«أطراف الخيوط».. يحبك التطريز الفلسطيني بالسياق السياسي

معرض يروي تاريخ كفاح طويل.. وتستضيفه بيروت

نماذج من التطريز الفلسطيني في معرض «أطراف الخيوط} التطريز الفلسطيني في سياقه السياسي» في دار النمر للفن والثقافة في بيروت (أ.ف.ب)
نماذج من التطريز الفلسطيني في معرض «أطراف الخيوط} التطريز الفلسطيني في سياقه السياسي» في دار النمر للفن والثقافة في بيروت (أ.ف.ب)
TT

«أطراف الخيوط».. يحبك التطريز الفلسطيني بالسياق السياسي

نماذج من التطريز الفلسطيني في معرض «أطراف الخيوط} التطريز الفلسطيني في سياقه السياسي» في دار النمر للفن والثقافة في بيروت (أ.ف.ب)
نماذج من التطريز الفلسطيني في معرض «أطراف الخيوط} التطريز الفلسطيني في سياقه السياسي» في دار النمر للفن والثقافة في بيروت (أ.ف.ب)

فن التطريز الفلسطيني على مرّ ستّين عاما قدّمه معرض «أطراف الخيوط: التطريز الفلسطيني في سياقه السياسي»، في دار النمر للفن والثقافة، في بيروت.
هذا المعرض الذي يعدّ الأول من نوعه خارج الأراضي الفلسطينية، نظّمه المتحف الفلسطيني الذي افتتح أبوابه أخيرا في بلدة بيرزيت (على بعد 7 كلم من رام الله)، ويعدّ أحد أهم المشاريع الثقافية المعاصرة في فلسطين، وقد استغرق تحضيره نحو السنتين.
ويلقي «أطراف الخيوط» الضوء على الأثواب الفلسطينية ما بين القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، باحثا في تاريخ التطريز الفلسطيني ما قبل وبعد عام 1948. كما يستكشف الدور الذي لعبه في المقاومة والوطنية، وتمثيل الهوية الفلسطينية أدائيا. وقد تم من خلاله استعراض المواد والمنسوجات الفلسطينية والأشكال المعاصرة لها.
منذ اللحظة الأولى لدخولك المعرض، في مبنى دار النمر في منطقة القنطاري، يطالعك عطر الأناقة من بعيد، فأنامل المرأة الفلسطينية، من الجليل مرورا برام الله والقدس وصولا إلى غزّة، ترخي بظلّها على حيطان المعرض البيضاء، من خلال تصاميم أزياء خاطتها نساء فلسطينيات بحكاياها وقصصها. فيتعرّف الزائر من خلالها على الفساتين اليومية التي كانت ترتديها نسوة الريف في الأربعينات، والتي تتزيّن بمربعات من أقمشة مختلفة، تبرز اعتنائها بأناقتها على الرغم من فقرها، بحيث كانت ترقّع أقسامه الرثة بأخرى جديدة، فتعيد بناؤه وكأنه عمارة تمتلكها.
وبعدها ينتقل الزائر إلى قسم فساتين المناسبات، التي كانت ترتديها المرأة الفلسطينية في حفلات الزفاف والخطوبة، ومصدرها مدينة بيت لحم. فتلفتك التصاميم الأنيقة، المؤلّفة من أكثر من قطعة. الفستان المطرّز بخيوط ذهبية وأخرى فضيّة، والجاكيت القصير المستورد قماشه الغالي من أوروبا، المبطّن مثلا بقماش «بربيري» الشهير، إضافة إلى فساتين خاصة بمناسبات الأفراح والأتراح، جميعها وضعت فنّ التطريز المنقوش بشكل نافر ليمثّل لغّة مخاطبة في حدّ ذاتها. فالألوان كانت تلعب دور الدلالة على المناسبة التي خيط من أجلها هذا الفستان أو ذاك. فالأحمر، وهو الغالب على معظم تلك الأثواب، كان يرمز إلى الفرح، أما الأزرق فهو خاص بمناسبات الموت والحزن. ولذلك، تجد بعض تلك الفساتين قد تم تغطية قسمها الأعلى أو الأسفل بهذا اللون، بعد أن ارتأت صاحبته التي ارتدته لحفلة فرح مثلا أن تفرش عليه مساحة زرقاء لتوفّر على نفسها عناء شراء ثوب جديد ترتديه في مناسبة دفن أو جنازة.
