقات له بأوساط الإرهابيين، كما تمت مصادرة جهاز كومبيوتر كان يستخدمه، إضافة إلى هاتفه الجوال لأغراض التحقيق.
وكانت شرطة ولاية سكسونيا السفلى شنت حملة على شبكة للمتشددين، الناطقين باللغة الألمانية، يوم 29 مارس الماضي، وصادرت جوازات سفر شخصين كانا يحاولان الالتحاق بتنظيم داعش في سوريا مع زوجتيهما.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».