«نهضة» تونس و«إخوان» مصر» على المحك

مراجعات قوى «الإسلام السياسي» بين التطور والجمود

رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي يتابع المناقشات التي تدور في إطار مؤتمر الحركة أمس في مدينة الحمامات (أ.ف.ب)
رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي يتابع المناقشات التي تدور في إطار مؤتمر الحركة أمس في مدينة الحمامات (أ.ف.ب)
TT

«نهضة» تونس و«إخوان» مصر» على المحك

رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي يتابع المناقشات التي تدور في إطار مؤتمر الحركة أمس في مدينة الحمامات (أ.ف.ب)
رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي يتابع المناقشات التي تدور في إطار مؤتمر الحركة أمس في مدينة الحمامات (أ.ف.ب)

عقد حزب «حركة النهضة» في تونس أخيرا مؤتمره العاشر في مدينة تونس العاصمة، وشهد المؤتمر جملة من الطروحات والمواقف اللافتة في مسيرة الحركة التي تولت عمليا الحكم في أعقاب ثورة 2011، لكنها أبدت مرونة وواقعية، سواء إبان توليها الحكم أو عودتها إلى صفوف المعارضة. وكذلك شهد المؤتمر فوز زعيم الحركة المؤسس برئاستها، حاصلا على غالبية أصوات المؤتمرين (800 صوت)، إلا أن الجانب الأبرز كان ممارسة الحركة نقدا ذاتيا شجاعا، بعد تقييم تجربتها قبل الماضية قبل الثورة التي أطاحت بحكم زين العابدين بن علي وبعدها، عبر حوار شامل استغرق نحو سنتين، وأفرز رؤية جديدة، تشمل ضمن ما تشمله فصل الجانب الدعوي عن الجانب السياسي.

تعاني حركة «الإخوان المسلمون»، الحركة الأم لسائر حركات الإسلام السياسي في مصر، تصلبا وجمودا يكاد يقصمها ويقسمها، بين تياري «الصقور» و«الحمائم»، وبين الشيوخ والشباب، وبين العنف والسلمية، وبين تنظيمها المركزي وفروعها، التي تحمله دون أن يحملها، حتى بات يصح على الجماعة المصرية الأم وصف بعضهم لها بأنها «غدت كالإسفنجة التي تمتص المياه والحياة من الآخرين».
ورغم التأثير والتأثر، فإنه من الخطأ حسبان سائر حركات الإسلام السياسي عليها، فبعضها انفصل عنها مبكرا شأن الراحل الدكتور حسن الترابي وحركته في السودان، أو نشأ منفصلا عنها أساسا شأن «التوحيد والإصلاح» المغربية أو «حركة النهضة» التونسية.
وبينما لا يزال خطاب «النهضة» وأدبياتها، حيين ومتجددين في إطار التاريخ، لم تستطع جماعة «الإخوان المسلمون» – رغم توالي ثمانية مرشدين على رأسها – تجديد أدبياتها التأسيسية وخطابها السياسي، وظلت منحبسة في تراث المؤسس حسن البنا منذ وفاته عام 1949. والمؤسس الثاني – الأكثر تأثيرا في قيادتها – سيد قطب منذ إعدامه عام 1965، واستمرت الجماعة ذات قدرة مدهشة على نفي وإقصاء أي محاولة للتجديد خارجها، أو على الأقل خارج تنظيمها.
كذلك غلب على مرشدي «الإخوان» وقادتهم التخصصات غير الشرعية وغير الفكرية – باستثناء المؤسس وسيد قطب صاحب التأسيس الثاني لها – بينما امتلك أغلبهم الموهبة الحركية والتنظيمية فقط، المهددة الآن مع تصاعد الخلافات الداخلية بين أجنحتها التي تصاعدت أوائل هذا العام، في بيانات متعارضة، واتهامات متبادلة بين قيادات الداخل والخارج.