وفي عام 1939، شهد هذا الفنّ تطوّرا ملحوظا بعد أن صارت نساء الناصرة توليه اهتماما أكبر. فالحداثة تظهر جليّا في تلك الأثواب المتدلّية بخيوط النايلون الشفافة في فضاء المعرض، حتى أن بعضها صار يشكّل نمطا يتنكّر به الأولاد والكبار لالتقاط صورة تذكارية وهم يرتدونه نظرا لقيمته الفنيّة. وتعدّ مدينة رام الله السبّاقة في هذا الفنّ، الذي كانت النساء المقتدرات وحدهن يتحمّلن كلفته المادية، بعد أن تستقدم تصاميمه من هناك.
وتتميّز بعض تلك الأثواب بقصّات حديثة استوحيت من باريس أو لندن، وهي تتميّز بتطريزات منمنمة خيطت بدقّة لتؤلّف لوحة مشهدية بحدّ ذاتها. وبعد حصول النكبة (1948)، حملت النساء تلك الفساتين معها لتبقى ذكرى عزيزة من تراثها أيام العزّ. حتى أن إحداهن لم تحمل غيرها عند هروبها من منزلها، فشكّلت دليلا موثّقا عن عراقة ذلك الفن. فيما كانت نساء أخريات تربّي الدجاج، وتبيع بيضه لتشتري بماله خيوط التطريز.
«عائدون عائدون»، ورسومات للهلال (أحد رموز فلسطين المعروفة)، وغيرها، طرّزتها المرأة الفلسطينية على فساتينها لتعرّف الطرف الآخر على مدى تعلّقها بجذورها، وبأن الآراء السياسية تطرّز أيضا. فالمضمون، من تطريزات لعبارات ورسوم، كان يخدم القضية بشكل أو بآخر، وهذا الأمر بقي متّبعا من قبل النسوة حتى موعد بزوغ الانتفاضة، في عام 1974. فالصمود والمقاومة كانا يحكى عنهما أيضًا في تطريزات معبّرة. وكانت الخيوط القطنية المستخدمة من قبل نساء البدو، أو المعدنية المستعملة من النساء الثريّات، ترسم معاناة شعب برمتّه قاوم بشراسة الظلم والاحتلال، فلم تغب حتى عن إطلالة الأنثى المتألّمة المترجم شعورها بفساتينها.
جاءت فكرة هذا المعرض من الراحلة ليلى المقدادي القطاّن التي أرادت أن تكرّم صديقتها ملك الحسيني عبد الرحيم (واحدة من الشخصيات الفلسطينية المحافظة على تراث التطريز الفلسطيني) التي تعدّ أهمّ من أعاد إحيائه، وعمل في تصاميمه. وعندما يصل إلى مسمعك صوت ملك الحسيني من شاشة تلفزيونية مثبّتة على أحد جدران المعرض، وذلك من خلال عرض فيلم قصير مصوّر عنها، تتحدّث فيه عن هذا التراث وتطوّره مع الزمن، تجد نفسك لاشعوريا منجذبا إلى شخصها وحضورها وحديثها، فتجلس تتابع مضمونه الغني بمعلومات عن تاريخ فن التطريز في فلسطين، دون أن ترمش عينك خوفا من أن يفوتك شيء من حديثها الشيّق. تستمتع بهذا الفيلم طيلة وقت عرضه (نحو 7 دقائق)، فيضيف إليك كمّا لا يستهان به من المعلومات حول فنّ التطريز الفلسطيني عبر التاريخ، وهو الذي أخرجته الفنانة الإيرلندية مايف برينان للمناسبة.
