فيبي غروملي: تقبلوني لأني لن أنافسهم في التفصيل الرجالي

أول مصممة تدخل عرين «سافيل رو».. وتكسب دعم خياطيه

فيبي غروملي في مشغلها بـ«سافيل رو» (ذي تايمز/ نيوز سيندكايشن)
فيبي غروملي في مشغلها بـ«سافيل رو» (ذي تايمز/ نيوز سيندكايشن)
TT

فيبي غروملي: تقبلوني لأني لن أنافسهم في التفصيل الرجالي

فيبي غروملي في مشغلها بـ«سافيل رو» (ذي تايمز/ نيوز سيندكايشن)
فيبي غروملي في مشغلها بـ«سافيل رو» (ذي تايمز/ نيوز سيندكايشن)

المثير في قصة فيبي غروملي ليس أنها أسست شركة تقدر بالملايين وتديرها بمهنية عالية رغم أنها لا تتعدى الثانية والعشرين من عمرها، بل في أنها اخترقت شارع «سافيل رو» وأقنعت خياطيه المخضرمين، باحتضانها، هم المعروف عنهم أنهم يتحدون ضد أي غريب تُسول له نفسه ذلك. فهم يعتبرون أي اختراق تعديًا سافرًا على تاريخهم واستغلالا لما بنوه على مدى قرون. تفند فيبي هذا الرأي، وهي تضحك خلال لقاء خاص معها في مشغلها ومحلها الواقع بـ13 سافيل رو، قائلة: «بالعكس لقد رحبوا بي واستقبلوني بالأحضان، إلى حد أني تلقيت رسالة خاصة من واحد منهم هو (جيمس أند كاد) عبر فيها عن سعادته برؤية شباب مثلي يقدرون الخياطة على أصولها، قائلا إن هذا ما يحتاجه الشارع لكي يضمن استمراريته». لكنها تسارع بالإضافة وهي تضحك ونظرة شقية تقفز من عيونها: «الحقيقة أنهم تقبلوني لأني طمأنتهم منذ البداية أني لن أنافسهم في التفصيل الرجالي، وأني سأركز على الجانب النسائي فقط، الأمر الذي جعلهم يتنفسون الصعداء إلى حد ما». اكتشفت فيبي خلال تعاملها معهم، أنهم لا يُحبون تصميم الأزياء النسائية ويقومون بذلك اضطرارا، على أساس أن المرأة تغير رأيها بسرعة كما أن مقاساتها تتغير باستمرار وهو ما يجدون صعوبة في مواكبته. لا تشاركهم فيبي غروملي هذا الرأي «فهذا مفهوم قديم» بالنسبة لها، والمرأة العصرية أصبحت تقدر كل ما هو مصنوع بحرفية عالية، كما أن كثيرات منهن يحتجن إلى خدمة خاصة، لأنهن يواجهن صعوبة في إيجاد مقاساتهن في المحلات الكبيرة «فإذا لم تكن الأكمام طويلة والأكتاف (نازلة) تكون الأقمشة رخيصة والتفاصيل النهائية ليست في المستوى. وفي حال لجأن إلى خياطي سافيل رو، فإنهن لا يحصلن سوى على قطع معدودات تشمل تايورات إما بتنورات أو بنطلونات»، بينما هي تقدم لهن الآن كل ما يحتجنه في حياتهن اليومية من فساتين ومعاطف وبنطلونات وتايورات وغيرها، بنفس الحرفية ونصف السعر. وهذا ما تعتبره استثمارا بالنظر إلى أنها تستعمل نفس التويد الذي تستعمله دار «شانيل» إلى جانب الصوف الإيطالي والحرير والكشمير الاسكوتلندي وصوف الميرينو البريطاني الذي تستعمله كبريات بيوت الأزياء. «فالمرأة تشعر بكثير من الثقة والقوة» عندما تكون أزياؤها مفصلة على مقاسها، حسب قولها، «وهو ما كان يفتقر إليه الشارع لحد الآن. وقد يكون العنصر السلبي الوحيد في عنواني الشهير أنه على الرغم من سمعته العالمية، يبقى مترسخًا في الأذهان على أنه رجالي محض، وهذا يعني أن عملية جذب المرأة إليه، قد تستغرق مني بعض الوقت والكثير من الجهد».