كذلك يمتلك «الإخوان» هوية منتفخة لا تؤمن بالاستفادة من غيرهم؛ ذلك أنهم حين خاطبهم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان طارحا اعتناق مبدأ فصل الديني عن السياسي (العلمانية) إبان زيارته مصر في أغسطس (آب) 2011، ردت عليه قيادات الجماعة بأنها لا تتعلم من أحد، ولا تحتاج إلى نصائح أحد. وفي المقابل، صرح زعيم «حركة النهضة» راشد الغنوشي (74 سنة)، صاحب التجربة الطويلة في المنفى الأوروبي، بإعجابه بالأنظمة المدنية التي تفصل بين المجالين، وكتب ذلك مرارا، وبخاصة، في كتابه «الحريات العامة في الإسلام».
من هنا تبدو «النهضة» أقرب إلى النموذج التركي بشكل واضح، بينما ظل «الإخوان» في مصر أقرب إلى النموذج الإيراني وآيديولوجيته، في كون «المرشد» هو «الولي الفقيه» وصاحب «البيعة» وصاحب الصلاحيات التي تحكم الرئيس والنظام معه. ولذا؛ كان رفضهم المستميت لـ«وثيقة المبادئ الأساسية للدستور» عام 2012، وولوغهم في الأزمة الدستورية وإقصاء ممثلي الكنائس الثلاث ومختلف القوى المدنية، وهي الأزمة التي تصاعدت في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى أن مهدت لسقوطهم المدوّي في يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) من العام نفسه. وعليه، لم يكن مدهشا حين استعان الرئيس المعزول محمد مرسي بمستشارة له كانت أطروحتها تحديدا حول هذا النموذج، وكيف ابتلعت «ولاية الفقيه» الثورة دون كل مشاركيها من الاتجاهات المدنية والسياسية الأخرى.
كذلك يصر «الإخوان» على رفض فكرة الاعتذار أو التصحيح – جزئيا أو كليا – ونقل عن مرشد الجماعة الثاني الراحل الأستاذ حسن الهضيبي قوله: إن «الإخوان لا يعتذرون» مهما كانت الأخطاء، على العكس من شجاعة «النهضة» التي تأكدت في المؤتمر الأخير بغض النظر عن بواعثها أو مآلاتها.
من هنا يبدو الوعي التاريخي مكينا في مسار وتاريخ «حركة النهضة» التونسية منذ تأسيسها عام 1972 مرورا بإعلانها الرسمي سنة 1981، وهي تؤكد أنها من أكثر الحركات الإسلامية وعيا بالسياق التاريخي والسياسي وتحولاتهما. ويمكن رصد معالم دالة على ذلك منذ وقت مبكر، منذ تحولت من هويتها الأولى «الاتجاه الإسلامي» إلى «النهضة» عام 1989... حتى الوصول لتدشين مرحلة جديدة في مؤتمرها العاشر الذي نظمته أخيرا. كذلك، يظل يحسب لها إحجامها عن الانخراط في أعمال عنف ضد نظام زين العابدين بن علي.. قبل الثورة، أو انجرارهم إليها بعدها. وهو ما مهّد لنجاحها في الخروج «الناعم» من السلطة بعد تزايد الاعتراضات والمظاهرات بعد انتهاء آخر أعمال حكومة علي العريّض في 29 يناير (كانون الثاني) 2014، ثم انتهاء أعمال المجلس التأسيسي في 2 ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، وصولا إلى نموذج «العيش التونسي» الذي شاهدناه في المؤتمر الأخير عناقا بين الرئيس الباجي القائد السبسي وزعيم «النهضة» الغنوشي الذي جدد انتخابه في المؤتمر الأخير بأغلبية ساحقة هذا العام بعد تصويت 1200 من المؤتمرين فيه.
