تصعيد غير مسبوق في خطاب وارسو نحو موسكو على خلفية الدرع الصاروخية

أكد وزير الخارجية البولندي، فيتولد فاشيكوفسكي، أن الدرع الصاروخية الأميركية التي سيتم نشر واحدة من قواعدها على الأراضي البولندية لا تهدد أمن روسيا الاتحادية.
وفي حوار مع وكالة الأنباء البولندية، قال فيتولد، أمس: «يدرك الرئيس الروسي تماما أن الدرع الصاروخية في بولندا لا تمت بأي صلة لأمن روسيا، ومهمة هذه المنظومة ضمان أمن أوروبا من هجمات صاروخية مصدرها الشرق الأوسط». أما بالنسبة لانتشار قوات أميركية ومن حلف الشمال الأطلسي (الناتو) في أوروبا، فقد اعتبرها فيتولد أنها «رد على السلوك المعادي والتهديدات من جانب السلطات الروسية»، دون أن يوضح الشكل الذي تتجلى به تلك التهديدات والممارسات العدائية.
وجاء كلام الوزير البولندي بهذا الصدد في معرض تقييمه رد الفعل الروسي، وتصريحات الرئيس فلاديمير بوتين بشأن رد فعل على نشر قواعد للدرع الصاروخية في كل من رومانيا وبولندا، كما تناول مسائل أخرى على صلة بالعلاقات بين روسيا وأوروبا، ومنها العقوبات الغربية ضد أوروبا على خلفية الأزمة الأوكرانية. وفي هذا الشأن، أعلن الوزير فيتولد، أن بلاده تؤيد تمديد العمل بتلك العقوبات، ووصفها بأنها «الأداة التي يجب أن تؤدي إلى سلوك سلمي من جانب روسيا»، مؤكدا أن بلاده مستعدة للدعوة لعقد لقاء مجلس (روسيا - الناتو)، لكن فقط بعد أن يحدد «الناتو» مهامه بشأن تعزيز الدفاعات على الجبهة الشرقية، ويتخذ قرارا حول نشر قواته على تلك الجبهة.
هذه اللهجة التصعيدية في التصريحات ليست جديدة على العلاقات الروسية – البولندية التي يخيم التوتر على معظم مراحلها منذ سنوات عدة، وذلك على خلفية انضمام بولندا إلى حلف شمال الأطلسي، واعتمادها في معظم الأحيان نهج سياسة خارجية لا يرضي الكرملين، الذي أصبح من جانبه على يقين اليوم أكثر مما مضى بأن الدرع الصاروخية الأميركية إنما تستهدف احتواء قوة الردع النووية الروسية؛ ما يعني احتواء روسيا بشكل عام والحد من صعودها إقليميا ودوليا.
وفي تبرير لموقفها من مسألة الدرع الصاروخية، تقول موسكو: «إن الولايات المتحدة كانت تتذرع بداية بأن هذا المشروع الدفاعي الصاروخي يشكل ضرورة ملحة لحماية أوروبا من التهديد الصاروخي الإيراني، الآن وبعد أن تم توقيع اتفاقية أزالت معظم الخلافات بين الغرب وطهران، لم يعد هناك من مبرر لنشر الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية»، وفق ما ترى موسكو.
ولم يقتصر موقف الجانب الروسي على توضيح الأسباب التي تدفعه إلى رفض نشر تلك المنظومة في أوروبا، بل ويشمل التهديد بخطوات رد عسكرية بالمقابل، وهو ما كرره الرئيس بوتين في تصريحات له أول من أمس، حذر فيها من أن روسيا ستضطر إلى اتخاذ تدابير جوابية على التهديد الذي يشكله نشر تلك المنظومة الصاروخية الأميركية في أوروبا الشرقية، وتحديدا في رومانيا وبولندا.
وقال بوتين في تصريحاته الأخيرة: «سنكون مضطرين الآن للرد بالشكل المناسب، وإذا كانت تلك الأجزاء من الأراضي الرومانية التي تم نشر قاعدة الدرع الصاروخية عليها لم تعرف حتى الأمس ما معنى أن تكون على مرمى النيران، فإننا مضطرون اليوم أن نتخذ إجراءات محددة، من شأنها أن تضمن أمننا». وقد فسر كثيرون عبارات بوتين بأنها إشارة واضحة إلى نية روسيا توجيه صواريخها الاستراتيجية نحو رومانيا، التي سبق وأن تم افتتاح أول قاعدة في أوروبا الشرقية على أراضيها، وذلك يوم الثاني عشر من مايو (أيار) الحالي، على أن يتم افتتاح القاعدة التالية في بولندا عام 2018.
ويبدو أن هذه التطورات المتسارعة تدفع حدة التوتر بين روسيا والغرب في أوروبا الشرقية إلى مستويات غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة، ولا سيما أن روسيا ترى في الخطة الأميركية خروجا عن كل الاتفاقيات في مجال الصواريخ بعيدة ومتوسطة المدى، والتي تشكل أحد أهم أسس الأمن الدولي. إذ حذر الرئيس الروسي من أن نشر منصات إطلاق صواريخ، في سياق نشر الدرع الصاروخية، يمكن أن يتم نصب صواريخ متوسطة المدى عليها، وليس صواريخ ضد الصواريخ فقط، سيشكل إلغاءً لاتفاقية الحد من الأسلحة الصاروخية متوسطة وقريبة المدى. وفي وقت سابق هذا الشهر، حذرت روسيا من أنها قد تضطر إلى الانسحاب من اتفاقية الحد من الأسلحة النووية المبرمة بينها وبين الولايات المتحدة والمعروفة باسم «ستارت» في إطار الرد الروسي على نشر الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا الشرقية.