عندما أذكرها بأنها لا يمكن أن تنكر أن للعنوان تأثير السحر، بدليل أنه هو ما جذب لها الأنظار أساسا، وبأنها حققت الكثير بكسب مخضرميه إلى صفها، تجيب بسرعة: «لا أنكر هذا الأمر ولا فضلهم علي، فهم يحتضنوني ولا يبخلون علي بخبراتهم وإمكانياتهم لحد الآن، ربما لأني صغيرة السن، وعرفت كيف أكسبهم بفضولي وعدم توقفي عن السؤال، مما أكد لهم بأني جادة في أن أتعلم المهنة على أصولها».
عندما تشير فيبي غروملي إلى صغر سنها، فإنها تعود بذاكرتها إلى أكثر من سبع سنوات، منذ كانت في الـ15 من عمرها، وكانت تضحي بإجازاتها الصيفية لكي تتدرب في شواغلهم متنقلة بين شارعي «جيرمين ستريت» و«سافيل رو». حينها كانت تعرف أنها لا تميل إلى الموضة بمفهومها الموسمي المتغير وتفضل عليها التفصيل بمفهومه التقليدي، بيد أنها لم تتوقع أن تصبح يوما صاحبة مشغل واسم في «سافيل رو»، الذي كانت مجرد زيارته واسمه يثيران في نفسها الوجل والاحترام.
كلما زاد الحديث، تشعر بأنك لست أمام فتاة في عمر الزهور تحركها فورة الشباب وحب الأزياء فحسب، بل إنك أمام امرأة تتمتع بعقل تجاري ورؤية واضحة. فأي واحدة بمقاييسها الجمالية، كانت ستحلم بأن تكون إما عارضة أو مصممة أزياء، لكنها كلاسيكية في ذوقها، كما أن طموحاتها وطريقة تفكيرها تختلف عما تفكر به بنات جيلها. تعترف بأنها في المناسبات القليلة التي تجد فيها الوقت لكي تسهر مع صديقاتها المقربات، تشعر بأنها تعيش في عالم غير عالمهن «فبينما تشتكين لي من وطأة الدراسة في الجامعة ويتأففن بأنه عليهن تسليم بحث من 2000 كلمة قبل نهاية الشهر، أضحك مع نفسي وأفكر بأنه علي أن أضمن قبل نهاية الشهر دفع رواتب أكثر من عشرة أشخاص يعملون معي».
لم تكمل فيبي دراستها الجامعية، فبعد أن درست صناعة الأزياء غيرت اختصاصها إلى الاقتصاد والأعمال، وبعد سنة واحدة، شعرت بالإحباط وبأنها تدفع مبلغا سنويا كبيرا لقاء محاضرة واحدة في الأسبوع. «كان الكل ينصحني بأن آخذ الأمر ببساطة، وأستمتع بحياتي الجامعية لأنها لا تُعوض قبل دخول معترك الحياة العملية، لكني من النوع الذي يحب التحدي والعمل، لهذا وجدت صعوبة في أن أتأقلم مع أوقات الفراغ الطويلة المفروضة علي».
كان الحل أن بالنسبة لها أن تترك الجامعة وتضحي بالشهادة مقابل أن تؤسس شركة خاصة بها. فمنذ أن كانت في الـ11 من عمرها وهي تشعر بأن بداخلها تكمن سيدة أعمال، حيث كانت تستضيف حفلات في حديقة بيتها، تجمع فيها التبرعات لصالح مدرستها، وفي آخر النهار تعكف على عد مئات الجنيهات وهي تشعر بالزهو «فمبلغ مائة جنيه كان كبيرا بالنسبة لطفلة صغيرة».
بيد أنها كانت تعرف مسبقًا أن إقناع والديها بفكرتها، ولا سيما بتسليمها المبلغ الذي كانا سيدفعانه كرسوم جامعية لتحقيق غايتها، لن يكون سهلا. فهي لم تكن ستغامر بعام دراسي فحسب من منظورهما بل أيضًا برسوم الجامعة في مشروع مبني في الهواء. تقول: «لكني لحوحة بطبعي ومقتنعة بفكرتي.. قدمت لهما دراسة وافية عما أنوي القيام به مما طمأنهما بعض الشيء وشجعهما على الاستجابة لرغبتي في النهاية». من هنا جاء اسم الشركة المكون من «غروملي» وهو اسم العائلة و«غامبل»، إشارة إلى رسوم دارستها التي راهنت بها. ونجح الرهان بفضل تأثير اسم «سافيل رو» له مفعول السحر من جهة، ولأنها ملأت ثغرة مهمة في السوق كانت تحتاج إليها المرأة العاملة. فهذه الأخيرة تبحث دائما عن أزياء مفصلة على مقاسها، تكون كلاسيكية، لا تصب في خانة الموضة الموسمية، وفي الوقت ذاته بأسعار تنافس ما تطرحه المحلات الكبيرة في شوارع الموضة.