من ثم، يمكن القول: إنه على الرغم من سقوط حكم «الإخوان» في مصر وخروج الجماعة القسري من السلطة عام 2013، فإن خطابها ما زال عاجزا عن المفاصلة والقطيعة مع خطابات الجماعات الإرهابية العنيفة والمتشددة، بل لقد راهن عليه وعلى استنزاف الدولة، كما صرح عدد من قادتها وحلفائها أكثر من مرة. نجحوا في شراء العداء وتأبيده ليس فقط مع النظام والدولة، بل أيضا مع نخب وقوى مدنية طالما تحالفت مع الجماعة أو دافعت عنها. ومع صعود عمليات الإرهاب والعنف في مصر، تصدر بيانات في اتجاه ذرائعي وحيد لتحميل النظام الحالي الحاكم بعد 3 يوليو كل المسؤولية عن كل ما يحدث، دون براءة أو تخطئة لأي من جماعات العنف النشطة، بما فيها عمليات فرع «داعش» النشط «تنظيم بيت المقدس» أو جماعة «المرابطون» في سيناء ضد العسكريين والأمنيين.. حتى صارت عملياته داخل العاصمة القاهرة وعدد من المحافظات، التي يقع ضحاياها من المدنيين، فزاعة لآخريها ومبرّرا الدولة والنظام الذي تعارضه في الآن نفسه.
وفي حين رحبت حركة «النهضة» بمبادرة «لجنة الحوار الرباعي» و«حوار القوى المدنية» عام 2013، رفضت جماعة «الإخوان»، وما زالت ترفض، مختلف المبادرات التي تطرح للمصالحة، سواء من شخصيات محايدة، أو أقرب إليها أو أقرب للنظام ومعارضتها. ورغم مراهنتها على الأزمات الاقتصادية والسياسية في مصر ما زال خطابها مع المعارضة المدنية – فضلا عن النظام – خطابا تهكميا واتهاميا لا يستطيع الوصول للمناطق المشتركة.
ربما من الضروري قراءة مخرجات مؤتمر «النهضة» الأخير، بعيدا عن الإرث الثقيل لتجربة الحركة في الحكم بين عامي 2011 و2014. أو قراءتها عبر ازدواجية خطاب بين ما توجهه للخارج، أو ما توجهه للداخل على لسان زعيمها المؤسس راشد الغنوشي، أو اعتبارها «تراجعات» لا «مراجعات» من الحركة الإسلامية المغاربية الأشهر عربيا. ولكن في ضوء مقارنتها بحالة جماعة «الإخوان» في مصر مثلا، رغم اختلاف المرجعيات والتطور، والمواقف الشبيهة، نجد أنها حركة أصرت على «نموذج العيش التونسي» واستمرت معها مكاسب ثورتها الديمقراطية، بينما مهدت الأخرى – أي «الإخوان» – لصدام لا يتوقف مع المعارضة المدنية ومع النظام الحاكم بعدها.
من الفوارق الكبيرة أيضا أنه كانت لدى الشيخ الغنوشي، زعيم «النهضة» ورئيسها، الشجاعة الكاملة لأن يعلن الاعتذار عن أي أخطاء حدثت أثناء تجربة الحكم أو قبلها، بل شجاعة أن يترحّم على بعض أبرز معارضيه، مثل الشهيدين المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي اللذين اغتيلا أثناءها، أما «الإخوان» فمفاصلتهم مع الجميع كانت أثناء الحكم واضحة واستمرت بعده بشكل أكثر وضوحا.
لقد أكد الغنوشي في كلمته الافتتاحية لمؤتمر «حركة النهضة» العاشر هذا الحرص على الاعتذار عن الخطأ حين قال: «إننا جادون، في النهضة، في الاستفادة من أخطائنا قبل الثورة وبعدها، نعترف بها، نحن حركة تتطور ولا تستنكف من أن تسجل على نفسها أخطاء» من دون ذكر هذه «الأخطاء». وتابع: «إننا حريصون على النأي بالدين عن المعارك السياسية٬ وندعو إلى التحييد الكامل للمساجد عن خصومات السياسة وعن التوظيف الحزبي٬ حتى تكون المساجد مجمعة لا مفرّقة. وفي الوقت نفسه نستغرب إصرار البعض على إقصاء الدين من الحياة العامة».