تقول ملك الحسيني عبد الرحيم، في إحدى فقرات الفيلم: «لقد كانت تلك التصاميم تروي حكايات نساء فلسطين من خلال عناوينها العريضة، التي تتوّجها ألوان محدّدة»، متابعة: «فكما كان هناك الجنّة والنار، المشار إليهما في أسلوب التطريز بالأزرق والأحمر، كان هناك أيضًا رسومات تعرف بـ(الباشا)، وهي أشكال هندسية متداخلة ببعضها البعض، تترك رونقها الخارج عن المألوف على الزيّ. وحضر أيضًا (الشمال) الممثّل بالنبيذي والليلكي والأبيض والأصفر، ألوان تشير إلى وجوه نساء لوّحت شمس الهروب بشرتهن، وهنّ يقطعن المسافات الطويلة ما بين الناصرة وعكّا وصولا إلى شاطئ الآمان في صيدا».
ويتضمّن هذا المعرض الذي تستمرّ أبوابه مفتوحة حتى 30 يوليو (تموز)، أعمالا لوداد قعوار، الأردنية الفلسطينية الأصل الملقّبة بـ«أم اللباس الفلسطيني»، فهي تمثّل أحد أهم المراجع الرئيسية للتراث الفلسطيني والأردني في الملابس والأقمشة والحلي والحرف اليدوية. كما يحتضن أيضًا تصاميم لمصممين فلسطينيين شباب، أمثال ساشا نصار وناتالي الطحان. كما شاركت فيه أعمال لمؤسسات فنية فلسطينية أخرى أخذت على عاتقها الحفاظ على التراث الفلسطيني في مجالات عدة كـ«مبادرة تيتا ليلى» و«إبرة وخيط».
ومعرض «أطراف الخيوط» الغني بموجوداته ومقتنياته اختار لبنان انطلاقة له، كونه معروفا بوجهه الفني العريق. ويقول فيصل العلمي، رئيس مجلس أمناء مؤسسة التعاون الداعمة لهذا المعرض في حديث لـ(الشرق الأوسط): «يعود هذا الخيار لقيمة بيروت الفنية المعروفة في هذا المجال، خصوصا في مجال التطريز الذي توجد فيه أكبر مجموعة من أعمال مطرّزات ملك عبد الرحيم، كما أن لبنان بلد لطالما فتح أبوابه أمام الأعمال الفنية الراقية، وقد تمّ ترجمة ذلك حاليا من خلال دار النمر للنشر الذي يستضيف المعرض». وأشار العلمي إلى أنه من الممكن أن يتم عرض هذه الأعمال وغيرها في المستقبل القريب، في متاحف خليجية بقطر والكويت وعمان، وأيضًا في لندن وباريس وتشيلي.
ومن جهته، أكد عمر القطّان، رئيس فريق عمل المتحف الفلسطيني، أن نشاطات أخرى تحكي عن فلسطين سبق أن استضافتها بيروت في السنوات الماضية. وبينها ما جرى من ست سنوات في الاحتفالات بخمسينية المؤسسة الفلسطينية، ونشاط آخر عرضته «اليونيسكو» لمجموعة جواد عدرا، لكل ما سرقه موشي ديان من الآثارات الفلسطينية، مضيفا في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة لموجودات هذا المعرض، فقد استعرناها من ملك عبد الرحيم ومركز وداد قعوار (مركز الطراز في عمان). اما الصور المعروضة فيه، فبعضها يعود لنا وإلى مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وهو منبثق عن المتحف الفلسطيني».
ويطول برنامج معرض «أطراف الخيوط» الذي افتتح في 25 مايو الحالي، لينتهي في 23 يوليو المقبل، وليتضمن نشاطات أخرى، من ورش عمل، وعروض سينمائية، و«صبحية تسوق»، واكتشاف مهارات التطريز الفلسطيني بالإبرة والخيط. كما يخصص للأطفال بعضا من نشاطاته، كالتي ستجري في 8 و18 يونيو (حزيران) و2 و13 يوليو المقبلين، لاستكشاف الموروث الفني الفلسطيني، وللتمتع بألعاب وتمارين الرسم والتلوين التي طوّرتها لهم المصممة سارة السخن.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».