هكذا، وفي نفس الأسبوع الذي غادرت فيه الجامعة، انتقلت إلى لندن لتبدأ العمل مباشرة. تتذكر أن الطريق لم يكن مفروشا بالورود أمامها، ليس لكونها امرأة بل لكونها صغيرة السن. فالمُورد الذي اتفقت معه، سرعان ما تراجع عن وعده وخذلها في آخر لحظة. تبريره كان أنه لا يستطيع التعامل معها لأنها غضة تفتقر إلى الخبرة، وبأن شركته لا تميل عموما «إلى التعامل مع النساء لأنهن يغيرن رأيهن باستمرار». لهذا استغرقت عملية إطلاق شركتها أربعة أشهر تقريبا من الفكرة إلى التنفيذ. الجميل فيها، أنها تضحك وهي تتذكر هذه الحادثة دون مرارة، مؤكدة أن إيجابيات انتمائها إلى الجنس اللطيف أكبر من سلبياته، وليس أدل على ذلك أنه جعل جيرانها من الخياطين المخضرمين يتبنونها. فقد حركت فيهم مشاعر الأبوة وما يترتب عنها من رغبة في تقديم يد العون لتجنيبها بعض المطبات. ولا شك أن زبوناتها من سيدات الأعمال أيضًا يشعرن بنفس مشاعر الأمومة تجاهها، الأمر الذي يُفسر أنهن لا يبخلن عليها بالنصائح القيمة التي تتعدى دورهن كزبونات. فكثيرات منهن أخذن على عاتقهن مهمة الدعاية لها في أماكن عملهن، بينما تنظم بعضهن الآخر حفلات خاصة في بيوتهن، يدعون إليها صديقاتهن ومعارفهن للتعريف بها ولبيع منتجاتها. أول زبوناتها كانت الرئيسة التنفيذية في شركة «فيرجن ماني»، التي اشترت في أكتوبر (تشرين الأول) 2014، 12 قطعة بمبلغ 10 آلاف جنيه إسترليني. ليس هذا فقط، بل طلبت من فيبي أن تزودها بقطعة متكاملة كل شهر، معربة عن امتنانها لفيبي لأنها منحتها فرصة للاستمتاع بوقتها مع أسرتها في الإجازات عوض قضائه في الأسواق تبحث عن أزياء لم تكن تجدها سابقا. غني عن القول إن أهم زبوناتها حاليا يعملن في مجالات المال والأعمال، مما يعني أنهن ينتمين إلى فئة تعتبر الوقت ترفًا، عدا أن انتهاء دوامهن يتزامن في الغالب مع إغلاق المحلات أبوابها، لهذا تتعمد فيبي أن تبقى تحت خدمتهن إلى الساعة العاشرة مساءً، ستة أيام في الأسبوع.
هؤلاء الزبونات لم يساعدنها، على تحقيق النجاح التجاري الذي تحتاجه للاستمرار، بل أعطينها الأمل في أنها يمكن أن تحقق المزيد. من هذا المنطلق تعتبر نفسها محظوظة للغاية موضحة أنها «لمست الطبيعية البشرية في أجمل حالاتها، فكلما أقابل هؤلاء السيدات، أنبهر بهن، وفي الوقت استمد القوة منهن لأنهن يمنحنني الإحساس بأني لست مجرد نقطة في بحر بل لي وجود، وبأني أكتب فصلا جديدا في تاريخ (سافيل رو) كأول امرأة تخترقه». أحيانًا لا تصدق كم هي محظوظة، وأحيانًا لا تصدق حجم مسؤولياتها وبأن هناك أشخاصًا يعتمدون على نجاحها لأداء مسؤولياتهم تجاه عائلاتهم. وإذا كان هذا الأمر يقلقها فإنه أيضًا ما يحفزها.



غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.