هذا هو المنطق الذي تفتقر إليه جماعة «الإخوان المسلمون»، الحركة الأم للإسلام السياسي، بشكل شبه كامل، فيعادي التطور عندها بقاء تقديس لأدبياتها الأولى التي كتبت قبل نيف وثمانين سنة منذ تأسيسها الأول على يد حسن البنا، أو تأسيسها الثاني على يد سيد قطب. كما يعادي تطورها سيطرة «التنظيميين» – أو «الصقور» – على تنظيمها وهياكلها بشكل شبه كامل، ويلفظ أي محاولة تجدد أو تجديد خارجها، منذ أزمتها الأولى عام 1954، بعد بضع سنوات من اغتيال مؤسسها عام 1949، إلى أزمتها الأخيرة وخروجها من الحكم في 3 يوليو 2013.
وهذا ما أكد عليه الغنوشي خلال مؤتمر حركته، واصفا الحركة بأنها «تكرس بذلك التمايز الواضح بين المسلمين الديمقراطيين الذين هم نحن وبين تيارات التشدّد والعنف التي تنسب نفسها ظلما وزورا إلى الإسلام». وأردف «إن التخصص الوظيفي بين السياسي وبقية المجالات المجتمعية، ليس قرارا مسقطا أو رضوخا لإكراهات ظرفية٬ بل تتويج لمسار تاريخي». وأكد الغنوشي هذا الوعي التاريخي الذي تتمتع به الحركة «من السبعينات إلى اليوم، من حركة عقدية تخوض معركة من أجل الهوية عندما كانت الهوية مهددة، إلى حركة احتجاجية شاملة تدعو إلى الديمقراطية في مواجهة نظام شمولي، إلى حزب ديمقراطي وطني مسلم متفرغ للعمل السياسي بمرجعية وطنية تنهل من قيم الإسلام، ملتزمة بمقتضيات الدستور وروح العصر».
كذلك جاء البيان الختامي لمؤتمر حركة «النهضة» مؤكدا هذا الوعي بأهمية التطوّر، والمفاصلة بينها وبين حركات التشدد العنيف الأخرى، حين ذكر أن حزبها السياسي (حزب «حركة النهضة») «تجاوز عمليا كل المبررات التي تجعل البعض يعدّه جزءا مما يسمى الإسلام السياسي». ومشددا على أن هذه التسمية الشائعة «لا تعبّر عن حقيقة هويته الراهنة، ولا تعكس مضمون المشروع المستقبلي الذي يحمله»، وفق ما صرح به رضا إدريس، النائب الأول لرئيس المؤتمر. ومن ثم أوضح إدريس أن الحركة «تعتبر أن عملها يندرج ضمن اجتهاد يعمل على تكوين تيار واسع من المسلمين الديمقراطيين الذين يرفضون التعارض بين قيم الإسلام وقيم المعاصرة».
إن نتائج المؤتمر العاشر لحركة «لنهضة» تعبر عن تطور فكري ووعي تاريخي واضح، أكثر من كونه مراجعة. وهو تأكيد على منطق «المدنية» للحركة والتنظيم، وبراءة غير معلنة من خطابات بعض ممثليها في السابق عن الخلافة الثالثة عام 2013، أو التقاربات التي تمت بينها وبين بعض المتشددين أثناء فترة حكمها. أو قل هي في أحسن الأحوال انتصار للاتجاه المعتدل على الاتجاه المحافظ في صفوفها، كما تمخض عن استقرار لبنيتها التنظيمية، ببقاء الغنوشي وتفويض مجلس شوراها إليه.
ولكن يبقى القول: إن هذا التطور الأخير لحركة «النهضة» في تونس، مسبوق عربيا بتجربة حركة «التوحيد والإصلاح» المغربية، وبالتالي حزبها «العدالة والتنمية»، التي أقرت وفصلت مبكرا – وبشكل واضح – بين الحركة الدعوية والحزب السياسي بشكل واسع، قبل سنوات. وحقا، سعى «العدالة والتنمية» لوضع تصور واسع لهويته ومرجعيته في اتساعها المدني والديمقراطي والإنساني، بعيدا عن تحفظات البعض - هنا أو هناك - على تحفظات حكومته الحالية برئاسة عبد الإله بن كيران، وما سوى ذلك ظل نظريا سواء عند جماعة «الإخوان» نفسها أو عند حزب النور في مصر.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».